فولتير: زاديج

«فولتير» هو بلا منازع أهم كاتب في اللغة الفرنسية طوال تاريخها، وهو الذي عاش في باريس بين ميلاده، ووفاته أي بين عامَي ١٦٩٤م، و١٧٧٩م، وله العديد من المؤلفات الخالدة، ومنها «وفاة قيصر» عام ١٧٣٤م، و«قصص شارل الثامن» و«يتيم الصين» عام ١٧٥٥، و«القانون الطبيعي» عام ١٧٥٦م، «كانديد» أو «الساذج» عام ١٧٥٩م، وله العديد من المؤلفات الفلسفية الضخمة البالغة الأهمية.

***

هذا الكاتب العظيم كان يرى الإسلام بعينَي العقل فيكتب عن تاريخه، وأبطاله بإعجاب ملحوظ، ومنهم روايته الشهيرة المعروفة باسم «زاديج» أو «صادق» وهي توضح أن حضارة الشرق مفعَمة بالحكمة والروحانيات، وقد جاء هذا الكتاب المنشور في ستينيات القرن الثامن عشر بمثابة رسالة حكمة من «فولتير» إلى الفرنسيين تعني «تعلَّموا الحكمة من الشرق، ومن الإسلام».

وروايته هذه عن فارس شرقي حكيم يتعرض للعديد من المواقف المعقَّدة التي يخرج منها ناصع البياض وهو دائم التصرف بالحكمة، والاتزان فيكشف الفاسدين والحمقى. ومن بين المواقف أن الحاكم المسلم — تدور الأحداث في بلاد فارس — قد أراد اختيار وزير مالية جديد يتمتع بالنزاهة والشرف، وهو الذي عانى من كافة الوزراء السابقين الذين سقطوا أمام بريق الذهب وضعفوا، ويعرض الحاكم على «صادق» مشكلته، ويسأله المشورة، فيقترح عليه «صادق» ما أسماه «ممر الإغراء».

ويستغرب الحاكم بما يقصد «صادق»؛ فيطلب الحكيم أن يأمر الحاكم بعمل ممر مظلم ويملأه بكافة أنواع الأحجار الكريمة من ذهب ومرجان، وماس وياقوت، وهي بمثابة أحجار كريمة صغيرة من السهل على من يمر بها أن يدسَّ منها في ملابسه؛ لذا أوصى «صادق» أن تكون الملابس التي يرتديها المتقدمون للوظيفة خفيفة، وأقرب إلى الشفافية من أجل كشف ما تحتها.

وبدأت المسابقة، وراح كل متسابق من أجل الحصول على وظيفة وزير المالية أن يمر من ممر الإغراء، ويخرج ليرقص على أنغام موسيقى شرقية، وبالفعل كان كل متسابق يخرج، ويرقص بتثاقل شديد، كأنه يخشى أن يسقط منه شيء ما دسَّه في ملابسه، وتساقطت بعض الأحجار من المتسابقين.

حتى خرج رجل من الممر، وقد بدا بالغ الحرية والتلقائية، وأخذ يرقص ببراعة شديدة على أنغام الموسيقى، يرفع يديه إلى أعلى بكل ما لديه من مهارة.

وهنا نظر الحاكم إلى الحكيم «صادق» وفهم كل منهما المقصود؛ فهذا الرجل لم يُخفِ شيئًا بالمرة من الأشياء الثمينة الموجودة في الممر.

وسرعان ما أمر الحاكم بالقبض على المتسابقين الذين أخفوا قطع الأحجار الكريمة في ملابسهم. وأمر بتعيين المتسابق الأمين كوزير للمالية، وهو يردد للحكيم «صادق» أو «زاديج»: لقد نفعت حيلتك يا صديقي.

وهكذا فإن عمل «فولتير» الخالد جعل صورة المسلم تعني الروحانيات النقية من ناحية، وأيضًا تعني الحكمة التي كم افتقدها الغرب، كما يعترف «فولتير» بذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤