أندريه جيد: اللاأخلاقي

«أندريه جيد»، روائي فرنسي عاش بين عامي ١٨٦٩ و١٩٥١م، وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام ١٩٤٧م، وللكاتب العديد من الروايات المُترجَمة إلى اللغة العربية منها «الباب الضيِّق» من ترجمة الدكتور «طه حسين»، و«السيمفونية الرعوية» من ترجمة الدكتور «محمود علي مراد»، كما أنه زار مصر أكثر من مرة.

***

«أندريه جيد» عاش فترة طويلة بين الجزائر وتونس؛ حيث ترك له أبوه ضيعة صغيرة في مدينة بسكرة، كان ينزل إليها في الشتاء من أجل الاستشفاء من مرض الصدر الذي أصابه وهو شاب صغير.

وقد أتاحت له هذه الإقامة التعرف إلى المسلمين وعاداتهم في الريف التونسي، وربطته صداقة قوية بالعرب الريفيين البسطاء، وأحب العيش بينهم.

وفي روايته المعروفة «اللاأخلاقي»؛ فإن الكاتب يتحدث عن رحلته مع زوجته الشابة «مادلين» المصابة بداء الصدر مثل زوجها إلى الضيعة التونسية. وهي تأتي إلى المكان لأول مرة، في البداية يبدو لها موحِشًا؛ لكنها في المساء تسمع صوت أغنيات جميلة تأتي من المساكن القروية القريبة؛ فتسأل زوجها عمَّن يغني، وتعرف أنهم مجموعة من الأطفال العرب الذين يجتمعون في المساء تحت الشجرة القديمة لتبادل السمر، والحكايات القديمة مثل الشجرة، وتهفو المرأة إلى أن تلتقي بالصغار، وفي ساعة متأخرة من الليل تسمع صوتًا آخر ينادي كأنه يناجي السماء، ويخبرها الزوج أنه صوت صبي صغير يؤَذِّن لمناداة الناس للذهاب إلى صلاة الفجر في مسجد القرية، وعندما تشرق الشمس يأتي بعض الصغار، ويَبدون أكثر نظافة من غيرهم من الأطفال، إنهم عائدون من المسجد.

ويلفت أنظار المرأة صبي صغير، وتعرف أنه الذي كان يقود زملاءه في الغناء ليلة أمس، كما أنه يقوم برفع الأذان أثناء مرض أبيه.

هذا الصغير يعاني من حاجة واضحة، وبرغم ذلك فهو لا يشكو، ولكن لا يمنع هذا أنه حزين، يبدو شاردًا، وهو يرفض ما تعطيه إليه «مادلين».

وفي مساء نفس اليوم تنتظر «مادلين» أن تسمع صوت الصغير؛ لكنه يبدو كأنه توقف عن الغناء. وتذهب للبحث عنه في منزله، وتكتشف أن أباه قد مات، وأنه لم يَعُد له عائل.

وبعد أن تنتهي مراسيم الجنازة تطلب «مادلين» من الزوج أن يأتي ليعيش الصغير معهما في الدار، ويقول الطفل إنه لا يريد أن يسبب إزعاجًا لأهل البيت؛ فهو يواظب على الصلاة، ولا يريد أن يضايق أحدًا من المنزل.

وفي البداية تتصور «مادلين» أن التغيُّر الذي حدث في حياة الصبي سيترك أثرًا عميقًا في سلوكه؛ لكن هذا أمر لم يحدث بالمرة، وبعد عدة أسابيع تكتشف الزوجة أنها بدأت تسعل أقل، وأن صدرها قد طاب كثيرًا، ويصبح الفراق صعبًا، وتقرر عدم الرحيل إلى فرنسا؛ فهي لا تود أن تترك الصبي الذي صار بلا عائل، والذي فضَّل البقاء في بسكرة عن الرحيل إلى فرنسا.

ولا يجد الزوج سوى الامتثال لزوجته، أيضًا في بسكرة، فهو يشعر أيضًا بالتحسُّن في صحته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤