فيولين فانويك: قصص الحب عند الفراعنة

Violaine Vanoyeke

الكتاب الذين تمت فيه الرحلة إلى المدينة يحمل عنوان قصص الحب عند الفراعنة، وهو أقرب إلى رحلة أدبية راقية عبر مجموعة من قصص الحب الشهيرة بين «نفرتيتي وأخناتون» و«رمسيس الثاني ونفرتاري»، ثم «الملكة تي ورمسيس الثالث».

***

لكننا سنتوقف عند مدينة الإسكندرية من خلال ما كتبته المؤلفة «فيولين فانويك» عند علاقة الحب التي ربطت بين «كليوباترة» وكل من «يوليوس قيصر»، ثم «مارك أنطونيو».

ارتبطت الملكة «كليوباترة السابعة» باسم مدينة الإسكندرية عبر التاريخ؛ فكأنك لا يمكن أن تنطق اسم أحدهما إلا وتبادر إلى الذهن اسم الطرف الآخر (كليوباترة-الإسكندرية)؛ لذا فإن الكاتبة لم تفصل أبدًا بين الملكة المصرية والمدينة طوال صفحات الكتابة، وإذ كنا كقراء للأدب والتاريخ نعرف بعضًا من تفاصيل العلاقة السياسية والتاريخية بين «كليوباترة» وكل من «أنطونيو» و«قيصر»؛ فإن ما يهمنا هو وصف مدينة الإسكندرية على لسان الكاتبة الفرنسية «فيولين فانويك» باعتبار أن الثغر كان شاهدًا على هذه القصص.

تقول الروائية عن المدينة من خلال الأحداث:

«غادر «قيصر» مدينة روما ومعه جنوده البالغ عددهم ثلاثة آلاف جنديًّا، وبوصوله إلى الإسكندرية استقر بقصرها الملكي الفخم، وعند مقابلة «بوثاينوس» قال له إنه يود أن تحضر إليه «كليوباترة» وأخوها «بطليموس». وأن يتم حل جيشها وتسريحه، وعمل «قيصر» على إحضار كتيبتين من سوريا، من أجل دعم الحراسة والمراقبة من حوله.»

وقبل أن نتوغَّل في أروقة مدينة الإسكندرية، كما وصفتها الكاتبة «فيولين فانويك»؛ فإننا يجب أن نتوقف عند الكاتبة فهي دارسة للحضارات القديمة، خاصة الحضارة الرومانية، ولها العديد من الدراسات الأدبية والروايات حول الفراعنة من هذه الكتب «زهرة اللوتس» التي تدور أحداثها في الأقصر.

وعن الإسكندرية، تقول الكاتبة في الجزء الخاص بغراميات كل من «كليوباترة، ويوليوس قيصر» أن الحاكم الروماني «قد شغف إعجابًا بجمال الإسكندرية، وبمنارتها الرائعة وبمتحفها الذي احتضن بين جنباته أكبر علماء العالم أجمع، وأيضًا بمكتبتها النفيسة، ومع ذلك، فقد كان يشعر بضجر وتأفف الشعب المصري منه، فلم يكن المصريون ينظرون بعين الرضا للقادة الرومانيين في شوارع مدينتهم الإسكندرية، بل ولا يطيقون قائدهم هذا الذي ناهز الخمسين من عمره، ويرتدي عباءة مُزيَّنة بخطوط مخملية، وينظر إليهم من عليائه، وهو يدير خاتمه الضخم حول إصبعه والذي يستعين به أيضًا كختم يختم به مستنداته، بل إن هذا القائد كان ينظر نظرات كلها حسد وحقد إلى الكميات الهائلة من القمح التي تُحمل فوق السفن من أجل نقلها إلى أماكن أخرى، في الوقت الذي تعاني إيطاليا من آلام الجوع، وتمزقها الحروب الأهلية.»

مدينة الإسكندرية، كما جاء وصفها على لسان الكاتبة فانويك، هي مدينة متطورة واسعة بها رموز الحضارة، مثل مكتبة الإسكندرية الكبرى، ومنارة ضخمة هي من عجائب الدنيا، وبها متحف يحتضن كبار العلماء من كل أنحاء العالم القديم.

وهناك تناقض واضح بين المدينة وبين روما، ففي الوقت الذي تُعتبر فيه الإسكندرية خضراء مثمرة مليئة بالخيرات؛ فإن روما تعاني من الجوع، وتعاني من التمزقات السياسية، مما دفع ﺑ «يوليوس قيصر» إلى الحضور للمدينة والبقاء بها؛ فروما مدينة متخلفة قياسًا إلى الإسكندرية، ورغم ذلك فإن قيصر لم يكن شخصًا سويًّا؛ فمشاعر الكراهية تزداد، وإحساسه أنه مستعمر أجنبي يتنامى: «لم يستبعد أن يقوم المصريون بحصاره وهو بداخل القصر.»

وإذا كنا نتحدث عن الجانب المشرق للإسكندرية، كما كان في تلك الآونة، وكما وصفت الكاتبة في روايتها «غرام الفراعنة»؛ فإن الحال الذي وصلت إليه روما يعكس سمو مكانة المدينة: «خلال تلك الآونة، كانت الحروب الأهلية تجتاح روما، وهكذا تباطأ «قيصر» في الرجوع إليها، واستمر بجوار الملكة المصرية الفاتنة طوال ثلاثة أشهر أخرى في الإسكندرية. وأعاد إليها قبرص، وزوَّجها «بطليموس الثالث عشر»، ونعِم بما كان يربط بينهما من حب وهيام. وقد اقترحت عليه «كليوباترة» أن يرافقها في رحلة لاستكشاف معالم مصر. واستقلَّا سفينة ملَكية صعدت بهما إلى أعالي النيل حتى أثيوبيا، وقامت بمصاحبتهما وحراستهما ما لا يقل عن أربعمائة سفينة بحرية.»

وتجيء عظمة المدينة، من خلال هذه الرواية، أن «قيصر» بعد أن عاد إلى روما، سعى إلى استقدام «كليوباترة» إلى عاصمته، وعندما جاءت الملكة لزيارة المدينة، حرص «قيصر» أن تكون روما أشبه بالإسكندرية: «لم تشهد روما من قبل مثل هذه الاحتفالات الضخمة الباهرة؛ حيث تراءت التماثيل العملاقة الضخمة التي تمثِّل نهر النيل، ولقد تمت إعادة إصلاح مدينة الإسكندرية التي كانت قد أتت عليها نيران الحريق، وبدا قيصر مرتديًا عباءته الأرجوانية، وهو واقف بعربته الحربية التي تجرها جيادٌ شهباء بعد أن انتهى من استعراض الأمراء والقادة الأسرى.»

هذا عن صورة الإسكندرية، كما جاءت إبان فترة الحب والزواج التي ربطت بين «كليوباترة» و«قيصر»، لكن هناك قصة حب أخرى بدأت ونمت في نفس المدينة، وعلى شواطئها بين الملكة التي قُتل زوجها وبين القائد الروماني «مارك أنطونيو» الذي جاء لتأديبها، فوقع في هواها.

«خرجت «كليوباترة» من الإسكندرية في موكب يفوق الوصف والخيال، حتى وصلت بسفينتها إلى مصبِّ نهر سيدنوس، وتابعت رحلتها في سلام حتى وصلت إلى عاصمة صقلية.»

المدينة أون ذات سيادة وكبرياء، كما يُستشَف من حديث الروائية «فانويك»، والملكة المصرية تكتسب قوتها وشموخها من مكانة المدينة التي تحكمها؛ فهي تذهب إلى صقلية لتدفع «أنطونيو» للحضور إلى مصر. وعندما يأتي القائد إلى الثغر؛ فإن الإسكندرية تبدو أشبه بساحرة يغيب العاشقان معًا في حياة مفعَمة بالمتع الجارفة الجامحة. تغنَّى بها الفنانون والشعراء بعد ذلك لسنوات عديدة. لدرجة أنه بعد فترة من الانطلاق والمتع، تردد «كليوباترة» لحبيبها: لا تجعل الإسكندرية تنسيك واجبك وعملك. إن غيابك عن روما قد استمر لفترة طويلة.

وهناك وصف غريب لسحر المدينة وبحرها؛ حيث صار «أنطونيو» مغرَمًا بصيد الأسماك على شواطئ الإسكندرية، حتى وإن حاول البحر أن يداعبه دومًا؛ فضنَّ عليه بأسماكه، وفي مكان آخر من الرواية، تتحدث الكاتبة عن طبيعة المدينة قائلة: «في ساعة الغسق توجه «أنطونيو» و«كليوباترة» إلى مضمار السباحة؛ حيث كانت قد أُعدت منصة كبيرة ثُبِّتت فوقها ستة عروش من الذهب الخالص، وجلس كل من «أنطونيو» و«كليوباترة» فوق العرشين الأكبر حجمًا، وكانت «كليوباترة» ترتدي عندئذٍ رداءً شبيهًا بما ترتديه الربة «إيزيس»، وفوق العروش الأقل حجمًا، جلس «قيصرون» (ابن كليوباترة)، و«بطليموس» الذي ارتدى ثيابًا على نمط الملوك المقدونيين. وحلَّى رأسه بالتاج المعروف باسم الكوس».

وأجمل ما في هذه الرواية، أن الإسكندرية كانت دومًا ساحة للحب والغرام، أمَّا المعارك التي خاضها كل من «قيصر»، ثم «أنطونيو»، فكانت تتم بعيدًا عن المدينة، مثل «أكتيوم» التي انتصر فيها القائد «أوكتافيوس» على خصمه «أنطونيو»، ثم جاء بعد ذلك إلى الإسكندرية كي يستولي على الملكة المنهزمة وعرشها.

وتُردد الملكة عقب معرفتها بأمر الهزيمة: ربما تستدعي الضرورة لرحيلي إلى بلد آخر، ولكن في الوقت الحاضر، على أبناء الإسكندرية أن يتيقنوا تمامًا، أنني سوف أحارب حتى آخر رمق في حياتي لكي تبقي مصر حرة مستقلة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤