شانتال شواف: احمرار
الكاتبة الفرنسية «شانتال شواف»، المولودة عام ١٩٤٧م، هي واحدة من أهم الكاتبات اللائي ينتمين إلى ما يُسمى بثقافة الأقدام السوداء، أي هؤلاء الفرنسيين الذين عاشوا في فرنسا، تزوجوا من أبناء الجزائر، حين كانت تحت الاحتلال الفرنسي، فلمَّا اندلعت الثورة الجزائرية، وانتهيت برحيل الفرنسيين إلى بلادهم؛ فإن أبناء الأسَر المختلطة لم يعرفوا لنفسهم وطنًا، هل هو فرنسا، أم الجزائر؟
***
«شانتال شواف» ابنة لهذه الثقافة المختلطة؛ فأبوها جزائري مسلم، من عائلة شواف «من الشوف أي الرؤية»، أما أمها فامرأة فرنسية ظلَّت على ديانتها بعدما تزوجت من المسلم «شواف» وعاشت طوال حياتها فوق الجزائر. وبعد رحيل الأبوين في عمر مبكر، وجدت «شانتال» نفسها تسافر للتعليم ولتقيم في باريس، وهناك صار أمامها تحدٍّ واضح. في أن تظل مسلمة، وتمَثَّل هذا التحدي في تأليف الروايات التي لا تكفُّ فيها عن ذكر أنها امرأة فرنسية الجنسية، عربية الهوية، مسلمة الديانة.
بدا ذلك بكل وضوح في رواياتها القليلة، ومنها: «المذبح» عام ١٩٧٥م، و«القلب المذموم» عام ١٩٧٦م، و«بذور القمح» عام ١٩٧٨م، و«احمرار» عام ١٩٧٩م، و«غروبيات» عام ١٩٨١م.
في هذه الروايات كلها كان هناك الأب «شواف» بكل ما يتَّسم به من صفات، ونبل أخلاق؛ فهي تحكي أن أمها الفرنسية ماتت وهي تلدها، وتُركَت لأبٍ كان عليه أن يعتني بها؛ ففتحت عينيها على بيت يباركه القرآن الكريم. وتقول الكاتبة إنها تألمت كثيرًا لأنها كانت بدون أم، هي التي تخيلت دومًا أن لها أمًّا تجدل لها شعرها، وتضع الأحجار الكريمة حول عنقها؛ لكنها ما تلبث أن تتنبه إلى أنها تحلم.
أما الأب، فقد راحت في إحدى رواياتها تحاوره بعد أن مات في حوار داخلي صامت انكشف فيه مدى عذاباتها وآلام؛ لقد رأت أباها يموت ببطء فوق سرير مرضه، وهو يتلو القرآن الكريم باللغة العربية التي لم تكن تجيدها. بدت اللغة العربية غريبة عليها، وحاولت أن تفهمها، وبدأت في تعلُّمها من أجل أن تعرف المعاني.
كان الأب قد مات، وتخلَّى عن دوره في ممارسة الحياة، وتركها شابة صغيرة قلبها متأهب للحب، تبحث عن رجل له نفس صفات الأب، من هشاشة ورقة ونبل وتديُّن، وعندما تُقابل هذا الشاب في فرنسا تخبره أنها مسلمة، وأنه يجب أن يدخل دينها حتى يكتسب قلبها.
وبرغم أن الشاب يعلن إسلامه؛ فإن الفتاة تهجره؛ لأنه لم يكن يتفاهم معها طويلًا.
وأمام هذا الفشل الوجداني؛ فإن الكاتبة في روايتها «احمرار» تعود مجدَّدًا إلى طفولتها. وتتذكر بقوة وقائع حياتها هناك. المنزل الريفي، وصوت الأذان، والمساحات الشاسعة الممتدَّة أمام المنزل. هذه الفضاءات جعلتها تتأمل السماء الصافية دومًا، وتوصلت إلى حالة من الاندماج مع القوى الكامنة في الطبيعة.
وتقول الكاتبة «شانتال شواف» أنها عانت من افتقاد هذه الأجواء عندما وصلت إلى باريس وعاشت فيها، وبفضل الحنين إلى جذورها الأولى تحولَّت إلى كاتبة.