جيلبير سنوحي: محمد علي آخر الفراعنة

الكاتب الوحيد في العالم العربي، الذي استوحى من حياة «محمد علي الكبير» رواية كان هو «جورجي زيدان»، أما بقية الكتب التي نُشرت عن هذا الزعيم العربي الذي اختلفت حوله الآراء؛ فكان أغلبها بمثابة دراسات تاريخية حول الرجل الذي حكم بلاده في أطول فترة من بين أقرانه من الذين حكموا مصر في القرنَين الماضيَين.

***

أما الكاتب العالمي الوحيد الذي استوحى من حياة «محمد علي» رواية، فهو «جيلبير سنوحي»، الذي استوحى اسمه من اسم فرعوني، هو «سنوحي المصري» الذي استوحى عنه أيضًا الكاتب الفنلندي «ميكافالتاراي» روايته الشهيرة «المصري».

و«سنوحي الكاتب» مولود في القاهرة عام ١٩٤٧م، ودرس في مدارس الجزويت وهو يُعتبر واحدًا من الأدباء الفرنسيين المعاصرين الأكثر فهمًا لثقافة الشرق، وعلاقاتها بثقافة الغرب، نشر روايته الأولى «القرمزي والزيتوني» عام ١٩٨٧م، ثم «ابن رشد وطريق أصفهان»، ثم «المصري»، و«بنت النيل»، ثم جاءت روايته «كتاب الزبرجد» عام ١٩٩٦م، وفي العام التالي نشر روايته «محمد علي آخر الفراعنة» كما نشر رواية حول العرب في غرناطة والأندلس. وحصل عنها على جائزة المكتبات.

وقد حاول الكاتب أن يناصر «محمد علي»، واعترف أنه صانع النهضة العربية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ويتتبع الكاتب رحلة «محمد علي» من بلاده تركيا إلى أن استقر به المقام في مصر، ومواقفه من الحملة الفرنسية، ولقاءه الأول مع «نابليون بونابرت»، وعلاقته بالفرنسيين، ﻓ «محمد علي» هو أول من فكر في استجلاب التجربة الحضارية الفرنسية إلى بلاده، وأوفد العلماء والمفكرين إلى باريس خاصة «رفاعة الطهطاوي»، كما كان أول من فتح المدارس الفرنسية في القاهرة والإسكندرية.

وفي رواية تبلغ صفحاتها الخمسمائة، يعترف المؤلف «سنوحي» أن «محمد علي» قد نجح في إخراج مصر من عصر الظلمات الذي استمر حقبة طويلة، ونقلها من التقليدية التي استبدَّت بها إبان الحكم العثماني إلى المعاصرة، وقد استعان في ذلك بالعلماء والمهندسين الفرنسيين في مجالات متعددة، فمنحهم الألقاب التشريفية، ومنها لقب «البك» و«الباشا».

وقد تتبع الكاتب رحلة «محمد علي» من خلال قيامه بإرسال ابنه «إبراهيم باشا» إلى البلاد المجاورة لفتحها، ومنها السودان، وسوريا، والجزيرة العربية ووصلت الجيوش حتى مدينة إسطنبول، فهدد بذلك السلطان العثماني، وفي عام ١٨٣٩م كانت الشيخوخة قد استبدَّت بالرجل، وقامت الدول الأوربية بالتحالف لإيقاف زحفه، خاصة الإنجليز الذين وضعوا حدًّا لهذا التقدم المذهل.

وقد وجد «جيليبر سنوحي» نفسه أمام رواية تكتب نفسها؛ فالوقائع بها أكثر قوة من التخيل الذي يمكن لأي كاتب أن يكتبه فوق صفحات رواية، وقد اعترف الكاتب أن بلاده فرنسا قد وفقت عاجزة عن مساندة رجُلها؛ فلم تُقدم له من الدعم سوى الكلمات الجميلة المنمَّقة.

وبعد رحيل «محمد علي»، وفي عام ١٨٤٩م، وجد الابن «عباس الأول» نفسه أمام ترِكة ثقيلة من الانتصارات والهزائم والمشاريع الكبرى. فكان أشبه بالمُحاصَر بين الرمال والرياح، ومع ذلك فإن شبح «محمد علي» ظل لفترة طويلة جاثمًا فوق خصومه، يخافون من اسمه لمجرد ذكره.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤