جوته: الديوان الشرقي للمؤلف الغربي

عظمة الإسلام بالنسبة لعلاقته بالغرب، أنه اقترن بما كنَّه شوامخ رجال الفكر الغربي من إعجاب بالإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام، والكتابة عنه دومًا.

***

وهل هناك مَن هو أهم من اسم الكاتب والشاعر والمسرحي «جوته» الذي كتب «فاوست»، و«آلام فرتر» و«تاسو»؛ فكانت علامات في الإبداع الإنساني!

و«جوته» هذا صاحب كتاب مهم يحمل عنوان «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي» اهتم فيه بتاريخ الإسلام، وبسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم ينشغل «جوته» فقط بدراسة الأديان، بل اهتم بدراسة التاريخ والأساطير.

ويقول المؤرخون الذين تابعوا علاقة «جوته» بالإسلام أنه كان شديد الاهتمام بدراسة الشخصيات التاريخية وعظماء البشر، وشدَّه في الرسول عليه الصلاة والسلام أنه رجل مفتاح التعرُّف عليه هو قدرته على التسامح مع خصومه. وقد كسب هؤلاء الخصوم فصاروا من أشد الذين يناصرونه.

لفت الإسلام أنظار «جوته» في سنوات مبكرة من حياته، عندما كان طالبًا بجامعة ستراسبورج، ومع التوغل والتعمق في دراسة الإسلام كانت المراجع تزداد عددًا في مكتبة الشاعر الشاب، وقد تتَّبع هذا أنه درس ثقافة الشرق التي ينتمي إليها الرسول عليه الصلاة والسلام.

وفي مرحلة متقدمة من حياته قرأ «جوته» قصائد الشاعر الفارسي «حافظ الدين الشيرازي»، وتأثَّر بموهبة الشاعر الفذَّة. وأحس بالرغبة في الفرار من الرجل الغربي الذي يسكنه، وقرر أن يكتب كتابه عن الشرق، وهو في الخامسة والستين.

ويقول «جوته» في كتابه «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي»: «الشرق والغرب والجنوب، كل هذا يتحطم ويتناثر، فلتهاجر إذَن إلى الشرق في طهره ونقائه، كي تستروح جو الهداة والمرسلين، هنالك حيث الحب والغناء، سيعيدك بنبوغ الخضر شابًا من جديد، إلى هنالك حيث الطُهر والحق والصفاء.

أود أن أقود الأجناس البشرية، فأنفذ بها إلى أعماق الماضي السحيق حيث كانت تتلقى من لدن الرب، وحي السماء بلغة الأرض، دون أن تضني رأسي بالتفكير.»

وفي كتابه، بدا «جوته» كأنه قد وقع تحت سحر الشعراء المسلمين، خاصة من بلاد فارس، منهم الفردوسي، وعبد الرحمن الجامي، ويقرر الشاعر في كتابه أن هؤلاء الشعراء المسلمين قد اتَّسموا بالنبل الإنساني العميق، ويعترف «جوته» أن «حافظ الشيرازي» هو أستاذه، ومنه استمد منهاجه، في الحياة، وتعلَّم الحِكمة … ويردد:

«من قصائد «الشيرازي» يتدفق سيل من الحياة لا ينقطع، حافل بالاتزان، كان راضيًا ببساطة حياته، فرِحًا، حكيمًا، يشارك في خيرات العالم، ويلقي بنظرة بعيدة عن أسرار الألوهية.»

ومن عنوان الكتاب الديوان الشرقي للمؤلف الغربي؛ فإن المؤلف الغربي المقصود بالطبع هو «جوته» نفسه الذي كان يكتب قصيدته التي يستجمع فيها كل خبراته الحياتية، وكل حُبه للشرق مُردِدًا:

غربت الشمس
لكنها لا تزال تلمع في مراكش
فإلى متى
سيستمر يلمع هذا البريق الذهبي؟

وأهمية هذا الكتاب أنه النبراس لأكثر من مائتيْ عام لرجال الغرب المعجبين ﻟ «جوته»، والذين لم يكفُّوا عن الرحيل إلى الشرق، أو الكتابة حوله وعن عقائده.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤