إمبراطورية «ألانكا» الأعظم!
لقد ظهر «أحمد» في جانب الصورة، وظهرت معه تفاصيل الطائرة من الداخل، أمَّا المساحة التي كان يحتلها الرجل فكانت بيضاء تمامًا … هذا الرجل إذن منهم، إنه أحد الرجال النابهين … نظر «أحمد» في اتجاه الرجل لم يكن يظهر تمامًا، وفكر لحظة، ثم قال: يجب أن أعقد معه صداقة بسرعة، إنَّ أمامنا فرصةً ذهبيةً الآن، والوقت طويل، ولن يشك الرجل فينا …
صرخ «خالد» صرخةً جعلت ركاب الطائرة يقفون جميعًا في ذعر، واقترب أكثر من واحدٍ منهم، وألقى «خالد» نفسه على الأرض، فانحنى «أحمد» و«باسم» عليه، واستيقظت «هدى» مذعورة، ثم أسرعت إليهم. كان «خالد» يتلوَّى من الألم، وهو يزداد صراخًا، جاء كابتن الطائرة، وما إن رأى ألم «خالد» حتى حمله بين ذراعَيْه إلى مُقدمة الطائرة، كان الرجل الأسمر يقف وعيناه على ما حدث، واقترب منه الكابتن وهو يحمل «خالد» وحوله الشياطين، فقال الرجل: ماذا حدث؟ … رد الكابتن: إنه يتألم، ولا أعرف بالضبط لماذا، غير أني سأحاول في صيدلية الطائرة …
الرجل: دعه لي … ثم حمل الرجل «خالد» ومدده على كرسي، وبدأ يكشف عليه، كان «خالد» لا يزال يتلوى من الألم، وسأله الرجل: أين موضع الألم؟
فأشار «خالد» إلى بطنه، فمد الرجل يدًا خبيرة، وأخذ يتحسس مكان الألم … ثم قال: لا شيء هنا! … قال «خالد» بصوت متألم: هنا في أسفل البطن … مد الرجل يده، ثم بدأ يتحسس مكان الألم، وابتسم ابتسامة بدت هادئة تمامًا، ثم قال: إنه تقلص عصبي في «القولون» رُبَّما بتأثير الرحلة! … ثم نظر إلى «أحمد» وسأله: هل هذه أول مرة يسافر فيها؟
رد «أحمد»: أبدًا، إننا دائمًا نسافر …
ابتسم الرجل وقال: أقصد بالطائرة … نظر «أحمد» إلى «خالد» الذي كان لا يزال يتألَّم، ويتلوى من الألم، ثم قال: لا أظن، فنحن نسافر بالطائرة كثيرًا …
قال الرجل: لا بأس، إنها مسألة بسيطة … ثم جذب «خالد» برفق، فقام معه وهو يُمسك بطنه بيديه، ونظر الرَّجل إلى الكابتن، ثم قال: أرجو أن تأخذني إلى صيدلية الطائرة؛ فقد أجد فيها شيئًا يُفيده … مشى «خالد» مع الرجل يسبقهما الكابتن، نظر «أحمد» خلفه فلم يجد سوى «هدى»، فنظر إليها قليلًا، فابتسمت، ثم هزت رأسها قائلة: نعم إنه هناك … تقدم الاثنان خلفهما، وكان ركاب الطائرة قد عادوا إلى أماكنهم. دخلوا الصيدلية. أخذ الرَّجل يقرأ أسماء الأدوية الموجودة، ثم أخذ منها زجاجة فتحها، وأخرج منها قرصَيْن قدمهما ﻟ «خالد»، وأسرع الكابتن بإحضار كوب ماء، ابتسم الرجل وقال: الآن، سوف تُصبح على ما يرام!
ابتلع «خالد» القرصَيْن، وقال الرجل: حبَّذا لو شرب شيئًا ساخنًا … وعندما كاد الرجل ينصرف، قال له «أحمد»: إنني نيابةً عن صديقي أشكرك كثيرًا غير أني كنت أود أن أسألك سؤالًا …
ابتسم الرجل وقال: تفضل …
أحمد: هل أنت طبيب؟
الرجل: نعم، لماذا؟!
أحمد: فقط كنت أطمئن؛ فكثيرًا ما تحدث بعض الأخطاء نتيجة الأدوية، أو تشخيص العلاج … ضحك الرجل بعمق، وقال: اطمئن، إنني جراح …
أحمد: إنني سعيد بلقائك يا سيدي! … حَيَّاه الرَّجل وانصرف … كان «خالد» يقف هادئًا، نظر «أحمد» إليه في دهشة: ما هذا، هل شربت سحرًا؟! …
ابتسم «خالد» وهو ما زال يتألَّم، ثم سار وهو يضع يده على بطنه، جاء الكابتن يحمل كوبًا من الشاي، وكان «خالد» قد استقرَّ في كرسيِّه، فشكر الكابتن وهو يقول: لقد أصبحت بخيرٍ الآن … ثم نظر إلى «باسم» وقال: أليس كذلك يا «باسم»؟!
ابتسم «باسم» وقال: أظن ذلك، بعد قليلٍ سوف تكون أحسن …
تمنى له الكابتن الشفاء ثم انصرف … نظر لهم «أحمد» فضحكت «هدى»: نعم، كل شيء على ما يُرام …
قال «أحمد» في دهشة: إنني لا أفهم شيئًا …
ضحك «خالد» وقال: أشكرك جدًّا، إنني أعرف أنك اضطربت من أجلي، لكن المسألة كانت غير ذلك.
ثم مال برأسه على أذن «أحمد» وأخذ يهمس، بينما كان وجه «أحمد» تظهر عليه الدهشة مع كل كلمة يسمعها، وفي النهاية استغرق في الضحك، وجذب شعر «باسم» مُداعبًا، ثم أخذ طريقه إلى مقعده تتبعه «هدى»، وأخذت مكانها. كان «أحمد» لا يزال يضحك في هدوء، بينما استسلمت «هدى» لمُشاهدة النجوم من نافذة الطائرة. كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة صباحًا. شعر «أحمد» بالرغبة في الراحة، بينما كان ركاب الطائرة جميعًا قد استغرقوا في النوم … أطفأ «أحمد» النور بجواره، ثم استسلم للتفكير … كان لا يزال يفكر فيما قاله «خالد»، وما فعله «باسم». مالت «هدى» في اتجاه «أحمد» وقالت: إنها خطةٌ ذكيةٌ أليس كذلك!
أحمد: أرجو أن تكون النتيجة جيدة. أخذا يتحدثان حتى شعر «أحمد» بالرَّغبة في النوم، غير أنَّ «هدى» كانت قد أصبحت نَشِطة تمامًا، بعد أن نامت في البداية، نظر إليها «أحمد» مبتسمًا وقال: عليكِ أن تقومي بالحراسة، ما دمتِ يقظةً إلى هذا الحد …
ضحكت «هدى» في هدوء وأجابت: نَمْ، دون كلامٍ كثير …
أغمضَ «أحمد» عينيه، وبدأ النعاس يتسرَّب إليه … كان يشعر بالراحة، أخيرًا، سوف ينتهي الكشف عن هذا اللغز المُحَيِّر … هكذا كان يفكر، غير أنَّه قال في نفسه: لعل الفيلم لا يكون أبيض هذه المرة … ثم استغرق في النوم …
ظلت «هدى» مُستيقظة. كانت تراقب النجوم، ثم تنظر إلى وجه «أحمد» الذي كان يبتسم وهو نائم … مضت حوالي الساعة، وبدأت «هدى» هي الأخرى تشعر بالرَّغبة في النَّوم، وأخذت تقاوم، ولكن النعاس غلبها في النِّهاية.
وعندما استيقظ الشياطين، كانت الحركة نشطةً في الطائرة أطباق توضع وأطباق تُرفع، وكلمات كثيرة تُقال واقتربت المضيفة من «خالد» فسألها: متى نصل؟ نظرت المضيفة في ساعة يدها ثم قالت: أمامنا نصف ساعة بالضبط …
تناول الشياطين طعام الإفطار، ثم قام «خالد» مُتَّجِهًا إلى حيث يوجد الرجل الأسمر، وكان الرجل يُدخن في هدوء، وما إن رأى «خالد» حتى ابتسم قائلًا: كيف حال صديقنا اليوم؟
خالد: بخيرٍ يا سيدي، إنني أشكرك جدًّا. لقد ارتحت تمامًا! فهزَّ الرجل رأسه، وقال مُبتسمًا: أتمنَّى لك رحلة طيبة …
شكره «خالد» وعاد. جاء صوت مذيعة الطائرة: إننا الآن نقترب من «ريو دي جانيرو»، نرجو أن تكون الرحلة طيبة، الكابتن وطاقم الطائرة يهنئونكم بسلامة الوصول، نرجو ألَّا تنسوا ربط الأحزمة …
نظر الشياطين إلى بعضهم، ها هي الرِّحلة قد انتهت أخيرًا … قام «أحمد» من مكانه، ثم أخذ طريقه إلى حيث كابتن الطائرة، حيَّاه، ثم سأله: هل يوجد طيران إلى «بيرو»؟ ابتسم الكابتن وقال: بالتأكيد، غير أنَّها رحلة أخرى طويلة، ينبغي أن تقفوا يومًا في «ريو دي جانيرو»، ثم ترحلون غدًا إلى «بيرو» … فشكره «أحمد» وعاد، وأخبر الشياطين، فقال «باسم»: إن هذا يتوقَّف على صديقنا الجالس في الأمام … بدأَت الطائرة تأخذ طريقها في النزول إلى أرض المطار، غير أنَّ ذلك لم يكن يشغل الشياطين تمامًا، كان الذي يشغلهم هو الرجل الأسمر … خلال عشر دقائق، كانت الطائرة تهدأ تمامًا على الأرض، وبدأ المسافرون يُغادِرون أماكنهم، انتظر الشياطين حتى ظهر الرجل الأسمر الذي ابتسم لهم، وعندما كان بجوارهم تمامًا قال: إلى أين سيذهب الأصدقاء؟
أجاب «خالد»: سوف نقضي اليوم في المدينة، ونرحل غدًا إلى «أورجواي».
هز الرجل رأسه، ثم قال: إنني أنتوي أيضًا قضاء اليوم هنا، غير أنني سوف أقوم برحلة أطول قليلًا منكم … ثم أخذ الرجل طريقَه بعد أن حيَّاهم، فتبعوه ونزلوا خلفه، وأخذ الجميع طريقهم إلى خارج المطار. كان الشياطين حريصين على أن يظلَّ الرجلُ تحت أعينهم، وقف الرجل قليلًا، فأسرع «أحمد» إلى أقربِ تليفون، ثم اتصل بالرقم الذي أعطاه له «شارل»، وعندما سمع صوت الطرف الآخر قال: كوكب. جاءه الصوت الآخر: أهلًا بك، أين أنتم؟ …
أحمد: في المطار، ونحتاج حضورك حالًا …
أجاب: إنني قريبٌ منكم جدًّا، خلال دقيقتَيْن سوف أكون بينكم …
وضع «أحمد» السماعة، ثم انصرف بسرعةٍ إلى حيث يقف الشياطين، كان الرجل لا يزال يقف هناك. مرَّت دقيقتان، ومع نهايتهما توقَّفَت سيارةٌ ضخمة، نزل منها رجلٌ أنيق تمامًا، نظر حوله لحظة، حتى وقعت عيناه على الشياطين، فاتجه إليهم مُبتسمًا، وعندما وقف بينهم قدم نفسه: «جيمس ثاباجوس» وينادونني «ثابا».
حيَّاه الشياطين، قال له «أحمد» همسًا: هذا أحدهم …
علَت الدهشة وجه «ثابا» ثم قال: هذه حقيقة؟
أحمد: نعم … إنها حقيقة …
تشاغلوا قليلًا حتى وصلت سيارةٌ داكنة اللون، وقفت أمام الرجل الأسمر … كانت عليها علامةٌ لفتت نظر الشياطين؛ «الفأر الصغير» … ركب الرجل بسرعة، ثم انطلقت السيارة، وخلفها انطلقت سيارة الشياطين و«ثابا» … ظلوا يتابعون سيارة الرجل، حتى توقفت أمام عمارة شاهقة، ثم نزل الرجل ودخل العمارة مباشرةً، قال «ثابا»: لا بأس، نستطيع أن ننصرف الآن، واتركوا لي الباقي …
قال «باسم»: لدينا فيلم نُريد تحميضه وطبعه الآن سريعًا …
ابتسم «ثابا» وقال: من تلك الأفلام التي تعطي نتيجةً بيضاء …
ضحك الشياطين وقال «خالد»: نرجو أن تكون النتيجة جيدةً هذه المرة. وانطلق «ثابا»، حتى توقَّف أمام مبنًى صغير، ثم قال: هيا، هنا المعمل الخاص بنا. فنزل الشياطين بسرعة، ودخلوا المعمل خلفه، وقدم له «باسم» الفيلم فأخذه واختفى … ضحك الشياطين، وقال «خالد»: لقد كانت حيلة بارعة، أليس كذلك؟
أحمد: بلا شك، غير أنني لم أستطع أن أفهمها بسرعة، لقد تصورت أن المسألة حقيقية، وأنك مُتَألِّم فعلًا!
خالد: لقد رأيت الرجل يقرأ كتابًا، مثل الكتاب الذي كان يقرؤه «باركر» «التاريخ القديم للعالم»، وقلتُ إن المسألة تحتاج إلى حيلةٍ تجعله ينسى الكتاب … وصرخة في الطائرة، تجعل الجميع ينسون كل شيء … غمزت إلى «باسم» الذي فهمني بسرعة، وكذلك «هدى»، ثم صرخت، وحدث ما حدث …
أحمد: و«باسم»؟
باسم: عندما تحرَّك الرجل مع «خالد» إلى صيدلية الطائرة، كان الكتاب مقلوبًا فوق الكرسي؛ فقد كان الرجل يجلس وحده … وبسرعة، قمت بتصوير بعض صفحاته، بعد أن قرأتُ كلمات سريعة منه. كذلك، وجدت فيه خريطة قمت بتصويرها، ثم تركتُ الكتاب، وعدتُ إلى مقعدي … استغرق الشياطين في الضحك، بينما عاد «ثابا» يحمل الفيلم بين يديه قائلًا: إنَّ هذه صفحات كتاب، وخريطة! … تنفَّس الشياطين بعمق، ثم صاح «خالد»: عاش الألم … ضحكوا جميعًا، بينما كان «ثابا» ينظر لهم في دهشة … قال «أحمد»: هل لديك مكبر وشاشة؟ إننا نُريد أن نقرأ ما في الكتاب، إنَّ هذا هو انتصارنا الحقيقي.
وبدأ يعرض الفيلم على الشاشة، وأخذ الشياطين يقرءون تلك الصفحات التي ظهرَت جيدًا على الشاشة: إن «ماهشوبيكشو» مدينتنا العريقة القديمة يجب أن تعود، لقد كانت مملكتنا العظيمة التي بُنيَت حوالي عام ٩٣٨م تضم معظم الدول الموجودة الآن، حول جبال «الأنديز». لقد كانت إمبراطورية «ألانكا»، حوالي عام ١٤٥٠م تضم «بيرو»، ومعظم «إكوادور»، و«بوليفيا»، والأجزاء الشمالية من «شيلي»، و«الأرجنتين». إنني قد طرت أنحاء العالم كله، لأجمع من جديد شمل أحفاد «ألانكا» العظيم، لتعود مملكتنا من جديد … إننا سلالة ملوك، لم يعرف التاريخ مثلهم، ولقد اندثرت مدينتنا، لكن آثارها لا تزال باقية … لقد بحثتُ كثيرًا في كتب التاريخ، والآثار، حتى عرفتُ أنَّ هناك علامةً تُميِّزنا جميعًا؛ هي علامة الفأر، إن هؤلاء هم أبناء «ألانكا» الأعظم، الذي حكم العالم في هذه البقعة من الأرض، ولقد اكتشفت خلال رحلاتي في طول العالم وعرضه، أن أحفاد «ألانكا» العظيم، كلهم من نوابغ العالم، لهذا دعوتكم لنلتقي في مدينتنا الخالدة «ماهشوبيكشو» … إنَّ «ماهشوبيكشو» مدينة الأجداد العظماء، تلك التي علَّمت العالم يجبُ أن تعود … وأمامكم خريطة لمملكتنا القديمة، وعلى يمين الخريطة سهمٌ يُشير إلى مكان اللقاء، لقد كتب لكم الكتاب بالإنجليزية، لكن الخريطة قد كتبتها بلغة «ألانكا» العظيم، تلك اللغة السامية القديمة، فلا يتأخر أحدكم.
انتهت الصفحات التي صورها «باسم» ثم ظهرت الخريطة، وكانت بالغة التعقيد … نظر الشياطين إلى بعضهم وقال «خالد»: هل نرسل رسالةً إلى رقم «صفر» نخبره فيها بما حدث، أو نطير إليه؟
أحمد: أظن أنه يجب أن نُرسل إليه، فربما تكون هناك تعليماتٌ أخرى …
وبسرعة، أرسل «أحمد» رسالةً شرح فيها كل شيء، وما عثروا عليه … وكان رد رقم «صفر»: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س». انتظروا التعليمات.
قال «ثابا»: أعتقد أنه من الأحسن لنا، أن نخرج إلى الحديقة الخلفية للمعمل، في انتظار تعليمات رقم «صفر» … إنَّ لدينا حديقة رائعة.
وافق الشياطين، ومن خلال ممر ضيق، مشى الواحد خلف الآخر، حتى ظهر باب الحديقة، كانت رائعةً فعلًا. ألقى «أحمد» نفسه على الحشائش فصاح «ثابا»: ماذا تفعل أيها الصديق؟
ضحك «أحمد» قائلًا: لقد اشتقت للأرض … ضحك «ثابا» أيضًا وهو يقول: خذ منها ما تشاء … إنها أرض الله … فضحكوا جميعًا …
مرَّت نصف ساعة، شربوا خلالها الشاي، ثم جاءت رسالة رقم «صفر»: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» … لا تزال هناك بقية، انتظروا التعليمات بعد أيام … عندما انصرف الشياطين إلى سيارة «ثابا» كانوا يحلمون بالراحة مؤقتًا … في انتظار أن تبدأ مغامرتهم الكبرى.