صندوق باندورا
في اليوم التالي، بينما كنت أعاون فيبي في حزم حقيبتها للعودة إلى بيتها، قلت: «فيبي، أعرف أنكِ مكروبة جدًّا مؤخرًا …»
«لم أكن مكروبةً مؤخرًا.»
«أحيانًا يا فيبي، أحبكِ كثيرًا …»
«مرحى، شكرًا لكِ.»
«… لكن أحيانًا يا فيبي، تنتابني رغبة في أن ألقيَ بجسدك الخالي من الكوليسترول من النافذة.»
لم تسنَح لها الفرصة للرد؛ إذ كنا قد وصلنا إلى منزلها، وكان اهتمامها منصبًّا أكثر على إمطار أبيها بالأسئلة. «هل من جديد؟ هل رجعت أمي؟ هل اتصلت؟»
قال أبوها: «نوعًا ما. لقد اتصلت بالسيدة كادافر …»
«السيدة كادافر؟ لماذا؟ لماذا تتصل …»
«اهدئي يا فيبي. لا أعرف لماذا اتصلَت بالسيدة كادافر. لم تسنح الفرصة لأن أتحدث إلى السيدة كادافر حتى الآن. فهي ليست في بيتها. لقد تركَت ملاحظةً هنا.» أراها لفيبي: «نورما اتصلت لتقول إنها بخير.» تحت توقيع السيدة كادافر، كانت توجد ملاحظة تقول إنها ستغيب عن البيت حتى يوم الإثنين.
«لا أصدق أن أمي اتصلت بالسيدة كادافر. السيدة كادافر تختلق ذلك. على الأرجح قتلتها وقطَّعَت جثتها إلى أشلاء. سأتصل بالشرطة.»
دار بينهما جدال محتدم، لكن فيبي هدأت في نهاية المطاف. قال أبوها إنه اتصل بكلِّ من يمكن أن يخطر على ذهنه، ليعرف إن كانت أمها قد قالت ما يشير إلى مكانها. ووعد بأنه سيستمر في إجراء الاتصالات الهاتفية غدًا، وأنه سيتحدث إلى السيدة كادافر. وإن لم يتلقَّ رسالة أو مكالمة مباشرة من أمها بحلول يوم الأربعاء، فسيتصل بالشرطة.
أثناء مغادرتي، رافقتني فيبي إلى الشرفة. قالت: «لقد اتخذتُ قرارًا. سأتصل بالشرطة. بل ربما أذهب إلى قسم الشرطة. لستُ مضطرةً لأن أنتظر حتى يوم الأربعاء. يمكنني أن أذهب وقتما شئت.»
تلك الليلة اتصلت بي فيبي. تلك المرة أيضًا كانت تتحدث همسًا. «الوضع يبدو هادئًا هنا. لا أعرف ماذا دهاني. كنت مستلقيةً على سريري لكني لا أستطيع النوم. فسريري صُلب جدًّا.»
يوم الإثنين، قدمت فيبي تقريرها الشفهي عن باندورا. بدأته بصوت مرتعش. «لسبب ما، تحدث بِن بالفعل عن موضوع تقريري، باندورا، حين قدم تقريره عن بروميثيوس. غير أنه أخطأ في بعض المعلومات البسيطة عن باندورا.»
التفت الجميع وحدق في بن. قال: «لم أفعل.»
«بلى، فعلت.» كانت شفتاها ترتعشان. «لم تُرسَل باندورا إلى البشر عقابًا، بل أُرسلَت إليهم على سبيل المكافأة …»
قال بن: «غير صحيح.»
قالت فيبي: «بل هو صحيح. قرر زيوس أن يمنح البشر هِبةً، إذ بدوا وحيدين، لا يؤنس وحدتهم على الأرض سوى الحيوانات. لذا صنع زيوس امرأة حلوة وجميلة، ثم دعا جميع الآلهة للعشاء. كان عشاءً متحضرًا للغاية، استُخدمت فيه صحون متطابقة.»
تبادل ماري لو وبن رسالة بحاجبيهما.
«طلب زيوس من الآلهة أن تقدم للمرأة هدايا؛ كي يجعلوها تشعر بأنها ضيف مرحب به.» رمقتني فيبي بنظرة خاطفة. «فمنحوها هدايا رائعة: وشاحًا أنيقًا، ورداءً فضيًّا، ومنحوها الحُسن …»
قاطعها بن. «ظننتكِ قلتِ إنها حسناء بالفعل.»
«منحوها مزيدًا من الحُسن. هل أنت راضٍ الآن؟» لم تَعُد شفتاها ترتعشان لكن وجهها كان متوردًا. «وهبتها الآلهة أيضًا القدرة على الغناء، وقوة الإقناع، وتاجًا ذهبيًّا، وزهورًا، ومثلها من الأمور المدهشة حقًّا. كل تلك الهبات جعلت زيوس يختار لها اسم باندورا، والذي يعني «هبة الهبات».»
بدأت فيبي تتحمس. «مُنحَت باندورا هبتين أخريين لم أذكرهما بعد. الأولى هي الفضول. بالمناسبة، لهذا السبب الفضول سمة في جميع النساء، لأنها وهبته إلى أول امرأة.»
قال بن: «ليتها مُنحَت هبة الصمت.»
«وثانيهما صندوق جميل، مكسو بالذهب ومرصع بالجواهر، لكنها مُنعَت من فتحه، وهي نقطة في غاية الأهمية.»
قال بن: «لمَ منحوها إياه إذن؟»
كان من الواضح أن فيبي بدأت تتضايق منه. قالت: «هذا ما أقوله. كان الصندوق هدية.»
«لكن لماذا يمنحونها هدية لا تستطيع فتحها؟»
«لا أعرف. القصة هكذا. كما كنت أقول، لم يكن من المفترض أن تفتح باندورا الصندوق، لكن لأنها مُنحَت قدرًا كبيرًا من الفضول، أرادت بشدة أن تعرف ما بداخله؛ لذا ذات يوم فتحته.»
قال بِن: «كنت أعرف. كنت أعرف أنها ستفتح الصندوق في اللحظة التي ذكرتِ فيها أنها لم يكن ينبغي أن تفتحه.»
«كان الصندوق يحوي جميع الشرور الموجودة في العالم، مثل الكراهية والحسد والأوبئة والمرض والكوليسترول. وكذلك الأورام الدماغية والحزن والمجانين والاختطاف والقتلة» رمقت السيد بيركواي بنظرة خاطفة قبل أن تتابع بسرعة «وكل ما شابه. حاولت باندورا أن تُغلق غطاء الصندوق حين رأت كل تلك الأمور المريعة التي كانت تتدفق منه، لكنها لم تستطع، وهذا سبب وجود كل تلك الشرور في العالم. لم يكن الصندوق يحوي سوى شيء واحد صالح.»
سأل بن: «وما هو؟»
«كما كنت بصدد أن أفسر لتوي، الشيء الوحيد الصالح الذي كان في الصندوق هو الأمل، ولهذا يظل ثمة بارقة أمل رغم الشرور الكثيرة الموجودة في العالم.» رفعت صورة لباندورا وهي تفتح صندوقًا يتدفق منه كم هائل من العفاريت؟ كانت باندورا تبدو خائفة.
في تلك الليلة، لم يبرح صندوق باندورا تفكيري. تساءلت لماذا يضع أحد شيئًا طيبًا مثل الأمل في صندوق مع المرض وحوادث الاختطاف والقتل. مع ذلك، من حسن الحظ أنه موجود. فلو لم يوجد، لعششت طيور الحزن فوق رءوس الناس أجمعين طَوال الوقت، بسبب الحرب النووية والاحتباس الحراري والقنابل وحوادث الطعن والمختلين.
لا بدَّ أنه كان يوجد صندوق آخر يحوي جميع الأشياء الجميلة، مثل ضوء الشمس والحب والأشجار وكل تلك الأشياء. من سعيد الحظ الذي فتح ذلك الصندوق، وهل كان فيه شيء شرير يختبئ وسط تلك الأشياء الطيبة؟ ربما كان القلق. حتى حين يبدو كل شيء على ما يرام، يساورني القلق من أن شيئًا ما سيسوء ويقلب جميع الموازين.
كنت أنا وأمي وأبي نعيش في عافية وسعادة في بيتنا حتى ماتت الطفلة. هل يصح أن نقول إن الطفلة ماتت وهي لم تتنفس قط؟ هل وُلدَت وماتت في اللحظة نفسها؟ هل يمكن لأحد أن يموت قبل أن يولد؟
لم تبدُ عائلة فيبي على ما يرام، حتى قبل ظهور المختل والرسائل، واختفاء السيدة وينتربوتوم. كنت أعرف أن فيبي مقتنعة بأن أمها اختُطفَت لأنه يستحيل عليها أن تتصور أن أمها يمكن أن ترحل لأي سبب آخر. أردت أن أتصل بفيبي وأقول لها إن أمها ربما تكون قد رحلت بحثًا عن شيء ما، وربما كانت غير سعيدة، وربما ليس بيد فيبي ما تفعله حيال ذلك.
حين قصصت ذلك على جدي وجدتي، قال جدي: «تعنين أن بيبي لا دخل لها في الأمر؟» وتبادلا نظرة فيما بينهما. مع أنهما لم ينطقا بكلمة، كان في نظرتهما تلك ما يوحي بأني قلت شيئًا مهمًّا لتوي. لأول مرة خطر لي أنه ربما لا دخل لي على الإطلاق في رحيل أمي. بل هو شيء منفصل تمامًا لا عَلاقة له بي. لا نستطيع أن نملك أمهاتنا.
في ليلة اليوم الذي قدمت فيه فيبي تقريرها عن باندورا، فكرتُ في الأمل الموجود في صندوقها. مع أن كل شيء كان يبدو حزينًا وبائسًا، ربما يمكن لي أنا وفيبي أن نأمُل في أن يحدث أمر جيد.