قراصنة القرن العشرين!
ساد السكون للحظات داخل قاعة العرض السينمائي في كهف الشياطين … ثم توالَى دخولُ الشياطين اﻟ «١٣» إلى القاعة في صمت … وما إنِ اكتمل عددُهم حتى انطفأَت أنوارُ القاعة الصغيرة، وأُضيئَت الشاشةُ أمامهم وظهرَت عليها خريطةُ الجزء الآسيوي من الوطن العربي … «العراق» و«الكويت» و«السعودية» و«الإمارات» و«اليمن» … وأخيرًا ظهر المحيط الهندي الواسع بجُزُرِه العديدة التي راحَت أسماؤها تتوالَى فوق الشاشة … جُزُر سيشل … جُزُر المالاديف … جُزُر كوكوس … وغيرها.
وتلاقَت نظراتُ «أحمد» و«إلهام» في تساؤل، تُرَى هل ستكون إحدى هذه الجزر هي مكان مغامرتهم القادمة؟! ولكن لماذا لم تستقرَّ إحداها على الشاشة؟! وهل يعني توالي ظهورِها كلِّها إلى أنَّ المغامرة قد تكون في كلِّ هذه الجزر … أو في مكان مجهول بينها؟
واختفَت الخريطةُ من على الشاشة وحلَّ محلَّها جزءٌ من فيلم سينمائي … وظهرَت سفينةٌ صغيرة سريعة تشقُّ الماء لا يُنبئ مظهرَها عن شيء … واقتربَت السفينةُ الصغيرة السريعة من سفينة أخرى كبيرة … وفجأةً ظهرَت فوهات المدافع من السفينة الصغيرة وانطلقَت نحو السفينة الكبيرة في مُباغتةٍ شديدة فترنَّحَت من ثِقَل الضرباتِ المفاجئة.
وبرز من قلب السفينة الصغيرة العشراتُ من القراصنة الذين اندفعوا كالنمل أو كالجراد عبرَ حبالٍ وسلالمَ مُدَّت بين السفينتَين … وكان منظرُ القراصنة مخيفًا بملامحهم المفزعة وملابسهم العجيبة وأسلحتهم الرهيبة.
لقد اندفع القراصنةُ نحو السفينة الكبيرة ليستولوا على كلِّ ما فيها بقيادة زعيمهم … وابتسم «أحمد» في الظلام وتذكَّر … كان ذلك هو فيلم «ذو اللحية الحمراء»، وكان ذلك القرصان من أعجب القراصنة الذين ظهروا على مرِّ التاريخ ومشهورٌ عنه القصص التي تتحدَّث عن جرأته النادرة.
وبعد قليل اختفى الفيلم وظهر مكانَه جزءٌ من فيلم «القرصان» الذي أخرجه «رومان بولانسكي» وبعد قليل أُطفئَت شاشةُ العرض وأُضيئَت القاعة … وتبادل الشياطينُ النظراتِ الصامتةَ المندهشة … وجاء صوت رقم «صفر» يقول: لعلكم تتعجبون من الفيلمَين السابقَين اللذَين عُرِضَا عليكم … وفي الحقيقة فإن مئاتِ الأفلام أُنتجَت عن القراصنة، فهو عالم عجيب ذاخر بالقصص والحكايات، وهذه القصص أُضيفَت إليها الكثيرُ من التفاصيل على مرِّ الوقت حتى أصبحَت أشبهَ بالأساطير التي تُروَى عن القراصنة وتُنسَب إليهم أعمالًا خارقة كما حدث مع «ذو اللحية الحمراء»، وكنَّا نظنُّ أن أعمالَ القراصنة قد انتهَت إلى الأبد بظهور السفن الحديثة وعابرات المحيطات، وبعد ظهور الأساطيل الحربية وحاملات الطائرات وتحوُّل البحار والمحيطات إلى بُقعة مكشوفة يسهل مسْحُها في ساعات قليلة بواسطة أسراب الطائرات والسفن والغواصات … ولكن المدهش أنه بالرغم من كلِّ ذلك فقد عاد القراصنة للظهور … في أواخر القرن العشرين … ساد السكونُ عقبَ كلمات رقم «صفر» … وكان الشياطين قد واجهوا بعضَ القراصنة من قبل، ولكنهم كانوا قراصنةً غيرَ عاديِّين يستخدمون غواصةً في عملياتهم، تُرى ما هو نوع القراصنة الجُدد؟
أجاب رقم «صفر» على خواطر الشياطين قائلًا: إن القراصنة الجدد يستخدمون في عملياتهم سفينةً صغيرة سريعة مجهَّزة بالأسلحة الحديثة من رشاشات وقنابل الأعماق والقنابل اليدوية وعلى سطحها مجموعةٌ من القراصنة الجدد … وهم خليطٌ من كافة الجنسيات يَصِل عددُهم إلى عشرين فردًا … ولا يجمعُهم شيءٌ سوى خروجهم على القانون؛ فأغلبُهم مطلوبُ القبض عليهم في بلادهم؛ لأنهم متهمُّون بتُهَمٍ مختلفة تَصِلُ عقوبةُ بعضِها إلى الإعدام؛ ولذلك فهؤلاء المجرمون شديدو القسوة، ولا يغادرون البحر على الإطلاق، وهم يعملون — كما استنتجتم — داخل الجزء الأعلى من المحيط الهندي، ما بين الخليج العربي وخط الاستواء، بعيدًا عن الدول العظمى التي قد تتعقَّبهم بأساطيلها البحرية وطائراتها.
تساءل «أحمد»: وما هي أعمال القرصنة التي قام بها هؤلاء المجرمون حتى الآن؟
قلَّب رقم «صفر» بعضَ الأوراق أمامه، وقال: كان أول ظهور لهؤلاء القراصنة منذ عامين، وقاموا حتى الآن بالعشرات من أعمال السطو والسرقة، وكانت بدايةُ عملِهم متقطعة، ثم أخذَت الشكلَ المنتظم، فبدأَت أعمالُ قرصنتهم تتمُّ بمعدل هجوم كل أسبوع تقريبًا … وهم يختارون عادةً السفنَ المتوسطة أو الصغيرة لمهاجمتها والتي لا تحمل أكثرَ من مائة فرد ما بين ركَّاب وبحَّارة، وفي الغالب فهم لا يهاجمون إلا السفن الصغيرة أو اليخوت الكبيرة التي تحمل أشياءَ ثمينة.
وأعاد رقم «صفر» تقليبَ أوراقه ثم أكمل: منذ ستة أشهر سطَت سفينةُ القراصنة على شحنة ذهب تُقدَّر بعشرين مليونًا من الجنيهات، كانت إحدى الشركات تقوم بنقلها … وبعد أن استولى القراصنةُ على الذهب أغرقوا السفينةَ ببحَّارتها وركَّابها … وبعد أقل من شهر هاجموا سفينةً أخرى تحمل شحنة من الماس والمجوهرات القادمة من الهند لحساب بعض التجار في الخليج، واستولى القراصنةُ على المجوهرات ثم أغرقوا السفينة بمَن فيها … وبعدها بقليل اختطفوا ابنَ أحدِ رجال الأعمال الأمريكان والذي كان في رحلة على يخْتِه الخاص مع بعض أصدقائه وتمَّ مبادلةُ ابن المليونير الأمريكي مقابل خمسة ملايين دولار.
وتعدَّدَت العلميات المشابهة من هذا النوع حتى تحوَّل الجزءُ العلوي من المحيط الهندي وأصبح أشبهَ بمصيدة قاتلة لكلِّ السفن واليخوت التي تحاول اجتيازَه، خاصة إذا كانت تحمل شحناتٍ ثمينةً أو أشخاصًا مهمين … يتم اختطافُهم من هؤلاء القراصنة بعد اعتراضِ السفينة أو اليخت في قلب المحيط … أما باقي السفن فتمرُّ في أمان.
تساءل «عثمان» في دهشة: وكيف يعرف هؤلاء القراصنة أن بعض السفن تحمل شحناتٍ ثمينةً في حمولتها دون غيرها؟
ابتسم رقم «صفر» ابتسامةً صغيرة، وقال: هذا هو السؤال الذي كنت أنتظر منكم توجيهَه، إن التكنولوجيا الحديثة تفرض نفسَها في كلِّ أمور الحياة، وأغلبُ العصابات المنظَّمة والإجرامية بدأَت في الاستفادة من التقدم التكنولوجي لخدمة عملياتها … وهؤلاء القراصنة حسب تقدير أجهزة الرصد والتحليل، فإنهم يملكون جهازًا قويًّا لجَمْع المعلومات في أغلب الموانئ والعواصم المالية والتجارية العالمية فيعرفون بأمور الصفقات والشحنات الثمينة التي تَعبُر المحيط الهندي، ومن ثَم يُوجِّهون ضرباتِهم إليها وهم متأكدون من النتيجة … هذا بالإضافة إلى امتلاكهم لمحطة إرسال واستقبال عالية القوة والكفاءة، هذه المحطة تقوم باستقبال المعلومات من الأقمار الصناعية وعملاء العصابة في كل أنحاء العالم … ثم تقوم بإرسال المعلومات المطلوبة والمنتقاة إلى سفينة القراصنة بعد أن تُحدِّد لها الهدف المطلوب مهاجمته.
إلهام: وأين توجد هذه المحطة؟
أجاب رقم «صفر»: قد تكون المحطة بمكان ما فوق إحدى هذه الجُزُر، لقد بذلنا مجهودًا من أجل الإجابة على هذا السؤال، ولكننا لم نَصِل إلى نتيجة محددة … ومهمَّتُكم هي الوصول إلى تلك المحطة ونَسْفها … بالإضافة إلى نَسْف سفينة القراصنة والقبض على أفرادها أو التخلُّص منهم … وصمتَ لحظة ثم أضاف: لقد حاولَت بعضُ الحكومات العربية القريبة من المحيط الهندي القبضَ على هذه السفينة وقراصنتها، ولكنَّ جهودَها لم تؤدِّ إلى نتيجة … فيبدو أن القراصنة يعرفون مقدمًا بأنه سيتم البحث عنهم بالسفن الحربية والطائرات فيختفون عن الأنظار حتى ييأس مَن يبحث عنهم … ثم يعاودون الظهور من جديد.
أحمد: يبدو أننا سنتبع خطة مختلفة للبحث عن هؤلاء القراصنة في المحيط.
رقم «صفر»: بالضبط … إن خطَّتَنا هي ألَّا تبحثوا أنتم عن هؤلاء القراصنة … بل سندعهم هم يبحثون عنكم!
وساد بعد كلماته صمتٌ رهيب …