الفصل الثاني
في الفندق
المشهد الأوَّل
(أندره وحده)
ما هذه العيشة، وما أَمَرَّ الحياة! فظائع وآثام سلسلة حياتنا في هذا المكان المنفرد،
بل المَجْزَر الهائل لكلِّ من تسوقه إليه يد الأقدار، فيُلَاقِي حتفه من حيثُ لا
يَدرِي، أجل إِنَّنَا نكسب مالًا كثيرًا، ونأكُلُ أشهى أكْل، ولا نخشى صولة غادِرٍ؛
لأنَّنَا نقوى على من يدور في خلْده أن يزورنا … ولكن آهٍ من عذابِ الضمير وتبْكِيته،
فكأنَّنِي أسمعُ كل ليلةٍ صوتًا يقولُ لي: لحاك الله يا من ضحك شيب لحيته على سكر ذمته!
… لقد سكرت من دماء الضحايا، ومن سَكِرَ لا يعودُ يعدُّ الأقداح، فمتْ أيُّها الضمير
موتًا أبديًّا، وهلمِّي إليَّ أيتها الجرائم، فلم يَعُدْ لي من أَمَلٍ
بالسَّمَاءِ.
ما تراها تسوق إلينا الأقدار من الغنائِمِ في هذا المساء؟ الباب يقرع … عسى ضيفنا
أن
يكونَ غنيًّا. (يتقدم ويقول): من الطارق؟
شارل
(مِن الخارج)
:
أبناء سبيل ضلَّا الطريق.
أندره
:
أأنتما اثنان فقط؟
سيريل
:
ومعنا جوادانا.
أندره
:
إذن أنتم أربعة. (على حدة) ما أتعس
السَّاعة التي شرَّفَا بها!
شارل
:
نطلُبُ منك أن تُفسِحَ لنا غُرفَة نبيتُ فيها ليلتنا.
أندره
(على حدة)
:
لقد وقعا في الفخِّ. (إلى شارل) أهلًا
ومرحبًا، ادخلا يا سيدي.
المشهد الثاني
(أندره – شارل)
شارل
(يدخل)
:
كيف حال مولانا الكريم؟
أندره
:
كما أشتهي لَكَ من الصحة والعافية.
شارل
:
أشكر لك تلطُّفك يا سيدي.
أندره
:
وأين رفيقك الكريم.
شارل
:
إنَّه يربط الجوادين في الإسطبل.
أندره
(على حدة)
:
لقد هَدَأَ روعي. (إلى شارل) ماذا
تُريدُونَ من المرطِّبَات؟ فكلُّ أنواعها موجُود.
شارل
:
لا شيء يا سيدي، نحنُ في حاجةٍ إلى الطعام.
أندره
:
سيكونُ لَكَ ما تريد، واعذرني يا سيدي إذا لم أقم بحقِّ ضيافتك كما يجب؛ لأنك
من رجال المجد والشرف، وعلى ما يظهر أنَّكَ قائدٌ عظيمٌ، إنَّ ما أصبت به من
العرج لا يُمَكِّنُنِي من الخِفَّةِ اللَّازمة، فها أَنَا ذاهبٌ لأُعِدُّ لَكَ
طَعَامًا شهيًّا.
شَارل
:
ذلك أفضل ما تصنع، فلا حَاجَةَ لنا بالخدمة، فمعنا غليوننا والتبغ وافرٌ وورق
اللعب في جيبنا، فقدِّم لنا طاولة إذا شئت وزجاجة خمر وكأسين.
أندره
:
سأرسل ولدي الصغير يقدِّم لك ما تَرْغَب.
شَارل
:
أَلَكَ ولدٌ صغيرٌ وأنتَ في هذا العمر؟!
أندره
:
نعم فهو في الخامسة عشرة من سنيِّهِ ولكنه — يا للأسف — أخرس.
شارل
:
إذن تخاطبه بالحركات والإشارات؟
أندره
:
كلا، فهو يسمع ويفهم كل شيء، وعن قريب يصل ولدي الكبير من الصيد، فنحتفي بك
الاحتفاء اللائق بالأُمَرَاءِ، فاعذرني الآن (يهمُّ
بالخروج).
شارل
:
أشكر لُطفك يا سيِّدي. عجِّل بالطعام.
أندره
:
ستكون مسرورًا (يخرج).
المشهد الثالث
(شارل – سيريل)
شارل
:
أشكرك يا ربَّاهُ؛ لأنَّك مننْتَ عليَّ بالنَّجاة والخلاص وهديتني إلى هذا
المكان الذي طُبِعَ صاحبه على اللطف والإِيناس، فكأنَّنِي حالٌّ في
منزلي.
سيريل
(يدخل)
:
لقد هيَّأتُ للجوادين مرقدًا ليِّنًا، وقدَّمتُ لهما العلف الكافي ليقطعا
مسافة النَّهار بطوله ولا يجوعان.
شارل
:
جزاك الله خيرًا أيها الرفيق الأمين! خذ كيس التبغ واحش غليونك واستعد للعب
الورق.
(يحشوان الغليونين.)
سيريل
:
ما ألذَّ الرَّاحة بعد العناء!
شارل
:
وما أطيب الأمل بعد قطع الرجاء!
(يُدخِّنَان.)
المشهد الرابع
(المذكوران – إميل)
(إميل يدخل وبيده زجاجة الخمر وكأسان.)
سيريل
:
أهلًا بالفتى الكريم.
شارل
:
بل مرحبًا بالكأس والمُدام، فالولد أخرس لا يتكلَّم.
(إميل يضَعُ الطَّاوِلَةَ في الوسط وعليها الزجاجة والكأسان،
ويلتفتُ بالاثنين مُستفهمًا عمَّا يُريدان.)
شارل
(يدق على ظهره)
:
عافاك الله أيها الفتي، فلك أتمنَّى لسانًا فصيحًا. (يشربان) على صحتك يا فصيح.
سيريل
:
لقد أثَّرَ بِي منظره.
شارل
:
هي مشيئة الله، فلنلعب الآن.
(يلعبان ويتحدَّثَانِ بلغة لاعبي الورق المعهودة.)
المشهد الخامس
(أندره – إميل – سيريل – شارل)
(إميل يدخل وبيده أواني المائدة فيضعها على الطاولة.)
أندره
(يدخل)
:
هذا ما استطعتُ تجهيزه الآن فاعذراني، كُلَا مريئًا واشربا هنيئًا، فأنتما في
بيتكما (يخْرج).
سيريل
:
لله در هذا الشيخ ما ألطفه!
شارل
:
يظهر أنَّ صاحب الدَّار رجل كريم الأخلاق، وإن دلَّت هيئته على البلادة،
فليتمجَّد الله الذي أرسلنا إلى هذا المكان لنستريح ونرقد بسلامٍ
وهناءٍ.
(إميل ينظر إليه نظرة فاهم ويُظهِرُ الكدر.)
شارل
:
إنَّ أمر هذا الغلام يُريبني يا سيريل؛ إذ لا يُصدَّقُ أنَّ رجلًا يسمع ويفهم
ولا يتكلَّم.
(أندره يُطِلُّ من الكوليس ليرى ما يُبديه الغلام.)
(إميل يدخل ويضع صحنًا فوقه رغيف خبز وإلى جانبه يضع ورقة.)
(شارل يرى الورقة فيندهش.)
(إميل يُبدي علامة السكوت ويُشيرُ إلى موضع أندره
ويخرج.)
(أندره يختفي عندما يخرج إميل.)
شارل
(ينظر إلى جهة أندره فلا يراه)
:
لقد ذهب، ما هذه الورقة يا سيريل؟ اسمع ما بها. (يقرأ):
إنَّكُمَا في أيدي لصوص قتلة وستُقتلان الليلة كغيركما فاحذرا، أسألُ
الله أن ينقذنا جميعًا.
سرٌّ غريبٌ، حذارِ يا سيريل، وأظهر رباطة جأش، وإيَّاك أن يبدو منك أدنى
علامة تدلُّ على معرفتنا السر.
سيريل
:
إنَّ ساعدي من حديد فلا تخف.
شارل
:
فلنأكل بسرعة، ثمَّ نعودُ إلى تخطيطِ طريق النَّجَاة (يأكلان).
(إميل يدخل، فينهض الفارسان، فيرفع إميل المائدة.)
شارل
:
اذهب يا سيريل، وتفقَّد الدَّار لعلَّنا نقفُ على شيءٍ يصدق لنا قول الفتى،
وفتِّش عن منفذٍ نفرُّ منه إذا اضْطُرِرْنا إلى الهرب.
سيريل
:
كُن واثقًا، وسأعود إليك بما ترغب (يخرج).
المشهد السادس
(شارل وحده)
شارل
:
ما هذا المُصاب أمن الدُّبِّ إلى الجبِّ؟ ليتني متُّ على أثر تلك الطعنة في
الحرب ولا أهلك في كمين اللصوص، ربَّاهُ نَجِّنِي من هذه الليلة.
المشهد السابع
(أندره – شارل)
أندره
(يدخل)
:
أتأمُرُ بشيءٍ مولاي؟
شارل
:
ألف شكر لك أيها الكريم، فقد طوَّقتَنِي بجميلك وغمرتني بفضلك، فأسأل الله أن
يجزيك عنِّي خيرًا!
أندره
:
متى أردْتَ أمرًا فادعني، تَرَنِي مُستعدًّا لقضائه.
شارل
:
حيَّاك الله ودُمْتَ بخير!
(أندره يخرج.)
شارل
:
يا لك ذِئبًا بثوبِ الحمل! أتظنُّ أنَّكَ تتغلَّب على شارل الشجاع؟ سنرى
الغلبة لمن تكون.
المشهد الثامن
(سيريل وشارل)
سيريل
(يدخل)
:
لقد صَدَقَ الغلام، فهذا فخٌّ يَصْطادُ فيه اللصوصُ عابري السبيل!
شارل
:
قل ماذا رأيت؟
سيريل
:
دخلتُ مخدعًا صغيرًا، فنظرت في حائطه مدخلًا، ولجتُ منه إلى شبه مغارة، وهناك
رأيتُ ثيابًا مُتراكمة فوقَ بعضها، وهي من الجوخِ الثمين والحرير الغالي مُضرجة
بالدِّماء، فخرجتُ لأرى إذا كان لنا منفذٌ نخرُجُ منه فلم أَجِدْ، فالأبوابُ
مُحْكَمَة الأقفال والأسوار عالية جدًّا، ولا نستطيعُ تسلُّقها فلنستعد للموت
والدفاع.
شارل
:
لا تَخَفْ يا سيريل، فأنا لا أخافُ عددهم مهما كَثُرَ، ولكنِّي آنف من إهراق
الدماء إذا نجونا بدونه، وعليه أرى أنَّ خير وسيلة هي أن أدعو الشيخ وأجبره على
فتح الباب، فنخرج بدونِ قتالٍ وطِعَانٍ، ونمتطي جوادينا ونأمَنُ شرَّ هؤلاء
اللصوص.
سيريل
:
إذا تمَّ ذلك فلا بأس.
شارل
(يقرع الجرس ثم يقول لسيريل)
:
تجلَّدْ ولا تَخَفْ.
المشهد التاسع
(أندره – شارل – سيريل)
أندره
:
مُر سيدي.
شارل
:
أرجو منك …
(يُقرَعُ الباب من الخارج.)
أندره
:
اسمح لي أن افتح الباب لابني، فهو قادِمٌ ثمَّ أعودُ لخدمتك.
شارل
:
يا خيبة الأمل، فلْنَرَ من يكون مع ابنه.
سيريل
:
حذارِ أن يفهما شيئًا من حركاتنا.
شارل
(يُطِلُّ قليلًا ثم يقول)
:
لقد اطمأنَّ بالي فهو قادمٌ وحده.
المشهد العاشر
(أندره – ولده – المذكوران)
أندره
:
هذا هو القائد ضيفنا الكريم.
جان
:
أذكى السلام عليك أيها القائد البطل.
شارل
:
ومرحبًا بالبطل الهمام، لقد حَلَلْنا ضيفين على أبيك.
جان
:
أنتما صاحبا المنزل، وكم حلَّ عندنا مثلكما من عُظَمَاءِ الرجال وكُنَّا
سعداء؛ لأنَّنَا تشرَّفنا بتنازلهم للمبيتِ عندنا، فألْف شكر للصدفة التي
ساقتكما إلينا.
سيريل
(على حدة)
:
إنَّه مسرورٌ بقتلنا. (إلى جان) أنت مثال
اللطف، ومن يُشابِه أبه فما ظلم.
جان
(إلى شارل)
:
لا شكَّ في أنك تعبتَ في مهمتك الحربيَّة.
شارل
:
لقد ذُقتُ الأمَرَّين، ولكنَّنِي أحمَدُ الله على سلامتي.
جان
:
حَمدُهُ تَعَالَى واجبٌ.
(سيريل يتثاءب.)
جان
(مازحًا)
:
ما بالك يا صاحِ تريدُ ابتلاعي.
سيريل
:
لقد أَصَبْتَ، ولكي تنجو من ذلك اهدني إلى غرفتي؛ لأنَّ مشاقَّ السفر
أنهكتني.
جان
:
اذهب معه يا والدي.
سيريل
:
أرجو منكما سيدي أن تُوقِظَانِي صباحًا؛ لأنهض وأعتني بجوادي الاعتناء
اللازم.
أندره
:
فليكن ما أمرْتَ.
سيريل
:
اعلما أنَّنِي أغِطُّ في نومي الثقيل كالتمساح، فأرجو منك أن تطرق الباب
طرقات عنيفة؛ لأنَّ نومي ثقيل كجسمي الغليظ.
أندره
:
سِرْ بِنَا ونَمْ مُطمئنًّا (يخرجان).
جان
:
ومتى تريد أن تنام يا سيدي القائد؟ (يُحدِّقُ إلى
المسدَّس.)
شارل
:
أنا أسهرُ قليلًا، ما بالك تحدِّقُ النظر إلى مسدسي كأنه أعجبك؟
جان
:
نعم، ولكن لا داع إلى إزعاجِ نفسك بحمله، فأنت في مأمَنٍ من كلِّ خَطَرٍ،
فمُرْ بأن أضعه في هذا الدرج.
شارل
:
لقد تعوَّدتُ أيُّها الفتى أن أرقد وسلاحي بجانبي، فأصبحتُ لا يغمض لي جَفْن
ما لم يكن بقربي، فاعذرني إذا رددتُ طلبك وأنا واثقٌ بِأنَّنِي في بيتي.
جان
:
إنَّ ثقتك لأكيدة (يتمشَّى ذهابًا
وإيابًا).
(شارل يحدِّقُ إليه.)
جان
:
أظنُّ أنَّ والدي نسي أن يقدِّمَ إليك من خمرتنا الجيِّدة (يُنادي أباه) أبي! أبي! هاتِ كأسًا من الخمرة
الجيدة لجناب القائد، إنَّ الذين يتقدَّمُون في السنِّ يَنْسَوْنَ أكثر
الواجبات، (يسمع ضجَّة) ماذا جرى؟ (يخرج.)
شارل
:
إنَّه يريدُ أن يُسْكِرَنِي؛ ليَسْهُلَ عليه اغتيالي، ولكنَّنِي لا أقعُ في
شِراكه.
جان
(يعودُ مذعورًا)
:
بعيشك سيدي، إنَّ والدي سقط في قبو الخمر فأرجو منك أن تتنازل وتُساعدني على
إنهاضه، أَسْرِع يا سيدي، هلمَّ وانظر …
شارل
(يطلُّ)
:
مسكين هذا الشيخ لقد أَنزَلَ به الأذى وجودُنا عندكم.
جان
:
أعنِّي يا سيدي على إنقاذه.
شارل
:
بما أنَّنِي أجهَلُ المكان فانْحَدِر أمامي.
أندره
(يئنُّ ويصرخ)
:
أنجِدوني خلِّصُوني.
جان
:
هلمَّ بنا (يتقدَّم) مِن هنا. من هنا
…
شارل
:
ويْحك يا غادر، أتريد أن تأخذني بهذه الحيلة؟ فالْحَق بوالدك يا ابن اللؤم
والخِداع (يرفسه).
(جان يقع في قبو الخمر.)
شارل
:
فلنقفل الباب على الاثنين (يقفل الباب)
لقد ظفرت الآن ونجوت، فألف شكر لله (يُنادي)
سيريل! يا سيريل! يا سيريل (يُطلِقُ رصاصة)
أين أنت؟
المشهد الحادي عشر
(سيريل – شارل)
سيريل
:
هنا يا سيدي، هنا (يدخل وبيده خنجر وفي الأُخرى
مسدس).
شارل
:
لا تَخَفْ شرًّا فقد سجنتُ الوالد وابنه بقبو النبيذ، ولا يخرجان منه إلَّا
إلى السجن.
سيريل
:
لله درُّكَ بطلًا!
شارل
:
اذهب وفتِّش عن الأخرس.
سيريل
(يخرُجُ مُسرعًا فيلتقي به في الكوليس فيعودُ به)
:
هذا هو هذا هو.
المشهد الثاني عشر
(المذكوران – إميل)
شارل
(إلى إميل)
:
لقد سجنَّا الوالد وابنه، فكُن مطمئنًا يا غلام.
إميل
:
شكرًا لك يا رب.
شارل
:
أأنت تتكلَّمُ؟
إميل
:
نعم سيدي، وما أخرسني إلَّا جور صاحب الدار وابنه؛ لكيلا أبوحَ بسرِّ
فظائعهما، هل ذَبَحْتَهُما؟
شارل
:
إنهما سجينان فاجلس وقُصَّ علينا خبرك.
إميل
:
لقد حان موعد مجيء زُمرَةِ اللصوص، فكونوا على حَذَر.
شارل
:
ومن أين يدخلون؟
إميل
:
من هذا الباب.
شارل
:
سيريل كن على حذر (يرصدان خلف
الباب).
المشهد الثالث عشر
(المذكورون – اللصوص)
(يقرع الباب فيفتح إميل، فيدخل لصَّان فيقبض عليهما سيريل وشارل
ويقيِّدانهما.)
شارل
(إلى اللصين)
:
وهل يشرفنا غيركما؟ قولا الصحيح.
إرمان
:
لا يا سيدي.
(يُسْمَع من الخارج صياح وعويل.)
شارل
:
أظنهم قَدِموا جميعًا، حَذَارِ يا سيريل.
سيريل
:
الحذر الحذر.
المشهد الرَّابع عشر
(المذكورون – فارس)
فارس
(يدخل)
:
أأنت هنا يا سيدي والفرقة تبحثُ عنك؟
شارل
:
لقد صِرنا في مأمَنٍ تباركْتَ يا رب! اذهب معه يا سيريل وقل لهم يكونوا في
انتظاري، فقد عوَّلتُ على الذِّهابِ الآن وسآخذ اللصوص معي؛ لأذيقهم عقاب ما
جَنَتْ يداهم، قل للفرقة تدخل الأقبية وتشرب الخمور المعتَّقَة، وتأكُلُ مَا
طَابَ لها أكله بعد أن تُقيِّدَ الفتى وأباه، لنأخذهما مع هذين اللصين.
سيريل
:
أَمرُكَ مُطَاعٌ (يخرج).
شارل
(يُناديه)
:
سيريل، عُدْ.
(سيريل يرجع.)
شارل
:
أَخْرِج هذين اللصين من هنا.
(سيريل يُخرجهما هو والفارس.)
شارل
:
تعالَ أيُّها الفتى وأَخْبِرْنَا قصتك الآن، فقد أَمِنَّا شرَّ
الأعداء.
إميل
:
إنَّ قصَّتِي غريبة يا سيدي، فبينما كنتُ ذَاتَ يومٍ مع والدي، دَخَلَ بيتنا
رجل وهو أحد اللصين الغليظ الجثة، يطلب من والدي دَينًا وأخذ يُهينه بكلامٍ
بَذيءٍ، فأبى والدي أن أسمع كلامه فأمرني بالخروج إلى البستان، وما كدتُ أخرج
حتَّى التفَّ حولي ثلاثة رجال يتهدَّدُوني بالقتل، إذا فُهتُ ببنت شفة، وربطوا
على عيني عصابة لم ينزعوها إلَّا في هذه الدار، ولمَّا وبختهم ذات ليلة على
فظائعهم، أمروني ألَّا أتكلَّم أبدًا، فقضيتُ عندهم ثلاث سنوات صامتًا، ولا
أدري ما حلَّ بوالدي الشيخ.
شارل
:
وابن من أنت؟
إميل
:
أنا إميل بن فرنان دي كارني.
شارل
:
إميل فرنان دي كارني؟ أنت ابن أخي!
إميل
:
عمَّاه (يتعانقان).
المشهد الخامس عشر
(المذكوران – سيريل)
سيريل
(يدخل)
:
ماذا أرى؟
شارل
(إلى إميل)
:
كأنَّ الله أرسلك إلى هذا المكان لتنقذني، فأنتَ مَلَكِي الحارس!
إميل
:
وأنت مُنقذي ومُخَلِّصي.
سيريل
:
ما هذا؟
شارل
:
هذا ابن أخي إميل يا سيريل، سَبَاهُ اللصوص وأَسَرُوه هنا، ألم أقل لك
إنَّنِي أشعر بمَيْلٍ إليه؟
سيريل
:
ما أعظم رحمة الله!
شارل
:
عُدْ وقُلْ للجنود أن يستعِدُّوا للسفر، وسِرْ بنا يا إميل إلى غرفتك؛ لنستعد
للذهاب لنَسِرْ ونفرح بلُقْيَا والدك المسكين، فالله لا يترك عبده.
(يرخى الستار.)