جوزيف كونراد: لورد جيم
الكاتب البريطاني «جوزيف كونراد»، عاش بين عامَي ١٨٥٧م، و١٩٢٤م وهو من أصل بولندي وقد عُرف بأنه واحد من أكبر رجال البحر الذين عملوا في الإبداع الأدبي، كما أنه أحد الذين أضافوا الكثير إلى الشكل الروائي، وهو أحد أسماء قليلة في الأدب البريطاني، المكتوب في نهاية القرن التاسع عشر، والقرن العشرين والذين غيَّروا من صياغة الرواية ومكانتها، ومنهم: «جيمس جويس»، و«هنري جيمس»، و«فرجينيا وولف».
***
و«جوزيف كونراد» كاتب مقروء في العديد من اللغات، منها اللغة العربية، فقد تُرجمَت رواياته «قلب الظلمات»، و«نوسترومو»، و«زنجي زهرة النرجس»، ورواية «لورد جيم» إلى اللغة العربية.
وهذه الرواية الأخيرة «لورد جيم» تُرجمَت كاملة في جزئين في سلسلة الألف كتاب الأولى عام ١٩٦٥م، كما أنها تحولت إلى فيلم بريطاني أخرجه «ريتشارد بروكس» وقام ببطولته «بيتر أوتول» في نفس السنة.
أهمية هذه الرواية في الأدب العالمي أن مؤلفها بدا كأنه بعد أن كتبها بشكلها التقليدي راح يوزِّع فصولها مثلما يقوم لاعب الكوتشينة بتفنيط ورق الكوتشينة؛ فلا تعرف أيهم هو الفصل الأول ولا ما هو الترتيب الحقيقي للفصل الثالث، وعلى القارئ بعد أن ينتهي من قراءة الصفحة الأخيرة في الرواية أن يرتب أحداثها وفصولها كما يتراءى له، وبالتالي فلن يرتبها أحد مثل الآخر، ولا مثل الكاتب «جوزيف كونراد» نفسه.
وتدور الرواية حول القبطان البحري «لورد جيم»؛ فهو رجل ركب البحر طوال حياته، ولم يرتكب أي خطأ، لكنه مُصاب بعقدة خاصة، لا يمكن أن ينساها بسبب ما حدث لبعض المسلمين على يديه.
الحكاية أن البحَّار يعمل قبطانًا لمركب يتنقل بين بلدان شرق آسيا، تلك المنطقة التي كانت في النصف الأول من القرن العشرين واقعة تحت سيطرة بريطانيا.
وقد عاش هذا البحَّار مستهترًا طوال حياته، وكانت سفينته الصغيرة تفتقد لأقل قدر من الأمان الذي يجب أن يشعر بها ركابها وذات يوم وافق على نقل مجموعة من المسلمين من ميناء جاكرتا بإندونيسيا في طريقهم إلى الأراضي الحجازية، من أجل قضاء شعائر الحج، لكن عاصفة شديدة هبَّت فوق المحيط؛ فلم تستطع سفينته المتهالكة أن تقاوم الرياح العتية.
وأخذت تتأرجح بقوة فوق الأمواج، ولم يتمكن الحُجَّاج من أن يفعلوا لأنفسهم شيئًا سوى الصلاة والابتهال إلى الله، عز وجل، ولكن السفينة مالت بهم وغرقوا جميعًا في أعماق البحر قبل أن يصلوا إلى مرادهم.
هذا الحادث يغيِّر تمامًا من مسار حياة القبطان، الذي لم يتمكن من إنقاذ هؤلاء الضحايا كما رآهم يغرقون أمامه، دون أن يملك أي وسيلة للتصرف؛ لذا فإنه عندما يصل أول ميناء بعد أن توقفت العاصفة عن الهبوب قدَّم نفسه إلى السلطات من أجل محاكمته وأدان نفسه، رغم أن السلطات حاولت تبرئته، بحجة أنه كم من سفن تغرق بقوة العواصف وكم من غرقى غاصوا في الأعماق بفعل قسوة الريح.
ويصف «كونراد» المسلمين الإندونيسيين الذاهبين إلى بيت الله الحرام، كقوم مسالمين يتكلمون قليلًا ولا يثيرون أي ضجيج مثل الكثير من الرُكَّاب الذين اعتاد أن يصحبهم معه في رحلات أخرى.
لذا فإن «لورد جيم» يشعر بعقدة الذنب مرتَين، أنه لم يعتنِ بالسفينة القديمة التي أركبهم فيها، ولأنهم كانوا بالفعل ضحايا أبرياء لم يفعلوا شيئًا ليستحقوا هذه النهاية.
والرواية كلها تدور حول إحساس القبطان بعقدة الذنب التي أخذت تطارده طويلًا، وكان يردد دومًا عبارات الندم عما فعل، وأيضًا كلمات الأسف عما حدث لركابه من المسلمين.