والتر ماسون: الريشات الأربع
الكاتب والتر ماسون ينتمي إلى جيل الروائيين المغامرين الذين جاءوا إلى الشرق في مطلع نهاية القرن الماضي، وقضى في السودان عِدة سنوات إبان قيام الثورة المهدية التي بدأت في العقد الأخير من القرن التاسع عشر ضد الاحتلال البريطاني للسودان.
***
ولأنه كاتب بريطاني ولأن الثورة المهدية كانت ضد احتلال بريطانيا للسودان؛ فلا يمكن أن نتوقع أن يقف الكاتب إلى جوار الثورة بالطبع؛ لكنه سوف يصورها عملًا همجيًّا، وأهمية هذه الرواية أنها تعكس وجهة النظر السلبية في منظور بعض الكتَّاب للمسلمين والإسلام.
ومن المهم التعرُّف على الرواية؛ لأن أعداء الإسلام من الذين يحاولون تشويه صورته يقومون بإنتاجها سينمائيًّا بين فترة وأخرى.
والشخصية الرئيسية هي الجندي البريطاني «جيم» الذي يتم إرساله إلى السودان في نهاية القرن التاسع عشر من أجل المشاركة في التَخلُّص من «المهدي» الذي أعلن الثورة ومن أتباعه، والثورة من مفهوم هذا الضابط الاستعماري تعني العصيان؛ ولذا فإن خطيبة الشاب تبلغه أنها تودُّ أن يكون مهرها المزيد من رءوس رجال «المهدي».
والضابط الشاب يرفض الذهاب إلى الشرق، بلاد الإسلام، ليس خوفًا من الحرب، بل لأنه يحب خطيبته ويودُّ البقاء إلى جوارها؛ ولكن الفتاة تمنحه ريشة كي تباركه في رحلته، وتطلب منه اللحاق بزملاء له أرسلوا إليه ريشات ثلاثة لتشجيعه أن يذهب معهم.
وفي السودان تكون المواجهة بين الجيش البريطاني والثُّوار، ولأننا أمام محارب بريطاني فهو ينظر إلى رجال «المهدي» باعتبارهم قوم متوحشين، وإلى مَن يساعدهم من السودانيين، وهم قِلة، باعتبارهم يعرفون مصلحة أوطانهم.
ونحن نتوقف عند هذه الرواية لإلقاء نظرة على ما كان يُسمى بالأدب الاستعماري، أي أن الذي كان يخدم القوات الأجنبية التي ظلَّت تحتل بلادنا لفترة طويلة من الزمن. وأخذت تحارب كأنما الشعوب المسلمة من الممتلكات الأوروبية ليس لها الحق في أن تطالب بحقوقها؛ ولذا فإن مثل هذه الروايات تبقى إلى الآن كدليل مؤكَّد على مرحلة سيئة من تاريخ الغرب.
وفي الرواية؛ فإن الشاب الجبان الذي يذهب إلى الحرب يعرف تمامًا أن مصيره الموت، ولكنه هناك يتحوَّل إلى بطل، ويصادق رجلًا اسمه «أبو فاطمة» يندسُّ بين قومه من أجل نقل الأخبار إلى القوات البريطانية، وكما نرى فهذا الرجل الخائن بالطبع يصبح معلِّمًا للجندي الذي يراه شخصًا نموذجيًّا من الطراز الأول.
وعندما يصاب الجندي الشاب؛ فإنه يعطي ريشته إلى «أبي فاطمة» من أجل أن يرسلها إلى خطيبته مع ملابسه المخضَّبة بالدماء دليلًا على تحوُّله إلى بطل مِقدام.
وكما نرى فإن المعاني هنا تُناقض الوقائع؛ فلم يعرف الإبداع الإنساني، أبدًا، أن الخونة أبطال، ولا أن الغُزاة لهم الحق في أن نتعاطف معهم.
وهكذا فإن كتَّابًا من طراز «والتر ماسون» قد نسيهم الزمن، وعندما يتم الحديث عنهم فلا بدَّ أن نذكُرهم من خلال منطقهم المغلوط.