على مدى عمر كامل
بعد مرور بضعة أيام على رؤيتي أنا وفيبي للسيدة كادافر والسيد بيركواي يقطعان شجيرة الورد، سرت مع فيبي إلى منزلها. كانت عنيدة ومتكدرة المزاج للغاية لسبب لا أعرفه. سألتني عن سبب عدم إخباري لأبي بشأن السيدة كادافر والسيد بيركواي، فأخبرتها أنني أنتظر اللحظة المناسبة.
قالت فيبي: «كان أبوك عندها أمس. لقد رأيته. أحرى به أن يأخذ حذره. ماذا أنت فاعلة لو قطَّعَت السيدة كادافر أباكِ؟ هل ستذهبين للعيش مع أمك؟»
تفاجأت حين قالت فيبي ذلك، إذ تذكرت أنني لم أخبرها أي شيء عن أمي. «أجل، أظن أنني سأذهب للعيش معها.» كنت أعرف أن ذلك مستحيل، لسبب يتعذر عليَّ إطلاع فيبي عليه، لذا كذبت.
حين دخلنا كانت والدة فيبي تجلس إلى طاولة المطبخ. أمامها كانت تستقر صينية بها كعكة شوكولاتة محروقة. تمخطت. ثم قالت: «يا عزيزتي، لقد أجفلتِني. كيف كانت؟»
سألت فيبي: «كيف كانت ماذا؟»
«المدرسة بالطبع. كيف كانت؟ كيف سارت الحصص؟»
«على ما يرام.»
«ألن تزيدي على ذلك؟» انحنت السيدة وينتربوتوم فجأة وطبعت قبلة على وجنة فيبي.
قالت فيبي وهي تمسح أثر القبلة: «لم أعد طفلة كما تعلمين».
غرست السيدة وينتربوتوم سكينًا في كعكة الشوكولاتة. وسألت: «أتريدين قطعة؟»
قالت فيبي: «إنها محروقة. كما أني سمينة للغاية.»
قالت السيدة وينتربوتوم: «يا عزيزتي، أنت لست سمينة.»
«بل أنا كذلك.»
«لا لستِ كذلك.»
صاحت فيبي في أمها قائلة: «بل أنا سمينة، أنا سمينة! لست مضطرة لأن تصنعي مخبوزات لأجلي. فأنا سمينة جدًّا. ولست مضطرة لأن تنتظرينني هنا حتى أعود. فقد صرت في الثالثة عشرة.»
ثم اندفعت إلى الطابَق العلوي. عرضت عليَّ السيدة وينتربوتوم قطعةً من كعكة الشوكولاتة، فجلست إلى الطاولة. ما بدأت أفعله هو أنني تذكرت اليوم الذي سبق رحيل أمي. لم أكن أعرف أنه سيكون آخر يوم لها في البيت. ذلك اليوم، سألتني أمي عدة مرات إن كنت أود أن أتمشى معها في الحقول. كان رذاذ المطر يتساقط بالخارج، وكنت أرتب مكتبي، ولم أشعر برغبة في الذَّهاب. ظللت أجيبها: «ربما لاحقًا.» حين سألتني للمرة العاشرة تقريبًا، قلت: «كلا! لا أريد الذَّهاب. لمَ تلحِّين عليَّ بالسؤال؟» لا أعرف لمَ فعلت ذلك. لم أقصد بذلك أي شيء، لكن تلك كانت إحدى آخر ذكرياتها معي، وتمنيت لو استطعت أن أمحوَها.
اندفعت برودنس أخت فيبي إلى البيت وصفدت الباب خلفها. قالت، نادبةً: «لقد أفسدتُ الأمر، أعرف ذلك!»
قالت أمها: «عزيزتي.»
قالت برودنس: «لقد أفسدته، أفسدته، أفسدته!»
قطعت السيدة وينتربوتوم كعكة الشوكولاتة المحروقة بغير حماس، وسألت برودنس إن كانت ستحظى بفرصة أخرى في تجارب أداء فريق المشجعات.
«أجل، غدًا. لكني أعرف أنني سأضيعها!»
قالت أمها: «ربما سآتي معكِ وأشاهدك.»
استشففت أن السيدة وينتربوتوم كانت تحاول التغلب على حزن عميق يغالبها، لكن ذلك غاب عن برودنس. كان لبرودنس أجندتها الخاصة، مثلما كان لي أجندتي الخاصة يوم أرادتني أمي أن أتمشَّى معها. غابت عني رؤية حزن أمي.
قالت برودنس: «ماذا؟ تأتين معي و«تشاهدينني»؟»
«أجل، ألن يكون ذلك لطيفًا؟»
قالت برودنس: «كلا! كلا، كلا، كلا. لا يمكنكِ أن تأتي. سيكون ذلك مريعًا.»
سمعتُ الباب الأمامي ينفتح وينغلق، ثم دخلت فيبي المطبخ ملوحةً بظرفٍ أبيض. قالت: «خمنوا ماذا وجدت على الدَّرَج؟»
أخذت السيدة وينتربوتوم الظرف وظلت تقلبه، ثم فتحته بروية وأخرجت الرسالة.
قالت: «أف! تُرى من يفعل هذا؟» رفعَت الورقة، التي كُتب عليها: «على مدى عمر كامل، هل سيكون للأمر أهمية؟»
قالت برودنس: «أؤكد لكِ أن لديَّ أمور أهم أقلق بشأنها. أنا أعرف أني سأفشل في تجارب أداء فريق المشجعات تلك. أعرف ذلك.»
وظلت تتذمر حتى قالت فيبي: «تبًّا يا برودنس، على مدى عمرك كله، هل سيكون لذلك قيمة؟»
في تلك اللحظة، خُيِّل إليَّ أن السيدة وينتربوتوم أدركت شيئًا بغتة. فقد وضعت يدها على فمها وحملقت خارج النافذة. كانت كالعدم لبرودنس وفيبي. إذ لم تلاحظا ما فعلَته.
قالت فيبي: «هل تجارب أداء فريق المشجعات تلك مُهمَّة؟ هل ستتذكرينها بعد خمس سنوات؟»
قالت برودنس: «أجل! أجل، قطعًا سأتذكرها.»
«وبعد عشر سنوات؟ هل ستتذكرينها بعد عشر سنوات؟»
قالت برودنس: «أجل!»
في طريقي إلى البيت، فكرت في الرسالة. «على مدى عمر كامل، هل سيكون للأمر أهمية؟» ظللت أرددها مرارًا وتَكرارًا. ظللت أتساءل عن مرسل الرسائل الغامض، وظللت أفكر في جميع الأشياء التي لن يكون لها أهمية على مدى عمر كامل. لم أظنَّ أن تجارب أداء فريق المشجعات ستكون لها أهمية، لكني لم أكن متيقنةً من أن صياح المرء في وجه أمه لن تكون له قيمة. غير أني كنت واثقة من أن رحيل الأم، سيكون أمرًا ذا شأن في حياة المرء وإن طالت.