شجيرة الورد
في أحد أيام السبت، ذهبت إلى بيت فيبي مجددًا. كان أبوها يلعب الجولف، وأمها تقضي بعض الحاجات. قرأت علينا السيدة وينتربوتوم قائمة طويلة من الأماكن التي ستكون موجودة فيها حال احتجنا إليها. لو سمعنا أي جلبة، فعلينا أن نتصل بالشرطة فورًا. قالت السيدة وينتربوتوم: «بعد أن تتصلا بالشرطة، اتصلا بالسيدة كادافر. أظن أنها في منزلها اليوم. أنا واثقة من أنها ستأتي إليكما على الفور.»
همست فيبي في أذني: «بالطبع. ستكون آخر شخص أتصل به.» تخيلت فيبي أن أي جلبة نسمعها مصدرها المختل يحاول أن يتسلل إلى داخل البيت أو تارك الرسائل المجهول يتسلل كي يترك ملاحظة أخرى. كانت متوترة للغاية حتى إنها نقلت إليَّ عدوى توترها.
بعد أن غادرت أمها، قالت فيبي: «ألا تجدين مواعيد عمل السيدة كادافر غريبة؟ أحيانًا تعمل كل ليلة طيلة أسبوع، وتعود إلى البيت متبخترة في موعد استيقاظ الناس، لكنها تعمل أثناء النهار في بعض الأحيان.»
قلت: «هي ممرضة، لذا أظن أنها تناوب في أوقات متفرقة.»
ذلك اليوم، كانت السيدة كادافر موجودة في بيتها تُنجز بعض الأعمال المتفرقة في حديقتها. رأيناها من نافذة غرفة نوم فيبي. في الواقع، ليس أداء بعض الأعمال هو الوصف الأمثل. بل كان ما تفعله أقرب إلى التقليم والتقطيع. كانت السيدة كادافر تقتلع الأغصان من الأشجار وتحملها وتضعها فوق كومة من الأغصان التي اقتلعتها الأسبوع الفائت.
قالت فيبي: «قلت لك إنها تتمتع بقوة بدنية هائلة.»
بعد ذلك بدأت السيدة كادافر تقطع وتقلم شجيرة ورد هزيلة تحاول تسلق جانب منزلها. ثم جزت الأجزاء العلوية من السياج الشجري الذي يحد فناء بيت فيبي. ثم انتقلت إلى شجيرة ورد، حين توقفت سيارة في مسار السيارات أمام بيتها. ترجَّل منها رجل فارع الطول ذو شعر أسود أشعث، ووثب فعليًّا إلى الخلف حيث تقف. تعانقا.
قالت فيبي: «يا إلهي!» كان الرجل ذو الشعر الأسود الأشعث هو السيد بيركواي معلم اللغة الإنجليزية.
أشارت السيدة كادافر إلى شجيرة الورد ثم إلى الفأس، لكن السيد بيركواي هزَّ رأسه نفيًا. اختفى داخل المرأب ثم عاد حاملًا رفشين. ثم ظل هو والسيدة كادافر ينقران التربة ويزيحانها ويحفرانها حتى سقطت شجيرة الورد المسكينة على جانبها. حملاها إلى الجانب المقابل من الفناء حيث استقرت كومة من التربة وأعادا زراعتها هناك.
قالت فيبي: «ربما يوجد شيء ما مخفي تحت الشجيرة.»
«مثل ماذا؟»
«مثل السيد كادافر، كما سبق أن أخبرتكِ. ربما ساعدها السيد بيركواي على تقطيع جثة زوجها ودفنها وربما بدأ القلق يساورهما فقرَّرا أن يخفيا تلك الرقعة بشجيرة ورد.» لا بدَّ أن وجهي عكس تشككًا. قالت فيبي: «سال، لا يمكن أن تعرفي أبدًا. ولا أظن أنه ينبغي أن تذهبي أنت أو أبوك إلى بيتها بعد اليوم.»
وافقتها بالتأكيد على تلك النقطة الأخيرة. كنت أنا وأبي نزورها منذ ليلتين، وكنت لا أكاد أستطيع الجلوس ساكنة. بدأت ألاحظ الكثير من الأشياء المرعبة في بيت مارجريت: أقنعة مخيفة، وسيوف قديمة، وكتب تحمل عناوين مثل «جرائم شارع مورج» و«الجمجمة والفأس». حاصرتني مارجريت في المطبخ وقالت: «إذن، ماذا قال لكِ أبوكِ عني؟»
قلت: «لا شيء.»
«أوه!» بدت عليها خيبة الأمل.
كان سلوك أبي يختلف دائمًا في بيت مارجريت. في بيتنا كنت أجده في بعض الأحيان جالسًا على فراشه يحملق في الأرضية، أو يتصفح رسائل قديمة، أو يحدق في دفتر صور. كان يبدو حزينًا وحيدًا. أما في بيت مارجريت فكان يبتسم، ويضحك أحيانًا، وذات مرة لمست يده فترك يدها تستقر فوق يده. لم أحب ذلك. لا أرضى الحزن لأبي، لكن على الأقل حين يكون حزينًا، كنت أعرف أنه يتذكر أمي. هكذا حين اقترحت فيبي ألا أذهب أنا وأبي إلى بيت مارجريت، كنت مستعدة تمامًا لموافقتها على تلك الفكرة.
حين عادت والدة فيبي إلى البيت بعد أن قضيت مهامها كلها، كان مظهرها مريعًا. كانت تتمخط وتمسح أنفها.
قالت فيبي إننا سنذهب لإنهاء واجبنا المنزلي. حين صعِدنا إلى الطابق العلوي، قلت لها: «ربما كان يجب أن نساعدها في رص البقالة.»
قالت فيبي: «هي تحب فعل ذلك بنفسها.»
سألتها: «هل أنتِ واثقة؟»
قالت: «بالطبع واثقة. فقد عشت هنا طَوال حياتي، أليس كذلك؟»
«بدت وكأنما كانت تبكي. ربما ثمة خطب ما. ربما ثمة ما يزعجها.»
«إن صح ذلك، ألا تظنين أنها كانت ستُفصِح عنه؟»
قلت: «ربما تخشى أن تفعل.» تساءلت لماذا كان سهلًا عليَّ أن أرى أن والدة فيبي قلقة وبائسة بينما غاب ذلك عن نظر فيبي؛ وإن لم يغب عنها فهي تتجاهله. ربما لا تريد رؤيته. ربما كان الأمر جِدَّ مرعبٍ لها. تساءلت إن كان الأمر كذلك مع أمي. هل كان ثمة أشياء فاتتني ملاحظتها؟
لاحقًا في عصر ذلك اليوم، حين نزلت أنا وفيبي إلى الطابَق السفلي، كانت السيدة وينتربوتوم تتحدث مع برودنس. سألتها: «في رأيك هل أعيش حياة تافهة؟»
قالت برودنس وهي تبرد أظافرها: «ماذا تعنين؟ هل لديك مزيل لطلاء الأظافر؟»
جلبت والدة فيبي زجاجة مزيل طلاء الأظافر من الحمام.
قالت برودنس: «أوه! قبل أن أنسى؛ هل تظنين أن بإمكانك أن تقصري طرف تنورتي كي أتمكن من ارتدائها غدًا؟ رجاءً؟» أمالت برودنس رأسها جانبًا، وجذبت خصلة من شعرها مثلما تفعل فيبي تمامًا، وزمت شفتيها.
سألت: «ألا تعرف برودنس الخياطة؟»
قالت فيبي: «بالطبع تعرفها. لِمَ تسألين؟»
«أتساءل فحسب لمَ لا تخيط تنورتها بنفسها؟»
«لقد أصبحتِ كثيرة الانتقاد، يا سال.»
قبل أن أترك بيت فيبي ذلك اليوم، أعطت السيدة وينتربوتوم إلى برودس تنورتها البنية وقد خيط طرفها، وظللت أتساءل طَوال الطريق إلى البيت عما قصدت بقولها إنها تعيش حياة تافهة. إذا كانت لا تحب الخَبز والتنظيف والذهاب لإحضار زجاجات مزيل طلاء الأظافر وخياطة أطراف التنانير، فلمَ تفعل تلك الأشياء؟ لمَ لا تطلب منهم أن يفعلوا بعض تلك الأمور بأنفسهم؟ ربما تخشى ألا يتبقى لها شيء تفعله. ألَّا تعد ثمة حاجة إليها، وحينها يصير وجودها كعدمه لا يلاحظه أحد.
حين وصلت إلى البيت ذلك اليوم، أعطاني أبي حزمة. قال: «تلك هدية من مارجريت.»
«ما هي؟»
«لا أدري. لمَ لا تفتحينها؟»
كان بداخلها سترة زرقاء. أعدتها إلى الصندوق وصعدت إلى الطابق العلوي. تبعني أبي. «سال؟ سال … هل أعجبتكِ؟»
قلت: «لا أريدها.»
«هي تحاول فقط أن … هي تحبك …»
قلت: «لا يهمني إن كانت تحبني أم لا.»
وقف أبي مكانه وعيناه تهيمان في أرجاء الغرفة. قال: «أريد أن أخبركِ أمرًا بشأن مارجريت.»
«وأنا لا أود سماعه.» كنت أشعر بالعناد يتملَّكني. حين غادر أبي الغرفة، كان صوتي لا يزال يتردد في أذني قائلًا: «لا أود سماعه.» قلتها بأسلوب كأسلوب فيبي تمامًا.