فرق جزيرة القراصنة!
قاد القراصنةُ الشياطين داخل زنزانة ضيقة جُدرانها من الصُّلب … مكانها يقع تحت سطح الأرض، ثم أغلقوها عليهم.
ولم يكن يُضيء الزنزانة غير مصباح كهربائي ضئيل ضوءُه شاحب … وبعد قليل انفتح باب الزنزانة وظهر «ماكو» في مدخلها وخلفه حارسان مسلَّحان وضعَا بعضَ الطعام أمام الشياطين الستة، وقال «ماكو» للشياطين: ستكون هناك وجبة غذائية واحدة لكم …
سأله «قيس»: هل ستحتفظون بنا طويلًا؟
أجابه «ماكو»: أخبرتُكم من قبل أن هذا سيتوقف على طبيعة المعلومات التي ستصلنا بشأنكم وإن كانت هذه المعلومات ستتأخر قليلًا …
ورمق «ماكو» «إلهام» بنظرة إعجاب لم تَخْفَ على الشياطين، ومدَّ يدَه نحوها وهو يقول: إنك جميلة جدًّا أيتها الفتاة … ومكانك قد يكون هنا … إلى الأبد …
وقبل أن تلمسَ يدُ «ماكو» «إلهام» انطلقَت ساقُ «إلهام» بضربةٍ قوية إلى «ماكو» فترنَّح إلى الوراء من المفاجأة وهو ينظر إليها ذاهلًا … وعلى الفور صوَّب الحارسان مدفعَيهما الرشاشَين إلى الشياطين، ولكن «ماكو» أوقفهما قائلًا: لا بأس … سوف تُضاف هذه الضربة إلى قائمة الحساب فيما بعد.
ونظر إلى «إلهام» بنظرة قاسية، وقال: إنكِ لستِ بالنعومة التي ظننتُها … وأتمنَّى أن يكون ظنِّي حقيقيًّا بالنسبة لكِ … فإن رجلًا مثلي بحاجة إلى زوجة تُتقن القتالَ مثلك …
وخرج «ماكو» والحارسان وأغلقوا الباب خلفهم، وزمجر «عثمان» في غضب قائلًا: كان من المفروض أن نُلقِّن هذا الغبيَّ درسًا قاسيًا.
وقال «قيس» في ضيق: إنني لا أفهم … لماذا نتحمَّل كلَّ ذلك؟ … لقد كان في استطاعتنا القيام بمعركة ضد هؤلاء القراصنة والتخلص منهم.
قال «أحمد» في هدوء: تذكَّروا أن هدفنا ليس القراصنة فقط … بل محطة اللاسلكي أولًا … إذا تخلَّصنا من هؤلاء القراصنة فلن نجد مَن يقودنا إلى المحطة … لنقوم بتدميرها؛ لأنها في حالة بقائها ستُمارس عملَها بقراصنة جُدُد … لقد أتينا لقطع رأس الحية وليس ذيلها فقط …
إلهام: وهل تظن أن محطة اللاسلكي تقع فوق هذه الجزيرة؟
أحمد: أعتقد ذلك … فهذه الجزيرة مجهَّزة لتكون بمثابة ميناء لسفينة القراصنة، وأعتقد أنهم يتزوَّدون فيها بالوقود والطعام والذي ربما يحمله إليهم بعضُ الأعوان من مكان ما.
تساءل «مصباح»: ما الذي كان يقصده «ماكو» بقوله إن المعلومات بشأننا سوف تتأخر قليلًا؟
عثمان: لعل رجاله يُلاقون صعوبة في جمْعِها.
ضاقَت عينَا «أحمد» وقال: أظن أن السبب الحقيقي هو تعطُّل محطة اللاسلكي.
إلهام: وكيف استنتجتَ أنها تعطَّلَت؟
ابتسم «أحمد» وقال: هل نسيتم الإعصار والعاصفة؟ … لا بد أنه مرَّ على هذه الجزيرة أيضًا، فبرغم الظلام في الخارج وعدم استطاعتنا تمييزَ أيِّ شيء … فقد لاحظتُ أن هناك الكثير من الأشجار مقتلعة من أماكنها ومتساقطة على الأرض، ولا بد أن ذلك كان بفعل الإعصار، ولا بد أنه تسبَّب في إلحاق بعض الدمار بمحطة الإرسال والاستقبال اللاسلكية أيضًا.
قيس: هذا الاستنتاج يبدو معقولًا وهو في صالحنا حتى يتأخر اكتشاف حقيقتنا.
هتف «عثمان» في استنكار: هل سننتظر حتى يكتشفوا حقيقتنا؟!
أحمد: معك حقٌّ يا «عثمان» … لا بد أن نتحرك سريعًا … فلنحاول الخروج من هذه الزنزانة واستكشاف المكان … فإذا تأكدنا من وجود محطة اللاسلكي فعلينا العودة إلى سفينتنا وإخراج القنابل والأسلحة منها، فننسف المحطة ونتخلص من هؤلاء القراصنة، وسوف يُساعدنا الظلام في مهمتنا.
إلهام: ولكن كيف سنخرج من هذه الزنزانة؟!
أحمد: لحسن الحظ فإن هؤلاء القراصنة لم يقوموا بتفتيشنا.
ابتسم «عثمان» ولمعَت أسنانه البيضاء وأخرج كرتَه الجهنمية من جيبه قائلًا: لحسن الحظ فعلًا.
أما «أحمد» فأخرج من حول ساقه حزامًا جلديًّا صغيرًا كان يوجد به العديد من الأسلاك والمعدات الصغيرة … وأخذ «أحمد» يعالج قُفْل الباب الحديدي … وبعد دقائق سمع تكة صغيرة فدفع الباب بيده … وانفتح الباب.
ترامق الشياطين في صمت ورفعوا أيديَهم بعلامة النصر … ثم تسلَّلوا من النفق الصغير الذي تقع الزنزانة في قلبه وخرجوا إلى سطح الأرض.
همس «أحمد» للشياطين: كونوا حذرين … لا نريد أن يكتشفوا هروبنا قبل أن نُكملَ مهمتنا في استكشاف الجزيرة، وحاولوا ألَّا تقعوا في صدام مع أحد القراصنة لأننا بلا سلاح.
همس «قيس» ﻟ «أحمد»: من رأيي أن نقوم بتقسيم أنفسنا إلى فريقين … الفريق الأول يذهب إلى السفينة الشراعية ويقوم بإخراج ما بها من أسلحة وقنابل … والفريق الثاني يقوم باستكشاف الجزيرة وتحديد موقع محطة اللاسلكي في الجزيرة، ثم يتقابل الفريقان في هذه النقطة مرة أخرى قبل انبلاج الفجر.
هزَّ «أحمد» رأسَه موافقًا … وتم تقسيمُ الشياطين إلى فريقَين … «قيس» و«خالد» و«مصباح» يذهبون لجلب الأسلحة، و«أحمد» و«عثمان» و«إلهام» يقومون باستكشاف الجزيرة.
سار «أحمد» في المقدمة يتبعه من الخلف «عثمان» و«إلهام» وقد أمسك «عثمان» بالكرة المطاطية «بطة» في يده استعدادًا لأية مخاطرة.
وكانت الجزيرة ساكنةً سكونَ الموت، وكان واضحًا أن القراصنة قد أوَوا إلى فراشهم وأنهم لم يتوقعوا هروب الشياطين أبدًا.
وعلى مسافة ظهر أمام الشياطين صفٌّ طويل من الأشجار المتشابكة كأنها سورٌ ضخم … يُخفي خلفه شيئًا ما … وكان صفُّ الأشجار محطَّمًا في بعض جوانبه، فاقترب «أحمد» وألقى نظرة منه فشاهد عددًا من الأبنية ذات الطابق الواحد تُشبه فيلَّا عريضة متسعة.
همس «أحمد» ﻟ «عثمان» و«إلهام»: لا بد أن هذه هي أماكن إقامة القراصنة.
عثمان: هذا يؤكد أنهم يتخذون من هذه الجزيرة وكرًا لهم ينطلقون منه إلى أهدافهم … ودار الشياطين الثلاثة حول الأبنية العريضة وتسلَّلوا بداخل إحداها من باب خلفي … وأشعل «أحمد» بطاريةً صغيرة في حجم الإصبع كانت معه … وتكشَّفَت لهم بداخل الحجرات تلالٌ هائلة من البضائع والأقمشة الثمينة والحلي والمجوهرات في أكوام كبيرة بداخل الحجرات …
قالت «إلهام»: يبدو أن هذا المبنى خاصٌّ بالأشياء التي يستولي عليها القراصنة فيُخفونها هنا إلى أن يقوموا بتصريفها وبَيْعها … إن هذا المكان به أشياء تُساوي عشرات الملايين.
وفجأةً سمع الشياطين الثلاثة أصواتًا قادمة وفي لحظة اختفوا خلف أكداس المسروقات … ودخل الحجرة اثنان من القراصنة … وكان أولهما يقول بتأكيد: أؤكد لك أنني شاهدتُ بعض الأشخاص يدخلون إلى هنا.
ضحك الثاني ساخرًا وأشعل ضوءَ الحجرة وأخذ ينظر حوله باحثًا، وقال: وأين هم؟! … هذه الجزيرة ليست بها أشباح، والغرباء الذين قبضنا عليهم داخل الزنزانة.
قال الأول حائرًا: هذا أمر عجيب! … أين اختفوا؟
إجابة الثاني: لا بد أن الإعصار أثَّر على أعصابك … هيَّا بنا …
وخرج الاثنان من الحجرة بعد إطفاء أنوار الحجرة.
أطلَّ الشياطين برءوسهم وتنهَّدوا في ارتياح … لقد كان اكتشافُهم كفيلًا بإفساد الأمرِ كلِّه … وغادر الشياطين الثلاثة المكانَ في حذرٍ أشد وتجاوزوا أسوار الأشجار … وفجأة تعثَّرَت قدمُ «إلهام» في حجر صغير وسقطَت على الأرض، وأسرع «عثمان» و«أحمد» نحوها، وأمسكَت «إلهام» بساقها متألمة وهي تَكْبِت ألمَها.
وانحنى «أحمد» وأمسك بالشيء الذي تعثَّرَت فيه «إلهام» … لم يكن حجرًا … بل جمجمة بشرية … قال «عثمان» ذاهلًا: من أين أتت هذه الجماجم؟! … هل هي لضحايا هؤلاء القراصنة الذين جلبوهم إلى هنا وقتلوهم … ثم دفنوهم في الجزيرة؟
تأمل «أحمد» إحدى الجماجم وقال: لا أظن ذلك … إن هذه الجماجم تبدو قديمةً وعمرُها يَصِلُ إلى ثلاثمائة عام أو أكثر وربما تكون لبعض الضحايا بالفعل … ولكنهم ضحايا قراصنة آخرين كانوا يستغلون هذه الجزيرة كوَكْرٍ لهم منذ مئات الأعوام، فيأتون بضحاياهم تعساء الحظ ويقتلونهم هنا بطريقة دموية.
ظهر الحزن على وجه «إلهام» ونهضَت في صمتٍ، وهي تتحامل على ساقها المصابة، وقالت: سوف تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يعيش فيها قراصنة فوق هذه الجزيرة.
سار الشياطين الثلاثة في صمتٍ جهة الغرب … وأشار «عثمان» بيده قائلًا: انظرَا … وظهر على البُعد مبنًى صغيرٌ من طابقَين، كان يعلوه شيءٌ يُشبه طبقًا دائريًّا كبيرًا، وكان واضحًا برغم الظلام أن هناك بعضَ الأشخاص يُحيطون بالمكان ويعكفون على إصلاح الطبق الكبير …
هتفَت «إلهام» في انتصار: هذه هي محطة اللاسلكي … هذا المبنى يؤكد ذلك خاصة ذلك الطبق الضخم فهو بمثابة جهاز استقبال للأقمار الصناعية.
عثمان: لقد كان «أحمد» على حقٍّ في تصوُّرِه بإصابة المحطة بعطب … فهؤلاء الأشخاص يقومون بإصلاحها فيما يبدو.
واقترب الشياطين أكثر فسمعوا حوارًا دائرًا بين بعض القراصنة ومَن يقومون بإصلاح الطبق الكبير، وكان واضحًا أنهم فنيُّون في إصلاح مثل هذه الأشياء.
كان أحد القراصنة يسأل: هل سيستغرق الإصلاحُ وقتًا طويلًا؟
فردَّ أحدُ الفنيِّين: … ليس أقل من يومين …
– هذا كثيرًا جدًّا … إننا لا نستطيع أن ننقطع عن العالم هذه المدة.
وأجابه أحد الفنيِّين: يكفي أننا نعمل برغم الظلام.
- قال أحد القراصنة مستنكرًا: وهل تُريدنا أن نُشعلَ الضوء لك فنلفت انتباهَ السفن المارة بعيدًا؟! لا تنسَ أنه من المفروض أن هذه الجزيرة نائية لا يسكنها أحد … وإلا ما كنَّا دفعنا لكم مليون دولار لإصلاح هذا العطب البسيط مقابل إغلاق أفواهكم.
ترامق الفنيون في صمت مع القراصنة، ثم انصرفوا لإكمال عملهم.
همس «عثمان» إلى «أحمد»: لقد تأكدنا من وجود محطة الإرسال والاستقبال فوق الجزيرة … علينا بالعودة ومقابلة بقية الشياطين.
هزَّ «أحمد» و«إلهام» رأسَيهما بالموافقة، وما كادَا يبتعدان قليلًا حتى برزَ إليهما شبحٌ من الظلام شاهرًا مدفعَه الرشاش صائحًا: … قفوا في الحال وإلا أطلقتُ الرصاص … وعلى الفور طارَت «بطة» في تصويبة محكمة لتصطدمَ بجبهة الشبح كالرصاصة فترنَّح إلى الخلف وسقط فاقدَ الوعي.
وأسرع الشياطين نحو القرصان وجرُّوه بسرعة إلى منطقة كثيفة الأشجار على حين ظهر زملاؤه شاهرين أسلحتهم، وقد أتَت بهم صيحةُ زميلهم … ووقفوا قليلًا ينظرون حولهم في دهشة بدون أن يعثروا على أثر له …
وقال أحدهم: إن هذه الليلة حافلة بالأشياء الغريبة.
قال آخر: لعل أحدهم يمزح معنا …
وانصرف القراصنة … وفي الحال استولى «أحمد» على المدفع الرشاش للقرصان الفاقد الوعي، وأسرع مع «إلهام» و«عثمان» لملاقاة بقية الشياطين.
وفي غمرة استعجال الشياطين الثلاثة لم يلاحظوا العينَين الجهنميَّتَين اللتين كانتَا تراقبهما، وارتسمَت فوق شفتَي «ماكو» ابتسامةٌ رهيبة مليئة بالشر … فقد كان استنتاجُه صحيحًا.