الموج يرتفع
سألت جدتي: «هل اتصلت والدة بيبي؟ هل عادت إلى بيتها؟ هل اتصلت بيبي بالشرطة؟ آمُل ألَّا تكون تلك قصة حزينة.»
بالفعل قصدت فيبي الشرطة. كان ذلك في اليوم الذي قرأ علينا فيه السيد بيركواي قصيدة تحكي عن الموج وعن مسافر؛ قصيدة أثارت انزعاجي أنا وفيبي، وأظن أنها كانت الشيء الذي أقنعها أخيرًا بضرورة إبلاغها الشرطة باختفاء أمها.
سألَنا السيد بيركواي عن رأينا في تلك القصيدة. قالت ميجان إنها ترى أن لها وقعًا هادئًا لطيفًا، حتى إنها جعلتها تشعر بالنعاس.
قلت: «لطيفًا؟ إنها مرعبة.» كان صوتي يختلج. «إنها تحكي عن شخص يسير على الشاطئ وظلام الليل يزداد حُلكةً، ويظل يلتفت خلفه ليرى إن كان أحد يتبعه، وفجأة تأتي موجة وتسحبه إلى البحر.»
قالت فيبي: «جريمة قتل.»
واصلت حديثي باندفاع وكأني الخبيرة صاحبة القصيدة. «تجذب الأمواج المسافر بأيديها البيضاء الناعمة. تغرقه الأمواج. تقتله. ويختفي.»
قال بن: «ربما لم يغرق. ربما مات مثلما يموت الناس عادةً.»
قالت فيبي: «بل قطعًا غرق.»
قلت: «الموت ليس أمرًا عاديًّا. ليس أمرًا عاديًّا. الموت شيء مريع.»
قالت ميجان: «ماذا عن الجنة؟ والرب؟»
قالت ماري لو: «الرب؟ هل تذكره تلك القصيدة؟»
قال بن: «ربما يمكن للموت أن يكون عاديًّا ومريعًا في آنٍ واحد.»
حين دق الجرس معلنًا انتهاء الحصة، هُرعتُ خارجةً من الفصل. جذبتني فيبي. قالت: «هيا.» أخرجَت من خزانتها الدليل الذي أحضرته معها من البيت، وركضنا نجتاز ستة مربعات سكنية إلى مركز الشرطة. لا أعلم يقينًا السبب الذي دفعني إلى مرافقة فيبي. لعل السبب كان القصيدة التي تحكي عن المسافر، أو ربما كان السبب هو أنني بدأت أصدق وجود المختل، أو ربما لأن فيبي اتخذت خطوة ما، وقد استحسنتُ ذلك منها. لكم تمنيتُ أن أتخذ خطوة ما حين رحلت أمي. لم أكن أعرف ماذا بوسعي أن أفعل بالتحديد، لكني تمنيت لو أني فعلت شيئًا ما.
وقفت أنا وفيبي خارج المركز لخمس دقائق، نحاول التقاط أنفاسنا، ثم دخلنا وقصدنا مكتب الاستقبال. على الجانب الآخر من المكتب كان يجلس رجل نحيل له أذنان كبيرتان ويدون شيئًا في دفتر أسود.
قالت فيبي: «من فضلك.»
قال: «سوف أوافيكِ حالًا.»
ردت فيبي: «الأمر طارئ لا يتحمل الانتظار. أحتاج أن أتحدث إلى شخص بشأن جريمة قتل.»
رفع بصره إليها بسرعة. «جريمة قتل؟»
قالت فيبي: «أجل. أو ربما اختطاف. لكن جريمة الاختطاف يحتمل أن تتحول إلى جريمة قتل.»
«هل هذه مزحة؟»
قالت فيبي: «كلا، ليست مزحة.»
«لحظة من فضلك.» همس في أذن امرأة ممتلئة ترتدي زيًّا رسميًّا أزرق داكنًا. كانت تضع نظارة ذات عدستين سميكتين. سألتنا: «هل هذه قصة قرأتماها في كتاب ما؟»
قلت: «كلا، ليست كذلك.» أظن أن وقوفي في صف فيبي كان نقطة فارقة. لم تعجبني الطريقة التي نظرت بها المرأة إلينا؛ وكأننا خرقاوان. أردت أن تفهم المرأة سبب حنق فيبي. أردتها أن تصدق فيبي.
قالت المرأة: «هل تسمحان بأن أسألكما من الذي تعرض للاختطاف ويحتمل أنه قُتِل؟»
قالت فيبي: «أمي.»
«آه، أمكِ. تعاليا إذن.» قالتها بصوتٍ عذب مترفق، وكأنما تخاطب طفلتين. تبعناها إلى غرفة بها حواجز زجاجية. خلف المكتب، كان يجلس رجل ضخم كبير الرأس وعريض المنكبَين. كان شعره أحمر قانيًا، ويكسو النمش وجهه. لم يبتسم حين دخلنا. بعد أن أعادت المرأة على مسامعه ما أخبرناها به، حدَّق فينا طويلًا.
كان اسمه الرقيب بيكل، وحكت له فيبي القصة كاملة. حكت له عن اختفاء أمها، وعن الملاحظة التي تركتها السيدة كادافر، وعن زوج السيدة كادافر المفقود، وعن شجيرة الورد، وأخيرًا عن المختل والرسائل الغامضة. هنا سأل الرقيب بيكل: «رسائل من أي نوع؟»
«لا تحكم على أحد قبل أن تسير في دربه مسيرة قمرين.»
•••
«لكلٍّ أجندته الخاصة.»
•••
«على مدى عمر كامل، هل سيكون للأمر أهمية؟»
•••
«لا يمكنك منع طيور الحزن من التحليق فوق رأسك، لكن يمكنك منعها من التعشيش في شعرك.»
رفع الرقيب بيكل بصره إلى السيدة الجالسة بجوارنا، وارتعش جانبي فمه. سأل فيبي: «وفي ظنك، ما عَلاقةُ تلك الرسائل باختفاء والدتك؟»
قالت: «لا أعرف. هذا ما أريدكم أن تكتشفوه.»
طلب الرقيب بيكل من فيبي أن تتهجَّى اسم السيدة كادافر. قالت فيبي: «هو يعني جيفة في اللغة الإنجليزية. أو جثة.»
«أعرف. أهذا كل شيء؟»
أخرجت فيبي الظرف الذي يحوي الشعيرات المجهولة. قالت مقترحة: «ربما يمكنكم أن تحللوا تلك.»
نظر الرقيب بيكل إلى المرأة، ومجددًا ارتعش جانبا فمه قليلًا. خلعت المرأة نظارتها ومسحت عدستيها.
كانا يستخفَّان بنا، فأيقظ ذلك العناد الكامن في نفسي. أخبرتهما بأمر بقع الدماء المحتملة التي علَّمَتها فيبي بشريط لاصق.
قالت فيبي: «لكن أبي أزال الشريط.»
قال الرقيب بيكل: «هلا عذرتماني لبضع دقائق؟» طلب من المرأة أن تبقى معنا وغادر الغرفة.
سألت المرأة فيبي عن المدرسة وعن أسرتها. كانت أسئلتها كثيرة جدًّا. ظللت أتساءل إلى أين ذهب الرقيب بيكل ومتى سيعود. غاب ما يزيد على الساعة. كان على مكتبه ثلاث صور في إطارات، حاولت أن أنحنيَ للأمام لأرى الصور، لكني لم أستطع. خفت أن تظن المرأة أني متطفلة.
أخيرًا، عاد الرقيب بيكل. كان خلفه والد فيبي. بدا على فيبي ارتياح غامر، لكني علمت أن وجود أبيها هنا لم يكن مصادفة.
قال الرقيب بيكل: «آنسة وينتربوتوم، سوف يصحبك أبوك أنت وصديقتك إلى البيت الآن.»
قالت فيبي: «لكن …»
«سنبقى على تواصل معك يا سيد وينتربوتوم. وإذا أردت مني أن أتحدث إلى السيدة كادافر …»
قال السيد وينتربوتوم: «أوه، كلا.» بدا عليه الإحراج. وأردف: «لا داعي لذلك حقًّا. أنا حقًّا أعتذر …»
تبعنا السيد وينتربوتوم إلى الخارج. في السيارة لم ينطق بكلمة. ظننت أنه قد يوصلني إلى بيتي لكنه لم يفعل. حين وصلنا إلى منزلهم، لم يزد على أن قال: «فيبي، سأذهب للتحدث مع السيدة كادافر. انتظري هنا أنتِ وسال.»
لم يكن لدى السيدة كادافر أي معلومات إضافية عن مكالمة والدة فيبي. كل ما قالته السيدة وينتربوتوم هو أنها ستتصل بهم قريبًا.
سألت فيبي: «أهذا كل شيء؟»
«سألت أمكِ السيدة كادافر أيضًا عن حالكِ أنتِ وبرودنس. وأخبرتها أنكما بخير.»
قالت فيبي: «لكني «لست» بخير. وما أدراها هي على أي حال؟ كما أنها تختلق الأمر كله. ينبغي أن تدع الشرطة تستجوبها. ينبغي أن تسألها عن شجيرة الورد. وينبغي أن تكتشف هُوية المختل. لقد استأجرته السيدة كادافر على الأرجح. ينبغي …»
«فيبي، خيالكِ جامح.»
«ليس كذلك. أمي تحبني، ولن تتركني هكذا دون أي تفسير.»
في تلك اللحظة، بدأ أبوها في البكاء.