برناردشو: المليونيرة
الكاتب البريطاني الساخر «جورج برناردشو»، هو واحد من أبرز كتَّاب العالم الذين تعاطفوا مع الإسلام؛ وذلك في العديد من مسرحياته ورواياته، ومنها على سبيل المثال: «تلميذ الشيطان» و«جينيف» و«أندرو كليز والأسد» و«المليونيرة»، بالإضافة إلى ما كتبه من مقالات ومقدمات طويلة لمسرحياته.
***
وفي هذا الصدد، فإن الكاتب المصري الراحل الذي أقام في جينيف «محمود علي مراد» قد أعد رسالة دكتوراه تحت اسم «برناردشو والإسلام»، ذكر فيها أن الكاتب الذي حصل على جائزة نوبل في الأدب عام ١٩٢٥م قد اتخذ دائمًا مواقف مناصرة للمسلمين، خاصة في حركاتهم التحررية ضد الاستعمار البريطاني.
كما أن برناردشو قد وقف بشدة ضد سياسة بلاده في حادثة دنشواي، عام ١٩٠٦م، أما مسرحية «المليونيرة» فقد كتبها عام ١٩٣٥م، أثناء المباحثات البريطانية المصرية التي أسفرت عن المعاهدة المشهورة في العام التالي.
وكان الهدف من كتابتها هو تصوير الصراع الأزلي بين ماديات الحضارة الغربية، وبين روحانيات الشرق.
بطل المسرحية هو طبيب مصري مقيم في بريطانيا، وهو مؤمن بالعديد من القِيم أهمها الإيمان بالله عز وجل، والرسول عليه الصلاة والسلام، وهو في ذلك يتبع تعاليم القرآن الكريم، والسُنة المشرَّفة.
وفي نفس الوقت؛ فإنه عالم متفتح على ما أنجزته الحضارة الغربية من تقدُّم علمي وتطور في مختلف مجالات التقنيات؛ لكنه في نفس الوقت لا يقرَب الخمر، ولا المحرَّمات المتمثلة في الاقتراب من النساء دون رابط شرعي.
لذا فإن الطبيب المصري يقاوم بشدة كافة الإغراءات التي تقدِّمها له امرأة جميلة تملك الحُسن والملايين، وتحاول أن تضمَّه إلى عالمها.
وفي إطار من الحبكة المتقَنة؛ فإن المليونيرة تدبر الكثير من المقالب؛ لكن الطبيب منتبه تمامًا إلى ما تفعله ولأنه طبيب فهي تأتي له في العيادة تعرض عليه ما تتمتع به من إغراء لتضعفه؛ لكن الطبيب لا يمتثل ويحاول هو بدوره أن يعرض عليها ما أتى به من الشرق، من روح طاهرة وتعاليم مقدسة، فيكشف لها أن الجسد الإنساني ليس مشاعًا للآخرين، وأن حماية جسد المرأة صيانة لها.
وأهم ما في المسرحية أن برناردشو البارع في السخرية وكتابة الحوار يبتعد تمامًا عن المباشرة؛ فالطبيب لا يستخدم النصح المباشر، بل هو يبدو في تصرفاته، كما يقول الكاتب: «إنسان ناصع البياض.» وتحس المرأة أن السعادة ليست في الملايين التي استخدمتها كسلاح إغراء بقدر ما هي في التزام الإنسان بمجموعة من القيم؛ لذا فهي تضع كل هذا جانبًا، وتعلن أن لديها ثروة جديدة من القيم الروحية، وهنا يتم الزواج بين الحبيبين، علمًا بأن مسألة زواج المسلم الشرقي من امرأة غربية أمر نادر الحدوث في الكثير من كتابات الغرب عن الشرق.