الفصل الثالث
في القصر
المشهد الأول
(لويس وحده)
لويس
:
الله من مصائب الدَّهر وما أقوى شوكة الأيَّام! فهي تَقلِبُ للبشر ظَهْر
المِجَنِّ، فقد كان سيد القصر رجلًا عظيمًا مُهابًا تَخشى صولته البشر، أمَّا
اليوم فقد أصبح صريع نبال الأيَّام، مُلقًى على فراش الأوجاع تهيج شجونه ذِكرى
أولاده الثلاثة — الذين ماتوا غرقًا —
ويُحزنه فقْدُ أخيه الذي كان يُعلِّقُ على حياته أملًا كبيرًا، أمَّا الآن —
وقد قُضِيَ الأمر — فالله أسأل أن يُصَبِّرَكَ يا فرنان!
المشهد الثاني
(شارل – لويس)
شارل
(يدخل)
:
السلام عليك.
لويس
:
وألْف تحية يا حضرة القائد، ما أحبُّ رؤياك، فمنذُ زمنٍ طويلٍ لم نَرَ
حَمَلَة السيوف في هذا القصر، فصاحبه شيخٌ عاجزٌ يَئِنُّ في فراشه وأنا أذوبُ
حُزنًا عليه.
شارل
:
أليس هذا قصر الكونت دي كارني؟
لويس
:
بلى سيدي وأنا قهرمانه.
شارل
:
أهو مريض؟
لويس
:
ولا يكادُ يسيرُ إلَّا ببُطءٍ، وهو دَائمًا يبكي وينوحُ!
شارل
:
وعلى ما ينوح؟
لويس
:
لا تَسَل يا سيدي، فالحديث شجون، لقد فقد أولاده الثلاثة وفُجِعَ بأخيه
القائد شارل.
شارل
:
وماذا يحلُّ به إذا عرف أنَّ أخاه حيٌّ يرزق؟
لويس
:
أصحيحٌ ما تقول؟ لا ريبَ أن يهبك مالًا جزيلًا مُكافأةً على هذه
البُشرى.
شارل
:
أنا هو شارل، أنسيتني يا لويس؟
لويس
:
مولاي!
شارل
:
صديقي (يتعانقان) وأَزيدك فرحًا، بأن أقول
لك إنَّ إميل ولده لم يَزَلْ في قَيْد الحياة وعن قريبٍ يصل.
لويس
:
ربَّاه أتكذبنَّ آذاني؟!
شارل
:
كُن واثقًا بما أقوله لك يا لويس.
المشهد الثالث
(المذكوران – إميل – سيريل)
إميل
(يدخل ومعه سيريل)
:
لويس مهذبي!
لويس
:
سيدي حبيبي!
سيريل
:
ما أحلى هذا الاجتماع!
شارل
:
إنَّه ثمرة اجتهادك وإخلاصك.
سيريل
:
عفوًا سيدي.
فرنان
(من الخارج)
:
يا لويس! تَعالَ إليَّ يا لويس! فقد سئمتُ الإقامة بين هذه الجدران، تعالَ
وأنهضني يا لويس.
لويس
:
أنا آتٍ يا مولاي.
إميل
:
هذا صوت أبي (يهمُّ بالخروج).
شارل
:
مهلًا يا إميل، فلا يحسن أن يعرف بنا فجأة فيموتُ من الفرح، اذهب يا لويس،
وأخرجه إلى هنا وحدِّثه مُعزِّيًا عن بلواه، وأفهمه أنَّنَا لم نَزَلْ
أحياء.
(لويس يخرج.)
فرنان
:
تعالَ يا لويس.
شارل
:
اخرج يا سيريل، مع إميل إلى الخارج، وحافِظ على اللص الذي زَوَّرَ السند،
وأهان أخي عندما اختطفوا إميل (يخرجان).
شارل
:
هذا أخي فرنان، مسكين عاجز، قبَّحَ الله الدهر!
المشهد الرابع
(شارل – فرنان – لويس)
فرنان
(يدخل)
:
ماذا تفيد الحياة يا لويس وأنا شيخٌ هَرِمٌ، جزاك الله خيرًا على حُسنِ
اعتنائك بي، أيُّها الصديق الحميم.
لويس
:
لا تيأس يا مولاي، فالصبر مفتاح الفرج.
فرنان
:
وأيُّ أَمَلٍ لي بالفرج بعد انقراض أسرتي؟ فقد أصبحْتُ أطلب الموت وهو يفرُّ
منِّي، تعالَ أيها الموت تعالَ.
لويس
:
أتُصَدِّق يا سيدي إذا قلتُ لك إنَّ أخاك شارل لم يزل حيًّا، وإنَّ خَبَرَ
وفاته كان كاذبًا؟
فرنان
:
هيهات يا صاحِ، ليت ذلك صحيح! فليسَ عند الله أمرٌ عسيرٌ ولكن …
لويس
:
نعم سيدي وقد رأيته اليوم.
فرنان
:
بربِّكَ أحقًّا ما تقول؟!
لويس
:
نعم سيدي.
فرنان
:
آهِ ما أقسى قلبه. وكيف لم يأتِ إليَّ؟ هيهات، أنت صديقٌ مخلص تريدُ أن
تخفِّفَ ويلاتي بتذكارِ أخي وتُعلِّلَني بالآمال.
شارل
(يظهر)
:
لا يا أخي، فأنا حيٌّ.
فرنان
:
هذا صوت شارل، ماذا أسمع؟! أين هو؟!
شارل
(يُسرِعُ إليه ويُعانقه قائلًا)
:
أخي فرنان!
فرنان
:
أخي حبيبي.
شارل
:
لم أكن أظن يا أخي أنك صرت هكذا!
فرنان
:
هي المصائب يا أخي تقوِّض الجبال، فقد فقدْتُ أولادي الثلاثة، ولكنَّنِي وجدت
بلقاك كلَّ العزاء، وأحسُّ أنَّ شبابي تجدَّدَ.
شارل
:
لا تقنط يا أخي من رحمة الله، فهو قادر أن يردَّ ابنك إليك.
فرنان
:
ما هذه الأحلام؟
شارل
:
لا أقولُ لَكَ إلَّا الصدق.
فرنان
:
ربَّاه ماذا أسمع أتكذبني آذاني؟
شارل
:
سيريل هاتِ إميل (يدخلان).
المشهد الخامس
(المذكورون – إميل – سيريل)
إميل
:
أبي أبي.
فرنان
:
يا روحي يا ﺣ … (يُغمَى عليه).
شارل
(يُنَشِّقُهُ المنبِّهَات)
:
هذا ما كُنتُ أتوقعه.
فرنان
:
آه، إميل شارل أخي ابني آه …
(يُنشِّقُونَه المنعشات.)
(فرنان يستفيقُ ويصافح ولده وأخاه، فيُغمَى عليه ثانية.)
فرنان
(يستفيق بعد قليلٍ قائلًا)
:
لقد قرُبَ الأجل، سأموتُ قريرَ العين.
شارل
:
تجلَّد يا أخي، لأقصَّ عليك خبرنا.
فرنان
:
إنَّ مرآكما ألذ وأشهى الأخبار يا عزيزي.
شارل
:
لقد جئنا بالرجل الذي جاءك — إذا كنت تَذْكُر — بالسند المزوَّر، فهو وعصابته
اختطفوا إميل، فهل تحبُّ أن ترى ذلك اللئيم؟!
فرنان
:
لقد فرحت بمرآكما، فلا تكدِّرْ صَفْوَ آخر ساعة من حياتي برؤية من
أهانني.
شارل
:
إذن تأمُرُ بقتله؟
فرنان
:
لا يا أخي، فالله يأمر بالمسامحة والغفران، إنَّنِي أعفو عنه وكفاني أن عادَ
إليَّ ولدي ورأيتُ أخي.
لك الحمد يا رباه والشكر والثنا
لأنك بعد الصبر بالرغد تُنعِمُ
أردتَ امتحاني بالمصائِبِ والبلا
وهذي حياتي اليوم بالبشر تُختَمُ
(تمت)