دافيد بالدرستون: الطريق إلى دمشق

لم يأتِ أدباء العالم لزيارة المدن العربية، باعتبارها أماكن سياحية، يشاهدون بها آثار تدل على تواريخ مجيدة، وأحداث سياسية صارت تاريخًا، وفنون راقية ظلت شاهدة على أمجاد شامخة.

***

بل إن الكثير من هؤلاء الأدباء، جاءوا خاصة في العقود الأخيرة، من أجل خوض غِمار الصراعات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتي لم تكُفَّ عن التصاعد من عقد وآخر، رغم توقف أزيز الطائرات، وطلقات المدافع الثقيلة إلى حدٍّ ما في المنطقة منذ سنوات.

ودائمًا ما يكون هناك نوع من الحذر، عند قراءة رواية تدور أحداثها في مدن الشرق الأوسط المعاصر، خاصةً إذا كان الروائي أمريكيًّا أو بريطانيًّا، من طراز «جون لوكاريه».

لكن الرواية التي نقدمها الآن، تدور أحداثها بين أربعة مدن عربية، تمثل مربعًا ساخنًا، المدن هي دمشق، وعمان، وبيروت، والقدس.

والكاتب هو الصحفي الأسترالي «دافيد بالدرستون» David Balderestone الذي نشر روايته الأولى «طريق من دمشق» عام ١٩٩٢م، وأهميته أنه قادم من وطن بعيد كثيرًا، عن دوائر الصراع في المنطقة، لكنه موجود في الشرق الأوسط منذ عام ١٩٧٧م، بحكم عمله كمراسل لجريدة «آج» AGE الأسترالية، ومكَّنه عمله من مقابلة «آيات الله الخميني»، وزار العديد من المدن العربية، كما أنه عمل بعد رحيله عن المنطقة، محررًا في جريدة التايمز اللندنية.

أربعة مدن عربية، إذَن، هي المحور الرئيسي للرواية، لكن الغريب أن المؤلف يراها بعيون سياسية مليئة بالصراع والخصومة والأحداث المثيرة، وهو لا يذهب إلى قاع المدن شخص غريب عن المدن، بل هو يحرك أشخاصه من خلال ما تشهده المنطقة من قلاقل، وبذلك فإن المؤلف لم يكن سائحًا، بقدر ما حاول أن يعكس وجهة نظره، عما يدور في هذه المدن.

لكن السؤال هو: أي وجهة نظر يتبناها الكاتب في الصراع الدائر داخل هذه المدن، إنه يردد ما زلت أذكر الإرهاب الذي مارسه الصهاينة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حين تنكَّروا لكل ما فعلته بريطانيا من أجلهم فشنقوا وقتلوا جنودها.

المدينة الأولى التي تدور فيها الأحداث، هي «عمَّان» عاصمة الأردن، ونتعرف على رجل استخبارات قديم، هو البريطاني «ديكي جونز»؛ فذات مساء يتحدث عن الدبلوماسي الشاب «مارك ديمور» بإعجاب؛ فهو ليس فقط دبلوماسي، ولكنه أيضًا خبير آثار، ومصور صحفي جاء يمثِّل بلاده أستراليا في المنطقة.

«مارك» يجد نفسه في مدينة يملأها الصراع؛ حيث لم تكن الأردن قد وقَّعت بعدُ أي اتفاقيات سلام مع إسرائيل، يردد: الوسط الدبلوماسي في عمَّان يختلف عنه في دمشق؛ حيث يتسم بالمحافظة ويتعذر اختراقه. كما يردد أنه لا حرب بدون مصر، ولا سلام بدون سوريا، دمشق لا تزال تمسك بيدها مفاتيح السلام الحقيقي في المنطقة.

ويعبِّر الكاتب عن وجهة نظره لما يدور في المنطقة؛ حيث يردد أن كل شيء في الشرق الأوسط مؤقت، وبما في ذلك إسرائيل والأردن، قد تكون إسرائيل مجرد مرحلة تاريخية عابرة ليس إلا … لقد انتظر اليهود ألفَي عام في الشتات، والآن، هل جاء دور الفلسطينيين؟

و«مارك» يعقد صداقات مع أبناء المدينة، وعلى رأسهم رجل الأعمال الفلسطيني «بطرس حبيب»، المستشار السياسي للمقاومة الفلسطينية، والذي يعرف من خلاله أن ابن أخته «مروان» قد انضم إلى خلية فلسطينية للمقاومة تتخذ من العاصمة السورية دمشق مقرًّا لها.

العلاقة بين الدبلوماسي الصحفي وبين «بطرس حبيب» قديمة، تعود إلى قبل الحرب العالمية الثانية؛ حيث جاء عم «مارك» والتقى بالعائلة العربية التي كانت تُقيم آنذاك في مدينة القدس؛ حيث كان يعيش الجميع هناك، بصرف النظر عن عقائدهم.

يعرف «بطرس» أن صديقه المصور الصحفي «مارك» سوف يسافر إلى دمشق في رحلة عمل؛ فيطلب منه مقابلة «مروان» ابن شقيقته؛ لكن «مارك» يتوصَّل إلى مكان الفدائي، ليس في دمشق، بل في بيروت، وقبل الوصول إلى معسكر اللاجئين الذي يقيم فيه «مروان»، تقوم قوات إسرائيل بقذف المكان بالقنابل، وتقتل الطبيبة الفلسطينية «سميرة» خطيبة «مروان».

ويستكمل «مارك» رحلته إلى دمشق لتكون المدينة العربية الثالثة التي تدور أحداث الرواية في إطارها؛ فمدينة دمشق هنا ليست أكثر من مطعم صغير، يضم كلًّا من «مروان» الحزين الذي يتحدث إلى «مارك» عن أحزانه لما فقده، ويُبلِّغ «مارك» أنه يتوق لزيارة بيت الأسرة القديم في مدينة القدس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤