فلسفة التاريخ عند فيكو
«استحدث فيكو نظرةً جديدة للتاريخ؛ فبعد أن كان التاريخ يقتصر على الأحداث السياسية والمعارك الحربية وسِيَر الأبطال، أصبح يهتم بمشكلة أصول تكوين المجتمع المدني، ويتناول البِنية الحضارية للمجتمع البشري بما تشمله من تنظيماتٍ سياسيةٍ واقتصادية، وفنٍّ وقانونٍ ولغة، إلى سائر التنظيمات الاجتماعية الأخرى. وإذا كان فولتير هو أول مَن استحدث اسمَ فلسفة التاريخ، فإن فيكو هو أول مَن تَناوَل بالدراسة مادةَ فلسفة التاريخ ذاتها؛ فتَعرَّض للتاريخ الحضاري للمجتمعات البشرية دون أن يُدرِك التسمية الكامنة وراء هذه النوعية من دراسة التاريخ.»
عُرِف القرن الثامن عشر بأنه عصر التنوير أو عصر المنطق؛ حيث سادَت الفلسفة العقلية المؤمنة بالتقدُّم والسعي نحو التجديد في كل شيء، مُتحرِّرة من هيمنة الكنيسة ومحاولاتها لقتل روح الاجتهاد والتقليل من الإنسان وإرادته كما كان في العصور الوسطى، واهتمَّت الفلسفة العقلية بكل العلوم، لا سيما التاريخ الذي أصبح الإنسانُ محورَ اهتمامه الأول، وفي هذا المناخ التنويري نشأ «فيكو» — أحدُ رُوَّاد فلسفة التاريخ وأبرزهم وقتَذاك — وتستند فلسفته على مبادئ تاريخ مثالي أدبي يتتبَّع مراحلَ تطوُّر كل أمةٍ من نشأتها حتى سقوطها. وهذا الكتاب ﻟ «عطيات أبو السعود» يُعَد مَرجعًا لكل مَن أراد التعرُّف تفصيليًّا على حياة الفيلسوف «فيكو» وسمات عصره، وأهم مُسلَّمات العلم الجديد التي قدَّمها في فلسفته التاريخية. ويضم الكتاب بين دفتَيه تحليلًا مهمًّا لفكره ونظريته في تطوُّر الحضارة البشرية.