دنانير وأم جعفر
سمعت دنانير وقْع خطوات مسرعة في الدهليز فنهضت إلى الباب وفتحته فرأت أحد الغِلمان واقفًا بالباب يقول: «جاء الطبيب يا سيدتي.»
فأبرقت أسرتها ولم تتمالك أن قالت: «الطبيب جاء؟ لقد أبطأ، دعه يدخل.» قالت ذلك ورجعت إلى عبادة وهي تبتسم وتقول: «جاء طبيبنا الخراساني الذي ذكرتُ لك أنه يتردد على المدائن، فعسى أن ينفعنا في معرفة صاحبكم الذي ذكرتِ أنه واساكم هناك.»
ففرحت عبادة بالبشرى، ولبثتْ تنتظر مجيء القادم بفارغ الصبر ولم تَمضِ دقائق قليلة حتى سمعتا حركةً ووقْع أقدام، فرجعت دنانير إلى الباب لتستقبل القادم. فلما رأته مقبلًا قالت: «لقد أبطأتَ علينا أيها الطبيب هذه المرة، جعل الله المانع خيرًا.»
وكانت عينا عبادة على الباب وقد أصلحت خِمارها، فسمعت الطبيب يقول: «لقد أبطأتُ عليكم لعُذرٍ قاهر، فهل أنتم في حاجة إليَّ؟» قال ذلك وفي كلامه عُجْمة، فلما سمعت عبادة صوته خفق قلبها لأنها عرَفتْ فيه صوت جارهم بهزاد. ثم دخل الطبيب، فلما وقعت عيناها عليه تحققتْ أنه هو بعينه صاحبهم، فقالت: «هذا بهزاد!» أمَّا هو فحالما رآها خلع نعاله وأسرع نحوها فصافحها وتلطف في السلام عليها وقال: «أنتِ هنا يا خالة؟»
فقالت: «نعم يا سيدي، وقد جئت لزيارة دنانير.» فبُغتت دنانير لذلك الاتفاق وقالت: «إذن بهزاد صاحبكم هو طبيبنا؟ ما أجملَ هذا الاتفاق. تفضل يا سيدي.» وأشارت إلى كرسيٍّ فمشى بهزاد بقدمٍ ثابتة وخُطًى واسعةٍ حتى جلس عليه، وكان طويل القامة عريضَ ما بين المَنْكِبين كبير الجمجمة واسع الجبهة أبيض الوجه أسودَ العينين غائرَهما، مع حدةٍ وذكاء، خفيف اللحية صغير الشاربين. وكان في نحو الخامسة والعشرين من عمره، وقد تزمَّل بعباءةٍ سوداء، وعلى رأسه قَلنْسُوة قصيرة ليس حولها عمامة. وكان لطوله وعرض مَنْكِبيه إذا مشى تقلع كأنه ينحطُّ من صبب، وإذا أقبل عليك حسبته من الجبابرة الذين يتحدثون بعظم هاماتهم، ورأيت في عينيه رقةً ونفوذًا يدلان على قوة الإرادة وصدق الطوية. وكان لا يُرى إلا مقطبًا والاهتمام بادٍ في محياه، في غير جفاءٍ أو خشونة. ويندر أن يضحك، كما أنه قليل الكلام كثير التفكير، يستأنس به جليسه ولكنه يهابه ويشعر بقوة سلطانه عليه.
فلما جلس ابتدرته دنانير قائلة: «لقد كنا نتحدث عنك ساعة الغروب ثم ذكرناك في عرض حديثٍ جرى لي مع سيدتي أم جعفر. وأنا أحسبك غير بهزاد الذي ذكرتْه لي؛ لأني لا أعرفك بهذا الاسم. فأحمد الله على أنك أنت صاحب الجميل عليها!»
ولاحت من دنانير الْتفاتة إلى أم جعفر فرأتها تشير إليها برفع حاجبيها والعض على شفتها ألا تفعل، كأنها تنهاها عن التصريح باسمها.
فأدركت دنانير غرضها. أما بهزاد فإنه تجاهل مرادها وقال: «إن أهل المدائن لا يعرفونني إلا بهذا الاسم؛ لأنهم رأوني فارسيَّ السحنة، فسمَّوْني بهزاد. وأما اسمي فهو عبد الله.» ثم حوَّل نظره إلى أم جعفر بانعطافٍ واحترامٍ وقال: «لا جميل لي يا خالة في شيءٍ فعلتُه، ولا أعرف أني أتيت شيئًا يستحق الثناء.» ثم التفت إلى دنانير وقال: «كيف مولاتنا أم حبيبة؟ عسى أن تكون في خير وعافية!»
قالت: «هي بخير، وتتناول العشاء مع ضيفةٍ لها في غرفة المائدة، وقد كنت عازمةً على الذهاب بها إلى الفراش كالعادة.»
فأظهر أنه لم ينتبه لعزمها، وقال وهو يخفي ما يخالج ضميره من الاهتمام ويتشاغل بإصلاح بند سيفه في منطقته: «هل أتى غلامي سلمان؟»
قالت: «كلا يا سيدي، لم أعلم أنه جاء. وهل أنت على موعدٍ معه هنا؟»
قال: «نعم، كنت أتوقع أن يأتيَ نحو الغروب، وشُغلت عن المجيء إليكم حتى الآن وأنا أحسبه في انتظاري هنا.» قال ذلك وهمَّ بالنهوض وهو ينظر إلى الباب كأنه يريد الخروج، فقالت دنانير: «هل تحتاج إلى شيءٍ يا مولاي؟»
قال: «كلا، ولكنني أحب أن أتحقق مجيء سلمان إلى القصر، فقد يكون أتى ودخل بعض غرف الغلمان.»
فمشت دنانير وهي تقول: «أنا أذهب للبحث عنه، تفضل واجلس.» وهمت بالخروج.
لكنها لم تدرك الباب حتى سمعَت جلبة وقهقهة في الدهليز فعرفت أن زينب قادمة وهي تُقهقه لأمرٍ أضحكها؛ فضحكت دنانير سرورًا بها وأطلت على الدهليز وهي تقول: «مولاتي! أنتِ هنا؟ ألم تذهبي إلى فراشكِ بعد؟»
ولم تُتم كلامها حتى كانت زينب قد لحقت بميمونة فأمسكت بثوبها وراحت تشدها نحو الباب تداعبها، وميمونة تطاوعها إرضاءً لها واستئناسًا بها. فابتدرتها دنانير قائلة: «ما الذي أضحككِ يا حبيبتي؟»
فصاحت الفتاة وهي تلتفت وراءها التفاتَ مذعورٍ مطمئنٍّ قائلة: «أضحكني غلام الطبيب، تعالَي انظريه.» وأشارت بأصبعها إلى الدهليز، فخرجت دنانير فرأت رجلًا في لباسٍ وقيافة لا عهد لسلمان بهما، ثم عرَفتْ أنه هو بعينه، ولكنه قد اتخذ لنفسه عمامة كبيرة، ولحية طويلة قد دبَّ فيها الشيب، وعليه جُبَّة مثل جبة أحبار اليهود؛ فلم تتمالك عن الضحك وقالت له: «ويلك، ماذا أصابك؟»
فانزوى سلمان في بعض منعطفات الدهليز، حيث اختفى لحظةً ثم ظهر وقد عاد إلى هيئته العادية، بقبائه وسراويله وطاقيته، وعادت لحيته صغيرة لا شيب فيها؛ فزادها تغيُّره استغرابًا، وذهبت إلى القاعة لترويَ للطبيب ما شاهدته وتبشره بقدوم غلامه، فرأته قد خرج ليراه لأنه سمع ما دار بشأنه. ولكنه لم يكد يدرك الباب حتى رأى زينب داخلة تجرُّ ميمونة وراءها وتضحك ولا تعلم أن الطبيب هناك. فلما وقع نظرها عليه تهيَّبت واستحيت وأطرقت وأسرعت للاستتار وراء ميمونة.
فلما رأى الطبيب استحياءها تبسَّم واقترب منها وقال: «كيف حالكِ يا أم حبيبة؟» ومدَّ يده ليتناول يدها فازدادت حياءً وتراجعت حتى اختفت وراء ميمونة. أما هذه فلما وقع نظرها على الطبيب بُغتت وصَبغ الحياء وجهها لسببٍ غير السبب الذي أخجل زينب، وتلعثم لسانها واصطكت ركبتاها وتحيَّرت بين الإطراق خجلًا وبين أن تُحيِّي وليَّ نعمتها والمحسن إليها. أما هو فلما رأى دهشتها وارتباكها تجاهل وحيَّاها وتحوَّل إلى زينب يتلطف في تشجيعها لتردَّ عليه السلام.
ولحظت أم جعفر ارتباك حفيدتها فحسبته من لقائها بهزاد على غير انتظار، فإنها لم تكن تعلم ما يُضمِر قلبها ولم يتفق أن لحظت منها شيئًا يدل على أن شعور قلبها نحو بهزاد يجاوز الشعور بفضله عليهما؛ فنهضت واقتربت من ميمونة وقالت: «هذا مولانا وصاحب الفضل علينا، ما بالكِ لا تُسلِّمين عليه يا لمياء.»
فلما سمعتْها دنانير تُسمِّي حفيدتها لمياء، أدركت أنها تريد إخفاء حقيقة حالهما على الطبيب. أما ميمونة فلما سمعت جدتها تدعوها إلى السلام على الطبيب تجلدت ومدت يدها، فتناولها وشعر بارتعاشها وبرودتها، ولم تَخْفَ عليه حالها، ولكنه ظل على تجاهله وابتسم لها كعادته ابتسامَ تلطفٍ وإكرامٍ وقال: «وأنت هنا يا لمياء أيضًا؟» وعاد إلى مداعبة زينب.
فأطرقت ميمونة وقد تورَّدت وجنتاها، ولو رفعتْ بصرها لرأى بريق عينيها وشعر بما ترميه من حاجبيها من السهام. ولكنه تغافل وحوَّل نظره إلى دنانير، فرآها تراقب حركات الفتاة ولم يَفُتها ما كان يتجلى في وجهها من دلائل الحياء، وأدركت بفراستها وتمرُّسها بالحياة أن هناك شيئًا وراء ذلك، واستغربت ما أبداه الطبيب من الفتور كأنه خالي الذهن مما يَجول في خاطرها؛ فتحيَّرت وتمنَّت لو تُمكِّنها الفرصة من تحقيق ظنها، فما لبثت أن سمعت الطبيب يقول: «أين سلمان؟ سمعتكم تتحدثون عنه.»
فأشارت دنانير إلى الدهليز وقالت: «إنه هنا. هل أدعوه إليك؟»
قال: «بل أنا ذاهب إليه.» وصاح: «سلمان!» وخرج من القاعة وترك أهلها على ما ذكرناه من الاضطراب والارتباك. فأجابه الغلام: «لبيك يا مولاي، أنت هنا؟»
فقال وهو يحتذي نعاله ويهمُّ بالمسير نحوه: «قد استبطأتك وقلقت لغيابك.» ومشى نحوه وقال لدنانير: «سأعود إليكم بعد قليل.» فعلمت أنه ذاهب إلى المنزل الذي اعتاد الإقامة فيه أو المبيت فيه إذا جاء القصر المأموني، وهو من جملة أبنية القصر الكبير. فظل ماشيًا وسلمان يتَقدَّم نحوه حتى التقيا وخرجا من الدهليز إلى البستان ومنه إلى ذلك المنزل.
•••
كان الطبيب يمشي مُطرقًا وسلمان يسير في أثره مهرولًا، ولكنه رغم هرولته وطوله لا يستطيع اللحاق به وهو يمشي الهوينى لِسعة خطواته. فلما وصلا إلى المنزل تَقدَّم سلمان وفتحه، ثم خلعا حذاءيهما ودخلا، وهمَّ سلمان بسراجٍ على مسرجة فأشعله وأغلق الباب وراءه، ووقف حتى جلس الطبيب على وسادةٍ في صدر الغرفة فوق البساط وأمره بالجلوس بين يديه فجلس منتظرًا أمره، فلما استتبَّ بهما الجلوس قال الطبيب: «ما وراءك يا ملفان سعدون؟»
فقال: «وأنت أيضًا تدعوني ملفانًا؟» وضحك.
فقال: «إنك تبقى ملفانًا حتى تنتهيَ مهمتنا من هذه الديار ونبلغ غايتنا. قل ما وراءك؟»
قال: «جئتك بخبرٍ مُهمٍّ لم يطَّلع عليه أحد في هذه المدينة، ولو عَرَفه أهلها لقاموا وقعدوا وتغيَّرت أحوالهم، فضحك قوم وبكى آخرون.»
فتنحنح الطبيب ونظر إلى سلمان بعينين حادَّتين، كأنه يخترق أحشاءه ويستطلع خفايا قلبه، وقال: «هل عندك غير خبر موت الرشيد؟»
فأجفل وقال: «وهل عرفت ذلك؟ يا ألله! كيف عرفته وقد جاء الساعة ولم يعلم به أحد إلا صاحب البريد. ولو لم أشاهد اللوح النحاسي الذي يحمله سُعاة البريد معلقًا بالشرابة على صدره لما صدقته. فكيف عرفته؟»
قال: «عرفته ولم أرَ اللوح النحاسي ولا تحققتُ صِدق الساعي. إن الرشيد مات يا سلمان، فهل عرفت خبرًا غير هذا؟»
قال: «وهل هناك ما هو أهم من هذا الخبر؟ لقد أذهبتَ سعيي عبثًا وكنتُ أحسبني جئتك بخبرٍ تغبطني عليه، وأنا إنما عرفته اتفاقًا وقد كلفني سبيكةً من الذهب! إني لا أزال قليل النفع لك.»
قال الطبيب: «بل أنت كثير النفع لا يُستغنى عن ذكائك ونشاطك، ويكفينا أنك تكشف لنا عن أغراض العامة وأقوالهم والعيارين ومقارفتهم.»
فقال: «ليس هذا مما يؤبه له، وأظنك عالمًا بالغيب فقل ما عندك مما يفوق موت الرشيد خطرًا.»
قال: «أخطر منه ما أتاه أصحابه؛ فقد خلعوا المأمون ونكثوا البيعة له بعد أخيه. وسترى عاقبة ذلك عليهم.»
فدُهش سلمان وقال: «نكثوا بيعة المأمون؟ يا لهم من قومٍ خائنين! لكن مَن فعل هذا أو أشار به؟»
قال: «الفضل بن الربيع.»
فقال سلمان وقد ذُعر: «الفضل وزير الرشيد الذي سافر معه في حملته الأخيرة؟»
قال: «نعم، هو بعينه. إن هذا الرجل أقدمَ على أمرٍ سيودي بهذه الدولة كما فعل بقتل الوزير المظلوم، وكلٌّ من الفعلين يُسقط دولة، فكيف إذا اجتمعا؟» قال ذلك وقد بدا الغضب في عينيه.
فتهيَّب سلمان من غضبه وقال: «وكيف كان ذلك يا سيدي؟»
قال الطبيب: «لما سافر الرشيد في هذه الحملة اصطحب ابنه المأمون وأخذ له البيعة مِن جميع مَن في معسكره من القواد والأمراء ومن إليهم، وأقرَّ له بجميع ما معه من الأموال وغيرها. وكان ذلك بسعي الفضل بن سهل صاحب الهمة الشماء.»
قال: «نعم يا مولاي إن الفضل بن سهل لجدير بهذا الوصف. ثم ماذا؟»
فقال: «وسار المأمون مع أبيه ليُقيم بخراسان. ولا يخفى عليك أن الرشيد بايع بالخلافة بعده لولده الأمين المقيم في بغداد الآن، ثم للمأمون الذي رافقه في هذا السفر، على أن يتولى خراسان أثناء خلافة الأمين، وكان الرشيد مريضًا يوم سفره ولكنه أخفى مرضه. وقد روى لي الصباح الطبري — ومكانته من الرشيد ما تعلم — أنه ذهب لوداعه يوم خروجه من بغداد، فقال الرشيد له: «ما أظنك تراني يا صباح أبدًا.» فلما أعظم قوله وأنكر عليه ما يخافه، قال: «ما أظنك تدري ما أجد في صحتي.» قال الصباح: «لا والله.» فعند ذلك مال الرشيد إلى ظل شجرةٍ في الطريق وأمر خواصَّه بالابتعاد. فلما خلا إلى الصباح كشف عن بطنه فإذا عليه عصابة حرير وقال: «هذه علة أكتمها عن الناس كلهم، ولكل واحدٍ من ولدي عليَّ رقيب، فمسرور رقيب المأمون، وجبرائيل بن بختيشوع رقيب الأمين. وما منهم أحد إلا وهو يُحصي أنفاسي ويستطيل دهري. وإن أردتَ أن تعلم ذلك فالساعةَ أدعو بدابة فيأتوني بدابة عجفاء قطوف لتزيد علتي، فاكتم عليَّ ذلك.» فدعا له الصباح، ثم طلب الرشيد دابةً فجاءوا بها كما وصف، فنظر إلى الصباح وركبها وعاد الصباح من وداعه ولم يكتم ذلك عني.»
فاستغرب سلمان اطِّلاع مولاه على كل هذا وكيف كتمه عنه إلى تلك الساعة، وأحبَّ أن يعرف خبر الفضل بن الربيع فقال: «وماذا فعل ابن الربيع؟»
قال: «سافر الرشيد ومعه الفضل، فأخذ هذا يراسل الأمين مخبرًا إياه بكل ما يحدث، فلما كتب إليه بأن الرشيد اشتدَّ مرضه، أعد الأمين كتبًا وأمر أن يجعلوها في قوائم صناديق المطبخ المنقورة بعد تغطيتها بجلود البقر، ثم عَهِد إلى رجلٍ من خاصَّته اسمه بكر بن معمر في إيصالها إلى أصحابها، وقال له: «احذر أن تُطلِع أمير المؤمنين أو غيره عليها، بل انتظر حتى تعلم بنبأ موته، ثم ادفع إلى كل إنسانٍ كتابه.»
فلما وصل بكر هذا إلى مدينة طوس، حيث كان الرشيد مريضًا، بلغ الرشيدَ قدومُه فدعا به إليه وسأله: «ما جاء بك؟» فقال: «بعثني مولاي الأمين.» فسأله: «هل معك كتاب؟» فقال: «لا.» فلم يُصدِّقه لِعلمه بتكتُّمهم وأنهم شديدو الرغبة في موته؛ فأمر أن يفتشوا ما معه فلم يصيبوا شيئًا، فلم يقتنع فأمر بضربه لعله يعترف، فضربوه ضربًا مبرحًا حتى خاف الموت، فقال للفضل: «عندي أنباء مهمة فاتركوني لأفضيَ بها إليكم.» ولكن الرشيد أمر بقتله، ثم اتفق لحسن حظ بكر أن أُغمي على الرشيد فاشتغل الناس به، وما لبث أن مات فبعث الفضل إلى بكر بمن أخبره بموت الرشيد وسأله عن الكتب التي معه من الأمين فدفعها إليه، وهي كتاب إلى أخيه المأمون يأمره بترك الجزع وأخذ البيعة على الناس لهما، وكان المأمون يومئذٍ بمرو؛ وكتاب إلى أخيه صالح يأمره بتسيير العسكر، وأن يعمل هو ومن معه برأي الفضل؛ وكتاب إلى الفضل يأمره بالمحافظة على ما معه من الحرم والأموال وغير ذلك، وأقر كل من كان هناك على عمله. فلما قرءوا الكتب تشاوروا مع القواد فيما يفعلون بالعهود التي عليهم للمأمون في بغداد؛ فكان من رأي الفضل أن يلحقوا بالأمين وقال: «لا أترك ملكًا حاضرًا لآخر ما أدري ما يكون من أمره.» وأمر الناس بالرحيل إلى بغداد، ولن يلبثوا غير أيام حتى يصلوا إلينا وقد خلعوا المأمون وما خلعوه إلا لأن أمه فارسية وهم عصبة يزعمون أنهم ينصرون العرب، وما ينصرون إلا مطامعهم، وسيعلمون ما ينالهم من أخواله.» قال ذلك وقد تعاظم غضبه فازداد سلمان تهيُّبًا من منظره رغم طول صحبته وما ألفه من أحواله، وظل مُطرقًا لا يجرؤ على النظر إليه مخافة غضبه، ثم أحب أن يكلمه فرآه يتحفَّز للنهوض ويقول: «لا بأس على ابن أختنا؛ فهو في خراسان بين أخواله، وفيهم الفضل بن سهل.»
ونهض بهزاد فنهض سلمان معه وقال: «ما الذي نفعله الآن يا مولاي؟»
فأطرق وهو يحكُّ جبينه بسبابته وإبهامه ثم قال: «لا بد من ذهابي لأمرٍ خطرَ لي لا يَحسُن تأجيله.»
فقال سلمان: «وهل أذهب معك؟»
قال: «كلا، بل أرى الذهاب وحدي لسببٍ ستعلمه!»
فقال وهو يهز رأسه إعجابًا واستغرابًا: «لقد أدهشتَني بما تكتمه وما تُظهره كأنك تستخدم الجان!»
قال: «لم أفعل شيئًا غريبًا.» وأخذ يُصلح قلنسوته ويعدل بند سيفه استعدادًا للمسير، فابتدره سلمان قائلًا: «إذا كنت لا ترى حاجة إليَّ فإني أذهب لإتمام مهمتي التي بدأتها في غروب اليوم، ولولا تعجُّلي لاطِّلاعي على خبر الرشيد لأتممتها قبل مجيئي ولو علمت أنك تعلم الغيب و…»
فقطع بهزاد كلامه قائلًا: «لا دخْل للغيب فيما تراه، وستعلم أنه طبيعي، ولكنني تعوَّدت ألا أقول شيئًا قبل التثبُّت منه. وإنما يُقدِم على كثرة الكلام أهل الطيش فيُجعجعون ويُطنطنون ثم لا يأتون غير الكلام، وعندي أن إذاعة ما ينويه المرء من الأعمال يذهب بالعزم على إتمامه. وما أجملَ ما قيل: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان».»
وكان سلمان يُصغي إلى كلامه، فلما فرغ قال: «إنها عِظة بالغة؛ ولذلك فإني ذاهب الآن لقضاء المهمة التي بدأتها، ومتى انتهت أطلعتك عليها، وأرجو أن تَحسُن في عينيك وألا تكون قد سبقتَني إليها!»
فقال الطبيب: «اذهب في حراسة الله، وسنلتقي هنا غدًا، وإذا لم آتِ فلا تستبطئني.» قال ذلك وترك سلمان ومشى نحو القاعة التي ترك القوم فيها.
•••
كانت دنانير بعد ذهاب الطبيب قد أدخلت زينب إلى الفراش وسألت ميمونة إذا كانت تريد الرُّقاد أيضًا فأجابت بأنها تُؤْثر البقاء للاستئناس بها وبجدتها، فأمرت الخدم بأن يُعِدوا لها ولعبادة طعامًا فأكلتا، ولا حديث لهما غير بهزاد، وكلٌّ منهما تقصُّ على رفيقتها ما تعرفه من غريب أطواره وأحواله، ولا سيما عبادة؛ فإنها أخذت تُطري شهامته وأَنَفته وكرم أخلاقه، وكيف أن أهل المدائن يَعُدونه من الأولياء ويستغربون تكتُّمه. على أن التكتم زاده رِفعةً في أعينهم وزادهم تهيبًا منه؛ لأنك لا تزال تخاف المجهول حتى تعلمه. وعلى هذا القياس ترى الصمت يرفع منزلة صاحبه وكثرة الكلام تُقلل من هيبته، فإذا جهلت ما في خاطر المرء حسبت ما يكتمه شيئًا عظيمًا، فإذا تكلم انكشف لك عن شيءٍ تافه. والعقلاء يزين أقوالَهم احتفاظُهم بالكلام إلى حين الحاجة، مع تدبير ما يقولون فلا يُلقون الكلام على عواهنه.
وكانت ميمونة تسمع حديثهما عن بهزاد وقلبها يرقص طربًا تشعر به ولا تستطيع التعبير عنه؛ فقد عرفت هذا الشاب منذ عامٍ وبعض العام، ورأت منه انعطاف المحسنين وغَيرة الأقربين، فاحترمته وأُعجبت به. ثم أَلِفت رؤيته حينًا بعد آخر فأصبح إذا غاب استبطأته وشعرت بحاجةٍ إلى رؤيته، ولا يطمئن قلبها إلا إذا رأته ولو مارًّا في الطريق. وقد زاد في ارتياحها إليه ما كانت تسمعه من إطراء جدتها له وامتداحها خصاله؛ فأصبحت إذا شاهدته أو سمعت صوته يخفق قلبها، وإذا كلمها صَعِدَ الدم إلى مُحيَّاها واستولى الخجل عليها. ثم أصبح قلبها يخفق لسماع اسمه، وصارت تلتذُّ الحديث عنه، وإذا سمعت أحدًا ينتقده أو يُقبِّح أعماله شقَّ عليها قوله وأخذت تدفع عنه بحماسةٍ وغَيرة.
كانت تفعل ذلك وهي لا تعلم أنها تحبه، ولو سُئلتْ في ذلك لاستغربت السؤال وأنكرته. لا تفعل ذلك نفاقًا أو رياءً لكنها لم تكن تعلم أنها تحبه، خصوصًا أنها لم تكن تسمع منه كلمةً تدل على حبه لها. وكان إذا جاء المنزل كلَّم جدتها، فإذا عرضت له حيَّاها وهو ينظر إلى شيءٍ آخر، وربما سألها عن حالها سؤالًا لا مبالاة فيه أو اكتراث، فلم يمنعها ذلك من الاسترسال في حبه؛ لأنها لم تفكر في هل تحبه أم لا، ولو فعلت ذلك لاحترست من التورط؛ لأنها لم تكن ترى منه ميلًا ولكنها أحبته عفوًا، وهي لا تعرف دلائل الحب.
وما زالت على ذلك حتى التقت به تلك الليلة فجأةً ثم رأته يلاطف زينب ويداعبها؛ فتحركت الغَيرة في قلبها مع علمها أنه فعل ذلك تلطفًا ومجاملة، وأحست كأن سهمًا أصابها في قلبها. على أنها تراجعت وحاولت أن تُقنع نفسها بأنْ ليس ثَمَّةَ داعٍ للغَيرة فاقتنع عقلها، وأما قلبها فما زال في اضطراب. وأخذت من تلك الساعة تتساءل عن سبب هذا الشعور، فاغتنمت اشتغال جدتها ودنانير بالطعام والحديث، وطفقت تفكر في سبب هذا الشعور، وكلما همَّت بأن تسأل نفسها هل تحبه غلب عليها الحياء وأنكرت ذلك؛ لأنها لا ترى من أعماله ما يُجرِّئها عليه؛ فتعللت بأنها إنما تحبه إقرارًا بفضله وإحسانه.
ثم رأت ذلك لا يُغني فتيلًا؛ لأنها تُحسُّ بانعطافٍ إليه غير انعطافها إلى جدتها مثلًا وهي أكثر الناس إحسانًا إليها؛ فتحققت أنها تحبه لغير الإحسان. ولما تصوَّرت ذلك ولم ترَ مندوحةً عنه انقبضت نفسها؛ لأنها لم تلحظ منه شيئًا من غير هذا القبيل نحوها. وعادت إلى ذكرى الماضي فراجعت تاريخ معرفتها به وما كان يبدو من حركاته وأقواله؛ فلم ترَ دليلًا على أن عنده مثل ما عندها. على أنها حملت ذلك منه على رغبته في التكتُّم.
وهكذا كانت عبادة ودنانير تتناولان الطعام وتتحادثان، وميمونة غارقة في هذه الأفكار. وبعد الفراغ من الطعام قالت دنانير: «هل تريدان الذهاب إلى الفراش فإننا في أواسط الليل؟»
فقالت عبادة: «أما أنا فلا أشعر بالنعاس، ولكن ميمونة تنام.»
فلما سمعت ميمونة قولها تذكرت أن بهزاد وعد بألا يُبطئ في العودة، وشعرت بميلٍ إلى أن تراه قبل الرقاد، ولا سيما بعد ما ناجت به نفسها من حبه لعلها تؤانس منه إشارة أو تسمع كلمة تستدل منها على ميله إليها. فلما سمعت قول جدتها حدثتها نفسها أن تَعصيَها ولكنها لم تجرؤ؛ إذ لم تألف مخالفتها، فوقعت في حيرةٍ وارتبكت في أمرها. ولحظت دنانير ارتباكها وأدركت سببه دون عبادة؛ إذ كانت لا تعلم شيئًا عن عواطف حفيدتها، فلم تكن تتوقع منها غير النهوض، ثم سمعت دنانير تقول: «ما لنا وللرقاد الآن؟ دعي ميمونة معنا فإن هذه الليلة عندي من ليالي العمر لِشدة فرحي بكما.» ثم مدت ذراعيها إلى ميمونة وضمَّتها إلى صدرها وقالت: «ولا سيما حبيبتي ميمونة؛ فإنها كنز لقيته؛ فدعيني أتمتع برؤيتها.»
فأشرق وجه ميمونة، ولما ضمَّتها دنانير وقبَّلتها أجابتها بقُبلات حارَّة وضحكت من شدة الفرح.
فأثنت عبادة على عطف دنانير ومجاملتها. ولم يستتب بهن المقام حتى سمعن وقْع أقدام الطبيب؛ فخفق قلب ميمونة ولكنها تجلدت. ونهضت دنانير لاستقباله فإذا به لا يزال بلباسه وزاد عليه كوفية اعتمَّ بها وأرخى أطرافها حول رأسه كأنه على سفر، فابتدرته دنانير قائلة: «ما لي أرى الطبيب يهمُّ بالسفر؟»
قال: «لا بد من ذهابي الآن لأمرٍ ذي بال، وكنت أودُّ البقاء عندكم لولا الضرورة، ولكنني سأعود في الغد إن شاء الله.»
وكانت عبادة قد وقفت لاستقباله وميمونة بجانبها، فلما سمعتا قوله تَقدَّمت عبادة حتى التقت به وهو داخل من الباب فقالت: «سِرْ في حراسة الله يا ولدي، وأرجو أن تعود سريعًا ولا تنسانا.»
فتقدم نحو عبادة ومد يده فصافحها باحترام وقال: «حاش لله أن أنساك.» والتفت إلى دنانير وقال: «إني أوصيكِ بهذه الخالة يا دنانير، وإن كنت لا أرى حاجةً إلى ذلك لما آنستُه من حبكِ لها.»
وكانت ميمونة أثناء ذلك واقفة وركبتاها ترتعدان وقد تولاها الخجل. وقد أعدَّت عبارة تقولها في وداعة فلما رأته نسيتها وتلعثم لسانها.
أما هو فلما فرغ من وداع عبادة تحوَّل نحو ميمونة ومدَّ يده فقبض على يدها وأحسَّ برعشتها وبرودتها فضغط عليها ووجَّه كلامه إلى دنانير وقال: «وهل أوصيكِ بلمياء؟ كان يجب أن أوصي أم حبيبة بها، على أنني لا أرى حاجةً إلى ذلك وقد رأيت مِن تَحابِّهما ما لا حاجة معه إلى توصية، بل يجدر بي الآن أن أوسِّط لمياء لدى مولاتنا من أجلي.» ثم وجه خطابه إلى ميمونة وهو يضغط على يدها ضغطًا ترافقه رعدة متبادلة وقال: «هل تتوسَّطين لي عندها؟ ما أسرعَ تسلُّطَك على قلب مولاتنا حتى استأنستْ بكِ كأنها تعرفكِ منذ أعوام.» قال ذلك وابتسم وأبرقت عيناه وكادتا تبوحان بما في قلبه.
وأما هي فلا تَسَلْ عن حالها وما كان يتجاذبها من الخجل والامتنان والفرح، لِما آنستْه من تلطُّفه وما توسَّمته في خلال حديثه من الدلائل على حبه، فسكتت وأطرقت، وهذا أبلغ جوابٍ من فتاةٍ في مثل هذه الحال، لكنها لم تتمالك عن الابتسام وبان السرور في وجهها.
أما هو فكأنه انتبه إلى نفسه وندم على ما فرط منه فأفلت يدها وعاد إلى كتم عواطفه؛ فتحول عن ميمونة إلى دنانير فحياها وقال: «أستودعكم الله إلى الغد.» وخرج مسرعًا.
وكانت دنانير قد لحظت ما بدا من اهتمام الطبيب بميمونة، وسرَّها ذلك بعد أن استاءت من فتوره، للمرة الأولى، فودَّعته وعادت إلى ضيفتها فقالت: «ما أكثرَ ما يهتم له هذا الطبيب، وما أكثرَ شواغلَه؛ فإنه لا يلبث أن يكون جالسًا حتى ينهض، إني لم أفهم سره.»
فقطعت عبادة حديثها قائلة: «هذا هو حاله معنا منذ عرفناه، فمع توالي إحسانه لا أذكر أنه جالسنا ساعةً أو بعض ساعة؛ فلا أراه إلا مهتمًّا مقطبًا، وهذه أول مرة رأيته يبتسم ولم يُطل ابتسامه فعاد إلى حاله.»
أما ميمونة فبعد أن اطمأن قلبها وفرحت بما لمحته من بهزاد، عادت إلى هواجسها عندما أفلت يدها بسرعة وتغيَّر وجهه فجأة، ثم اشتغلن بالحديث حتى حان موعد الرقاد فذهبت كل واحدةٍ إلى فراشها.
•••
كان سلمان هو الذي تنكر باسم الملفان سعدون واختلط بالعامة وصاحَب رئيس العيارين خدمةً لمولاه بهزاد، وقد ترك الهرش على أن يعود إليه في تلك الليلة مهما يطل غيابه ليلقاه في قاعة العيارين. وكان قد أسرع إلى القصر ليُخبر الطبيب بموت الرشيد، فلما رآه يعلم ما لم يعلمه هو من أمر البيعة وما تبعها رأى أن يعود بهذه الأخبار إلى الهرش لعله يدهشه فيزداد اعتقادًا بصدق مندله.
فلما ودَّع مولاه الحكيم أبدل ثيابه وعاد إلى العمامة والجبة والسالفين واللحية، وأسرع إلى بغلته فركبها وسار قاصدًا قاعة العيارين. وكان الليل قد انتصف وأُغلقت المنازل وطاف الحراس يتنادون فإذا رأَوْا غريبًا أوقفوه. أما سعدون فكان له من لباسه وقيافته شافع حتى بلغ جسر بغداد، ولم يكن له بُدٌّ من المرور عليه إلى البر الغربي والحراس قائمون على طرفيه وقاعة العيارين بالحربية وراءه، فمر على الجسر ولم يعترضه أحد حتى دخل البر الغربي، وهو بغداد الأصلية مدينة المنصور وحولها الأرباض القديمة وفيها الطرق الضيقة علقت المصابيح في مداخلها، ووقف الحراس فيها بأسلحتهم، فأوجس خيفة منهم، ونادى أحدهم فأسرع إليه فقال له: «سر أمامي إلى قاعة العيارين.»
فلما سمعه الحارس يتكلم كمن له سلطان، ورأى لباسه ظنه أحد رجال أهل الذمة المقربين من الخليفة للطبابة أو النجامة أو نحوهما؛ فمشى بين يديه حتى أقبل على بناءٍ فخمٍ من ناحية الحربية ببابه عياران عليهما المئزر وعمامة من الخوص، فلما رأيا الملفان على بغلته عرفاه فتقدما إليه وأعاناه على النزول وقالا له: «إن مولانا الهرش ذهب إلى مكانٍ قريب ولا يلبث أن يعود، وقد أوصانا بأن نُرحب بك ونُدخلك القاعة تنتظره فيها.»
فترجل ومشى العياران بين يديه وسلمان يخطو وراءهما بعكازه، حتى استطرق من الدهليز إلى ميدانٍ تطرق منه إلى قاعة كبيرة فيها عدة مصابيح مُدلاة من سقفها كالثريا، وفي أرضها بساط عليه نقوش ووسائد ومقاعد، فدعاه العياران إلى الجلوس على مقعد إلى اليمين فجلس، وكانت هذه أول مرة دخل فيها قاعة العيارين، لكنه لم يُدهش لِما هناك من الأثاث الثمين، بل دُهش لِما رآه معلقًا في جدرانها من ضروب الأسلحة وأدوات الحرب من مُختلِف أنواع السيوف والأقواس والرماح، ومن المقاليع بين مصنوع من الجلد أو مجدول من الشعر أو من الحرير، وإلى جانب كل مقلاع مخلاته والمخالي على أنواع. ورأى في بعض جوانب القاعة عِصيًّا طويلة من خشب الشوم وغيره يثب عليها العيارون لقطع الأنهر، وبجانبها سلالم مصنوعة من الحبال تنتهي من أطرافها بكلاليب يرمونها على السطوح إذا أرادوا الوثوب عليها، ويقال لها سلالم التسليك. غير ما رآه من أدوات النفط التي يُشعلون بها الخرق المبتلة بالنفط ويرمونها بالمجانيق. ولم يرَ هناك إلا منجنيقًا واحدًا صغير الحجم لرمي النبال أو النفط وليس مما ترمى به الحجارة الضخمة. هذا إلى ما رآه معلقًا في صدر القاعة من الدبابيس وهي العصي وفيها المسامير من الحديد، وبعضها مساميره من الفضة أو الذهب. وهذا الدبوس لا يحمله إلا الرؤساء، وبينها دبابيس مصنوعة من الحديد. ورأى على رفٍّ هناك أرغفة من الرصاص يرميها العيارون على أعدائهم فتذهب بقوة عظيمة، وقد تقتل عدة أشخاص في رمية واحدة. ورأى كثيرًا من أدوات القتل والكسر والنقب وضروبًا من الحبال وغيرها مما يحتاج إليه العيارون.