ماذا يمول الجمهور؟
إن موقع كيفا يعبر عن تحول جوهري في المجال — التمويل الصغير — حتى إنه يُحْدِثُ بالفعل تغييرات شاملة في التنمية العالمية. تطور مفهوم الإقراض الصغير من تجربة أجريت عام ١٩٧٦ على يد أستاذ الاقتصاد البنجلاديشي محمد يونس. فمن خلال تقديم قروض صغيرة للفقراء الذين لن تتاح لهم فرصة للحصول على قرض، رأي يونس أن بإمكانه دفع محرك الاقتصاديات المحلية. بلغ القرض الأول ليونس ٢٧ دولارًا قدمها لاثنين وأربعين رجلًا قرويًّا لبدء مشروعات يدوية. وبعد مرور سبع سنوات، أسس يونسُ مصرف جرامين بالاعتماد على هذا المبدأ تحديدًا، واعتمد مصرف جرامين في البداية على المنح الحكومية والتركات الخيرية، ثم أصبح المصرف يُمَوَّلُ ذاتيًّا في عام ١٩٩٥، مع وجود نسبة مذهلة تُقَدَّرُ بسبعة وستين في المائة من الودائع الادخارية مصدرها نفس الأشخاص الذين استفادوا من قروضه منخفضة الفائدة. اكتشف يونس أن القروض يمكن أن تحقق ما لم تستطع الإعانات التقليدية تحقيقه: إيجاد سبيل لتفادي الفقر المدقع المستوطِن على مدى أجيال متعددة. ووفقًا لدراسات استقصائية داخلية، تجاوزت نسبة ٥٨ في المائة من المقترضين من مصرف جرامين المقدر عددهم ﺑ ٧٫٤ مليون فرد خَطَّ الفقر. أصبحت هذه الفكرة واحدة من أشد الأفكار تأثيرًا في عصرنا؛ إذ تدير المؤسسات الدولية العملاقة على غرار سيتي جروب أقسام تمويل صغير ربحية. وفي عام ٢٠٠٦ تقاسم يونس ومصرف جرامين جائزة نوبل للسلام «لجهودهما في خلق تطور اقتصادي واجتماعي من العدم.»
يطبق موقع كيفا قوة الربط العالمية بالإنترنت لتيسير استغلال رأس المال الإضافي وتوجيهه إلى من هم في أمس الحاجة إليه. مثلما تستغل الأشكالُ الأخرى من تعهيد الأعمال للجماهير القدرةَ الزائدة لدينا لتصميم منتجات جديدة أو إضافة تغييرات بمعادلة علمية أو تصنيف أحدث مقاطع الفيديو بمواقع مشاركة الفيديو، يستغل التمويلُ الجماهيري المواردَ الجماعية، بما يتيح للناس تمويل مشروعات يؤمنون بها ببضعة دولارات من هنا وهناك.
لفت سحر مثل هذا المنهج في توزيع القروض انتباه رجال أعمال آخرين، فالتمويل الجماهيري يُطْلَقُ عليه أيضًا «الخدمات المصرفية الاجتماعية»، وصار بالفعل يُحدث أثرًا في مجالات بعيدة كل البعد عن القروض الصغيرة. وكذلك وجد هؤلاء الذين يستخدمون الإنترنت وسيلة للاحتيال التمويلَ الجماعيَّ جذابًا أيضًا وهو ما لا يدعو إلى الدهشة؛ فقد اكتشفت مؤسسة كيفا أثناء مراجعة روتينية أن أحد شركائها الميدانيين — شركات تابعة محلية تحدد المقترضين الجديرين بالثقة وتوزع القروض عليهم — تحتفظ بجزء من المال لنفسها. استخدم موقع كيفا الطبيعة الديمقراطية للإنترنت مرة أخرى في خلق آلية للحماية من مثل هذه الأعمال غير المشروعة: يتم تصنيف المؤسسات الشريكة الميدانية وفقًا لأدائها السابق، مع إتاحة الفرصة للمقترضين تقييم مستوى الخطر في العمل معها.
(١) الأثر الذي تحدثه تذكرة حافلة
أسست إليزابيث أومالا من أوغندا شركتها الأولى عام ٢٠٠٠ بمنحة تبلغ ١٠٠ دولار من مؤسسة تقدم قروضًا صغيرة وهي فيلدج إنتربرايز فَند. أتاح لها هذا المبلغ إنشاء كشك لبيع الخضروات وزيت الطعام. إن منظمة فيلدج إنتربرايز فَند واحدة من المؤسسات المانحة للقروض الصغيرة التي تعمل بالقارة الأفريقية، فيما تأتي منطقة جنوب الصحراء في أفريقيا واحدةً من أفقر المناطق في العالم، وتزداد فقرًا يومًا بعد يوم؛ فما يقرب من نصف سكانها البالغ عددهم ٧٧٠ مليون يعيشون في فقر مدقع — يعيشون على ما يقل عن دولار واحد يوميًّا — وذلك العدد آخذ في الزيادة كل عام. وشأنها شأن غيرها من الاقتصاديات النامية، لا ينقص أفريقيا طاقة المشروعات التجارية الحرة، بل ينقصها رأس المال.
أدركت أومالا سريعًا أنه كي تحقق النجاح فستحتاج إلى زيادة سلعها بحيث تشمل الأسماك، وهي طعام شائع في أوغندا. وبعد أن عثرت على مُوَرِّد لها، صارت قادرة على بيع ستة أسماك تقريبًا كل يوم في الشارع بقريتها. كان مُوَرِّدُ السلع وسيطًا يحضر لها الأسماك من بحيرة فكتوريا، التي تبعد عنها مسافة ساعتين. لكن كانت أومالا بأطفالها الثمانية الذين تعيلهم تغطي نفقاتها بالكاد، فكان الطريق الوحيد لتوسيع تجارتها إنشاء رابط مباشر مع الصيادين في بحيرة فكتوريا. ومن أجل سداد ثمن وسيلة النقل والكميات الكافية من السمك، احتاجت إلى مال أكثر — ٥٠٠ دولار وهو قرض كبير بمعايير القروض الصغيرة — مما قد تحصل عليه من مواردها الحالية. يبلغ الحد الأقصى لقروض مؤسسة فيلدج إنتربرايز فَند ١٠٠ دولار، وتطلب البنوك في دول العالم النامي عادة وثائق وضمانات شاقة وتضع أسعار فائدة تصل إلى ثلاثين في المائة، أما الجهات المقرضة غير الرسمية — سنطلق عليها جبابرة القروض — فتقدم القروض بمعدل فائدة قد يصل إلى ٣٠٠ في المائة. وفي تلك المرحلة، شعرت أومالا بالحيرة، فلديها تجارتها، لكن أحلامها تأجلت.
في ذلك الوقت لم تكن أومالا قد قابلت مات وجيسيكا من قبل، وذلك لسبب وجيه وهو أنهما لم يقطنا في ذلك الجانب من العالم، لكن ستجمع بينهم الصدفة سريعًا. عندما أعلن مات وجيسيكا خطبتهما في أوائل عام ٢٠٠٣ كانا قد حضرا مشورات قبل الزواج على مدى ثلاثة عشر أسبوعًا في الكنيسة المحلية، وفي يوم ما، طُلِبَ منهما وصف أهدافهما المهنية؛ فرد مات قائلًا: «أريد أن أقطن بمنطقة خليج سان فرانسيسكو وأؤسس مشروعي الخاص»، وأجابت جيسيكا: «أريد أن أسافر إلي إفريقيا وأعمل بمجال تقديم القروض الصغيرة.» في هذا الوقت كان مات يصمم برنامج حاسب آلي لشركة تيفو، ويحاول التوصل إلى فكرة تجارية جديدة كل يوم، وكتب بعد ذلك قائلًا: «كان هدفي يتكون من ثلاثمائة وخمس ستين فكرة.» كانت خطيبته تعمل بكلية الدراسات العليا في إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد، وقد دعت مات ليسمع يونس وهو يحاضر صفًّا دراسيًّا بالكلية. استمد الاثنان إلهامهما من المحاضرة، وقال مات معلقًا: «خلتُ أنها قصة رائعة من شخصية ملهمة. أما جيسيكا فقد مثلت المحاضرة نداءً لها لاتخاذ خطوة رسمت أهداف حياتها.» على الرغم من طموحاتهما المتناقضة ظاهريًّا، تزوج مات وجيسيكا في صيف ذلك العام. وبعد مرور ستة أشهر، كانت جيسيكا في طريقها إلى العمل لدى مؤسسة فيلدج إنتربرايز فَند، التي عرضت عليها منصبًا استشاريًّا بشرق أفريقيا.
في حين أمضت جيسيكا وقتها في السفر عبر كينيا وتنزانيا تقابل المستفيدين من قروض منظمة فيلدج إنتربرايز فَند، مكث مات في سان فرانسيسكو يعمل لدى شركة تيفو، وراحا يتحدثان كثيرًا عبر الهاتف، وبدآ في تأسيس شركة مشتركة ستوحد اهتماماتهما، وهي شركة ساهمت في تخفيف معاناة الفقر، لكن من خلال القروض، وليس التبرعات. سافر مات في رحلة مدتها شهر إلى أفريقيا، وطور الاثنان فكرتهما.
بعد فترة وجيزة من عودتهما من أفريقيا، كان مات قد أعد مخططًا لموقع كيفا جاهزًا للتنفيذ، وهنا بدأت جيسيكا في البحث عن الشركاء داخل مجال التمويل الصغير وإنشاء مؤسستهما بوصفها مؤسسة غير ربحية. كان هناك بالطبع العديد من الأسئلة، هل ستتدخل هيئة الأوراق المالية والبورصة الأمريكية؟ هل هناك حاجة إلى محامين؟ هل ستشعر مصارف التمويل الصغير الحالية أنها في حالة منافسة مع مؤسسة كيفا، أم ستعمل معها من أجل فائدة أكبر؟
وقبل أن يتمكنا من إطلاق الموقع لعامة الناس، كان على مات وجيسيكا العثور على المقترضين. عندما كانت جيسيكا في أوغندا قابلت قِسًّا بالقرية يدعى موزيس أونيانجو، فأوكل إليه الزوجان فلانيري مهمة تحديد المرشحين للحصول على القروض. كانت أومالا وتجارتها المكافحة في الأسماك على رأس قائمته، وسرعان ما وجد أونيانجو ستة مشروعات تجارية محلية أخرى، من بينها رعي ماعز وبيع ملابس مستعملة. لعب أونيانجو دورًا محوريًّا، فدون وجود شركاء محليين، سيكون من المستحيل لكيفا قياس مدى استحقاق القروض للمقترضين المحتملين. كان أونيانجو — وهو رجل بدين حلو الكلام يحظى باحترام كبير وسط مجتمعه — الشخص المثالي لهذا الدور. التقط أونيانجو صورًا، بكاميرا رقمية قدمتها إليه مؤسسة كيفا، لسبعة مرشحين للحصول على قروض، وحمَّل الصور إلى جانب وصف لمشروعاتهم التجارية.
كانت الخطوة التالية التي يجب على مؤسسى كيفا اتخاذها العثور على مقرضين، كان «جمهورها» الأول — إذا جاز التعبير — صغيرًا ومحددًا ومعروفًا جيدًا؛ إذ بعثا برسالة إلكترونية إلى كافة الأفراد بقائمة المدعوين بزفافهما وانتظرا ليريا كيف سيكون ردة فعل ثلاثمائة فرد من الأصدقاء وأفراد العائلة. وفي غضون عطلة نهاية الأسبوع، جمعت مؤسسة كيفا تبرعات كافية — ٣٥٠٠ دولار — لتمويل القروض السبعة. يتذكر مات قائلًا: «أصابنا الذهول. لقد سار كل شيء على ما يرام.»
في مارس (آذار) عام ٢٠٠٥ تلقت أومالا قرضها البالغ ٥٠٠ دولار، وسمح لها هذا المبلغ بالسفر مباشرة إلى بحيرة فكتوريا، وصارت قادرة على شراء ما يكفي من السمك لا لتزويد قريتها فحسب، بل القرى المحيطة أيضًا. وفي ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، أوفت أومالا بالقرض كاملًا، كما أصبحت قادرة أيضًا على توفير مبلغ ١٣٠ دولار لشراء بقرتين وخمس عنزات، وهذا ليس بإنجاز بسيط، ففي أوغندا، يمثل رأس المال الحيواني الضئيل هذا الفارق بين الحياة الرغدة والموت جوعًا. لكن بما أن كيفا قد بدأت مشوار النجاح، واجهت عائلة فلانيري التحدي المزدوج المتمثل في العثور على ممولين جدد إلى جانب مشروعات تجارية لتمويلها. ستكون العقبة الأساسية — التي أدركها مات في مرحلة مبكرة — محاولة جعل كيفا مؤسسة كبيرة بما يكفي لتصبح مستقلةً ماديًّا، وتتمكن من الاستمرار في تقديم مثل تلك الجهود التي صنعت فارقًا كبيرًا في حياة أومالا.
أقامت كيفا شراكة مع مؤسسة فيلدج إنتربرايز فَند لمعالجة مشكلة تحديد المقترضين، إلا أن مؤسسة كيفا كانت لا تزال غير معروفة للجمهور؛ أي الأشخاص الذين يمتلكون رأس المال. في غضون ذلك كان مات يقضي وقته بشركة تيفو، وبدأت جيسيكا الذهاب إلى كلية إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد. بدا الأمر وكأن مؤسسة كيفا ستظل مشروعًا صغيرًا إلى الأبد، ثم في صباح أحد الأيام استيقظ مات وإذا به يجد آلاف الرسائل في صندوق البريد الإلكتروني، فقد ظهر موقعهم في الصفحة الرئيسية للمدونة الليبرالية دايلي كوز. في ذلك الصباح قرأ ما يزيد عن مليون فرد عن كيفا، وفاض مشروعهما الصغير ﺑ ١٠٠٠٠ دولار رأس مال للقروض. وسرعان ما أتبع ذلك إشادة حماسية في الصحف، مما زود كيفا بحافز كبير كفل لمات الاستقالة من عمله في ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام. صارت كيفا قادرة على إقامة شراكات مع مؤسسات التمويل الصغير حول العالم، وفي سبتمبر (أيلول) عام ٢٠٠٧ أطرى بيل كلينتون على مؤسسة كيفا في كتابه «العطاء: كيف يمكننا تغيير العالم».
(٢) تحويل المعجبين إلى متحمسين
ليس التمويل الجماهيري بجديد، فقد كان العمود الفقري للنظام السياسي الأمريكي منذ أن بدأ الساسة حملات جمع التبرعات. بدأ جمع التبرعات السياسي عبر الإنترنت للمرة الأولى في الازدياد عام ٢٠٠٠ ومع دورة الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٠٨ حولها باراك أوباما إلى علم، فجمع ما يقرب من ٢٧٢ مليون دولار مما يزيد عن مليوني فرد، هم في أغلبهم متبرعون صغار، وكان ذلك للانتخابات التمهيدية في الحزب فحسب. إذن، يُسَرِّعُ الإنترنت ويُسَهِّلُ من عملية العثور على مجموعات ضخمة من الممولين المحتملين حتى إن التمويل الجماهيري انتشر داخل مجالات غير متوقعة في ثقافاتنا على غرار عالم الأغاني والأفلام.
إليك ما يجعل الأمر يبدو منطقيًّا أكثر مما يبدو للوهلة الأولى. يتطلب صنع ألبوم غنائي أو فيلم ناجح تجاريًّا استثمارًا ضخمًا ومباشرًا، فقد تصل تكاليف كل من إنتاج وتسويق الألبوم الغنائي إلى ملايين، أو عشرات الملايين من الدولارات في حالة الأفلام؛ من ثم يقع الفنانون في العادة تحت رحمة شركات إنتاج الأفلام والموسيقى، التي تقرر أي المشروعات التي ينبغي تمويلها. ولكن لطالما كان هناك أمر غريب قليلًا فيما يتعلق بوضع مثل هذه السلطة في أيدي قلة؛ إذ يذهب قرار اختيار الأفلام التي ستنتج في النهاية إلى خمس شركات إنتاج أفلام في هوليوود، تحاول أن تستشعر بحدسها ميول واهتمامات مئات الملايين من مرتادي السينما. ليس هذا النظام غير ديمقراطي فحسب، بل غير فعال مطلقًا. ولا يختلف هذا الوضع كثيرًا في شركات الإنتاج الفني؛ حيث تكون سلطة إعطاء الضوء الأخضر في أيدي بضع عشرات من المديرين، فلا يمكن أن يُغير عقد مجموعات تركيز أو إجراء اختبارات التسويق — التي تجريها شركات إنتاج الأفلام والأغاني — مهما بلغ عددها الصعوبة الأساسية الكامنة في إدراك ما يميز العمل الناجح عن العمل الفاشل.
من ناحية أخرى، يتيح التمويل الجماهيري للفنانين التفاعل مع المستهلكين مباشرة. فمن خلال مطالبة الجمهور بالإسهام بمبلغ مالي صغير في المستقبل الوظيفي للموسيقيين وصناع الأفلام (لم أر بعد النموذج الذي يستخدمه المؤلفون أو المبدعون الآخرون، لكنني أراهن أن هذا سيحدث قبل انقضاء عام ٢٠٠٨)، أصبح بمقدور الفنانين الآن الاحتكام مباشرة إلى جمهور المعجبين بعينه الذي سيستهلك في النهاية سلعتهم. هل ستشاهد هذا؟ هل ستستمع إلى هذا؟ إذا كان الأمر كذلك، أعطني بضعة دولارات لمساعدتي في إنتاج ألبومي الغنائي أو فيلمي. من هو أجدر بتحديد ما الذي يجب إنتاجه من الأشخاص أنفسهم الذين سيستهلكون المنتج في النهاية؟
ليس الأمر مستحيلًا كما يبدو؛ ففي أبريل (نيسان) ٢٠٠٧ أطلق ويليام بروكس، وهو مؤلف نصوص إعلانية يبلغ من العمر ستة وثلاثين عامًا ويعيش في إنجلترا، مبادرة ماي فوتبول كلَب، بهدف جمع ٣٥ جنيهًا استرلينيًّا من خمسين ألف فرد ستنفَق في شراء فريق كرة قدم احترافي، وبحلول نوفمبر (تشرين الثاني) عام ٢٠٠٧ جمع بروكس ما يزيد عن ٧٠٠٠٠٠ جنيه إسترليني وأنهى الاستحواذ على نادي إيبزفليت يونايتد لكرة القدم. قرر جمهور بروكس، عبر التصويت الإلكتروني، كل شيء بدءًا من التي شيرت الذي سيرتديه الفريق إلى من سيتولى تدريبه.
من ناحية هانسون، يريد هانسون «بدء نموذج إبداعي تجاري لإنتاج أعمال ثقافية حرة ضخمة جيدة.» سيوزع الفيلم الناتج مجانًا عبر الإنترنت، وسَتُوضَعُ حقوق النشر تحت رخصة التشارك الإبداعي، التي يمكن بموجبها للأشخاص الآخرين «تنزيله، وتعديله وتوزيعه» لأي غرض غير ربحي؛ حتى إن المشاهد قبل المونتاج سَتُرْفَعُ على الإنترنت أيضًا للاستخدام التجاري. يقول هانسون إن المشوق في مسألة حث الناس على المشاركة في مجتمع تعهيد أعمال للجماهير على غرار فيلم «حشد من الملائكة» هو أنها تضمن أن مساهمة الناس هادفة «لماذا أدفع خمسة وعشرين جنيهًا استرلينيًّا كي أصبح أضحوكة؟ إن الأمر في جوهره هو أنك بذلك تحول السينما مما أصبحت عليه — أي تجارة — إلى ما كانت عليه في الأساس مرة أخرى، أي نشاط فني، وبدلًا من الاضطرار إلى إرضاء منتِج ما يمتلك الموارد المالية اللازمة، فإنك تتعامل مع مجتمع، وهذا يزيد من الانفتاح كثيرًا.»
يتجلى حافز اكتشاف نماذج جديدة لدعم الإنتاج الفني أكثر بين الموسيقيين. ففي حين أن مبيعات الأسطوانات الغنائية مستمرة في الهبوط، ظهر عدد من نماذج الأعمال الممكنة، لكن من أكثرها إثارة للاهتمام شركة تمويل جماهيري مقرها هولندا تدعى سيلاباند. تسمح سيلاباند — وهي ثمرة أفكار بيم بيتيست مدير حسابات سابق بشركة رويال داتش شيل — لأي فرقة موسيقية بإنشاء صفحة شخصية لها، على غرار ماي سبيس، تكتب فيها سيرة الفرقة مع تشغيل موسيقى خاصة بها بالصفحة. لكن على العكس من ماي سبيس، لا تتطلع شركة سيلاباند إلى جمع «أصدقاء» بل مستثمرين، وهؤلاء «المتحمسون»، كما يطلق عليهم بموقع سيلاباند، يمكنهم شراء سهم في أرباح الفرقة المستقبلية مقابل عشرة دولارات لكل سهم. إذا استطاعت الفرقة جمع ٥٠٠٠٠ دولار، تساعد سيلاباند الفرقة على الحصول على منتِج ومهندس صوت متمرسيَن، وتذهب بها إلى شركة إنتاج لتسجيل ألبوم غنائي. يتلقى كل فرد من «المتحمسين» ألبومًا غنائيًّا عندما يتم تسجيل الألبوم، إلى جانب حصة من إيرادات الإعلانات من موقع سيلاباند.
بعد تسجيل أسطوانة ترويجية من ست أغانٍ، طبعت سيلاباند وشحنت أسطوانات فريق كَبورلد «للمتحمسين». تحتفظ سيلاباند بنسبة ٤٠ في المائة من إيرادات عقد طباعة الألبومات خلال العام الأول من تاريخ توقيع العقد. وفي العديد من الحالات قد تعادل نسبة ٤٠ في المائة هذه لا شيء، لكن إذا حقق أحد عقود سيلاباند نجاحًا كبيرًا، أو حتى حصلت إحدى الأغاني على ترخيص لإعلان تجاري بالتلفزيون، فستبدأ الفرقة في تحقيق أرباح، وتقسم كافة عوائد مبيعات التنزيلات والإعلانات والأسطوانات الإلكترونية إلى ثلاثة أقسام بين الفرقة و«المتحمسين» وشركة سيلاباند.
لا تنقل الشركة تكاليف الإنتاج إلى الجمهور فحسب، لكنها تنشئ أيضًا موجة إعلام اجتماعي في تلك الأثناء. ونظرًا لأن جمهور فرقة ما يستثمرون حقًّا في الفرقة أيضًا، فإنهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر مبادرةً من المعجبين العاديين. بلغة تسويقية، إن «المتحمسين» بسيلاباند هم «مبشرون»، وهؤلاء هم ما تتطلع كل فرقة (وكل فرد آخر لديه منتج بالسوق) لجذبه. لا يجمع التمويل الجماهيري المال للفنانين بشركة سيلاباند فحسب، بل ينشئ بالفعل مجموعة أساسية من «المتحمسين». وحتى اليوم ساعدت سيلاباند واحدًا وعشرين فرقة في الوصول إلى حاجز ٥٠٠٠٠ دولار.
تأتي شركة سيلاباند في مرحلة مفصلية مثيرة في مجال تسجيل الأغاني، الذي لا يزال يترنح نتيجة لتأثيرات مشاركة الملفات بطريقة الند للند واسعة النطاق، التي يقوم فيها ملايين من مستهلكي الموسيقى بتنزيل الموسيقى مجانًا عبر الإنترنت. جرب الموسيقيون والمديرون والمسئولون بشركات الإنتاج عدة طرق مختلفة لمواجهة هذا التيار القاسي، من بينها السماح للعملاء ببساطة بدفع المبلغ الذي يريدون دفعه — كما فعلت فرقة راديوهيد في خريف عام ٢٠٠٧. لكن وسط حالة الارتياب هذه، يوجد بمنهج التمويل الجماهيري الذي مهدت له شركة سيلاباند سحر خاص للموسيقيين والمعجبين الذين يؤيدونهم. لقد خلقت شركة الصوتيات آر آي إيه إيه — بعد أن شنت حربًا قانونية ضارية دامت مدة ستة أعوام ضد أفضل عملائها (بين عام ٢٠٠٣ وعام ٢٠٠٨ رفعت الشركة ٢٨٠٠٠ قضية ضد ما ادُّعِيَ أنهم «قراصنة الأغاني») — قدرًا هائلًا من العدائية ضدها في أوساط المعجبين الشباب إلى جانب العديد من الموسيقيين أنفسهم، الذين لم يؤمنوا حقًّا بأن شركات الإنتاج كانت تتصرف لمصلحتهم. نتيجة لذلك دار جدال واسع في مجال الموسيقى عن إقصاء دور الوسطاء والذهاب مباشرة من «الفرقة الغنائية إلى جمهور المعجبين». وعلى مدار السنوات لم يكن ذلك سوى شعارات حماسية لا معنى لها، لكن سيلاباند توصلت إلى نموذج يلعب فيه المعجبون دور المصارف الذي كانت تلعبه في السابق شركات الإنتاج. وكما قال كونجايكا: «لقد قال جمهور المعجبين كلمته.»