ما هي الليبرالية؟
على أساس الدفاع عن الحرية والرأي الآخَر تُعَد الليبرالية أساس الديمقراطية، ويشهد التاريخ أنها هي التي كافَحت وجاهَدت من أجل إرساء أُسس الحكم الدستوري، وأنها هي التي علَّمت البشر أصوله، ووجوب استقلال السُّلطات عن بعضها؛ السلطة التنفيذية (= الحكومة والوزارة القائمة) عن السلطة التشريعية (= البرلمان والنُواب أي مَجلِس الشعب في مصر) وعن السلطة القضائية، وأيضًا — بل وأصلًا — دافَعت الليبرالية عن استقلال المُواطِن نفسه ما دام مُلتزِمًا بالقانون، وإطلاق حرياته في كافة المَجالات إلى أقصى حد مُمكِن؛ وأهمُّها حرية الرأي والدين والفكر والاعتقاد والقول والفعل، وحرية انتخاب من يُمثِّله، وإبداء رأيه في الاقتراع العام؛ مع ضرورة إقرار أكبر قسط مُمكِن من الوسائل التي تحُد من تعسُّف الحكومات وتطاوُلها على حرياته.
•••
•••
على أن الحرية في واقع الأمر لم تكُن هي الدافع أو المُشكِلة المُلِحة. المُشكِلة الحقيقية التي تستنفر الجميع لحَلها، والتي هي أساس كل تنازُع أو اختلاف حوْل يمين ويسار ووسط، هي مُشكِلة المِلكية؛ أي حق الفرد في التملُّك أو الامتلاك، وليس المقصود طبعًا امتلاك المُقتنَيات الشخصية والسلع الاستهلاكية كالملابس والأثاث وما إليه، بل المقصود مِلكية وسائل الإنتاج كالمَزارع والمَراعي والمَصانع والشركات والمَتاجر الكبرى والمَصارف.
اليمين، أي النظام الرأسمالي، هو الذي يترك مِلكيتها للأفراد، وبطبيعة الحال الذي يقضي بكثرة عدد الأفراد وقِلة عدد مَوارد الإنتاج، لن يتملَّك كل شخص، بل فقط قِلة أو طبقة مُعيَّنة هي طبقة المُلاك أو البرجوازيين أو الرأسماليين. أما اليسار، أي النظام الاشتراكي، فهو الذي يرفض هذا، ويُصِر على أن تبقى سائر مَوارِد الإنتاج مِلكًا لكل شخص وللَا شخص، أي مِلكية عامة للدولة أو للجماعة. وبين هذا وذاك نجدُ الوسط وهو النظام المُطبَّق في مُعظَم دُوَل العالم يجعل بعضًا من مَوارد الإنتاج — خصوصًا الأساسية والحيوية والاستراتيجية — مِلكًا للدولة، ويترك بعضها الآخر مِلكًا للأفراد في تنافُسهم الحُر، ويكون تأرجُح الوسط تجاه اليمين أو تجاه اليسار تبعًا لحجم المَوارد المتروكة للأفراد وتلك التي تُسيطِر عليها الدولة، وأيضًا مَدى وحدود هذه السيطرة.
لقد قامت الليبرالية أساسًا لكي تُؤكِّد حق الفرد في المِلكية، وأنها — أي المِلكية — غريزة فطرية قد تعلو على كل الغرائز الأخرى؛ لذلك وأدُها مُستحيل أو على الأقل خطر مُحقَّق على الحياة الإنسانية السوية، وقُصارى ما يُمكِن هو تحديدها بحدود وربطها بواجبات والتزامات، كالضرائب والجمارك وحقوق الطبقة العاملة التي لا تملك، وقال الليبراليون في هذا الصدد قَولة عجيبة مَفادها أن الشخص قد يتسامَح في مَقتَل أبيه ولكنه لا يتسامَح في الاستيلاء على مُمتلَكاته.