لدغة ثعبان
كان الحر لافحًا في ساوث داكوتا في مدينة سيوكس فولز، خلع جدي قميصه. وأثناء مرورنا بمدينة ميتشل، فكَّت جَدتي أزرار قميصها حتى خصرها. بعد مدينة تشامبرلين، انعطف جدي إلى نهر ميزوري. وأوقف السيارة تحت شجرة مُطلة على ضفة رملية.
خلع جدي وجدتي حذاءيهما. كان السكون يعم والحرارة شديدة. لم يُسمع إلا صوت غراب يصيح في مكانٍ ما من النهر والهدير البعيد للسيارات التي تسير في الطريق السريع. لفح الهواء الساخن وجهي، وتدلَّى شعري مثل دِثار ساخن ثقيل على عنقي وظهري. كانت الحرارة شديدة حتى إنك تشم رائحة تحمص الحجارة والتربة على ضفة النهر.
خلعت جدتي ثوبها، وفك جدي حزام بنطاله وتركه يسقط على الأرض. بدآ يركل كل منهما الماء على الآخر ويغرفانه بكفَّيهما ثم يسكبانه على وجهيهما. خاضا في الماء حتى ركبتيهما وجلسا.
نادى جدي قائلًا: «تعالَي يا صغيرتي.»
قالت جدتي: «الماء لذيذ!»
تطلعتُ إلى طرفَي النهر. لم يقع بصري على أي مخلوق. بدا الماء باردًا صافيًّا. جلس جدي وجدتي في النهر مبتسمَين. خضت إليهما وجلست. كان الماء يتماوج حولنا، وتحيط بنا السماء العالية الزرقاء، وتتمايل الأشجار على الضفتَين، كأننا في الجنة.
طفا شعري حولي. كان شعر أمي أسود طويلًا كشعري، لكنها قصته قبل رحيلها بأسبوع. قال لي أبي: «لا تقصي شعرك يا سال. أرجوكِ لا تقصيه.»
قالت أمي: «كنت أعرف أنك لن تحب أن أقص شعري.»
قال أبي: «لم أعلق على قصك شعرك.»
قالت: «لكني أعرف ما يدور في ذهنك.»
قال: «كنت أحب شعرك يا شوجر.»
احتفظت بشعرها. جمعته من أرضية المطبخ ولفته في كيس بلاستيكي وخبأته تحت ألواح الأرضية في غرفتي. لا يزال في مكانه هناك، وكذلك البطاقات البريدية التي أرسلتها لي.
بينما كنت أجلس مع جدي وجدتي في نهر ميزوري، حاولت أن أبعد تلك البطاقات البريدية عن تفكيري. حاولت أن أركز على السماء العالية والماء الفاتر. كان المكان سيصبح مثاليًّا لولا ذلك الغراب العنيد الذي ظل يصيح: «كار-كار-كار». سألت: «هل سنطيل البقاء هنا؟»
خرج الصبي من العدم. كان جدي أول من رآه، فهمس: «قفي خلفي يا صغيرتي.» ثم مخاطبًا جدتي: «وأنتِ أيضًا.» كان الصبي في عمر الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، وشعره داكن أشعث. كان يرتدي بنطالًا من الجينز دون قميص فبدا صدره أسمرَ مفتولًا. كان يقبض بيده على سكين باوي، ثبت غمدها في حزامه. ووقف على الضفة بجوار بنطال جدي.
تذكرت فيبي فأيقنت أنها لو كانت هنا الآن، لحذرتنا من أن يكون ذلك الصبي مختلًّا ينوي تمزيقنا جميعًا إلى أشلاء. تمنيت لو لم نتوقف عند النهر، وودت لو كان جداي أكثر حذرًا، ولو كانا فيهما شيء من حذر فيبي التي ترى الخطر في كل مكان حولها.
لما حدَّق بنا الفتى، قال جدي: «مرحبًا.»
قال الفتى: «ذلك المكان ملكية خاصة.»
تطلع جدي حوله. «حقًّا؟ لم أرَ أيَّ لافتات تشير إلى ذلك.»
«هو ملكية خاصة.»
قال جدي: «عجبًا، هذا نهر. لم أسمع قط بنهر يقع ضمن ملكية خاصة.»
التقط الفتى بنطال جدي ودسَّ يده في أحد جيوبه.
«تلك الرقعة التي أقف عليها ملكية خاصة.»
ارتعبت من الفتى وأردت أن يبادر جدي بفعل شيء ما، لكن جدي بدا عليه الهدوء ورباطة الجأش. وكأن لا هم له في الحياة، لكني عرفت أنه قلق من الطريقة التي ظلَّ يتقدم بها أمامي أنا وجدتي.
تحسست قاع النهر، وأخرجت حجرًا مستويًا ورميته على صفحة الماء. راقب الفتى الحجر، وعَدَّ ارتداداته عن صفحة الماء.
تلوَّى ثعبان على الضفة ثم انسلَّ إلى الماء.
قال جدي: «أترى تلك الشجرة؟» أشار إلى صفصافة عجوز تنحني فوق الماء حيث يقف الصبي.
قال الفتى وهو يدسُّ يده في جيب آخر ببنطال جدي: «أراها.»
قال جدي: «أترى تلك العقدة بها؟ راقب ما بوسع تلك الصغيرة فعله بعقدة.» غمز لي جدي بعينه. كانت عروق عنقه نافرةً. كان بالإمكان رؤية اندفاع الدم عبرها.
تحسست قاع النهر من حولي وأخرجت حجرًا مستويًا مسننًا آخر. فعلت ذلك الأمر ملايين المرات من قبل في رقعة السباحة في بايبانكس. أرجعت ذراعي إلى الوراء ورميت الحجر مستهدفة الشجرة مباشرة. انغرس طرفه في العقدة. توقف الفتى عن التفتيش في جيوب بنطال جدي ونظر إليَّ.
قالت جدتي وهي تضرب الماء بيديها: «آه!» مدت يدها لأسفل وأخرجت ثعبانًا ورمقت جدي بنظرة مرتبكة. قالت: «هذا ثعبان ماء من نوع موكاسين، أليس كذلك؟ هو نوع سام، أليس كذلك؟» تلوى الثعبان وتَمعَّج صابيًا إلى الماء. «أعتقد أنه لدغني في ساقي.» حدَّقت في جدي.
تسمَّر الفتى على الضفة ممسكًا بمحفظة جدي. حمل جدي جدتي وخرج بها من الماء. كانت لا تزال ممسكة بالثعبان، فقال لها جدي: «هلا أسقطت ذلك الشيء؟» ثم قال لي: «اخرجي من عندكِ يا صغيرتي.»
حين وضع جدي جدتي أرضًا على الضفة، جاء الفتى وجثا على ركبتيه إلى جوارها. قال جدي وهو يمدُّ يده إلى سكينه: «أنا جدُّ سعيد أن تحمل هذه السكين.» حين أحدث بها شقًّا في موضع لدغة الثعبان في ساق جدتي، تقطرت منه الدماء على كاحلها. أمسكت بيد جدتي فيما شخص بصرُها إلى السماء. جثا جدي ومصَّ الدماء من الجرح، لكن الفتى قال له: «سوف أفعل أنا ذلك عنك.» قرب الفتى فمه من ساق جدتي الدامية. وظل يمص الدماء ويبصقها. ارتعش جفنا جدتي.
قال جدي: «هل بوسعك أن ترشدنا إلى مستشفًى؟»
أومأ الفتى برأسه وهو يبصق. حمل جدي بمساعدة الفتى جدتي إلى السيارة ووضعاها على المقعد الخلفي فيما انتشلت ثيابهما من على ضفة النهر. أسندنا رأس جدتي إلى حجري وقدميها على حجر الفتى، الذي لم يكفَّ عن المص والبصق. فيما بين ذلك كان يوجهنا إلى المستشفى. تشبثت جدتي بيدي.
حمل جدي، الذي كان لا يزال بسرواله الداخلي يقطر من جسده الماء، جدتي إلى المستشفى. وطَوال الوقت لم يبرح فم الفتى ساقها، فظل يمص ويبصق.
باتت جدتي الليلة في المستشفى. في غرفة الانتظار، تكوَّم الفتى الذي لقيناه على ضفة النهر على أحد الكراسي. قدمت له منديلًا ورقيًّا. قلت: «ثمة دماء تلطخ فمك.» مددت يدي إليه بورقة نقدية بقيمة خمسين دولارًا. «طلب مني جدي أن أعطيك هذه. هي كل ما معه من أوراق نقدية الآن. وطلب مني أن أشكرك. كان سيأتي إليك بنفسه لولا أنه لا يريد ترك جدتي.»
نظر إلى الخمسين دولارًا التي أحملها بيدي. «لست بحاجة إليها.»
قلت: «لست مضطرًّا إلى البقاء.»
جال بنظره في غرفة الانتظار. وقال: «أعرف.» أشاح ببصره عني ثم قال: «يعجبني شعركِ.»
«كنت أفكر في قصه.»
«لا تفعلي.»
جلست بجواره.
قال: «لم يكن المكان ملكيةً خاصة في الحقيقة.»
«لم أظنه كذلك.»
لاحقًا، حين دخلت لزيارة جدتي، كانت ترقد في السرير شاحبة وناعسة. إلى جوارها على السرير الضيق، كان جدي مستلقيًا على الأغطية، يربِّت على شعرها. دخلت ممرضة وأجبرته على ترك السرير. كان حينئذٍ قد ارتدى بنطاله، لكن مظهره كان مزريًا.
سألت جدتي كيف تشعر. طرفت بعينها بضع مرات وقالت: «تبًّا.»
قال جدي: «لا بدَّ أنهم أعطَوها مخدرًا ما. فهي لا تعي ما تقول.»
انحنيت وهمست في أذنها. «لا تتركينا يا جدتي.»
قالت جدتي: «تبًّا.»
حين غادرت الممرضة الغرفة، عاد جدي إلى السرير واستلقى إلى جوار جدتي. ربَّت على السرير. وقال: «هذا ليس فراش الزوجية، لكنه سيفي بالغرض.»