كينزة مراد: فيما يخص الأميرة الميتة

تنحدر الكاتبة الفرنسية «كينزة مراد» من أصول تركية، وهي تعيش في فرنسا منذ ميلادها عام ١٩٤١م، وقد اعتمدت كل شهرتها في الأدب الفرنسي المعاصر على تأليف رواية واحدة فقط نشرتها عام ١٩٨٤م تحت اسم «فيما يخص الأميرة الميتة».

***

الأميرة الميتة في الرواية اسمها «سلمى»، ماتت في نفس السنة التي وُلدت بها الكاتبة، وغير خفيٍّ أن «سلمى» هي أم الكاتبة التي قررت أن تؤلف رواية عن أمها الأميرة التركية المسلمة. تقول «كينزة مراد» أنها ظلت تبحث عن أمها من خلال الوثائق لأكثر من ثلاثة أعوام، واكتشفت أن هذه المرأة «سلمى» قد تربَّت في قصور إستانبول، فهي ابنة لأسرة من الحُكَّام العثمانيين الذين حكموا تركيا لقرون طويلة.

لكن الأميرة «خديجة» تم الحكم عليها بالسجن مع زوجها الذي حاول الاستيلاء على السلطة مع أخيه، وكان المنفى بالنسبة للابنة «سلمى» هو جزء من ميراثها بعد أن دخل والدها السجن.

لقد عاشت «سلمى» في ظروف قاسية أثناء وجودها في المنفى بلبنان، لكن الأب أُطلق سراحه، وتولى الحكم لعدة أشهر لم تطُل كثيرًا.

فما لبث «كمال أتاتورك» أن قام بثورته ضد العثمانيين، ووجدت «سلمى» وأسرتها أنفسهم في المنفى مرة أخرى.

في لبنان عرفت الفتاة المعاناة والهوان، فقد تزوجت من أمير هندي لم يسبق لها أن رأته، إنه رجل جذاب وساحر تعلَّم في بريطانيا وله أفكاره المُتحضرة، ومع ذلك فإنه رجل شرقي مُحافظ لدرجة غير محتمَلة.

هذا الرجل الهندي المسلم هو والد الكاتبة «كينزة مراد»، والذي تقول عنه: «كان أبي صديقًا للمهاتما «غاندي»، ولكنه كان لا يرغب أن ينسى الهنود حق المسلمين في أن تكون لهم مكانةً في الدولة الهندية الجديدة.»

وترى الكاتبة أن المهاتما «غاندي» كان هندوسيًّا متعصبًا، وأنه لم يكن عادلًا قط تجاه المسلمين.

أما «سلمى» فإنها كانت واقعة في حيرة بين حبها لزوجها الهندي، وولائها لوطنها الذي شهد اضطرابات فقد مات أبوها في سجون «كمال أتاتورك».

وعندما حملت «سلمى» ابنتها قررت ألا تنظر وراءها، وأن تُكرس حياتها لابنتها، ما لبثت أن انفصلت عن الزوج.

و«سلمى» امرأة مسلمة ترفض كل ما هو غربي، برغم أنها وَلدت ابنتها في مدينة سويسرية، تقول: «كانت تقدِّس كل ما هو مسلم، وتحب الأجواء الإسلامية التي تربَّت فيها، وعندما عاشت في الهند أحبت فيها التقاليد الإسلامية.»

وبعد حياة مليئة بالتقلُّبات بين الثراء والفقر، ماتت «سلمى» في شهر يناير عام ١٩٤١م، في أجواء شديدة البرودة، وهي لم تتعدَّ الثلاثين من عمرها، ودُفنَت في مقابر المسلمين في مدينة باريس التي كانت في تلك الفترة تحت الاحتلال النازي.

تقول الكاتبة إن «سلمى» ماتت حاملة معها ذكريات ستة قرون من السُّلطة والمجد، هي المرأة القادمة من تركيا. لم يحتمل صدرها الضعيف جو باريس الشديد البرودة، وتركت ابنتها وحيدة مع القدَر رضيعة صغيرة، دون أن تعرف أن هذه الابنة سوف تنشر حكايتها إلى العالم؛ فتحقق أعلى المبيعات في فرنسا طوال عام ونصف من تاريخ نشرها عام ١٩٨٤م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤