الزائر
كان جدي وجدتي لا يزالان مستيقظين في الكوخ الخشبي الكائن على طرف متنزه يلوستون الوطني. قلت: «ألم يغلبكما النعاس بعد؟» قالت جدتي: «لا أعرف ما خطبي. لا أشعر بأي رغبة في النوم. أريد أن أعرف ما حدث لبيبي.»
«سأحكي لكما عن زيارة السيد بيركواي ثم سأكتفي بذلك الليلة.»
في ذلك اليوم الذي قرأ فيه السيد بيركواي ما كتبته في يومياتي عن قبلات التوت البري وما كتبته فيبي عن السيدة كادافر، قصدت منزل فيبي بعد العشاء. في غرفة نومها، قلت لها: «أود إخبارك بأمرَين مُهمَّين …» حينئذٍ رنَّ جرس الباب، وسمعنا صوتًا مألوفًا.
قالت فيبي: «يبدو كصوت السيد بيركواي.»
قلت: «هذا أحد الأمرين اللذين أريد إخباركِ بهما. بشأن السيد بيركواي …»
في تلك اللحظة طُرِق باب فيبي. قال أبوها: «فيبي، هلا رافقتِني أنتِ وسال للطابق السفلي؟»
كنت أظن أن السيد بيركواي سيثور على فيبي بسبب ما كتبته عن أخته. والأسوأ من ذلك هو أن فيبي لم تكن قد علمت بعدُ أن السيدة كادافر أخته. شعرت أننا حمَلين نساق إلى المذبح. قلت في نفسي، فلتأخذنا. فلتأخذنا وتريحنا من عذابنا بسرعة. تبعنا والد فيبي للطابق السفلي. كان السيد بيركواي جالسًا على الأريكة ممسكًا بدفتر يوميات فيبي ويبدو عليه الخجل.
قالت فيبي: «ذلك دفتر يومياتي الخاص. الذي كتبت فيه أفكاري الخاصة.»
قال السيد بيركواي: «أعرف، وأود أن أعتذر لكِ أني قرأته علانيةً.»
يعتذر؟ كان ذلك مُطَمئنًا. ساد الصمت في الغرفة حتى إن صوت اهتزاز أوراق الشجر في الرياح بالخارج كان مسموعًا.
تنحنح السيد بيركواي. قال: «أريد أن أوضح لكِ أمرًا. السيدة كادافر أختي.»
قالت فيبي: «أختك؟»
«وزوجها مُتوفى.»
قالت فيبي: «ظننتُ ذلك.»
قال السيد بيركواي: «لكنها لم تقتله. لقي زوجها حتفه إثر اصطدام سائق مخمور بسيارته. كانت أمي، السيدة بارتريدج، معه في السيارة. لم تمت كما تعرفين لكنها فقدت بصرها.»
قلت: «أوه …» وأطرقت فيبي إلى الأرض.
«كانت أختي مارجريت الممرضة المناوبة في غرفة الطوارئ حين أحضروا زوجها وأمنا. تُوفي زوج مارجريت في تلك الليلة.»
بينما كان السيد بيركواي يتحدث، كان والد فيبي جالسًا إلى جوارها واضعًا يده على كتفها. بدا وكأن الشيء الوحيد الذي منعها من التلاشي في الهواء والاختفاء هي يده التي استقرت على كتفها.
قال السيد بيركواي: «أردت فحسب أن تعرفي أن السيد كادافر ليس مدفونًا في فنائها الخلفي. كما أني علمت بأمر أمكِ يا فيبي، وأنا آسف لرحيلها، لكني أؤكد لكِ أن مارجريت لم تختطفها أو تقتلها.»
بعد أن غادر السيد بيركواي، جلست أنا وفيبي في الشرفة الأمامية. قالت: «إذا لم تختطف السيدة كادافر أمي أو تقتلها، فأين هي؟ ماذا بوسعي أن أفعل؟ أين عليَّ أن أبحث؟»
قلت: «فيبي، ثمة أمر يجب أن أخبركِ به.»
«اسمعي يا سال، إذا كنت ستقولين إنها لن تعود، فلا أود سماع ذلك. أيضًا من الأفضل لكِ أن تعودي إلى بيتكِ الآن.»
«أعرف من يكون المختل. إنه ابن الرقيب بيكل.»
هكذا وضعنا خطة.
حين عدت إلى البيت في تلك الليلة، لم أستطع أن أكفَّ عن التفكير في السيدة كادافر. تخيلتها في زي التمريض الأبيض تعمل في غرفة الطوارئ. وتخيلت سيارة الإسعاف وهي تتوقف وأضواؤها الزرقاء تومض، وتخيلتها وهي تسرع الخطى إلى الباب المتأرجح، يتناثر شعرها الجامح حول وجهها. تخيلت النقالتين تُدفعان إلى الداخل، وتخيلت السيدة كادافر وهي تنظر إليهما.
كان بوسعي أن أشعر بتسارع نبضها حين أدركت أن الجسدين الممدين عليهما هما لأمها وزوجها. تخيلتها تلمس وجه زوجها. شعرت وكأني مكانها أسلك دربها، إلى حد أن قلبي كان ينبض بسرعة ويداي تتعرقان.
بدأت أتساءل إن كانت طيور الحزن قد عششت فوق رأسها بعد تلك الحادثة، وإن صح ذلك فكيف تخلصَت منها. كان موت زوجها وفقدان أمها لبصرها واقعتين ستكونان ذاتي أهمية على مدى عمرها كاملًا. تخيلت الجميع يمضي في تنفيذ أجندته الخاصة بينما كانت السيدة كادافر تحاول باستماتة إبقاء زوجها وأمها على قيد الحياة. هل ندمَت على أي شيء؟ هل أدركَت قيمة الماء قبل أن تجف البئر؟
اجتاحت كل تلك الرسائل عقلي وغيرت نظرتي للأمور.
سألتُ جدتي: «هل أنتِ نائمة يا جدتي؟» كان صوتي مبحوحًا من كثرة الكلام.
«كلا يا صغيرتي، فلتنامي أنتِ. سأظل مستيقظة قليلًا أفكر في بعض الأمور.» وكزَت جدي. «نسيتَ أن تقول عبارتكَ المعتادة عن فراش الزوجية.»
تثاءب جدي. «آسف يا عزيزتي.» ربت على السرير وقالها.