طيور الحزن
أثناء مغادرتنا متنزه بادلاندز، سب جدي سائقًا مرَّ من أمامنا قاطعًا الطريق بغتة. عادةً حين كان جدي يسب مثلما فعل، كانت جدتي تهدده بالعودة إلى مشتري البيض. لا أعرف القصة كاملة، كل ما أعرفه هو أنه ذات مرة، حين لعن جدي عاصفة، هربت جدتي مع الرجل الذي كان يشتري البيض بانتظام من جدي. مكثت جدتي مع مشتري البيض ثلاثة أيام بلياليها حتى ذهب جدي ليأخذها ووعدها أن يكف لسانه عن السباب.
سألتُ جدتي ذات مرة إن كانت ستعود حقًّا إلى مشتري البيض إذا أفرط جدي في التلفظ بالسباب. قالت: «لا تخبري جدكِ، لكني لا أمانع القليل من السباب واللعن. إضافةً إلى ذلك، فشَخير مشتري البيض مرتفع جدًّا.»
«إذن أنتِ لم تتركي جدي بسبب إطلاقه السباب؟»
«سالامنكا، أنا لا أتذكر لمَ فعلتُ ذلك من الأساس. أحيانًا تعرفين في قرارة نفسكِ أنكِ تحبين شخصًا، لكن عقلكِ لا يدرك ذلك إلا بعد أن تبتعدي عنه.»
في تلك الليلة، بِتنا في نُزُل خارج بلدة وول، بولاية ساوث داكوتا. لم يكن لديهم سوى غرفة واحدة شاغرة بها سرير واحد، لكن جدي كان مرهقًا فقال إنها ستفي بالغرض. كان السرير كبير الحجم ذا مرتبة مائية. قال جدي: «يا إلهي، انظرا إلى ذلك.» تماوجت حين ضغط بيده عليها. «يبدو أننا سنُضطر الليلةَ إلى أن نطفوَ فوق ذلك الطوف جميعًا الليلة.»
ألقت جدتي بجسدها على السرير وهي تقهقه. قالت بصوتها المبحوح: «مرﺣ، مرﺣ.» وتقلبت إلى منتصفه. «مرﺣ، مرﺣ.» استلقيتُ إلى جوارها، وجلس جدي على الجانب الآخر بحذر. قال: «يا إلهي! أعتقد أن ذلك الشيء حي.» ظللنا ونحن مستلقون نتماوج فيما كان جدي يتقلب يمينًا ويسارًا. قال: «يا إلهي.» سالت الدموع على وجه جدتي من فرط الضحك.
قال جدي: «ذلك ليس فراش الزوجية …»
تلك الليلة حلمتُ بأني أطفو أنا وأمي في نهر على طوف. كنا مستلقَيين على ظهرَينا نتطلع إلى السماء العالية. وظلت السماء تدنو منا رويدًا رويدًا. فجأة دوت فرقعة فوجدنا نفسينا قد ارتفعنا إلى السماء. تطلعت أمي حولها وقالت: «لا يمكن أن نكون قد مِتنا. لقد كنا أحياء للتو.»
في الصباح، انطلقنا إلى جبال بلاك هيلز وجبل راشمور، آملين أن نصل بحلول موعد الغداء. ما إن ركبنا السيارة حتى قال جدي: «إذَن ماذا حدث لوالدة بيبي، وهل تلقت أي رسائل أخرى؟»
قالت جدتي: «أتمنى أن تكون الأمور قد انتهت على خير. فأنا قلقة بعض الشيء على بيبي.»
في اليوم التالي لذلك الذي أرت فيه البقع المريبة وخصلات الشعر مجهولة المصدر لأبيها، ظهرت رسالة أخرى تقول: «لا يمكنك منع طيور الحزن من التحليق فوق رأسك، لكن يمكنك منعها من أن تُعشِّش في شعرك.» أحضرت فيبي الرسالة معها إلى المدرسة لتريني إياها. قالت: «المختل مجددًا.»
«لو أنه اختطف أمك بالفعل، فلماذا يستمر في ترك الرسائل؟»
قالت: «الرسائل مفاتيح لحل اللغز.»
في المدرسة، ظل الناس يسألون فيبي عن رحلة العمل التي ذهبت فيها أمها إلى لندن. حاولت أن تتجاهلهم في البداية، لكن ذلك لم يكن ممكنًا دائمًا. كانت تُضطر في بعض الأحيان إلى الإجابة.
حين سألتها ميجان عن المزارات التي زارتها أمها، قالت فيبي: «قصر باكنجهام …»
أومأت ميجان بما ينم عن علم: «بالطبع.»
أردفت فيبي بصعوبة: «وساعة بيج بن، و… مسقط رأس شكسبير.»
قالت ميجان: «لكن ذلك في بلدة ستراتفورد أبون آفون. حسبت أن أمك في لندن. ستراتفورد تبعد مسافة أميال عن لندن. فهل زارتها في رحلة يوم واحد أو ما شابه؟»
«أجل، ذلك ما فَعَلَته. زارتها في رحلة يوم واحد.» لم يكن لدى فيبي مفر من ذلك. بدت وكأنما تعشش في شعرها عائلة كاملة من طيور الحزن.
في حصة اللغة الإنجليزية، قدَّم بن تقرير الميثولوجيا خاصته. كان متوترًا. شرح أن بروميثيوس سرق النار من الشمس ووهبها للبشر. وأن زيوس زعيم الآلهة غضب على البشر وعلى بروميثيوس لأنهم أخذوا بضعة من شمسه العزيزة. وعقابًا للبشر، أرسل زيوس لهم امرأة تدعى باندورا. ثم سلسل بروميثيوس في صخرة وأرسل له نسورًا تنهش كبده. في خضم توتره، أخطأ في نطق اسم بروميثيوس، فكان ما قاله هو أن زيوس أرسل النسور لتأكل كبد بوربويوز (خنزير البحر).
تلك الليلة، دعتني ماري لو أنا وفيبي لتناول العشاء. حين اتصلت بأبي لأستأذنه، لم يُبدِ ممانعةً، وكنت أعرف بالفعل أنه لن يمانع. لم يزد عن أن قال: «سيكون ذلك أمرًا حسنًا بالنسبة لكِ يا سال. ربما سأذهب للعشاء مع مارجريت.»