قبلة
صُعقَت فيبي واعتراها الغضب، لكنها كانت أشجع مني. فقد استطاعت أن تشاهد ما يحدث، أما أنا فلم أُطِق ذلك. افترضت أن فيبي سوف تتبعني، لكني لم أنظر خلفي. انطلقتُ أسير في الشارع محاولةً أن أتذكر مكان موقف الحافلات. لم أدرك أنني فوتته إلا حين رأيت المستشفى. دلفت إليها وتفاجأت من أن فيبي لم تكن خلفي.
ما فعلتُه بعد ذلك لم يكن مدبرًا. بل فعلته استنادًا إلى حدس. سألت موظفة الاستقبال بالمستشفى إذا كان بوسعي زيارة السيدة فيني. قلَّبتْ في سجل أسماء. سألتني: «هل أنت من العائلة؟»
قلت: «كلا.»
قالت: «إذَن آسفة لا يمكنكِ الصعود إليها. السيدة فيني في عنبر الأمراض النفسية. لا يسمح بالزيارة إلا لأفراد العائلة.»
«أنا أبحث عن ابنها. لقد جاء إلى هنا لزيارتها.»
«ربما خرجا. يمكنك أن تبحثي عنه بالخلف.»
خلف المستشفى كان يوجد مرج واسع منحدر تحده حدائق أزهار. كانت تتناثر عليه مقاعد وكراسي، شغل المرضى وزائريهم معظمها. كان المشهد يشبه ما تركته في الجامعة، عدا أن لا أحد يذاكر، وأن بعض الناس كانوا يرتدون مباذلَ.
كان بن جالسًا على الأرض عاقدًا ساقيه أمام امرأة ترتدي مبذلًا ورديًّا. كانت يدها تداعب حزام مبذلها بتوتر. رآني بن فنهض وأنا أجتاز المرج. قال: «هذه أمي.» ألقيت عليها التحية لكنها لم تنظر لي. بل نهضت وسارت هائمة على وجهها على المرج وكأننا غير موجودين. تبعتها أنا وبن.
ذكرتني كثيرًا بأمي بعد عودتها من المستشفى. كانت تتوقف عما تفعله في البيت وتخرج من الباب. في منتصف الطريق إلى قمة التل كانت تجلس لالتقاط أنفاسها. كانت تقطف العشب، وتنهض مجددًا وتسير مسافة قليلة أخرى. كانت أحيانًا تدخل الحظيرة وتملأ الدلو بعلف الدجاج، لكن قبل أن تدخل إلى حظيرة الدجاج، تضع الدلو على الأرض وتسير مبتعدة في اتجاه آخر. حين كانت تسير مسافة أكبر، كانت تهيم على وجهها في الحقول والمراعي في مسارات متداخلة ومتعرجة، وكأنما لا تستطيع أن تقرر في أي اتجاه تسير.
تبعنا والدة بن وهي تذرع المرج ذَهابًا وإيابًا، لكن لم يبدُ أنها لاحظت وجودنا قط. أخيرًا، قلت إن عليَّ الذَّهاب، وحينئذٍ حدث الأمر.
للحظة سريعة، تطابقت أجندتانا. نظرت له ونظر لي. وتحرك رأسانا للأمام. لا بدَّ أن ذلك حدث بالتصوير البطيء؛ إذ إني تذكرت لجزء من الثانية رسم السيد بيركواي الذي يصور الرأسين المتقابلين والزَّهرية التي تتوسطهما. وللحظة تساءلت إن كانت المسافة بيننا يمكن أن تتسع لزهرية.
لو كانت بيننا زهرية لسحقناها، إذ تلامس رأسانا واستقرت شفتا كل منا في الموضع الصحيح، على شفتي الآخر. كانت قبلةً حقيقية، ولم يكن لها مذاق الدجاج.
بعدها تحرك رأسانا ببطء مبتعدين، وحدقنا في المرج، وشعرت كذلك المُهر الوليد الذي لا يعرف أي شيء لكن يشعر بكل شيء.
لمس بن شفتيه. وقال: «هل شعرتِ أن مذاقها كالتوت البري؟»