ثقافات مستقبلنا
أدت «حروب حقوق التأليف والنشر» بكثيرين إلى الاعتقاد بأن الخيار الذي نواجهه هو إما الفوز بكل شيء أو خسارة كل شيء. فإما أن تفوز «هوليوود» أو تفوز «شبكة الإنترنت». وإما أن نكون على وشك أن نخسر شيئًا مهمًا كنا عليه، أو أن نقتل شيئًا قيمًا كان يمكننا أن نمتلكه. أيًّا كان من سينتصر، فإن الآخر يجب أن يكون مهزومًا.
هذا التأطير المبسط يخلق ارتباكًا عميقًا. فليس هناك حاجة إلى التخلي عن جزء من ماضينا أو مستقبلنا، بل على النقيض، فإن جميع الدلائل تعد بخلق مزيجًا استثنائيًّا من الماضي والحاضر لصنع مستقبل أسطوري أكثر ازدهارًا. ولا يشترط بالضرورة أن يكون ذلك المستقبل إما أقل ميلًا نحو القراءة فقط أو أكثر ميلًا نحو القراءة والكتابة؛ وإنما من الممكن أن يجمع بين كليهما. وما يمثل قدرًا أكبر بكثير من التشويق (على الأقل لأولئك الذين ينصب اهتمامهم على الاقتصاد)، أن هذا المستقبل من الممكن أن يشهد بزوغ شكل من أشكال المشروعات الاقتصادية التي كانت نادرة نسبيًّا في ماضينا، لكنها تَعِد بفرص اقتصادية استثنائية: هي تلك التي أسميها «الهجينة».
وأود في الفصول التالية أن أرسم خريطة لذلك المستقبل. ولسوف أبدأ بما يعد ببساطة امتدادًا للقرن العشرين؛ قصة الإنترنت وكيف يمثل امتدادًا لثقافة القراءة فقط لما وراء الحدود التي لا يمكن تفاديها لتقنيات القرن العشرين. ثم أعرض بعدها كيف يمكن تشجيع نفس تلك التقنيات التي تشجع ثقافة القراءة فقط على أن تبعث الحياة من جديد في أوصال إبداع القراءة والكتابة الذي احتفى سوزا به. وأخيرًا، أصف أكثر التغيرات التي نشهدها تشويقًا — أي الاقتصاد «الهجين» — والتي ستعمل بصورة مطردة على تعريف صناعات الثقافة والابتكار. إن التغيرات الثلاثة جميعها، إذا سمح بها، سوف تكون ثمينة ومهمة. والثلاثة جميعها يجب أن تحظى بالتشجيع.