بين قبضة القراصنة!
اقتربَت سفينةُ القراصنة حتى توقَّفَت على مسافة قليلة أمام سفينة الشياطين، وظهر أفرادُها مسلَّحين بالمدافع الرشاشة والمسدسات والقنابل اليدوية …
وهمس «أحمد» لزملائه: لا تحاولوا المقاومةَ عند القبض عليكم، لا تنسَوا أننا لسنا أكثر من مجموعة من الشبان المغامرين وأن سفينتنا تتعرض للغرق.
ألقى القراصنة بالسلالم والحبال بين السفينتَين ثم اندفعوا نحو سفينة الشياطين شاهرين أسلحتهم، فقابلهم الشياطين في صمت … واندفع بعض القراصنة حول الشياطين شاهرين أسلحتهم، على حين اندفع البعضُ الآخر إلى قلب السفينة ليفتشوها، واقترب أحد القراصنة؛ وكان عملاقًا يَصِل طولُه إلى مترين، وله عضلاتٌ فولاذية كأنه بطل العالم في كمال الأجسام وكانت له عينان حادَّتان ووجهٌ قاسٍ وأنفٌ مشوَّه … وكان واضحًا أنه زعيم القراصنة … وكان زملاؤه يدعونه «ماكو». ووقف القرصان الغريب يتأمل الشياطين الستة في صمتٍ ويدُه قابضةٌ على مسدسه كأنه يحاول قراءة ما يدور في عقولهم.
وفكر «أحمد» في قلق … تُرى هل يشك القراصنة في حقيقتهم؟!
هتف «عثمان» في القرصان الغريب: أرجوك يا سيدي … إن سفينتنا تغرق ويجب أن تساعدونا. اندفعَت قبضةُ القرصان العملاق كأنها مدفعٌ نحو وجه «عثمان» الذي لم يستطع تفاديَها في اللحظة المناسبة، فسقط فوق الأرض من شدة الضربة.
وهتفَت «إلهام» في غضب شديد: أيها المجرم المتوحش.
واندفعت نحو القرصان …
ولكن «أحمد» أمسك بها بسرعة … وبعينَيه قال لها: تذكَّري يا «إلهام» أننا لسنا سوى بعض الشبان في رحلة بسفينة شراعية.
هدأت «إلهام» وتلاشَى غضبُها وأدركَت حرجَ موقف الشياطين أمام تلك الأسلحة المصوَّبة نحوهم من كل اتجاه وهم بلا سلاح.
ونهض «عثمان» وهو يتألم من أنفه … وكانت عينَا الفتى الأسمر دمويَّتَين … وكان من المؤكد أنه عندما يحين وقتُ الحساب، فإن ذلك القرصان المدعو «ماكو» سيرقص هلعًا تحت ضربات «عثمان».
وتفرَّس «ماكو» في الشياطين بشكٍّ عظيم، وقال لهم: مَن أنتم؟
تصنَّع «أحمد» الغضبَ وصاح به: نحن الذي نسألكم مَن تكونون؟ وكيف تقتحمون سفينتنا بمثل هذه الصورة وتهددوننا بسلاحكم بدلًا من أن تُقدِّموا لنا يدَ المساعدة لإنقاذ سفينتنا الموشكة على الغرق؟!
قال «ماكو»: من المذهل أنكم نجوتم من ذلك الإعصار … لقد سحق بعضَ السفن على مسافة بعيدة فحوَّلها إلى هشيم في ثوانٍ … ولكنه لم يمسَّ سفينتكم بأيِّ أذًى فيما عدا بعض الإصابات البسيطة.
واندفع بعض القراصنة إلى «ماكو» هاتفين: لم نجد أيَّ شيء … لا أسلحة ولا أجهزة إرسال أو استقبال ولا أي شيء مريب.
تنفَّس الشياطين في ارتياح لعدم عثور القراصنة على أسلحتهم المخبأة في قاع السفينة.
وتصنَّع «قيس» الغضب قائلًا: أي أسلحة التي تبحثون عنها داخل سفينتنا … إننا نقوم برحلة شراعية لعبور المحيط ولَسْنا نستعدُّ لخوض حرب.
ماكو: أليس من العجيب أن يغامر بعضُ الشبان بعبور المحيط بسفينة شراعية لا يوجد بها حتى بوصلة أو جهاز لاسلكي … لقد أثار الأمر ريبتي منذ سمعتُ عنه أول مرة خاصة وأن أصحاب الرحلة من أبناء الأثرياء والعظماء … في حين أن الجميعَ يعرفون أن المحيط لم يَعُد مكانًا للهو منذ وقت طويل.
أحمد: إننا لا نعرف ما الذي تتحدث عنه … ولن نسمح لك ورجالك بتهديدنا بمثل هذه الصورة. فإن حكومتَنا لن تسكت على مثل هذه المعاملة التي تعاملوننا بها … فإن لم يكن في نيَّتِكم تقديمُ يدِ المساعدة لنا فدعونا وشأننا نحاول إصلاح سفينتنا … وساد الصمتُ بعد كلمات «أحمد» الغاضبة …
وظهر على «ماكو» التفكير ثم التفتَ إلى رجاله، وأشار لهم برأسه … وعلى الفور خفض القراصنة أسلحتهم، ثم اندفعوا نحو مقدمة سفينة الشياطين وربطوها بحبال تمتدُّ من سفينتهم …
وانصرف القراصنة إلى سفينتهم التي بدأَت في سحْبِ سفينة الشياطين خلفها، ووقف الشياطين يتنفَّسون الصعداء في صمت، ولقد لاحظوا أن عينَ «ماكو» لم تغفل عنهم أبدًا … وبلغة الأصابع أخذ الشياطين يتناقشون في هدوء …
سألت «إلهام» زملاءها: هل تظنون أنهم صدَّقونا؟
قيس: هذا «بديهي» وإلا ما قاموا بسحب سفينتنا.
خالد: وأعتقد أنهم يُقيمون في جزيرة قريبة، وإلا ما حاولوا سحْبَ سفينتنا وهي تُوشك على الغرق.
مصباح: معك حقٌّ … ولكن لماذا قرروا سحْبَ سفينتنا خلفهم ولم يتركوها تغرق فهي بلا فائدة بالنسبة لهم؟
أحمد: لا أحدَ يدري السبب في ذلك … ولعله حظنا الحسن حتى نتمكن من استخدام سلاحنا المخبَّأ في قاعها في الوقت المناسب.
عثمان: سوف يكون انتقامنا شديدًا … وأقسم أن أحطم ذراع هذا القرصان المجرم المدعو «ماكو».
ومرَّت لحظةُ صمتٍ ثم تساءلَت «إلهام»: هل تظنون أنهم سيأخذوننا إلى جزيرتهم التي توجد بها محطة الإرسال والاستقبال؟
أجاب «مصباح»: مَن يدري؟ إننا لا نملك غير الانتظار للإجابة على أسئلتنا الحائرة.
قيس: تُرَى هل يعرف رقم «صفر» ما حدث لنا؟
ساد السكون بعد تساؤل «قيس» … وأدرك الشياطين أنهم معزولون عن العالم بالفعل، وظهرَت على البعد جزيرةٌ صغيرة مظلمة، أخذَت سفينة القراصنة تقترب منها حتى توقَّفَت أمام شاطئها … وخلفها توقَّفَت سفينةُ الشياطين التي امتلأ جوفُها بالماء وأوشكَت على الغرق … أشار «ماكو» بيده إلى رجاله فأسرعوا يُحيطون بالشياطين شاهرين أسلحتهم مرة أخرى.
وصاح «خالد» غاضبًا: إننا لا نفهم شيئًا … مَن أنتم؟ ولماذا أتيتم بنا إلى هذا المكان؟ ولماذا تُهدِّدوننا بأسلحتكم؟!
رفع «ماكو» أصبعه مهدِّدًا في وجه «خالد»، وقال له: إنني لا أحب أن يوجِّهَ لي أحد سؤالًا فإن إجابتي عادة تكون بمسدس … وأنصحكم بالهدوء والاستسلام إذا أردتم البقاء أحياء …
أحمد: هل نفهم من ذلك أننا أسرى لديكم؟
ماكو: بالضبط … وطالما بقيتم هادئين فستظلون أحياء.
أحمد: يبدو أنك تخاطر بأشياء كثيرة … إننا أبناء شخصيات هامة، وسوف يقلبون المحيط رأسًا على عقب للبحث عنَّا.
قال «ماكو» ساخرًا: لا بد أنك نسيت العاصفة والإعصار أيها الشاب … إن الجميع سيظنون أنكم غرقتكم بسفينتكم وسينتهي البحث عنكم بلا فائدة.
إلهام: وماذا ستفعلون بعد ذلك؟
ضاقَت عينَا «ماكو» وقال: هذا يتوقف على تأكدنا أولًا من شخصياتكم … فإذا كنتم بالفعل كما قالت الأخبار والجرائد فلا شك أن ثمن مبادلتكم سيكون عاليًا … أما إذا كنتم شيئًا آخر فليس أحب لرجالي من أن يخلصوا بطريقتهم الخاصة من أيِّ غبي جاء يسعى خلفهم … إلى حتفه.
وتقلَّصَت ملامح «ماكو» في مشهد مخيف ونطقَت عيناه بتوحُّش شديد وصاح في رجاله: خذوهم إلى الزنزانة.
وفي استسلام سار الشياطين أمام القراصنة الذين شرعوا يشقُّون قلبَ الجزيرة المظلمة، والنباتات الشائكة تُدمي وجوهَهم وأيديَهم … على حين كان ضوءُ النجوم البعيدة … الخافتة يُلقي ظلالًا شاحبة حولهم بدون أن يتبيَّنوا شيئًا محددَ المعالم بسبب الظلام، وكانت الأشجار المتساقطة تحت أرجلهم كأنها أشباحُ موتى.