بلاك هيلز
حين رأينا اللافتة الأولى التي تشير إلى جبال بلاك هيلز، تغيرت الهمسات، فعادت تقول: «هيا، هلُمِّي، هيا.» كنا قد قضينا وقتًا أطول من اللازم في ساوث داكوتا. كان الطريق لا يزال طويلًا ولم يكن أمامنا سوى يومين فقط.
قلت: «ربما ينبغي أن نفوِّت زيارة بلاك هيلز.»
قال جدي: «ماذا؟ نفوت زيارة بلاك هيلز؟ ونفوت زيارة جبل راشمور؟ لا يمكن.»
«لكن اليوم هو الثامن عشر من الشهر. اليوم الخامس.»
سألني جدي: «ألدينا موعد نهائي فات أحدهم أن يخبرني به؟ أمامنا سعة من …» رمقته جدتي بنظرة. فقال: «لا بدَّ أن أرى جبال بلاك هيلز تلك. لن نطيل الزيارة يا صغيرتي.»
ظلت الهمسات تلح عليَّ: «هيا، هيا، هيا.» كنت أعرف أننا لن نصل إلى أيداهو في الوقت المحدد. فكرت في أن أنسلَّ فيما يتطلع جدتي وجدي إلى جبال بلاك هيلز. وربما أتمكن من الركوب مع شخص يقود بسرعة، لكن حين تأملت فكرة القيادة بسرعة، والانحراف عند المنحنيات — بخاصة المنحنيات المتعرجة المؤدية إلى لويستون، أيداهو، التي سمعت كثيرًا عنها — أصابني الدُّوار والغثيان.
قال جدي: «تبًّا، حري بي أن أسلمكِ عجلة القيادة يا صغيرتي. فتلك القيادة الطويلة تُذهِب عقلي.»
كان يمزح، لكنه كان يعلم أني أستطيع القيادة. فقد علمني قيادة شاحنته القديمة وأنا في الحادية عشرة. كنا نتجول بها على الطرق غير الممهدة في مزرعتهما. كنت أقود أنا بينما يدخن هو غليونه ويحكي لي قصصًا. كان يقول: «أنتِ سائقة بارعة يا صغيرتي، لكن لا تخبري أمك أني علمتكِ. ستقتلني إن عرفت.»
كنت أحب قيادة الشاحنة الخضراء القديمة. وكنت أحلم بأن أبلغ السادسة عشرة وأحصل على رخصة قيادة، لكن حين رحلت أمي، تغير فيَّ شيء ما. صرت أخاف من أشياء لم أخف منها قط من قبل، وكانت القيادة أحد تلك الأشياء. صرت أخشى مجرد ركوب السيارات، فما بالك بقيادة الشاحنة!
لم تكن تلال بلاك هيلز سوداء في الواقع كما يوحي اسمها بالإنجليزية. كانت أشجار الصنوبر تغطي التلال، وربما تبدو سوداء وقت الغسق، لكن حين نظرنا إليها في الظهيرة، كان لونها أخضر داكن. كان منظر تلك التلال الداكنة الممتدة مهيبًا. هبت رياح باردة تخللت الأشجار، فتحركت موشية بأسرار فيما بينها.
لطالما ودت أمي رؤية تلال بلاك هيلز. كان أحد أكثر المزارات التي كانت متشوقة لزيارتها في رحلتها. كانت تحكي لي عن تلال بلاك هيلز، التي كان هنود السيو يعتبرونها مقدسة. كانت أرضهم المقدسة، لكن المستوطنين البيض استولَوا عليها. لا يزال شعب السيو يجاهد لاستعادة أرضه. توقعت أن يستوقفنا أحد أفراد شعب السيو ويمنعنا من الدخول، وإن حدث فأقف في صفه. وأقول له: «خذ الأرض، فهي ملكك.»
سرنا بالسيارة عبر تلال بلاك هيلز حتى جبل راشمور. في البداية، ظننا أننا أخطأنا الطريق، لكنه ما لبث أن ظهر أمامنا فجأة. هناك، عاليًا على واجهة جرف، كانت وجوه الرؤساء واشنطن وجيفرسون ولنكولن، وتيدي روزفلت، منحوتة في الصخر بطول ستين قدمًا، تحدق بنا بملامح جِديَّة من عَلٍ.
لم أمانع رؤية وجوه الرؤساء، فأنا لا أكنُّ لهم أي ضغينة، لكن رؤيتهم تجعلك تعتقد أن شعب السو قد أحزنته كثيرًا رؤية تلك الوجوه البيضاء محفورة في تَلِّهم المقدس. أراهن على أن ذلك ضايق أمي. تساءلت لماذا لم يُضِف إليهم مَن نحتَهم أيًّا كان وجوهَ بعض الهنود.
بدت خيبة الأمل على جدي وجدتي أيضًا. لم ترد جدتي النزول من السيارة حتى، لذا لم نُطِل المكوث. قال جدي: «لقد اكتفيت من ساوث داكوتا، ماذا عنكِ يا صغيرتي؟ وأنتِ يا عزيزتي؟ لنمضِ في طريقنا.»
بحلول نهاية النهار، كنا قد دخلنا ولاية وايومينج، وحسبت الأميال المتبقية. ربما سننجح في الوصول في الموعد، ربما. قال جدي: «آمل ألا تمانعا التوقف في متنزه يلوستون. سيكون تفويت زيارته خطيئة.»
قالت جدتي: «أهو المتنزه الذي به فوارة أولد فيثفول الحارة. أود أن أراها.» ثم التفتت إليَّ. «سنسرع. أراهن أننا سنكون في أيداهو بحلول العشرين من الشهر دون أي عقبة.»