الشجرة الشادية
خرجت جدتي من المستشفى صباح اليوم التالي على الأرجح بسبب عنادها. أراد جدي أن تمكث يومًا آخر، لكنها نهضت من السرير وقالت: «أين ملابسي الداخلية؟»
قال جدي: «أظن أن تلك المشاكسة ستخرج من هنا.»
أظن أن الخوف جعلنا جميعًا عصبيي المزاج بعض الشيء. كنت قد قضيت الليلةَ في غرفة الانتظار. عرض جدي عليَّ أن يؤجر لي غرفةً بنُزُل، لكني خشيت إن غادرت المستشفى ألا أرى جدتي مجددًا. تكوَّم الفتى الذي قابلناه عند النهر في مَقعد ذي مسندي ذراع، لكني أظن أنه لم ينم كذلك. تحدث في الهاتف مرة. سمعته يقول: «أجل، سأعود إلى البيت في الصباح. أنا برفقة بعض الأصدقاء.»
أيقظني الفتى في السادسة صباحًا وقال إن جدتي تحسنت كثيرًا. وأعطاني ورقة. «ذلك عنواني، حال أردت أن تراسليني أو ما شابه، لكني سأتفهم إن لم ترغبي …»
فتحت الورقة. «ما اسمك؟»
ابتسم. «أجل، صحيح.» أخذ الورقة وأضاف اسمه: توم فليت. قال: «أراكِ لاحقًا.»
أثناء إنهاء إجراءات مغادرة المستشفى، سألت إذا كان يجب أن نتصل بأبي. قال جدي: «لقد فكرت في ذلك يا صغيرتي، لكن هذا سيثير قلقه. هل ترين أنه يمكن تأجيل الاتصال به حتى نصل إلى أيداهو؟»
كان جدي محقًّا، لكن شعرت بخيبة أمل. كنت قد تهيأت للاتصال بأبي. رغبت بشدة في سماع صوته، لكني خشيت أيضًا إن اتصلت به أن أطلب منه أن يأتيَ ليأخذني.
خارج المستشفى، سمعت هزيج طائر، وكان هزيجًا مألوفًا بشدة حتى إني وقفت أُصغي السمع محاولة تبيُّن مصدره. كان صف من أشجار الحور يحيط بموقف السيارات. وكان الصوت قادمًا من مكانٍ ما بقمة إحدى تلك الأشجار، فتذكرت على الفور الشجرة الشادية في بايبانكس.
بجوار شجرة القَيْقب السكري المفضلة لديَّ المتاخمة للحظيرة، توجد شجرة حور رجراجي باسقة. في طفولتي، كنت أسمع أعذب الأغاريد تأتي من تلك الشجرة. لم تكن نداءات؛ بل أغرودة فعلية، ذات زقزقات وهزيج. وقفت أسفل الشجرة لأطول مدة ممكنة، آملةً أن ألمح الطائر صاحب تلك الأغرودة. لكني لم أرَ أيَّ طائر؛ لم أرَ سوى أوراق الشجرة تتهادى مع النسيم. كلما أطلت النظر إلى الأوراق، كان يُخيَّل لي أن الشجرة نفسها هي التي تشدو. كلما مررت بتلك الشجرة، كنت أتوقف وأرهف السمع. كنت أسمعها تشدو أحيانًا، وتظل صامتة أحيانًا أخرى، لكن منذ ذلك الحين سميتها الشجرة الشادية.
في صباح اليوم الذي تلا معرفة أبي بخبر عدم عودة أمي، غادر متجهًا إلى لويستون بأيداهو. جاء جدي وجدتي ليمكثا معي. رجوته أن يأخذني معه، لكن أبي قال إنه يريد إعفائي من خوض ذلك الأمر. ذلك اليوم، تسلقت شجرة القَيْقب وراقبت الشجرة الشادية منتظرة أن تشدو. مكثت مكاني طَوال النهار حتى مطلع المساء. لكن الشجرة لم تشدُ.
عند الغسق، فرش جدي ثلاثة أكياس نوم تحت الشجرة، وهناك نمنا أنا وهو وجدتي طَوال الليل. لكن الشجرة لم تشدُ.
في موقف سيارات المستشفى، سمعت جدتي أيضًا الأغرودة. قالت: «سالامنكا، إنها شجرة شادية!» ثم جذبت كم قميص جدي.
«ذلك فأل حسن، ألا تظن ذلك؟»
أثناء اجتيازنا أراضي ساوث داكوتا متجهين إلى متنزَّه بادلاندز، لم تَعُد الهمسات تقول «هيا، هيا» أو «هلُمِّي، هلُمِّي.» بل صارت تقول «على مهل، على مهل». لم أفهم سبب ذلك. بدا لي تحذيرًا من نوع ما، لكن وقتي لم يتسع للتفكير فيه، إذ كنت منشغلةً برواية قصة فيبي.