أسرع وأرخص وأذكى وأسهل
في السابق، كان هناك منتجون ومستهلكون، وكانت أدوارهما ثابتة ومحددة جيدًا، لكن بفضل الإنترنت والتكلفة الآخذة في الانخفاض لشريحة السليكون، أصبح الخط الفاصل بين المنتِج والمستهلِك غير واضح. حقًّا يزود الهواة محرك تعهيد الأعمال للجماهير بالوقود، فيما قدمت حركة برامج المصدر المفتوح إطار العمل لاستراتيجية التعهيد، إلا أن توافر وسائل الإنتاج على نطاق واسع الانتشار هو ما مكن الجماهير من الاشتراك في العملية الإنتاجية التي هيمنت عليها الشركات فترة طويلة، ونتيجة لذلك يصبح مصطلح «المستهلك» — كما نفهمه على نحو تقليدي — مفهومًا باليًا.
تشكل وسائل الإعلام — النشر وصناعة الأفلام والتصوير الفوتوغرافي والموسيقى والأغاني — طليعة هذه الحركة. فبعد أن مُنح جيل كامل من الموسيقيين وصناع الأفلام والكتاب وغيرهم من المبدعين المتطلعين فجأة إمكانية الحصول على أدوات رخيصة وبرامج سهلة الاستخدام وتوزيع لا ينطوي على تكاليف، قرر هذا الجيل إعادة ابتكار الطريقة التي كان يولد بها «المنتَج» ويُسَوَّقُ ويُبَاع على مر التاريخ، وبدأت هذه الديناميكيات نفسها في التأثير على مجالات أخرى أيضًا، سواء تضمن ذلك طلاب مدرسة ثانوية يشاركون في مشروعات للفلك، أو أشخاصًا مهتمين بأجهزة الصوت (الهاي فاي) يصنعون أدواتهم الإلكترونية الخاصة بهم، أو حرفيين يستخدمون الإنترنت لبيع سلعهم اليدوية. حتى الآن تناولنا بصورة أساسية الشركات التي تقوم بتعهيد الأعمال للجماهير عبر الإنترنت، أما هنا فبدلًا من ذلك، سنتناول الأشخاص الذين يشكلون الجماهير، وما الذي يختارون إنتاجه بعد أن توفرت لديهم الوسيلة؛ الأشخاص الذين يتحاشون السبيل المعروف للنجاح والذين يصنعون نماذج جديدة للأعمال بفضل اتباع غرائزهم وما يمليه عليهم القلب؛ أشخاص كمايك بلمونت.
يختلف بلمونت عن الفكرة النمطية المأخوذة عن المتسربين من المدارس الحكومية، فحين كان في التاسعة من عمره كان يمضي ساعات في استكشاف الحقول في طريقه إلى المدرسة من الشقة التي عاش فيها مع أمه في سان هوزيه، بولاية كاليفورنيا. أراد بلمونت أن يدرس علم الحشرات، إلا أن الدراسة تعارضت مع جمع الحشرات، يقول بلمونت: «أحببت المدرسة، لكنني فكرت في أنه يمكنني التعلم أكثر بمفردي.» كان يسلك طريقه إلى المدرسة لكنه لم يكن يصلها مطلقًا، وإنما كان يمضي ساعات النهار في الحقول بدلًا من ذلك. لاحظت أمه والمسئول عن التسرب من التعليم ذلك الأمر، ومع ذلك كان بلمونت مصرًّا على موقفه، ويعلق قائلًا: «كانت أمي دائمًا في العمل، لذا لم يكن بوسعها فعل الكثير.» ولفترة وجيزة ظل الموظف المسئول عن التسرب من التعليم يأتي كل صباح ليأخذ بلمونت إلى المدرسة في صحبة الشرطة، لذا بدأ بلمونت في تغطية ذراعيه بالفازلين كي يستطيع الإفلات منهم عندما يحاولون الإمساك به من ذراعه. وفي النهاية تخلت المدرسة عن محاولة إجباره على الانتظام بها، وأبلغت أمه أنه من ذلك الحين فصاعدًا سيتلقى تعليمه بالمنزل، مع أنه في حالة بلمونت فإن تعبير التعليم الذاتي وصف أنسب. يقول بلمونت إنه أمضى الأعوام السبعة التالية من حياته يجمع الحشرات ويقرأ الكتب في المكتبة القريبة، وعندما قدم طلبًا للالتحاق بالمدرسة الثانوية في سن الخامسة عشرة، دخل اختبار الصف الحادي عشر.
أصبح التحرر من القيود هواية لبلمونت، الذي صار منذ ذلك الحين شخصية على قدر من الشهرة في صناعة الأفلام، مع أن معظم الناس يعرفونه باسمه المستعار إم دوت استرانج. إذ أَعَدَّ صانع أفلام الرسوم المتحركة — البالغ من العمر ثمانية وعشرين ربيعًا الذي علم نفسه بنفسه — فيلمًا بعنوان «نحن الغرباء»، يدور حول دمية وفتاة صغيرة تبحثان عن أفضل متجر لبيع المثلجات، وفي غضون بحثهما، تقابلان وحوشًا وأشخاصًا آليين وبطلًا خارقًا يدعى راين. إنه فيلم مبتكَر وفريد، يبدو وكأنه من صنع شخص أمضى حياته منغمسًا في ألعاب الفيديو والإنترنت والثقافة الشعبية اليابانية، كما هي الحال بالفعل. صنع بلمونت الفيلم دون ممثلين أو فريق عمل أو ميزانية، لكن نظرًا لنشره عملية صنع الفيلم على مدونة فيديو، اكتسب قاعدة جماهيرية عريضة قبل أن ينتهي حتى من تحرير الفيلم. وفي عام ٢٠٠٦ عرض لقطات منه على موقع يوتيوب، وحقق نجاحًا سريعًا بين جمهور الموقع، وأدى ذيوع صيت الفيلم إلى عرض يتمناه الكثيرون في مهرجان سندانس للأفلام عام ٢٠٠٧.
سرعان ما أصبح لدى بلمونت إدارة احترافية وبدأ يتنقل بين عدة شركات أفلام صغيرة متطلعًا إلى توزيع الفيلم. يقول بلمونت عن هذه التجربة: «أزعجني الأمر كثيرًا، فقد أرادت هذه الشركات كل شيء، فما كانوا يريدونه كان سيجعلني غير قادر على بيع الفيلم على أقراص رقمية أو عبر الإنترنت أو أي شيء.» وعلى العكس من نصيحة مديره، تحرر بلمونت من تلك العقود أيضًا. يقول بلمونت: «تتلخص الفكرة في أن تصبح جزءًا من النظام، لأن هذا سيفيدك في مستقبلك المهني، حتى لو تخليت عن حقوق عملك كافة وانتهى بك الحال أفقر من ذي قبل. اعذروني إذن حين أقول سُحقًا للنظام.»
منذ عشرة أعوام، كان رفض صانع أفلام شاب لنظام هوليوود سيفضي به إلى حياة أبدية من عدم الشهرة. إن الطريق إلى إخراج أفلام طويلة يبدأ بالدراسة في معاهد السينما، ويعقبها أعوام من العمل في وظائف إنتاجية مناسبة للمبتدئين، وإعداد أفلام قصيرة منخفضة الميزانية في عالم المهرجانات. وفي النهاية، إذا كان لدى صانعِ الأفلامِ الطموح الموهبة والجرأة وعرف الأشخاص المناسبين، فقد يحصل على التمويل اللازم لصنع فيلم، وإذا حالفه الحظ مرتين، فقد يختار أحد الموزعين ذلك الفيلم ويعرضه في بضع دور سينما في نيويورك ولوس أنجلوس. وإذا لاقى الفيلم قبولًا تجاريًّا حقيقيًّا يمكن أن يكون له فرصة الانتشار خارج البلاد، ثم يضطر المخرج إلى بدء العملية من جديد، لكن هذه المرة بفيلم روائي يحسب له. بعبارة أخرى، كانت الظروف — بهذه الطريقة — ضد بلمونت.
إلا أن الركائز التي قامت عليها هوليوود تتغير. إن الأمر اللافت للانتباه في مثال بلمونت ليس أنه اختار أن يرفض إبرام عقد مع شركة إنتاج، فالكثير من الفنانين اختاروا أن يعملوا في ظل مبادئ أخلاقية بعيدًا عن الأضواء بدلًا من التنازل عن رؤيتهم الخاصة مقابل شهرتهم وسط المجتمع، لكن ما يهم في الأمر أن بلمونت لم يكن يسعى وراء حياة المغمورين على الإطلاق، وبفضل ذكائه وفطنته وسحره عرف كيف يتفاعل جيدًا مع الجمهور — سواء على الإنترنت أو في العالم الواقعي — ويدلي بالتصريحات المناسبة للصحفيين. شوهد إعلان الفيلم على موقع يوتيوب أكثر من نصف مليون مرة، وكُتب عن فيلمه في كل مكان تقريبًا من مجلة فاريتي إلى جريدة نيويورك تايمز، كما أن بلمونت، بكل ما يتسم به من غرابة يدركها، فهو أيضًا حصيف وصانع أفلام هادف يملك رغبة كبيرة ليصل إلى الجمهور. وبعد أن رفض عقدًا لعرض الفيلم في دور السينما، أطلقه بلمونت بدلًا من ذلك عبر تقنية البت تورِنت لمشاركة الملفات، وجنى مكاسب من مبيعات الهدايا التذكارية المرتبطة بالفيلم ومبيعات الأقراص الرقمية.
إن بلمونت أسوأ كابوس لهوليوود؛ إذ قدم وسيلة ترفيهية رخيصة جذبت انتباه الملايين، ومع ذلك يمكن إنتاجها وتوزيعها مجانًا، مما يجعل جوانب كثيرة من صناعة الفيلم غير لازمة. ويقول بلمونت دون وجود شيء من التحدي في صوته: «لا أحتاج إلى شركة إنتاج لتوزيع أو تمويل أفلامي.» وعلى العكس من أجيال من صانعي الأفلام المستقلين ممن سبقوه، لا يكره بلمونت هوليوود، بل لا يحتاجها فحسب.
(١) جزء ضئيل يعادل عددًا كبيرًا أحيانًا
في الأعوام الأخيرة ظهر عالم موازٍ في الإعلام والترفيه. إن هذا التدفق في الإبداع الذي جاء على يد أشخاص عُرفوا سابقًا بالمستهلكين — والذي يمثل كل شيء بدءًا من الشعر الهزلي الذي ينظمه المراهقون على شبكة ماي سبيس إلى مراجعات القراء للكتب التي تنشر على موقع أمازون — يندرج تحت المصطلح المجرد من الصفة الإنسانية: «محتوى من إنتاج المستخدم». إن هذا يشبه في جزء كبير منه المحادثات العابرة؛ أفكار سرية جرى تداولها في السابق في أقبية الكنائس وفي الحانات القَصِيَّة، إلا أن جزءًا كبيرًا منه أيضًا غريب وفعال وفريد؛ فقد منحت المنتجات المذهلة التي يقدمها الأشخاص فجأة سياقًا لإبداعهم، لا أحد يعرف حقًّا قدر المحتوى الذي ينتجه المستخدم، إلا أننا نعرف بلا شك أنه يستحوذ على نصيب ضخم آخذ في الازدياد من اهتمام الجمهور.
إن مقابل كل عمل ناجح على غرار «نحن الغرباء» هناك مقاطع فيديو لا تحصى لفنانين كوميديين غير مضحكين أو لبعض الراغبين في العمل مقدمي برامج، ناهيك عن أفلام الفيديو غير واضحة الصورة للحيوانات الأليفة المنزلية واعترافات المراهقين الخرقاء والمقاطع الشائعة للقطات الطريفة العفوية. إن اقتصاديات مجالات الإعلام والترفيه تخضع لتوزيع قائم على ما يُعرف بقاعدة ٢٠/٨٠. وفي هذا الجزء الضئيل من الأعمال المصورة، فإن غالبًا ما يقل عن ١٠ في المائة من الأعمال يتسم بالجودة ويعوض الجزء الأكبر الذي يكون عبارة عن أعمال فاشلة. يمكن تطبيق التوزيع نفسه القائم على قانون الاستطاعة على الجوانب الجمالية بالمحتوى الذي ينتجه المستخدم، فجزء ضئيل للغاية منه يثير اهتمام أي شخص آخر بخلاف صانع المحتوى وأصدقائه المباشرين وعائلته.
غير أنني أرى نتيجة مباشرة لهذه القاعدة عند تطبيقها على المحتوى الذي يولده المستخدمون وهي أن ١٠ في المائة من عدد ضخم للغاية تعني رقمًا ضخمًا في حد ذاتها. ووفقًا لتقديري التقريبي، فإنه اعتبارًا من فبراير (شباط) ٢٠٠٨ ضم موقع اليوتيوب ما يقرب من ٨٠ مليون فيديو، إذا كان من الممكن أن ينافس واحد في المائة منها — أو ٨٠٠٠٠٠ فيديو — بعض البرامج التي نعتبرها برامج ترفيهية بالتلفزيون، فسيفسر هذا الأمر الشعبية المستمرة والمتزايدة لكافة الأشياء على الويب التي لم تنتجها شركة تسجيلات كبرى أو شركة إنتاج كبرى. إن بلمونت ومن هم على شاكلته هم هذا الجزء الضئيل الرائع، لن يحل فيديو الإنترنت محل التلفزيون أو الأفلام، بيد أنه سيستمر في الاستحواذ على جزء مستمر في الازدياد من أموال الإعلانات وانتباه المستهلكين. ففي حين أن فيلم «نحن الغرباء» قد لا يناسب ذوقك — ولا يناسب ذوقي أيضًا — فلا طائل من الجدال مع مليون مشاهد للفيلم. وفي ربيع عام ٢٠٠٧ أعلن موقع يوتيوب أنه سيبدأ في إعطاء أكثر المساهمين شعبية — الأشخاص الذين يشاهد الجمهور دومًا مقاطع الفيديو التي ينشرونها لأكثر من مليون مرة — جزءًا من إيرادات الإعلانات، وهو ما يأتي مؤشرًا قويًّا على أن هذين العالمين الموازيين بدآ في التصادم، إذ سيتم تعهيد مستقبل الأعمال الترفيهية، جزئيًّا على الأقل، إلى الجماهير.
في الأعوام العشرة الماضية انخفضت بشدة تكلفة صنع كافة الأشياء بدءًا من الأفلام إلى الأغنيات إلى التصميمات المعمارية. يرجع هذا الأمر إلى حد بعيد إلى أن وسائل الإنتاج أصبحت في متناول المستهلكين. أولًا، انخفض ثمن الأدوات الفعلية للإنتاج — كاميرات الفيديو الرقمية المعدة للمحترفين، ومعدات تسجيل الصوت فائقة الجودة، والبرمجيات اللازمة لتشغيلها — إلى الحد الذي جعلها سهلة المنال حتى لأصحاب الميزانيات البسيطة. في الوقت نفسه، أصبح استخدام هذه الأدوات أسهل؛ فمنذ فترة ليست بطويلة تطلب تحرير الأفلام قص الشريط السينمائي الفعلي ولصق أطرافه يدويًّا، ثم في أوائل التسعينيات، بدأت شركة آفيد في إنتاج أول نظم تحرير رقمية للجماهير، إلا أنها اقتضت تدريبًا شاملًا وكانت باهظة الثمن إلى حد جعلها صعبة المنال. ولكن في عام ١٩٩٩ أصدرت شركة آبل برنامج فاينل كت برو، الذي كان أقل ثمنًا ولا يتطلب خبرة كبيرة، وأتبعته بإصدار برنامج آي موفي، وكان يأتي ضمن البرامج المُحَمَّلَة على أي جهاز ماكنتوش ويمكن إجادته في أقل من يوم (تعلمته في خمس ساعات). يمكننا ملاحظة وجود سلاسل مشابهة من التحسينات الأرخص والأسهل استخدامًا في التكنولوجيا المستخدمة في مجالات أخرى كثيرة. إن أحدث إصدار من برنامج آي فوتو — برنامج تحرير الصور المجاني الذي أصدرته شركة آبل — يجعل الارتباط بتعهيد الأعمال للجماهير عبر الإنترنت أوضح من خلال وضع خاصية تتيح للمستخدم رفع صوره على موقع آي ستوك فوتو بنقرة واحدة من إصبعه.
(٢) نموذج لثورة مستقبلية
تتحرك التكنولوجيا في اتجاهات بسيطة: أرخص وأسرع وأصغر وأسهل في الاستخدام. في أوائل التسعينيات، كانت تكلفة كاميرا رقمية معدة للمحترفين تبلغ ١٣٠٠٠ دولار تقريبًا، وكان هذا المبلغ يعادل ضعف ثمن سيارة جديدة من طراز هوندا سيفيك تقريبًا. ليس المهم في أمر التقدم التكنولوجي الذي يتعذر إيقافه أنه يساهم في إنتاج دمى أقل ثمنًا وأبهى منظرًا تُزيَّن بها شجرة الكريسماس، ولكن في أنه يضع قوة إبداعية أكبر في أيادي المستهلكين مع كل تقدم قد يبدو محدودًا.
من المثير للجدل أن هذا الاتجاه بدأ عندما ابتكر يوهان جوتنبرج طابعة متحركة. فقبل ذلك، كان النشر مقصورًا على القادرين على توفير غرفة ولوح خشبي لدير مليء بالرهبان الناسخين، إلا أن جوتنبرج نقل السلطة ببساطة من أيادي الطبقة الثرية التافهة (الطبقة الأرستقراطية والكنيسة) إلى ميسوري الحال (طبقة التجار). استغرق الأمر ما يزيد عن خمسمائة عام لوضع إطار لحدوث الثورة التي نمر بها الآن.
كان جوبز ووارنوك على وشك تغيير ليس فقط مجال الحاسب الآلي بل أيضًا عالم النشر، فقد كتب وارنوك وزملاؤه بشركة أدوبي لغة حاسب تدعى بوست سكريبت تسمح بطباعة رسوم جرافيك الماكنتوش الباهرة من خلال طابعة رخيصة باستخدام تكنولوجيا الليزر. طلب وارنوك وجوبز من جوناثان سايبولد، وهو أحد الرواد في مجال الطباعة الرقمية، أن يأتي ليلقى نظرة على اختراعهما. قال سايبولد فيما بعد: «ذهبت إلى كوبرتينو (مدينة بكاليفورنيا يقع بها مقر آبل) ودخلت إلى تلك الغرفة الضيقة، وهناك وجدت جوبز ووارنوك ومعهما جهاز ماكنتوش وطابعة من طراز ليزر رايتر» ضغط جوبز على بضعة أزرار بجهاز الماكنتوش، وظهرت صفحة ببطء من الطابعة، استدرت إلى ستيف وقلت: «لقد قلبتما الآن صناعة النشر رأسًا على عقب.»
في يناير (كانون الثاني) عام ١٩٨٥ أطلقت شركة آبل طابعة ليزر رايتر، ولم يمض وقت طويل قبل أن تتحقق نبوءة سايبولد. أتمت شركة برمجيات ثالثة، ألدس، التحالف الثلاثي بإطلاقها برنامج يدعى بيدج ميكر يُمَكِّنُ مصممي الجرافيك من تنسيق صفحات الجرائد والمجلات كما تبدو عندما تخرج من تحت آلة الطابعة. كان ذلك تحولًا جذريًّا عن الوضع الراهن للنشر، وبدلًا من العملية الشاقة لقص ولصق كل عنصر بالمجلة أو الجريدة على لوحات، ثم تصويرها ثم وضعها في شرائح الطباعة؛ أصبح بإمكان مصمم الجرافيك الآن إرسال الملف ببساطة إلى جهاز يصنع الشرائح.
قلما تكون الثورات غير مصحوبة بإراقة دماء، وثورة النشر المكتبي، كما أُطْلِقَ عليها سريعًا، لم تكن استثناءً من القاعدة. فيما بين عامي ١٩٨٥ و١٩٩٠ انهار سوق تنسيق الطباعة مع تبني الناشرين التكنولوجيا الجديدة. قال سايبولد: «في أحد المؤتمرات، بعد فترة وجيزة من الإعلان عن الطابعة ليزر رايتر، دفعني رجل إلى إحدى الزوايا وكاد أن يعتدي علي، وصاح «لقد دمرت تجارتي يا سايبولد، لقد أقحمت بوست سكريبت في السوق ودمرت تجارتي.» حولت آبل وأدوبي وألدس مسار الإبداع الإنساني، ويعلق فرانك رومانو، أستاذ وسائل الإعلام المطبوعة بمعهد روتشستر للتكنولوجيا قائلًا: «أصبح المحترف المبتكر محرك عملية الطباعة.»
وضع النشر المكتبي قوة الإنتاج في أيدي الفرد وذلك بإرسائه نمطًا يمكن تكراره مرارًا في الأعوام القادمة، وتصادف أن واحدًا من أولئك الأفراد كان أنا. في عام ١٩٩٣ كنت طالبًا بالسنة النهائية بكلية سكريبس للصحافة بجامعة أوهايو، وفي ذلك الوقت بالطبع كان تحول النشر المكتبي جاريًا مجراه. استغل مجال الطباعة السائد بالفعل توفير التكاليف المرتبط بتدفقات العمل الانسيابيةَ التي يسرها تنسيق الطباعة الرقمي، إلا أن عالم الدراسة الأكاديمية كان بطيئًا في اللحاق بالركب.
في ذلك الخريف عدت إلى الكلية بعد أن أنهيت توًّا فصلًا دراسيًّا بالخارج في دراسة تاريخ الفن بلندن. وعندما عدت إلى جامعة أوهايو بمدينة أثينا، ابتليت برهاب احتجاز ثقافي؛ فبعد أن استحوذت على تفكيري الأفكار الجديدة وملأني كبرياء الشباب، شرعت في البحث عن أذكى طلبة وأشدهم إبداعًا وطموحًا يمكنني العثور عليهم. وكان قد اتضح أنني لم أكن الشخص الوحيد الذي يشعر بالتقيد بمجلة الطلبة ساوث إيست أوهايو، التي جنحت إلى نشر مقالات على غرار «مسقط رأسي: مدينة نيوارك» و«صيد موفق لديوك الرومي بفصل الربيع». لذا سرعان ما انضممت إلى اثني عشر طالبًا آخر تقريبًا في إنتاج مجلة مخصصة «للصحافة البديلة»، وناقشنا موضوعات العرق والجنس والسياسة ونوع الثقافة التي نادرًا ما تصل إلى المناطق الريفية بولاية أوهايو، وأطلقنا على المجلة اسم إنسايد أوت. وخلال العامين التاليين من الكد والسهر كرسنا خلالهما عطلاتنا الأسبوعية والفترات المسائية للعمل بالمجلة، تولينا جميعًا مهام الكتابة والتحرير والتصميم، كذا تولينا بيع الإعلانات بأنفسنا وكسبنا ما يكفي بالكاد لتغطية تكاليف الطباعة لكل عدد. وزعنا المجلة من الجزء الخلفي من الشاحنة الصغيرة الخاصة بالمحرر التنفيذي وتركنا أعدادًا كبيرة في أي مكان قد يأتي إليه طالب من جامعة أوهايو، بدءًا من حانات مدينة كليفلاند إلى مقاهي مدينة دايتون إلى مقر اتحاد الطلاب بجامعة ولاية أوهايو بمدينة كولومبس.
مثلت أوائل التسعينيات وقتًا مثيرًا لإطلاق مجلة جديدة؛ إذ أطلقت برامج على غرار أدوبي فوتوشوب وإلَستريتر وبيدج ميكر العنان لجيل جديد من الكتاب والمصممين، وأصبحت مجلة إنسايد أوت معملًا لتجريب رسوم الجرافيك والتجريب الصحفي. وبدلًا من إصدار عدد منفرد يشبه أطروحة طالب بالسنة النهائية، أتاحت لنا أدوات النشر المكتبي الجديدة إخراج مجلة بدت احترافية كسائر المجلات الأخرى التي تنشر في أوهايو في ذلك الوقت. وخلال الفترة الوجيزة لعمل المجلة، تفوقت «إنسايد أوت» مرتين على المجلة الرسمية لكلية الصحافة ونالت جائزة جمعية الصحفيين المحترفين كأفضل منشور على المستوى الإقليمي.
لا أقصد أننا صنعنا مجلة خارقة بل على العكس تمامًا؛ فقد كنا نموذجًا لآلاف الصحفيين الهواة الطامحين الذين تحرروا من قيود الصحف اليومية والمجلات الإقليمية. ربما أن النشر المكتبي أغلق الباب أمام حرفة التنضيد الطباعي، إلا أنه أدى إلى نهضة في مجال النشر، ولم يكن الشباب المتمرد وحده أول من قام بذلك، بل أصبح فجأة بإمكان جميع الأفراد — بدءًا من مرتادي الكنيسة لحضور الصلوات إلى هواة النجارة — إصدار مطبوعات براقة تبدو كالاحترافية. كذا غيرت هذه التكنولوجيا تصميم الجرافيك، وأدت إلى ظهور الأسلوب الطباعي المبتكر للمجلات على غرار مجلة رايجن ومجلة وايرد. ولكن تأثير ثورة النشر المكتبي تقلص مع مرور الوقت. في عصر يستطيع فيه المراهقون نشر صورهم ومقاطعهم المصورة ومذكراتهم للعالم ببضع نقرات فوق لوحة المفاتيح، يكون نشر مجلة فنية وثقافية «عصرية» أمرًا عتيق الطراز تمامًا، إلا أن الهدم الخلاق الذي تسبب فيه كل من جوبز ووارنوك وغيرهما حقق ما هو أكثر من ملء رفوف الصحف بالمجلات غير المعروفة، فقد وضع نموذجًا للاضطراب التكنولوجي، الذي يؤدي فيه تهديد لصناعة ما إلى ظهور صناعات جديدة ما كان باستطاعة أحد التنبؤ بها قبل بضع سنوات. كان النشر المكتبي خطوة صغيرة لا رجعة فيها نحو وضع القوة الإبداعية في أيادي الجماهير.
(٣) تعميم التعليم
في المقام الأول يضرب لنا مايك بلمونت، المعروف أيضًا بإم دوت استرانج، مثالًا لكيف أن نوع المعرفة والتدريب، الذي كان فيما مضى قاصرًا على المدارس والجامعات الاحترافية، أصبح الآن متوفرًا لأي فرد لديه اتصال بشبكة الإنترنت. اتسم المسار الذي سلكه بلمونت في الكلية بالغرابة شأنه شأن المسار الذي سلكه في المدرسة الابتدائية. فبعد أن ترك التعليم للمرة الثانية، التحق بكلية أهلية بعد أن ادعى ببساطة أنه حاصل على شهادة الثانوية العامة، وسرعان ما حُوِّلَ إلى جامعة سان هوزيه ستيت لدراسة علم الحشرات، ثم شاهد فيلم الإثارة السريالي «الطريق السريع المفقود»، من إخراج ديفيد لينش، الذي تحدى العرف السينمائي دون ابتعاد مخرجه عن منطقه الهذياني. كان لسان حالي يقول: «هل يمكن عمل «ذلك» في فيلم؟»
أسس بلمونت مؤخرًا «معهدًا للسينما» خاصًّا به يقوم على نشر مقاطع فيديو تتراوح مدتها من ست إلى عشر دقائق على موقع يوتيوب، وتتناول هذه المقاطع موضوعات على غرار عملية ما قبل الإنتاج واستخدام المعاني الضمنية في الأفلام. يقول بلمونت: «تعلمت الكثير من مجتمع صناعة الأفلام، وشعرت أنه يجب عليَّ رد الجميل.» من الواضح أن سلسلة من أفلام الفيديو القصيرة على الإنترنت لا يمكن مقارنتها بدارسة عامين بمعهد السينما بجامعة نيويورك أو بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، لكن «معهد السينما» الذي أنشأه بلمونت لا يخاطب صانع الأفلام الطموح التقليدي، بل موجه إلى شخص — كبلمونت نفسه — يملك الكثير من الموهبة والرؤية، لكن لا يملك الكثير من المال. ويعلق بلمونت قائلًا: «تأمل ذلك القول المأثور لبكمنستر فولر: «عند بناء نظام جديد يجب ألا تنافس النظام القديم، بل عليك أن تبني نظامًا جديدًا يجعل من القديم عتيق الطراز».» يتطلب تعهيد الأعمال للجماهير خدمات جمهور متمرس يتمتع بالذكاء، وتوليد معلومات قيمة عبر الإنترنت يجعل من الجمهور أكثر ذكاءً وتمرسًا باستمرار.
إن مجال صناعة الأفلام ليس سوى مجال واحد ينشر فيه هذا النوعُ من القوى العاملة التي يحفزها المجتمع المعرفةَ لأي فرد لديه وقت فراغ ورغبة في التعلم واتصال بشبكة الإنترنت. ظهرت ديناميكية مماثلة في كافة أنواع الإبداع الإعلامي، حتى إنها تمتد إلى العلوم أيضًا. في ضوء التاريخ الطويل للشراكة بين الهواة والمحترفين في العلوم، ليس من المفاجأة أن يؤدي الإنترنت إلى إعادة إحياء هذا التعاون.
لقد شاهدنا بالفعل كيف أن وكالة ناسا تستغل الجمهور في مساعدتها في تحليل الصور القادمة من حزام الكويكبات. هناك مشروع آخر يدعى إنسباير (وهو اختصار يرمز إلى تجارب ناسا اللاسلكية التفاعلية لفيزياء الفضاء بالغلاف الأيوني)، يقدم للمدارس مجموعة من المعدات البسيطة لاستقبال الموجات اللاسلكية ذات التردد المنخفض للغاية في الغلاف المغناطيسي للأرض، ثم تحللها وكالة ناسا بعد ذلك. توجد مشروعات مماثلة في مجالات علم الزلازل وعلم الأرصاد الجوية والعديد من المجالات الأخرى. يقول شون كارلسون، مؤسس جمعية العلماء الهواة: «تخيل شخصًا كان لاعبًا رياضيًّا أثناء الدراسة الثانوية وأراد دومًا أن يلعب مع المحترفين، لكن لم يختاروه ضمن الفريق، هل سيتوقف عن ممارسة اللعبة؟ الأمر مماثل مع العلوم. إن هؤلاء الأشخاص متلهفون للعثور على مكان يوظفون فيه مهاراتهم.» إن العبقرية ٩٩ في المائة جمع بيانات وواحد في المائة إلهام، وذلك إذا شئنا إعادة صياغة العبارة الشهيرة لتوماس إديسون. إنك لست مضطرًا لحمل درجة الدكتوراه لإحصاء عدد الطيور في الفناء الخلفي لمنزلك.
(٤) تعميم الأدوات
تسأل المخرجة كاثلين جريس: «هل حصل كل فرد على علبة من الجعة؟» يرفع ماكلر وبرود علبتين معدنيتين من جعة بادويزر.
ماكلر يمثل شخصية رجل باهت الشخصية بسيط الملبس غير متأنق يدعى جيد، تسأل برود، التي حدث بينها وبينه مقابلة غرامية في حلقة سابقة: «هل أنا وجيد لا نزال على علاقة زائفة في هذه المرحلة؟»
تفكر جريس مليًّا في السؤال. تذكرك جريس وهي في السابعة والعشرين من عمرها في إخراجها للعمل بشخصية المرأة واسعة الحيلة التي تشرف على مجموعة من الكشافة الصغار. تجيب جريس في النهاية: «هل ترغبين أن تظلا على علاقة جسدية دون عاطفة؟»
تفكر برود في إجابتها وتقول: «كنت أتحدث لأستاذ الدراما، وهو يرى أن الحلقة الماضية كانت مهمة للغاية إذ اجتزت أنا وجيد نقطة التحول التي مر بها كل من روس وريتشل في مسلسل «الأصدقاء»؟»
تنظر جريس شزرًا، فمنذ عرض المسلسل للمرة الأولى في مايو (أيار) ٢٠٠٦ حاز مكانة مرموقة بين جمهور الإنترنت، ولم يكن أساتذة الدراما وحدهم من يعتبر المسلسل نظيرًا لمسلسل «الأصدقاء» ولكن في عالم ماي سبيس، تقول جريس: «نحن لا نريد علاقة روس وريتشل، بل نريد علاقة يشوبها الارتباك والانزعاج.»
يهز الممثلون أكتافهم فتقول جريس: «حسنًا، لنصور مجددًا.»
يبدو أحيانًا أن ثورة اليوتيوب شنها حصريًّا ثائرون فرادى، وهم ممثلون منفردون يؤدون أمام كاميرا الويب بحجرة نومهم. على الجهة الأخرى أنتج مسلسل «المدينة» منتجون ومحررون ومصورون سينمائيون مدربون يستخدمون كاميرات ومايكروفونات رقمية معقدة. ولكن من زاوية أخرى، لا يحاول صناع العمل بدء صناعة التلفزيون من الصفر؛ بل يحاولون اقتحامها والعمل فيها. وتقول جريس أثناء توقف التصوير: «الأمر يشبه صنع مسرحية بعيدًا عن برودواي، فيقوم الممثلون بهذا الأمر لأنه عمل إبداعي وممتع، ونحن نتيح لهم قدرًا كبيرًا من المرونة.» ناهيك عن الفوائد الأخرى كالاحتكاك بالوكلاء وموزعي الأدوار، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. بطبيعة الحال تأتي هذه الفوائد بوصفها بديلًا للمال، وهذا ما يجعل هذه الأعمال أشبه بالمسرحيات التي تُعَدُّ بعيدًا عن برودواي، وتضيف جريس: «نحن نقدم لهم مشروبات طاقة بدلًا من النقود.»
منذ عشر سنوات لم يكن باستطاعة جريس وأصدقائها تحمل تكاليف إنتاج مسلسل فكاهي قصير خاص بهم؛ إذ كان ذلك المجال مقصورًا تمامًا على الشركات المحترفة على غرار كارسي ويرنر للإنتاج، وهي الشركة التي أرست المعايير المعمول بها بشبكة نيك أت نايت التي تبث ضمن برامجها كوسبي شو وروزيان.
لا شك أن منهج مسلسل المدينة به بعض المآخذ — لا سيما الاضطرار إلى ترتيب أوقات جلسات التصوير لتلائم مواعيد عمل الممثلين في وظائف تتيح لهم دخلًا كافيًا؛ فجيف سكَوْرون، أحد الممثلين الرئيسيين بالعمل، اختِير مؤخرًا ضمن مسرحية ببرودواي، وساعدته جريس على تنسيق جدول البروفات الخاصة به التي تستغرق ستة أيام أسبوعيًّا، وتقول جريس: «ما باليد حيلة، علينا جميعًا سداد الإيجار.»
ومع تجمهر مجموعة من الكومبارس في الطابق السفلي، حان وقت استئناف التصوير. يتطلب السيناريو مشهدًا لحفلة تصور تاجر مخدرات روسي ورجلًا يرتدي عباءة سوداء ويحمل بيده منجلًا تجسيدًا للموت، وأولادًا طوال القامة يقدمون الجعة يمرون في المكان، إنه يوم الأحد بعد الظهيرة، إلا أن الجعة سرعان ما اختفت، وهو ما استدعى إعلان «حالة الطوارئ». أمضيت معظم الظهيرة في زوايا الشقة، محاولًا أن أظل بعيدًا عن الطريق، وفي النهاية جاء مشهدي الذي أقوم فيه باقتحام الغرفة والصياح: «يا له من أمر رائع!» هذا يبدو سهلًا للغاية، لكننا كررنا المشهد حوالي عشر مرات. وفي النهاية قررت جريس أنها أخذت ما يكفي من لقطات لهذا المشهد. تحرك معظم الكومبارس ببطء، إلا أن سكَوْرون لم يصل بعد، انتظر الممثلون، وألهوا أنفسهم بقصص رعب من عالم السينما والمسرح أثناء التهامهم لبيتزا دومينوز. في النهاية، في حوالي الساعة السابعة والنصف مساءً، ظهر سكَوْرون من خلف الباب، لا يزال واضعًا مساحيق التجميل، فيأخذ مات ييجر، الذي يشارك سكَوْرون البطولة، مكانه أمام الكاميرا، وينظر إلى الجعة في يده ويقول ضاحكًا: «لقد تناولت أربع علب من هذا.»
يقتضي السيناريو من ييجر وسكَوْرون أن يشتبكا في ملاكمة بالأيدي، يستعد كلاهما للمشهد بتبادل اللكمات في الجسد مع بضع صفعات مازحة على الوجه؛ ينفجر طاقم العمل في الضحك حتى جريس — التي من المفترض أنها منهكة من توزيع علب الجعة وسلطة الحمص والإرشادات المسرحية — تضحك في تسامح. يحين بعدها وقت التصوير، تصيح جريس: «حسنًا، الكل يأخذ مكانه، المشهد السادس والعشرون اللقطة «ك»، خامس مرة، أكشن!» بعد مرور بضعة أشهر ظهرت الحلقة على الموقع الإلكتروني لمسلسل «المدينة»، لكن لسوء حظي حُذف مشهدي، مع أنهم أبقوا على لقطة سريعة لوجهي.
لم يضف مسلسل «المدينة» الكثير إلى مستقبلي المهني في التمثيل، إلا أنه قدم دفعة قوية لجميع أفراد طاقم العمل الأساسي للمسلسل؛ إذ ظهر ماكلر في فيلم «المرأة الشجاعة» لجودي فوستر، واختيرت برود في الحلقة الأولى من المسلسل الناجح «الفتاة الثرثارة» الذي تعرضه قناة سي دبليو؛ واختير سكَوْرون في فيلم لفريدي برينز جونيور يدعى «سرينادا مدينة نيويورك»، يقول توم وُدْلي، وهو أحد المشاركين في إخراج العمل: «أصبح مسلسل المدينة بطاقة تعريف مهنية بالممثلين، إذ كانوا يذهبون إلى تجارب الأداء، وحينها يقول موزع الأدوار: «آه، لقد ظهرت في مسلسل المدينة، رائع!».» في النهاية وقعت شركة موتورولا عقدًا بوصفها راعيًا لمسلسل المدينة مما مَكَّنَ وُدْلي وجريس من دفع الرواتب المتأخرة شهورًا.
عندما عُرِضَت الحلقة الأخيرة من مسلسل المدينة في أواخر ربيع عام ٢٠٠٧، كان الرئيس التنفيذي السابق لشركة ديزني مايكل إيزنر قد كَلَّفَ وُدْلي وجريس بإنتاج مسلسل يعرض على الإنترنت فقط يدور عن فرقة موسيقية للروك تدعى أول فور نوتس، ويقول وُدْلي: «أراد مايكل أن تكون كتابة المسلسل من نفس نوعية مسلسل المدينة، إلا أن القيم الإنتاجية ستكون أعلى كثيرًا.» بعبارة أخرى، انتقلت المدينة إلى المستوى الاحترافي.
إلا أن أوضح مثال على المدى الذي أصبحت فيه كل الأطراف تنافس على قدم المساواة لا يكمن في المعدات بل في البرمجيات. يشير وُدْلي: «يتخرج الآن طالب معهد السينما وبحوزته نسخة من برنامج فاينال كت برو. أما فيما مضى، إذا أردت تحرير الفيلم كنت تضطر إلى أخذه إلى استديو خدمات ما بعد الإنتاج باهظ التكلفة، وكان عليك معرفة كيفية استخدام تكنولوجيا آفيد. لكن الآن لم يعد جزء كبير من عملية صنع الأفلام مطلوبًا، وفي هذا الجزء الأشياء التي لم تعد بحاجة إلى أدائها.»
تؤثر القوى نفسها — أسرع وأرخص وأصغر وأسهل — التي تعصف بصناعة الأفلام في عالم الموسيقى والأغاني وتصميم المنتجات. بلغت تكلفة وحدة تحكم في التسجيل من طراز فوكس رايت فورت — والمستخدمة في إنتاج الموسيقى ومزجها — ١٫٥ مليون دولار في منتصف الثمانينات. أما الآن، فتبيع شركة فوكس رايت مجموعة مكافئة من البرامج كبرنامج برو تولز الذي لا تتعدى تكلفته ٥٩٥ دولار.
(٥) تعميم التوزيع
إن أعضاء فرقة هوثورن هايتس ليسوا نجوم روك، فهم يعزفون ألحانًا من البانك أودت بعدد لا يحصى من الفرق الموسيقية إلى العزف بالحانات المجهولة وبرامج الراديو غير المرخصة. على مدار العقود الثلاثة الماضية، كان يعني تفاني المرء في هذه الموسيقى البسيطة غير التجارية ألا يترك وظيفته الأساسية. ومع ذلك، وقفوا ذات يوم صيفي مليء بالغبار في مدينة بومونا بولاية كاليفورنيا يعزفون أمام آلاف المعجبين العاشقين. كان الأطفال وسط الجمهور — مزيج متعدد الأعراق من المراهقين من منطقة جنوب كاليفورنيا — في حالة نشوة كبيرة يصطدم بعضهم ببعض وكأنهم في لعبة الكرة والدبابيس ويصيحون بكلمات كل أغنية وقد احمرت وجوههم من فرط الانفعال، فقد حفظوا عن ظهر قلب مجموعة الأغاني كاملة.
في صيف عام ٢٠٠٥ تتبعتُ فرقة هوثورن هايتس إلى حفلاتها في بومونا وكليفلاند، كانت الفرقة عامل جذب كبير لمهرجان الواربت تور لذلك العام، الذي تؤدي فيه ما يربو على ثلاثمائة فرقة ما يقرب من ثمانٍ وأربعين حفلة في جميع الساحات المخصصة للحفلات عبر أرجاء أمريكا. سافرتُ في الدرجة الاقتصادية، لكن أعضاء فرقة هوثورن هايتس تجولوا بالبلاد في حافلة رحلات شديدة الفخامة. باع الألبوم الأول للفرقة المكونة من خمسة أفراد، وهو «الصمت البَيِّن» بالفعل خمسمائة نسخة، وهو أداء رائع لسوق قوامه مستهلكون من ذوي دخل منخفض. ظهرت الفرقة مؤخرًا في برنامج جيمي كيمل لايف وعلى قناة الإم تي في. لقد حقق هؤلاء الشبان الخمسة القادمون من مدينة دايتون بولاية أوهايو حلم الروك آند رول، إلا أنه شأنهم شأن إم دوت استرانج تبنوا طريقًا غير تقليدي لبلوغ النجاح؛ فقد حققت الفرقة شعبيتها دون بث واسع لأغانيها في الإذاعة أو التلفزيون، وهو إنجاز لم يكن مألوفًا في العقود القليلة السابقة. فلم يوقعوا عقودًا مع إحدى شركات الإنتاج الكبرى، ولم يكن لديهم حملة تسويقية قوية متعددة البرامج. علاوة على ذلك، لم يكن لديهم أساطيل من الشاحنات لتوصيل الأسطوانات المضغوطة إلى فروع وول مارت عبر البلاد. يقول جيم جريفين، رجل الصناعة المحنك صاحب الخبرات الطويلة: «يمكن النظر إلى الشركات الكبرى على أنها بنك لديه شاحنات. يقرض البنك النقود للفرقة لصنع وترويج الألبوم، وتحمل الشاحنات المنتج إلى المتاجر.» كان التوزيع فيما مضى المرحلة الموجودة في سلسلة الإمداد التي تستطيع من خلالها الشركات الكبرى التحكم في السوق. فإذا لم تستطع الشركات الصغيرة توصيل منتجها إلى تجار التجزئة، فلا يمكنها المنافسة. قلب الإنترنت هذه الأوضاع رأسًا على عقب من خلال جعل التوزيع أمرًا يسيرًا بنقرة فوق كلمة إرسال برسالة بريد إلكتروني. لم تحتج فرقة هوثورن هايتس إلى البنك أو الشاحنات، بل كان لديها بدلًا من ذلك جمهور الإنترنت.
(٦) تكوين صداقات والتأثير على الناس
بدا الأمر لإيرون بوتشارلي — قارع الطبل بفرقة هوثورن هايتس ذي الشعر الكثيف الأشعث الحاصل على شهادة في الاتصالات من جامعة أوهايو بدايتون — طريقًا مسدودًا. كان إيرون شغوفًا بالبانك روك، وفي عام ٢٠٠١ عمل بوظيفة بشركة كابلات محلية وانضم إلى فرقة من أربعة أفراد للبانك بوب تدعى «إيه داي إن ذا لايف»، تيمنًا باسم أغنية لفريق البيتلز (الخنافس). كانت الفرقة غير مرتبطة بعقد مع شركة إنتاج لإصدار ألبومات لها. لذا، كرس أعضاء الفرقة أنفسهم للفرقة الغنائية واقتنصوا كل فرصة لإقامة حفلة. كان الأمر مرهقًا للغاية: أماكن قذرة لإقامة الحفلات، وفنادق رديئة، ورحلات طويلة بالسيارة. يفسر بوتشارلي قائلًا: «كنا نسافر كل عطلة أسبوعية، فنحزم أمتعتنا بعد انتهائنا من العمل يوم الجمعة مباشرة، ونقيم حفلًا تلك الليلة في مدينة بتسبرج، والليلة التالية بولاية فيلادلفيا، وننتهي في إحدى مدن ولاية ديلاوير يوم الأحد، ثم نسافر طوال الليل للعودة إلى دايتون قبل صباح الاثنين.»
سرعان ما جاء نظام الحياة القاسي من الوظائف الأساسية وجولات العطلات الأسبوعية بعواقب وخيمة. تلاشى ما كانت قد أبدته شركة صغيرة مستقلة لإنتاج الأسطوانات تدعى درايف ثرو ريكوردز من اهتمام لفترة طفيفة بعمل الفرقة، وانتابت حينها المغني الرئيسي بالفرقة جيه. تي. وودراف خيبة أمل وشعر بالإنهاك، فقد كان يؤدي وظيفتين ويذهب إلى مدرسة مسائية. ومع رحيل عازف الجيتار، كان باقي الأفراد على استعداد لاتباع نهجه، إلا أن بوتشارلي لم يستسلم؛ إذ أقنع باقي أعضاء الفرقة بتوظيف عازف جيتار آخر، واستمر الفريق تحت اسم آخر وهو هوثورن هايتس، ويضحك بوتشارلي قائلًا: «كنا نقول للناس إن ذلك يرجع لإعجابنا بناثانيل هوثورن، لكن هذا غير صحيح، لقد اعتقدنا فحسب أن الاسم بدا ذا وقع جميل.»
قررت الفرقة تجديد نفسها، وقال: «اتفقنا أن هذه قد تكون فرصتنا الأخيرة. لم نرد أن نكون في أواخر العشرينيات ونغني بقاعات كإلكس هول. وقتها سنبدو مجموعة من الأشخاص غريبي الأطوار»، ثم قرروا أن أول عنصر في حاجة إلى التغيير هو الموسيقى، فقد كانت فرقة آ داي إن ذا لايف تقدم البانك بوب المعتمد على الجمل القصيرة المتكررة الشائعة للبوب. ويشير إلى ذلك قائلًا: «تخلينا عن التأثير التقليدي للبوب، وأضفنا رقصات قوية وصراخًا.» وهذا ما جعلهم أقرب إلى أسلوب البوست بانك الذي يعرف بسكريمو.
وبناءً على الأسلوب الغنائي الجديد، سرعان ما وقع فريق هوثورن هايتس على عقد تسجيل مع شركة فيكتوري ريكوردز. ومع أن العقد رفع من حالتهم المعنوية، لم يحسن من حالتهم المادية. ويقول بوتشارلي: «أبرمنا عقدًا مختلفًا للغاية عن ذلك الذي كان من الممكن التوصل إليه مع شركة كبيرة.» وفي واقع الأمر تلقت الفرقة دفعة مقدمة ضئيلة للغاية، ويعلق قائلًا: «حصلنا على ما يقرب من خمسة آلاف دولار، واستخدمنا هذا المبلغ على الفور لسداد أقساط حافلتنا الصغيرة.»
لكن بوتشارلي لم يكن يبحث عن عقد مجزٍ؛ إذ يقول: «كان من الممكن أن نحصل على مليون دولار دفعة مقدمة وننعم بحياة الترف فترة من الزمن، لكن كنا سنقضي بقية حياتنا المهنية ونحن نسعى لرد المبلغ.» هذه هي طريقة عمل عقود شركات الإنتاج الكبرى المعتادة: أي نفقات تنفقها شركة إنتاج مرتبطة بفرقة ما — بدءًا من وقت الاستديو إلى الإعلانات الترويجية بالإذاعة — ستمثل أعباء على الفرقة فيما بعد. بدلًا من ذلك، حافظت فرقة هوثورن هايتس على خفض التكاليف، فقد أنفقوا ٢٠٠٠٠ دولار لتسجيل أول ألبوم غنائي كامل و٥٠٠٠٠ دولار أخرى على تصوير الفيديو. ولأن شركة فيكتوري تخصص ميزانية ضئيلة للتسويق والدعاية مقارنة بالشركات الكبرى، احتاجت فرقة هوثورن هايتس وسيلة رخيصة لضمان وجود طلب على الألبوم عند إصداره في يونيو (حزيران) ٢٠٠٤.
وهنا حان دور جمهور الإنترنت، ففي ربيع عام ٢٠٠٤ نشرت الفرقة بضع أغاني على موقع ماي سبيس، الذي كان يمثل بالفعل مركزًا لمجتمع البوب الذي تؤديه فرق جديدة وتنتجه شركات صغيرة. حازت الفرقة على اهتمام كبير من القاعدة الجماهيرية المزدهرة. من الممكن أن يكون تعهيد الأعمال جهدًا جماهيريًّا مكثفًا؛ ففي الجولات الفنية، يقضي كل عازف في الفرقة من أربع إلى خمس ساعات على الإنترنت يوميًّا، يندمج خلالها في محادثات مازحة مع المعجبين ويعزز من تواجد الفرقة عامةً. ويذكر بوتشارلي: «يحب المعجبون هذا الأمر، فهم لا يصدقون أن هناك من يرد عليهم، ومن ثم تضمن هذا المعجب مدى الحياة.» عندما صدر ألبومهم «الصمت البَيِّن»، كان لديهم عشرون ألف «صديق» على ماي سبيس. ومن خلال تحديث مدونتهم باستمرار وإحلال الأغاني الحديثة محل القديمة على صفحتهم الشخصية بموقع ماي سبيس، استطاعت الفرقة أن تقدم للمعجبين سببًا ليعودوا للصفحة مرة أخرى. زادت الضجة التي أحدثتها الفرقة على الإنترنت بصورة هائلة؛ فبحلول ربيع ٢٠٠٨ وصل تعداد نادي المعجبين بالفرقة على موقع ماي سبيس إلى خمسمائة ألف، وهذه قائمة تسويقية مباشرة قد تفعل أي شركة إنتاج كبرى أي شيء للحصول عليها. وفي كل مرة يفتح فيها أي شخص تلك الصفحة، تنطلق أغنية أخرى لفرقة هوثورن هايتس. وجاء ألبومهم الثاني «ليتك تشعر بالوحدة» في المرتبة الثالثة في قائمة بيلبورد.
على النقيض من ذلك أبقت فرق غنائية كهوثورن هايتس على تكاليف الإنتاج والدعاية منخفضة قدر الإمكان، فقد تخلوا عن أفضل أغنيتين أو ثلاث أغاني ووضعوها ضمن أغاني الإنترنت التي يمكن تنزيلها أو سماعها، واستخدموا مواقع التواصل الاجتماعية وبرامج إرسال البريد الجماعي إلى آلاف الأشخاص في آن واحد للوصول إلى جمهور تواق إلى سماع موسيقى جديدة. وأصبح من تحولوا عن سماع الموسيقى التي تقدمها الفرقة متحمسين متعصبين لها من جديد؛ فكانوا ينزلون أحدث الإصدارات للفرقة حالما تظهر على شبكات الند للند، وتُعَوَّضُ الخسارة الناتجة في المبيعات وزيادة من خلال بيع تذاكر الحفلات والتي شيرتات والسترات المزودة بغطاء للرأس والحقائب ذات الأحزمة الطويلة وصور الفرقة والملصقات التي توضع على السيارات. أصبحت الثرثرة الإلكترونية استراتيجية تسويقية تلعب دورًا آخر كاستراتيجية توزيع مع ازدياد عدد الزبائن المحتملين الذين ينزلون أغاني الفرقة وبدورهم — كما تتمنى الفرقة — يتبادلونها مع أصدقائهم أيضًا.
هذا أول نموذج أعمال جاد في مجال الموسيقى في عصر ما بعد موقع نابستر لمشاركة ملفات الموسيقى. تعتمد فرق غنائية كهوثورن هايتس — في ظل وجود قدر قليل من الاهتمام الإعلامي — على بيع عدد متواضع من الأسطوانات من خمسين ألف إلى خمسمائة ألف أسطوانة لكل إصدار جديد مصدرًا لرزقها. وبعد أن غمر تعهيد الأعمال للجماهير مجال الموسيقى، استحوذ المعجبون على الوظائف المحورية التي كانت تؤديها في السابق شركات الإنتاج. في البيئة الرقمية التي نعايشها الآن، أصبحت الموسيقى سلعة تباع بخسارة لجذب العملاء لتحقيق غرضها الرئيسي وهو خلق جمهور أكثر ومروجين أكثر ومشتريي تذاكر أكثر. لا تعتبر معظم الفرق الواعدة تبادل الملفات بين الأصدقاء عبر الإنترنت بصورة غير قانونية قرصنة؛ بل ينظرون إليها بوصفها سبيلًا للترويج والتوزيع. وفي حين أن مبيعات الأسطوانات لا تزال تشكل الجزء الأكبر من إيرادات الصناعة، يستحوذ باعة التجزئة الرقميون على غرار آي تيون ورابسودي وإي ميوزك على حصة من السوق، وأصبحت تكلفة صنع المنتج الرقمي وتوزيعه ضئيلة.
في نهاية المطاف، لا يهمنا نجاح إم دوت استرانج أو فرقة هوثورن هايتس بالتحديد، فهما ليسا سوى الهجمة الأولى لجيش أضخم. إن مجال التكنولوجيا عالية التنافسية يتلهف أكثر فأكثر لخدمة المستهلكين المهتمين بصنع أشياء بدلًا من الاستهلاك ببساطة، وليست وسيلة إنتاج وتوزيع وسائل الترفيه وحدها التي أصبحت سهلة المنال — مع أنه هكذا تجسدت الظاهرة في البداية — بل إن وسائل إنتاج أي شيء أصبحت أيضًا سهلة المنال.
فيما يتعلق بالتصنيع حسب الطلب — أو «ثورة التصنيع» كما يطلق عليها أحيانًا — تستخدم آلات إما تصنع الأشياء من خلال تجميع آلاف الطبقات الرقيقة من البودرة المعدنية والبلاستيك — بالطريقة نفسها تقريبًا التي تستخدمها طابعات الحبر النفاث — أو تستخدم الليزر لقطعها من كتلة من مادة ما. أصبح كل ما يلزم لعمل نموذج جديد لطائرة أو لجيتار كهربي أو تصميم لطبق طائر أنيق — وذلك من باب ذكر ثلاثة أمثلة واقعية فحسب — إرسال ملف رقمي لآلة التصنيع. وهذا، كما اتضح، أصبح أسهل من ذي قبل أيضًا. في السابق اقتضى التصميم بمساعدة الحاسب الآلي من المستخدمين التدرج في منحنى تعليمي محبط، وكان من الممكن أن يتطلب الأمر منهم قضاء أعوام لتعلم كيفية استخدامه جيدًا. إلا أن أحدث برامج صياغة النماذج ثلاثية الأبعاد، كبرنامج جوجل سكتش أب، يمكن إجادته في غضون أيام وهو متوفر للتنزيل مجانًا. إن آلات التصنيع حسب الطلب ليست رخيصة الثمن؛ حيث تبلغ تكلفتها ما يقرب من ١٠٠٠٠ دولار. من ناحية أخرى، بلغ ثمن أجهزة التلفزيون ذات الشاشة المسطحة هذه التكلفة منذ ثلاث سنوات تقريبًا، وبحلول عام ٢٠٠٨ وصلت تكلفة الجهاز المتوسط إلى ما يقل عن ألف دولار.
يقول نيل جيرشينفلد رئيس مركز الوحدات متناهية الصغر والذرات التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومؤيد «معامل التصنيع حسب الطلب» إنه في يوم ما في المستقبل القريب سيكون لدى الناس آلات تصنيع شخصية في منازلهم قادرة على صنع أي شيء يخطر ببالهم تقريبًا. وعندما يحدث ذلك، سيكون من اليسير لمصمم منتجات هاو التنافس مع المحترفين كما كان الأمر مع إم دوت استرانج عندما صنع فيلمه الخاص.