حلم نصف الليل
أمُّ عبَّاس امرأة جميلة، عُرِفَت في الحي بجمالها، ويتطلع إليها أصحاب الأذواق كما يتطلع أهل الخلاء إلى عين ماء. وهي إلى ذلك تمتلك عِمارة قديمة من أربعة أدوار غير ثلاثة دكاكين أسفلها؛ ولذلك اعتدها الأهالي، وكلهم فقراء، حلمًا موشًّى بالذهب. ويوم تُوفِّي زوجها بائع المسابح والمباسم والأوراد كانت في حوالي الأربعين، وهي سِنٌّ يعتبرها الحي ذروة النضج، ومجلى البضاضة، وعطر الأنوثة. وكثيرون سعوا إلى التزوج منها، ولكن القسمة دفعت بها إلى أحضان رجل لم يجرِ عند الظن على بال. كان حسنين يملك عربة كارو ويؤجرها إلى الغير، في الثلاثين من عمره، قوي الجسم، مرهوب الجانب، ومعدودًا من فتوَّات الدرجة الثالثة. ولم يكن أحد في الحي يحبُّه أو يُعجب به، فازدادوا له مقتًا، وعجبوا كيف تقع امرأة كأم عباس في أحابيله، وقالوا بأسف والغضب والحسد يأكلان قلوبهم: مسكينة أم عباس، ومسكين عباس!
وعباس ابنها من الزوج الراحل، في العشرين من عمره، طيب القلب جدًّا، تلوح في عينيه الواسعتين نظرة صامتة، ولعلَّها ناطقة بلغة مجهولة، يبتسم كالأطفال، ويطلق شاربه ولحيته ويحبهما. وهو أمِّيٌّ لم يحصل في الكُتَّاب حرفًا؛ ولذلك فتح له أبوه دكَّانًا من دكاكين العمارة لبيع الحلوى والفول السوداني واللب، فكان يغدق على الأطفال بغير حساب. ولَّما تزوجت أمه من حسنين غاب عن الحي أيَّامًا، ثم عاد وهو يقول لكل مَن يلقاه: لا يصح أن يحل محل الأب رجل آخر.
ورفع رأسه نحو مسكن أمه وصاح بأعلى صوته: يا أمَّ عباس .. الله يسامحك.
وعندما ينقضي النهار يخلع جلبابه ويلبس بدلة زرقاء فاتحة اللون، فهو يحب الألوان الفاتحة، ويمشط بعنايةٍ شاربَه ولحيته، ويغطي رأسه بطربوش متداعي الأركان، ويتناول عصاه الخيزران البرتقالية، ثم يغلق الدكَّان وينطلق في سبيل طويل، ملقيًا بتحياته يمنة ويسرة، يلوك في فيه قطعة من السكر النبات، ويبتسم في سعادة رائعة، وأكثر الليل يُرى هائمًا على وجهه. ومذ تزوجت أمه من حسنين اتَّخذ من دكَّانه مسكنًا، فلم تعارضه أمه طويلًا لعلمها بعناده، وكانت لا تخشى شيئًا عليه وتقول: إنَّ ملائكة الله تحرسه. وسعى حسنين يومًا إليه متوددًا، ولكنَّه صاح في وجهه: اذهب، أنا لا أعرفك.
فغضب الرجل قائلًا: أنا عمُّك.
وحال أناس بينهما وهم يلاطفون الرجل، دفاعًا عن الشاب المحبوب. وحزنت أم عباس حتى دمعت عيناها الجميلتان. كانت تحبُّ عباس؛ لأنَّه وحيدها ولأنَّ وجهه صورة من وجهها. أجل كان عباس جميلًا، ولا يخفَى جماله رغم اللحية والشارب والطربوش المتداعي الذي يغطي ثُلث وجهه.
ومن عجب أن حسنين ازداد بعد نعمة الزواج من أم عباس فظاظةً وانحرافًا. واستفحل جانب الفتوة من ذاته؛ فاشترى الأعوان وأكثر من العدوان، وكان يسكر حتى تلاطمه الجدران، وكان يغني إذا سكِر بصوت تنفر منه الخنافس، وكلما رأى عبَّاسُ الرجلَ في حال من أحوال عربدته خرج من دكَّانه إلى الطريق ورفع رأسه نحو مسكن أمه، وصاح بأعلى صوته: يا أمَّ عباس .. الله يسامحك.
ويومًا ترامت حشرجة نبراته الصارخة من وراء الشيش إلى الطريق في هياج وحشيٍّ: أنا سيد البيت .. أنا سيد الكل.
وتخيَّل النَّاسُ المرأة الجميلة تحت زوبعة الإهانات بأسف، المرأة التي لم تعرف في ماضيها سوى الحب والتكريم. وتساءلوا عن سر ذلك الغضب! وأجاب سكَّان العمارة بأن الإيراد هو سر الغضب، وأن الفتوة انتصر، وأصبح المحصِّل الوحيد للإيجار. ولم تعد أم عباس تخرج كعادتها لزيارة الجارات والتجول في التربيعة. لم يعد أحد يراها وهي تتبختر في الملاءة اللف كالمحمل، وعيناها المكحولتان ترنوان بنظرة دسمة حول عروس البرقع.
ولم يقنع حسنين باغتصاب دَخْل الأمِّ، فمضى يومًا إلى دكان عباس، وهتف وهو يترنَّح من السُّكْر حتى طير الأطفال عن ملعبهم: دلني على مليم واحد ورثته عن أبيك؟
وتعلقت عينا عباس بالأطفال، وكأنه لا يرى الرجل الآخر، فأنذره هذا بسبَّابته صائحًا: ادفع الإيجار أو فلتُخلِ الدكَّان.
وسارع إليه بيومي اللبَّان ليهدِّئ من ثائرته، وتودد إليه بمعسول الألفاظ حتى مضى به بعيدًا، وحسنين يقول بلسان ملتوٍ، ونثار ريقه يرشُّ وجه بيومي رشًّا: معتوه وبلطجي.
وعند المساء انطلق عباس إلى جولته الليلية، يجود حيثما ذهب ببسمات رائقة وتحيَّات حارَّة في سعادة ملائكية. ودبَّر حسنين حملة إرهابية جديدة ليحمل أم عباس على أن تبيع له العمارة بيعًا صوريًّا. واشتد الخلاف بينهما فضجت الحارة بصراخه وتهديداته. وشكت المرأة إلى الجارات كربَها. وتشاور بعض الطيبين في السعي لدى حسنين ليَعدِل عن مطالبه، ولكن أحدًا منهم لم يجرؤ على اتخاذ خطوة إيجابية خوفًا من بطش الرجل، وبخاصَّة أنَّه اعتدى في ذلك الوقت اعتداء وحشيًّا على رجل يُدعَى «كرمللة» عندما ضبطه يوصل نقودًا من أم عباس إلى ابنها. وارتفع نحيب المرأة ذات ليلة عقب تعنيفٍ شديد من الرجل، ثم علم أهل الحي أنَّه ضربها ضربًا شديدًا، وأنَّها لن تطول مقاومتها.
وعند الفجر تعالى صراخ فمزَّق السكون تمزيقًا. واستيقظ النَّاس فزِعين، وفُتحت النوافذ، وهُرع كثيرون إلى مصدر الصراخ، إلى القبو. وعلى ضوء فانوس رأوا بيومي اللبَّان وهو واقف يرتجف. هو أول مَن يستيقظ في الحي ليسرح بصفيحة اللَّبن، ولكن ماذا دهاه؟ ووجدوه يشير إلى مكان في الأرض، فنظروا حيث يشير فرأوا حسنين سابحًا في دمه، وقد تكوَّمت جثته أسفل جدار القبو.
واضطرب الحيُّ اضطرابة عنيفة، وسرعان ما احتلته الشرطة والنيابة، ثم اندفع التحقيق في جميع الجهات متعقبًا كافَّة الشبهات. استُدعي كرمللة وهو آخر ضحية للقتيل، وأمُّ عباس، وبعضُ سكَّان العمارة، وبيومي اللبَّان نفسه. وعشرات وعشرات من خصوم الرجل الذين لا يحصيهم عد، ولكن ثبتت براءتهم جميعًا بصورة قاطعة. حتى عباس استدعوه للتحقيق، ولما سُئل عن المكان الذي كان فيه وقت ارتكاب الجريمة أجاب ببساطة: كنت مع الخضر.
ولمَّا أراد المحقق أن يعرف مَن هو الخضر، أجاب عباس بدهشة: ألا تعرف سيدنا الخضر؟
ولكنَّ كثيرين كانوا يعرفون تجوال عباس خطوة فخطوة، وقد شهدوا نيابة عنه. وهكذا بدت الجريمة لغزًا لا يريد أن يُحَلَّ. وعُرف من التحقيق أن حسنين قُتِلَ بآلة حادة هشمت مؤخر رأسه. والحق أن أحدًا لم يأسف عليه، ولكنهم تساءلوا كثيرًا عن القاتل، وظلَّت الجريمة حكاية الحارة المثيرة زمنًا طويلًا.
وظُنَّ أوَّل الأمر أنَّ عبَّاس سيرجع إلى مسكن أمِّه، ولكنَّه رفض ذلك بإباء. واعتصرت المحنة الأم فغرقت في الحزن، ولكنَّ جمالها قاوم المأساة، وخرج منها في النهاية متألقًا كماضيه. وعادت تتبختر بين السكة الجديدة والتربيعة، وعاد الإعجاب يحوطها كالهالة.
وإذا برجل يتقدم طالبًا يدَها. كان في الحقيقة شابًّا دون الثلاثين، قصَّابًا، أقرب ما يكون إلى الفقر ومن أهل الحي المجاور، جميل الصورة، دمِث الأخلاق، نظيف الذمة، وتساءل النَّاس هل تجازف المرأة بقبول التجربة مرةً أخرى؟ وقبِلته المرأة بأسرع مما تخيل أحد. ومع أن بعض الطيبين قالوا: إنَّ الله قد عوضها خيرًا إلَّا أنَّ كثيرين تهامسوا متسائلين: تُرى ألهذا الرجل علاقة بالجريمة الغامضة؟ أمَّا عباس فقال كعادته: لا يصح أن يحلَّ محلَّ الأب رجل آخر.
وخرج وسط الطريق، ثم رفع رأسه إلى عش العروسين صائحًا: يا أمَّ عبَّاس .. الله يسامحك.
وبلغ التهامس المريب مسامع الحكومة فأجرت تحرياتها عن العريس — وكان يُدعَى عبده — واستُدعي لسؤاله هو وأم عباس، ولكن لم يثبت عليهما شيء، وظلَّ اللغز أخرس كما كان. وتجلت بالمعاشرة مزايا عبده القيمة؛ فقد وهب المرأة حبًّا وعطفًا ومعاملة كريمة. وعرض من بادئ الأمر صداقته على عباس، ومع أنَّ الشاب نهره قائلًا دعني وشأني، إلَّا أنَّه حباه بعطفه ورعايته، وحثَّ أمه على مدِّه بما هو في حاجة إليه من نقود. وأثبت في الوقت نفسه أنَّه ذو عقل راجح، فقد اقترح على أم عباس أن تبيع حوشًا خلفيًّا للعمارة قائمًا على ناصيتين لتجدد العمارة بثمنه، وتبني دورًا جديدًا. وأولَتْه المرأة الثقة التي يستحقها فتجددت العمارة وارتفعت، وازداد دخل أم عباس زيادة محسوسة، حتَّى أُعجب به النَّاس، وقالوا رجل ولا كل الرجال. وقال بيومي اللبان لعباس، وهذا يتناول عشاءه في دكانه قبل الانطلاق إلى جولته الليلية: أنت لك قلب ملاك، فكيف تنفر من رجل طيب كعم عبده؟
فمضى عباس في تناول الزبادي، كأنه غير المقصود بالكلام، فتساءل بيومي: ألا تحب مَن يحب الناس ويعمر الخرابات؟
وأعاد عباس سلطانية الزبادي فارغة، ثم نظر في عيني بيومي قائلًا: الوحش .. ألم تره وهو يقطِّع اللحم في دكانه؟
ووضح فيما تلا ذلك من زمن أن عبده بارٌّ كذلك بأهله؛ فكان كلما خلت شقة في العمارة أسكنها أحد أقاربه. وكان يخفض الإيجار للفقراء منهم بإذن من زوجته. وفي ذلك كله لم يجد أحد ما يؤاخذه عليه حتَّى جاء بأمه وأختين له؛ ليقمن معه في شقته، فعند ذلك ردد البعض المثل القائل: «إن كان حبيبك عسل ما تلحسوش كله». والحق أن أم عباس لم ترتح لذلك، وهي قد فوجئت بالأمر الواقع مفاجأةً لم تستطع معها منعه، ولكنَّها أدركت أنَّ الزمام قد أفلت من يديها، وأنَّها لم تعد سيدة بيتها بحالٍ بعد أن اضطلعت حماتها بالمسئولية فشعرت بالضياع.
وإذا به يومًا يخلي دكَّانين من دكاكين العمارة الثلاثة، ويهدم الجدار القائم بينهما ليقيم دكَّانًا كبيرًا فخمًا، ثم انتقل إليه من محله الصغير بالحي المجاور، وعُلِّقت الخراف والعجول، وصار أكبر قصَّاب في الحي كله. وافتتح المحل الجديد بتلاوة من مقرئ حسن الصوت، وحمد عبده الله بصوت سمعه الكثيرون على ما فتح به عليه من مال حلال!
ولأول مرة اختلف الناس فيه، فمن قائل إنَّه مثال للأمانة والبر، ومن قائل إنَّه حسنين آخر حريري الملمس. وشك أناس في ذمته وعض الحسد قلوب الكثيرين. وتغيَّر عبده بعض الشيء؛ فاختفت نظرته الوديعة وحلَّت محلها نظرة جديدة مليئة بالثقة، وطعم دماثته المألوفة بقدر من الحزم والعزم اقتضاهما مركزه المالي ومسئوليته كرجل أعمال. ولم يكتفِ باستعمال حزمه وعزمه في التجارة فاستعملها في البيت أيضًا كلما نشِب نزاع بين أم عباس وأهله، واستعملهما خاصة مع أم عباس. ولما كانت المرأة لم تعهده إلا لطيفًا مؤانسًا، فقد كبر الأمر عليها وحزنت حزنًا شديدًا. وساءت الحال بينها وبين أهله، وأصرَّت على استرداد ما ضاع من حقوقها في بيتها، حتى قالت له يومًا: أنا لا أريد أن يشاركني أحد في بيتي.
وإذا بالرجل يقول لها بصوت رهيب: لك ما تشائين فتفضلي بالذهاب!
ولم تصدق المرأة أذنيها. ثم صاحت: هذا بيتي .. وعلى الآخرين أن يتركوه.
ووقع اشتباك بالأيدي بين النساء، فهاله أن يُعتدى على أمه، وانهال على أم عباس ضربًا، ثم دفعها خارج البيت. وجدت نفسها وحيدة في الطريق، حتَّى آوتها أسرة فقيرة تمُتُّ بقربى بعيدة إلى زوجها الأول. وهزَّ الحادث النفوس هزًّا، وهُرع عباس إلى ما تحت مأواها الجديد، وصاح بأعلى صوته: يا أمَّ عباس .. الله يسامحك.
ولم يدرِ الجيران ماذا يفعلون، فلم يكن من اليسير إغضاب الرجل بعد أن كبُر نفوذه وتعلقت به مصالح الكثيرين. وفكَّر البعض في رفع الخلاف إلى ساحة القضاء، ولكنَّهم كانوا يتهامسون بذلك سرًّا خوفًا على أنفسهم. ولم يجهر بالسخرية منه إلا عباس حتَّى غضب عليه الرجل؛ فمنع عنه مصروفه، وهو يقول بأعلى صوته: عبث السفهاء لا يجوز أن يمتد إلى المال.
والتفت إلى كثيرين من أهل الحي الذين وقفوا يشاهدون النزاع، وقال لهم: أيُّ واحد منكم أحق بالنقود التي يعبث بها هذا الغلام المعتوه.
ولكنهم كانوا يرمقون الدكان والخراف والعجول، ويتساءلون: وهذه الأموال ما شأنها؟ أما عباس فلم يكترث لشيء وبدا كأنما يزداد سعادة وسيادة، وكان ينطلق في الليل كأنه وارث الملكوت. وقال النَّاس: إنَّ أمَّ عباس امرأة تعيسة الحظِّ، وإنَّ قلبها الضعيف يدفعها دائمًا إلى المهالك. وبينما كانت تعيش بفضل إحسان أسرة فقيرة، كان عبده يتضخم ويشارك في كل نشاط مالي في الحي. وسعى بالصلح بينهما أناس طيبون حتى أعادوا المرأة إلى بيتها. ولكنها عادت منكسرة النفس لا أمل لها في حياة كريمة، ولم يسمح عبده بإعادة مصروف عباس إليه إلا بشرط أن يشاركه في دكانه أحد أقربائه هو ليصون المال ويدير العمل. وأحب عبده الحياة المريحة المترفة، فعقد اللاسة الشاهي الفاخرة فوق رأسه، وتلفح بالعباءة من وبر الجمل، ولبس المركوب الملون من خان الخليلي، وتحلَّى بالخواتم الذهبية، وسبقته رائحة المسك حيث ذهب فيقوم له الناس على الجانبين حتى يختفي عن الأعين، فيتهامسوا: الله يرحم أيام زمان!
وعند الفجر تعالى صراخ فمزق السكون تمزيقًا. واستيقظ الناس فزعين وفُتحت النوافذ، ثم هُرع الجميع إلى القبو. رأوا بيومي اللبان وهو يرتجف، فنظروا إلى حيث يشير فرأوا المعلم عبده مكوَّمًا ورأسه غائص في بِركة من الدم. وزُلزل الحي زلزالًا عنيفًا. وأطبقت عليه الشرطة والنيابة والمخبرون. واستُدعي إلى التحقيق عدد لا حصر له من أهل الحي، ولكن لم يقع على أحدهم ظل شبهة من قريب أو بعيد، وقطَعت الدلائل بأن جريمة عبده ستلحق بجريمة حسنين. وقال أناس وهم يضربون كفًّا بكفٍّ: ما أعجب هذا!
فقال آخرون: انتظروا حتَّى يظهر العريس الجديد.
ومضى عباس إلى دكان بيومي ليتناول عشاءه المعتاد قبل الانطلاق لجولته الليلية. وجعل بيومي يرمقه بغرابة وهو يأكل الزبادي بأناة وسعادة، وشاربه ولحيته يلتقيان حول فيه، ويبتعدان في حركات متتابعة. وتردد بيومي قليلًا، ثم قال: عباس! أنت أعجب شيء في حارتنا.
فابتسم عباس إليه بمودة؛ إذ كان أحب الناس إلى قلبه، فقال الآخر فيما يشبه الهمس: كان عبده ما زال حيًّا عندما عثرت عليه في القبو.
فتحسس عباس شاربه عند امتداده فوق فيه ليتأكد من جفافه، فقال بيومي: وقد نطق باسم قاتله قبل أن تصعد روحه.
فملأ عباس الملعقة بالزبادي، ورفعها إلى فيه وهو يركز فيها عينيه، فقال بيومي: وهو بلا شك قاتل حسنين من قبل.
لاح في وجه عباس عناءُ مَن يستحضر خيالًا لا يُرام، فقال بيومي: وعند التحقيق نسيت كل شيء، وتلك إرادة الله.
أتى عباس على آخر ما في السلطانية، وتأهَّب لمغادرة الدكان، فتساءل بيومي: مَن أنت يا عباس؟ .. وماذا يقول لك سيدنا الخِضر كل ليلة؟