لغز الصورة البيضاء!
تنقَّلَت الصورة بين أيديهم جميعًا، وارتسمت الدَّهشة على مَلامِحهم … لقد كانت الصورة بيضاء … ضغط «شارل» على البنزين أكثر، فأصبحت السيارة كالصاروخ … قال «شارل»: الأمل الوحيد أن نلحق به …
كان الشياطين في حالة ذهولٍ ممَّا حدث … كان «أحمد» يُفكر: إنه هو وإلا فكيف تصرَّف هذا التصرُّف؟! … نظر إلى «شارل» وقال: هل جاءتك رسالةٌ من رقم «صفر»!
قال «شارل»: نعم … إنه في انتظار الأفلام …
نطق «خالد» في النهاية: لقد كانت فرصته أن قمت بتصويره …
باسم: هناك أيضًا الصورة التي أخذناها معه …
•••
لم تكن «هدى» معهم … كانت في حالة مُختلفة تمامًا … كانت لا تزال في حالة ذهول … أخيرًا قالت: كيف حدث هذا؟
أحمد: إنها مسألة عادية … إنَّ المهم أننا تأكدنا أنه هو.
لم يكد «أحمد» يُتِمُّ جملته، حتى ارتفعت صرخةٌ في الطريق، جعلَت «شارل» يضغط على الفرامل مع سرعة السيارة … فارتفع صوت الفرملة، وانحرفت السيارة في الاتجاه المُضاد، وارتفعت فرملة سيارة أخرى … وعندما هدأ كل شيءٍ كان الشياطين ينظرون إلى بعضهم … دون أن ينطق أحدهم بكلمة … وفي أقل من لحظة، كانت سيارات الشرطة قد تجمَّعت.
لم يكن هناك وقت … قفز «أحمد» من السيارة، ومعه «شارل» الذي قال للشياطين بسرعة: سوف أنطلق و«أحمد» إلى مقر الشَّركة … ابقوا كما أنتم …
اقترب «شارل» من رجل الشرطة … ثم همس في أذنه …
قال الشرطي: نعم … تفضَّل …
ركب «أحمد» و«شارل» سيَّارة الشرطة التي انطلقت إلى مقر الشركة … أُغْلِقت إشارات المرور في كل التقاطعات، وأصبح الطريق مفتوحًا أمام سيارة الشرطة، ومن بعيدٍ ظهرت عربة الشركة … نظر «أحمد» إلى «شارل» وقال: أخيرًا، ها هي لم تقف أمام المقر بعد …
اقتربت سيارة الشرطة بسرعة من عربة الشركة … فتح «أحمد» الباب وقفز … جرى إلى حيث عربة الشركة التي كانت قد توقفت لتوِّها … فتح الباب وقفزوا داخلها، جرَتْ عيناه على الموجودين جميعًا، وارتسمت علامات الخيبة على وجهه … لم يكن الرجل موجودًا … نزل بسرعةٍ واتجه إلى مكتب الشركة … وجد «شارل» في انتظاره … وقف لا يدري ماذا يفعل. كان سائق العربة قد نزل، واتجه إلى مكتب الشركة … تقدم منه «أحمد» ثم حيَّاه في أدبٍ قائلًا: هل نزل أحد الركاب من السيارة في الطريق؟!
نظر له السائق بدهشة ثم سأله: لماذا؟
تقدم «شارل» بسرعة … وتحدث إلى السائق الذي ابتسم قائلًا: كثيرون نزلوا في الطريق … وهذا ما جعلنا نتأخر في الوصول إلى المكتب …
شرح «أحمد» للسائق ملامح الرجل الأسمر … فكر السائق قليلًا ثم هزَّ رأسه وقال: لا أظنُّ أنه كان معنا رجلٌ بهذه الأوصاف … ثم بعد لحظة قال: ماذا كان يلبس … هل يلبس زيًّا عربيًّا؟
أحمد: لا … كان يلبس الملابس العادية!
هز الرجل رأسه وقال: لا، كان معنا مَن يلبس الزي العربي …
فكر «أحمد» بسرعةٍ وقال: هل كانت له نفس الملامح؟
السائق: لا، أظنه كان أقصر قليلًا …
أحس «أحمد» بأن الفرصة قد ضاعَت … نظر إلى «شارل» الذي قال: ينبغي أن نُرسل أفلامنا بسرعة …
عندما التفت الاثنان … كان رجل الشرطة لا يزال في انتظارهما، ركبا السيارة التي عادت بهما إلى حيث كان بقية الشياطين في الانتظار … بدأت استجوابات الشرطة حول حادث السيارة … لم يقل «شارل» سوى: كان الكلب في الطريق …
بدأ الشرطي تسجيل ملابسات الحادث، بينما كان الشياطين ينتظرون تفاصيل ما حدث … في النهاية … تحرَّكت سَيَّارة «شارل» وأخذت طريقها إلى حيثُ يُقيم الشياطين، ودَّعهم «شارل» على أن يلتقي بهم في الصباح، ثم ترك لهم رَقْم تليفونه، وأخذ الأفلام وانصرف …
عقد الشياطين اجتماعًا سريعًا … قال لهم «أحمد»: في البداية وقبل كل شيء … فقال «باسم»: طبعًا لم تجدا الرجل …
أحمد: نعم … ومن المؤكد أنَّه لم يركب سيارة الشركة … وهذا تصرفٌ سليم منه … إنَّ وجوده في سيارة الشركة يُعرِّضه للخطر … خصوصًا وقد لفتنا نظره …
هدى: ماذا تتوقع إذن؟
أحمد: هناك تأكيد بأنَّ هذا الرجل أحد الرجال الذين يختفون … لكن السؤال الآن: كيف يختفي وحده؟! بمعنى أنه ليست هناك عصابة مثلًا قد قامت بخطفه!
خالد: ألَا يلفت الكتاب الذي كان يقرؤه النظر؟ ألا يمكن أن يدل على شيء؟
أحمد: ماذا تعني؟
خالد: ألَا يكون هناك اتصالٌ بين التاريخ القديم … وبينه؟
كانت «هدى» تنظر بدهشة إلى «خالد» الذي استمر يقول: لقد قلت إن الرجل حدثك عن الكتاب، وقال إنه يبحث في أشياء قد اندثرت، وإنهم يحاولون الوصول إليها، وقال لك إنه كان يشعر بشيءٍ يجذبه إلى الغابات والصحاري والجبال، ألا يكون إحدى السلالات القديمة التي اندثرت؟
كان حديث «خالد» يفتح بابًا آخر أمام الشياطين ليفترضوا طرقًا أخرى للتفكير، ويفتح بابًا للبحث عن تلك السلالات التي اختفَت، بعد لحظاتٍ قال «أحمد»: إنَّ هذا مجرد احتمال!
خالد: لكنه جائز، خصوصًا وأنَّ الذين يختفون من الرجال النابهين … وهذا يعني أنهم جميعًا ينتمون إلى شيء واحد … أو أن شيئًا واحدًا يجمعهم …
صمت الشياطين … كان الاحتمال مثيرًا … لم ينطق أحدهم بكلمةٍ … ظلُّوا هكذا بلا أي حديث … حتى قال «أحمد»: يبدو أننا تعبنا … ونحتاج لبعض الراحة …
نظر في ساعته … ثم قال: إنَّ الوقت لا يزال مُبكرًا، ونستطيع أن نخرج … إنني أحب «باريس» في الليل … أمامنا ربع ساعة نُبدِّل فيها ثيابنا ثم نخرج … وفي صالة الفندق، التقوا جميعًا، ثم خرجوا إلى الشارع … كان الشارع هادئًا … فوقفوا ينظرون حولهم … قال «باسم»: هل لنا اتجاه محدد! …
أحمد: أبدًا، إننا خرجنا نمشي قليلًا … والمحلات تُغلق هنا مبكرًا كما تعلم؛ فطبيعة الفرنسيين أن يناموا مبكرين، وأن يستيقظوا مبكرين أيضًا …
تحرَّكوا بلا أي تفكيرٍ مُسبق … كان الهواء باردًا قليلًا، وكانت السيارات قليلة … توقفوا أمام إشارة مرور … كان الضوء أخضر للسيارات … انتظروا حتى تغيَّر لون الإشارة، وأصبح من حقِّهم المرور بعرض الشارع … كانت السيارات تتكاثر … وقفوا عند الإشارة عندما أصبحوا عند الرصيف الآخر … صاح «أحمد»: باركر!
نظر له الشياطين … وسأل «باسم»: من «باركر»؟!
أحمد: الرجل الأسمر!
نظروا جميعًا في اتجاه السيارة التي أشار إليها «أحمد» … كان أحد الرجال يجلس في الكرسي الخلفي … تحقَّقت «هدى» قليلًا، ثم قالت: لا أظن أنه هو …
تحرَّك «أحمد» بسرعةٍ في اتجاه السيارة، غير أنَّ إشارة المرور كانت قد تغيَّرت فانطلقت السيارات … لم يكن أمام «أحمد» إلا أن يتوقَّف؛ خوفًا من السيارات القادمة بسُرعة … مَرَّت سيارة الرجل أمامهم … قال «أحمد» بصوتٍ مُرتفع: إنه هو، «باركر» …
لم يتحرك الرجل داخل السيارة التي مرَّت مُسرعة، غير أنَّ «أحمد» استطاع أن يلتقط رقمها … قال «خالد»: لا أظن أنَّه هو، قد يكون أسمر اللون مثله … لكنه … ليس هو …
أحمد: إنني أؤكد أنه هو … لقد كنتُ أقربكم إليه … صحيح أنَّ زجاج السيارة مُلون … إلا أنني استطعت أن أتأكد منه …
هدى: وماذا سنفعل الآن؟ …
أحمد: يجب أن نَتَّصل ﺑ «شارل» …
أسرعوا إلى أقرب تليفون … واتصل «أحمد» ﺑ «شارل» …
أحمد: يجب أن تحضر فورًا … إنَّ الرجل قد ظهر …
قال له «شارل» في التليفون … إن عليهم ألَّا يتحركوا من مكانهم، حتى يحضر …
ولم تمضِ دقائق … حتى كان «شارل» قد وصل إلى حيث يقف الشياطين … قال «أحمد»: لقد رأيت الرَّجل في سيارةٍ … واستطعت أن ألتقط رقمها …
شارل: هل أنت متأكد؟
خالد: أعتقد أنه ليس هو …
نظر «شارل» إلى «خالد» لحظة ثم إلى «أحمد»، وقال: هل أنت متأكد؟
أحمد: لقد كنت الأقرب إليه … إن «خالد» لم يره جيدًا …
هز «شارل» رأسه … ثم قال: فلنجرب … إننا لن نخسر شيئًا …
أخذ رقم السيارة، ثم توجه إلى التليفون القريب … وطلب رقم تليفون ثم قال: مكتب السيارات … مساء الخير … إنني أسأل عن رقم السيارة ٩٨٣٦٤٦، نعم، في أي منطقة … نعم … رقم تليفون ٤٦٤٦٣٣. شكرًا.
طلب الرقم الذي ذكره المكتب، ثم بدأ يتحدث: نعم إنني أسأل عن السيارة رقم ٩٨٣٦٤٦. نعم. هل يُمكن أن ترسلها لي … إنني في منطقة «سان ميشيل». نعم. شكرًا. شكرًا. إنني في الانتظار …
وضع سماعة التليفون … ثم نظر إلى الشياطين … وقال: على فكرة … لقد أرسلتُ الأفلام …
مشَوْا قليلًا بعيدًا عن التليفون، وتوقَّفوا قريبًا من الرَّصيف … مرَّت دقائق قليلة، ثم اقتربَت منهم سيارة أجرة، حتى توقَّفت أمامهم … تقدَّم «شارل» من السائق وحيَّاه … ثم سأله: هل كنت في مكانٍ ما الآن … بأحد الركاب؟
رد السائق: بالتأكيد … وإلا … فماذا أفعل في الشوارع الآن!
شارل: معذرةً … هل تذكر الراكب الذي أوصلته الآن؟ أقصد تتذكر ملامحه؟
ابتسم السائق وقال: لا أدري كيف يمكن أن أرد؟ إنني لا أعمل في المباحث …
أخرج «شارل» بطاقة، قدمها للسائق الذي ابتسم … وقال: أظن أنني ما زلت أذكره … فقد أوصلته لتوي.
شارل: هل يتحدث الفرنسية؟
السائق: نعم وبطلاقة.
شارل: كأهل «باريس»؟
السائق: لا … أظن أنه أجنبي.
شارل: هل هو أسمر اللون؟
السائق: نعم.
شارل: طويل القامة؟
فكر السائق لحظة … ثم قال: لا أذكر ذلك جيدًا …
شارل: هل تحدثتما معًا؟
السائق: نعم … وكان لطيفًا تمامًا … ويقول النكتة ببراعة!
نظر «شارل» إلى «أحمد» الذي قال: إنني متأكد منه … وأتمنى لو وصلنا إلى هناك …
نظر «شارل» إلى السائق وقال: هل نزل في فندق؟
السائق: لا أدري … وإن كانت المنطقة التي أوصلته إليها، لا يوجد فيها فنادق.
شارل: هل تعرف مثلًا البيت الذي نزل أمامه؟
السائق: لا أظن! … فقد نزل في بداية شارع … ثم مشى قليلًا واختفى …
شارل: في أي شارع؟
السائق: في شارع «جان دارك»!
شكر «شارل» السائق الذي انصرف ثم قال للشياطين: أعتقدُ أنَّنا يُمكننا أن نضع مراقبة على الشارع غدًا … لكننا الآن، لا نستطيع أن نفعل شيئًا.
صمت قليلًا ثم قال: والآن … إلى أين؟
قالت «هدى»: أظُنُّ أننا يجب أن نعود … ما دُمنا سوف نبدأ عملنا منذ الصباح.
شارل: إذن … إلى اللقاء صباحًا.
انصرف «شارل» وأخذ الشياطين طريقهم إلى الفندق، وما إن وصلوه حتى تفرقوا إلى حجراتهم …
ولم يستيقظ «أحمد» إلا على صوت تليفون «شارل» يقول: هناك مفاجأة غير سارة … وغير متوقعة! … إنني في الطريق إليكم …
وضع «أحمد» السماعة … وشرد يُفكر: ترى … ما هي هذه المفاجأة!