والتر سكوت: التعويذة

الكاتب البريطاني الشهير سير «والتر سكوت» هو واحد من أهم الكتَّاب البريطانيين في كل العصور، وهو من أبرز كتَّاب رواية الفروسية والنبل. وقد عاش في الفترة بين عامي ١٩٧٧م و١٨٣٢م، وهو صاحب العديد من المؤلفات ومنها «إيفانهو»، و«سيدة البحيرة»، و«القزم الأسود»، و«روب روي» Rob roy وغيرها من الروايات.

***

ورواية «الطلسم» التي كتبها سكوت عام ١٨٢٥م، هي الرواية الوحيدة التي كتبها المؤلف حول الحروب الصليبية، ولأن الكاتب اعتاد أن يكون أبطاله دائمًا من النبلاء المتخاصمين فيما بينهم، مثلما حدث بالنسبة لفرسان المائدة المستديرة؛ فإنه حوَّل الحرب بين الصليبيين والمسلمين إلى مواجهة بين نبلاء، خاصة بين الملك «ريتشارد قلب الأسد» و«صلاح الدين الأيوبي»؛ حيث فقد كل من الاثنين الشعور بالعداء الذي يود به كل منهما تدمير الآخر، ولكنه يسعى للانتصار على منافسه، خاصة «صلاح الدين الأيوبي» الذي تسلل ليلًا وسط الجيوش الصليبية، وهو يحمل معه الدواء اللازم لعلاج خصمه.

ويقول النقاد إن «والتر سكوت» هو أحد أدباء الغرب الذين نظروا إلى «صلاح الدين» كبطل عربي مسلم يتَّسم بالنبل والشجاعة. يعيش في بلاد قامت بتصدير الحكمة والقوة والرخاء والشجاعة إلى العالم.

لم يتكلم المؤلف عن الحرب الدائرة بين الصليبيين والمسلمين، ولكن عن الصراع الذي تحول إلى صداقة بين قائدين متحاربين.

فبينما الجيوش رابضة تنتظر المواجهة الحاسمة، بعد أن انتصر «صلاح الدين» على الصليبيين في حطين؛ فإذا بالقائد العربي يسمع خبرًا بمرض عضال أصاب القائد الإنجليزي، ويرسل إلى الخليفة العباسي يخبره بالأمر، ويستأذنه في أن يذهب لمعالجة القائد الخصم.

ويرى «سكوت» أن النبل لم يكن سمة «صلاح الدين» وحده، بل إن الخليفة الإسلامي ينظر إلى الصليبيين كضيوف سوف يرحلون عن الوطن في أقرب وقت ممكن؛ لذا فإنه يوافق على أن يذهب «صلاح الدين» برغم المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها.

وبالفعل، فبينما السيوف تُشحذ، ووسط جيش منهزم، يتسلل «صلاح الدين» مع واحد من أتباعه داخل الصفوف التي أصيب قائدها بمرض، ويقود الاثنين واحد من رجال «ريتشارد قلب الأسد»، ويدخل الخيمة التي بها المرض، لقد نظر إليه كمريض، وليس كقائد منهزم.

لم يكن «صلاح الدين» إذَن قائدًا منتصرًا، بل حكيمًا يعرف كيف يشخِّص الداء، ويعطي له الدواء.

ويرى «والتر سكوت» أن «صلاح الدين» قد فاق بهذا السلوك أعظم الفرسان الإنجليز شهامةً ونبلًا ونكرانًا للذات؛ فقد كان من الممكن أن يتعرض لأذًى جماعي من الجنود الصليبيين، لو تم اكتشاف أمره وهو يخترق الجيش ذهابًا وعودةً.

ويصوِّر الكاتب البطل المسلم كعالِم مثقف، وليس فقط كقائد منتصر شجاع ومحارب، فقد تمكَّن من تشخيص المرض العضال الذي كاد أن يُودي بحياة «ريتشارد قلب الأسد» ومنحه العلاج الشافي.

وقبل أن يغادر «صلاح الدين» معسكر الصليبيين، يقدِّم إلى الفارس الأسكتلندي الشهير سير «كينيث» التعويذة أو الطلسم الشافي الذي يمكن أن يُبرئ المريض، لو عاوده المرض، ومن هنا جاء اسم الرواية «التعويذة».

الجدير بالذكر أن هذه الرواية تحوَّلت إلى فيلم سينمائي مليء بالنبل، عام ١٩٥٣م تحت اسم «صلاح الدين والصليبيين».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤