جانيس إليوت: الحياة على النيل

للروائية البريطانية الشهيرة «أجاثا كريستي» روايات عديدة تدور أحداثها في بغداد ودمشق والقاهرة، ومن أشهر هذه الروايات «الموت على النيل» التي تدور أحداثها فوق عبَّارة سياحية تنتقل بين مدينتَي القاهرة وأسوان.

***

وفوق هذه العبَّارة، يتم قتل عروس شابة تزوجت حديثًا من شاب بريطاني ويأتي المحقق «بوارو»، ويضع تحت ظلال الشكوك مجموعة من البريطانيين الذين لدى كل منهم الدافع للتخلص من العروس.

كانت اللغة السائدة في هذه الرواية هي القتل والعنف والجريمة والشكوك والاتهامات أُسوة بأغلب روايات «أجاثا كريستي»، وقد تم تحويل هذه الرواية إلى فيلم سينمائي قامت ببطولته مجموعة كبيرة من نجوم السينما عام ١٩٧٨م.

وقد خلَت الرواية تمامًا، والفيلم أيضًا، من وجود الشخصية العربية إلا من بعض المهمَّشين مثل الخدم فوق العبَّارة، أو بعض من سكان النوبة بين أعمدة الآثار في الأقصر وأسوان.

إلا أن التجربة قد بدت مختلفة تمامًا لدى الكاتبة البريطانية جانيس إليوت Janice Eliot التي نشرت روايتها «الحياة على النيل» عام ١٩٨٩م.

إذَن فالكاتبة الجديدة تقلب من منظور زميلتها كريستي؛ فبدلًا من الموت، فإن الحياة تلمع، وبدلًا من القتل، هناك حالة من الحنين والعودة إلى مصر في زمن الاحتلال البريطاني.

الكاتبة «جانيس إليوت» لم تصدر لها روايات كثيرة؛ لكن من بين إبداعها هناك «ممرات المجد» عام ١٩٨٦م، أما الحياة على النيل فمن الأرجح أنها رواية حقيقية دارت أحداثها يومًا ما في مصر؛ فهناك امرأة بريطانية تأتي إلى مصر من أجل معرفة المزيد عن جدتها التي استقرت في مصر في عشرينيات القرن العشرين وتزوجت من مصري وعاشت سعيدة في أعالي مصر … في أسوان.

الحفيدة تصل إلى القاهرة وسط أحداث سياسية واجتماعية غريبة، إنها تصل في عام ١٩٨٦م إبان أحداث الأمن المركزي الدرامية، وترى الناس في الشوارع في حالة من عدم الانتظام، ولا تعرف ماذا يحدث، وتقرر البقاء في الفندق دون الخروج للمدينة.

وبعد أن تهدأ المدينة، تقرر السفر إلى أسوان للتعرف إلى ما حدث لجدتها قبل نصف قرن على الأقل … وتقابل أشخاصًا كانت لهم صِلة مباشرة بالجدة.

الجدة كانت شابة جميلة، جاءت إلى مصر حبًّا في تاريخها وقررت البقاء فيها، وذات ليلة، إبان ثورة ١٩١٩م، يلجأ إلى بيتها أحد المناضلين ضد الاستعمار البريطاني، إنها بريطانية، تجد نفسها في موقف حرج، ثم تقوم بإيواء المناضل، وتنكر وجوده عندما يأتي الجنود الإنجليز للسؤال عن شخص اختفى في الضاحية؛ فإنها تساعده وتستمر في إيوائه.

وأثناء إقامة المناضل المصري في بيت المرأة البريطانية تتعرف الشابة آنذاك على أهداف الثورة، وتعرف مَن يكون سعد زغلول، وتتحول إلى مناصرة للثورة، وتقترن بالمناضل الذي يقبض عليه الإنجليز فيما بعد.

هذه المرأة، تفهم معنى أن يطالب المصريون عام ١٩١٩م بأحقيتهم في الاستقلال وتتبنى قضية المصريين، بعد القبض على حبيبها، المناضل المصري، وتنتظر عودته. وتقرر البقاء هناك إلى الأبد، تنتظر الحبيب، حتى وافتها المنية.

«جانيس إليوت» كتبت عن العرب، وصوَّرتهم مناضلين سياسيين، ودافعت عن حقهم في الوجود والحرية والاستقلال، وذلك عكس ما فعلت تمامًا زميلتها «أجاثا كريستي».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤