روبير سوليه: ثقافات العالم تبدع نفسها من جديد

هل يمكن استعادة أمجاد التاريخ مرة أخرى؟

أم أن مجد العصر الحديث له طعمه المميز المختلف؟

طرح هذا السؤال نفسه، والناس في كل أنحاء العالم يتتبعون افتتاح مكتبة الإسكندرية؛ فهل هذه المكتبة هي نسخة جديدة من المكتبة القديمة، محاولة إحياء لها، أم أنها شكل جديد من أشكال التقدم الحضاري؟

***

أمام هذا الافتتاح، كان على الإبداع أن يقدِّم كلمته، وقد جاء من خلال كتابه نشره الروائي المصري الناطق بالفرنسية «روبير سوليه» تحت عنوان «ثقافات العالم تبتدع نفسها من جديد».

«روبير سوليه» روائي مصري، وُلدَ في القاهرة عام ١٩٤٦م، وسافر إلى فرنسا حيث عمل صحفيًّا في جريدة لوموند، ونشر العديد من الروايات باللغة الفرنسية منها «الطربوش»، و«سيمافور الإسكندرية»، و«المملوكة» و«مزاج» وله العديد من الدراسات عن المصريات، مثل «حجر رشيد» وتُرجم له إلى اللغة العربية كتابه الشهير «مصر، ولع فرنسي» عقب صدوره مباشرة وكتاب بعنوان «قصة الحب المصرية» وهي رواية تدور أحداثها في حي العباسية بالقاهرة، ومن خلال الحروف الهجائية، نعيش تفاصيل قصة الحب التي عاشها اثنان من المصريين.

لكن، ماذا عن مكتبة الإسكندرية؟

أفرد الكاتب مقالًا نُشِر في جريدة لوموند عن الإسكندرية، كمدينة متعددة الثقافات منذ إنشائها، فما إن عرفت المدينة النور، حتى جلبت إليها الفلاسفة والمفكرين ومخطوطاتهم والعلماء ورجال العقائد والديانات المختلفة، وقد ساعد المدينة موقعها المُطلُّ على البحر المتوسط، ذلك البحر الأشبه بالحوض؛ حيث تتشابه ثقافات الأمم الراقدة على ضِفافه أيًّا كانت لغات الأقوام والبشر، ما أهَّلها أن تكون مدينة كوزموليت أو متعددة الثقافة.

والثقافات المتعددة، تعني التعاون والتآلف بين الحضارات والأفكار فليس هناك حَجر لثقافة ضد أخرى، والحوار المتنامي بين الثقافات يعني أنه لن تطغى إحداها على الباقيات، أي أن الكوزموبوليت تعني المعادل الأفضل والأنسب للعولمة، والكوزموبوليت مصطلح قديم ظهر في الإسكندرية، والمدن المماثلة لكن ليس هناك ما يماثل الإسكندرية؛ فلم تعمَّر مدينة بمثلما عُمِّرت وعاشت، إنها مدينة صار عمرها الآن ثلاثة وعشرين قرنًا كاملًا، هضمت كافة الثقافات ولا تزال.

وقد عرفت الإسكندرية فترات الازدهار الكبرى في القديم، وحتى الآن، وقد ساعدت الثقافات المتعددة أن تكون المدينة أكثر انفتاحًا على العالم؛ فعاش فيها أقوام من كل الأجناس دون أن يُحسوا أنهم غرباء، ولم تكن المدينة يومًا منغلقة على نفسها.

ويردد «روبير سوليه» أن مكتبة الإسكندرية ستعيد للإسكندرية شكلها الثقافي القديم، وسيصير لها دور طالما افتقدته؛ لذا فإن الدور الرئيسي للمكتبة هو فتح الأبواب التي أُغلقَت وسط التواصل بين الحضارات، وعليها أن تجذب الباحثين من كل أقطاب الأرض من أجل التبادل المعرفي والثقافي، ولا يجب أن نكتفي بجانب الذكريات والحنين، بل حان الوقت للتطلع إلى أفضل سبل التواصل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤