صورة لغاندي وأخرى لستالين
عندما أسلم الفيلسوف الكبير برنارد شو روحه العظيم كانت تشيعه ابتسامتان عريضتان من صورتين علقتا فوق سريره، صورة لغاندي وأخرى لستالين.
والحقيقة أن برنارد شو بوضعه هاتين الصورتين فوق سريره، أراد أن يضع أمامه دائمًا حكمة رائعة، هي أننا لن نصل إلى العظمة الحقيقية، إلا إذا بلغنا الرقي المادي والاقتصادي الذي حققه ستالين في روسيا، وبلغنا الرقي الروحي والخلقي الذي حققه غاندي في الهند.
رأى ستالين أن الشعب لن ينهض إلا إذا حُرِّر أولًا من الحاجة المادية وزال عنه شبح الجوع والحرمان، فهدف إلى إعادة البناء الاقتصادي على أساس من الحق والعدل، لقد رأى أن الرأسمالية ونظام الأجور يركزان القوة في أيدي أغنياء قلائل، أما الباقون الذين لا يملكون رءوس أموال فليس لهم إلا الإرهاق والعمل المضني مع الفقر والحرمان، فعمل على ضمان العدل، وعلى تهيئة نظام للعمل، واستطاع بواسطته أن يرفع من مستوى المعيشة في روسيا للعمال والفلاحين؛ وذلك بكثرة الإنتاج وتسهيل التقدم الفني في الصناعات.
أما غاندي فقد خصص حياته لتربية الروح والنفس والسمو بهما، لقد رأى المجتمع لا يقدر الممتلكات الروحية والنفسية حق قدرها، والناس تتهافت على الثروات والسلطات المادية، ورأى أنه إن اهتم الفرد بروحه وخلقه، وقدر استقلاله الذاتي وحريته الشخصية استطاع أن يصل إلى درجة عظيمة من الرقي، فدعا دعواته الروحية بين الشعوب، وبث عقيدته هذه في الملايين، وقد نجح غاندي نجاحًا جعلنا نعتبره من أكبر المصلحين في التاريخ كله.
رأى برنارد شو أن للحياة اتجاهين، اتجاهًا تتحكم فيه المادة والقوة، وقد استطاع ستالين أن يبلغ الذروة في تنظيم هذا الاتجاه، وبلغ غاندي الذروة في تنظيم الاتجاه الآخر، وهو الاتجاه الروحي والخلقي.
في رأيي أن فلسفة القوة تستطيع أن تعيش وحدها، وأن فلسفة الروح تستطيع كذلك أن تعيش وحدها، ولكنني لا أعتقد أنهما يستطيعان أن يجتمعا معًا، إلا كصورتين، وفوق سرير لفيلسوف.