العودة إلى البيت
صباح اليوم التالي، اتصلت بي فيبي تتوسل أن آتيَ إليها. قالت: «لا أطيق الأمر. أحتاج إلى شاهد.»
«شاهد على ماذا؟»
«أحتاج إلى شاهد ليس إلَّا.»
«هل أخبرتِ أباكِ؟ عن أمك و…»
قالت فيبي: «هل تمزحين؟ عليك أن تريه. لقد قضى هو وبرودنس الليلة الماضية وصباح اليوم في تنظيف البيت. دعكا الأرضيات والحمامات، ونظفا التراب بإمعان، وغسلا الملابس وكوياها، ونظفا السجاجيد بالمكنسة. ثم ألقيا نظرةً متمعنةً على عملهما. وقال أبي: «ربما يبدو ذلك أفضل من اللازم. ستظن أمكما أننا نستطيع العيش بدونها.» فأحدثا بعض الفوضى. وهو غاضب جدًّا مني لأني رفضت مساعدتهما.»
لم أكن أريد أن أكون شاهدةً على أي شيء، لكني كنت مثقلةً بالشعور بالذنب لهروبي يوم أمس؛ لذا وافقت. حين وصلت إلى منزلها، كانت فيبي والسيد وينتربوتوم وبرودنس جالسين يحدق بعضُهم في بعض.
سأل السيد وينتربوتوم: «ألم تقل في أي ساعة ستأتي؟»
قالت برودنس: «كلا لم تقل، وليتك تكف عن معاملتي باعتباري المذنبة في عدم إخبارها إياي بأكثر مما قالته.»
كان السيد وينتربوتوم في حال يُرثى لها. هبَّ واقفًا كي يسوي وسادة، ثم جلس، ثم هبَّ واقفًا مرة أخرى وأعاد الوسادة إلى وضعها الأول. خرج إلى الفناء الخلفي وظل يسير في دوائر. وبدَّل قميصه مرتين.
قلت له: «أتمنى ألا تمانع وجودي هنا.»
قال السيد وينتربوتوم: «ولمَ أمانع؟»
في اللحظة التي ظننت فيها أنه سيُجن جنونهم جميعًا، توقَّفَت سيارة أجرة بالخارج. قال السيد وينتربوتوم وهو يفر إلى المطبخ: «لا أطيق أن أنظر.»
قالت فيبي: «لا أطيق أن أنظر أنا أيضًا.» تبعت فيبي أباها وتبعتها أنا.
قالت برودنس: «يا إلهي! لا أعرف ماذا دهاكما. ألستما متشوقين لرؤيتها؟»
من المطبخ، سمعنا برودنس تفتح الباب الأمامي. وسمعنا السيدة وينتربوتوم تقول: «يا حبيبتي …» مسح السيد وينتربوتوم سطح منضدة المطبخ. وسمعنا برودنس تشهق، وسمعنا أمها تقول: «أود أن أعرفكِ بمايك.»
قال السيد وينتربوتوم: «مايك؟» كان وجهه محتقنًا. كنت ممتنةً إلى أن البيت كان يخلو من فأس وإلا أكاد أجزم أنه كان سيلتقطه ويتوجه به مباشرةً إلى مايك.
قالت فيبي: «أبي، لا تتهور …»
كرر: «مايك؟»
نادت السيد وينتربوتوم: «جورج؟ فيبي؟» سمعناها تقول لبرودنس: «أين هما؟ ألم تخبريهما بقدومنا؟»
التقط السيد وينتربوتوم نفَسًا عميقًا. «فيبي، لست واثقًا من أنك يجب أن تشهدي ذلك أنت وسال.»
قالت فيبي: «هل تمزح؟»
التقط نفَسًا عميقًا آخر. قال: «حسنًا، حسنًا، ها نحن أولاء.» هب واقفًا وسار إلى غرفة المعيشة منتصب القامة. وتبعته أنا وفيبي.
حقًّا وصدقًا، أظن أن فيبي كادت تسقط فاقدة الوعي على السَّجادة. كان ذلك يرجع إلى سببين. الأول هو أن السيدة وينتربوتوم كانت تبدو مختلفة. لم يكن شعرها قصيرًا فحسب، بل كان أنيقًا أيضًا. كانت تضع أحمر شِفاه، وماسكارا، والقليل من مورد الوجنتين، وكانت ملابسها لا تشبه على الإطلاق أي شيء رأيتها تلبسه من قبل؛ كانت ترتدي تي-شيرت أبيض وسروال جينز أزرق وحذاءً أسود مسطح الكعب. وكان يتدلى من أذنيها قرطان دائريان فضيان. كانت تبدو مذهلة، لكنها لم تكن تشبه أم فيبي.
أما السبب الثاني الذي جعلني أظن أن فيبي كادت أن يُغشى عليها هو أن مايك بيكل، الذي كانت تحسبه مختلًّا، كان يقف في غرفة معيشتها. لم يكن التفكير في قدومه كرؤيته واقفًا أمامها فعليًّا.
لم أعرف فيما أفكر. لوهلة، فكرت أن مايك ربما كان قد اختطف السيدة وينتربوتوم، وها هو يعيدها مقابل فدية مالية أو ربما ينوي قتلنا جميعًا. لكني ظللت أتذكر رؤيتي لهما معًا يوم أمس، هذا إلى جانب أن مظهر السيدة وينتربوتوم الرائع للغاية لم يكن يدل على أنها كانت رهينة. بدت خائفة، لكن ليس من مايك. بدت خائفة من زوجها.
همست فيبي: «أبي، هذا هو المختل.»
قالت أمها وهي تلمس وجنتها بأناملها: «أوه فيبي»، وحين أتت بتلك اللفتة المألوفة، بدا على فيبي أن قلبها انفطر. عانقت السيدة وينتربوتوم فيبي، لكن فيبي لم تعانقها.
قال السيد وينتربوتوم: «نورما، أتمنى أن تفسري لنا بالضبط ما يحدث.» كان يحاول إضفاء الحزم على صوته، لكنه خرج مختَلِجًا.
حدقت برودنس في مايك. كان من الواضح أنها تجده وسيمًا وأنها كانت تغازله. أزاحت شعرها عن عنقها.
حاولت السيدة وينتربوتوم أن تعانق زوجها لكنه ابتعد عنها. قال: «أظن أننا نستحق تفسيرًا.» حدق هو أيضًا في مايك.
أهي واقعة في حب مايك؟ بدا يافعًا للغاية؛ فلم يكن يكبر برودنس بكثير.
جلست السيدة وينتربوتوم على الأريكة وبدأت تبكي. كانت لحظة عصيبة للغاية. كان من الصعب لأول وهلة فهم ما قالته. كانت تتحدث عن كونها امرأة محترمة وأن السيد وينتربوتوم لن يسامحها أبدًا، لكنها سئمت من الاحترام الزائد. حاولت بكد طَوال تلك السنوات أن تكون مثالية، لكنها مضطرة لأن تقر بأنها لم تكن مثاليةً على الإطلاق. وقالت إن ثمة شيئًا لم تخبر به زوجها قط، شيئًا تخشى ألَّا يسامحها على ارتكابه أبدًا.
كانت يدا السيد وينتربوتوم ترتعشان. لم ينطق بكلمة. أشارت السيدة وينتربوتوم إلى مايك كي يجلس إلى جوارها على الأريكة. ازدرد السيد وينتربوتوم لعابه عدة مرات، لكنه لم ينطق بكلمة.
قالت السيدة وينتربوتوم: «مايك ابني.»
هتفتُ أنا والسيد وينتربوتوم وبرودنس وفيبي بصوت واحد قائلين: «ابنكِ؟»
حدقت السيدة وينتربوتوم في زوجها. «جورج، أعلم أنك ستظن أني لست امرأةً محترمةً أو لم أكن كذلك، لكن ذلك حدث قبل أن ألتقيك، واضطررت لأن أتركه لأسرة متبنية، أكاد لا أطيق التفكير في ذلك و…»
قال السيد وينتربوتوم: «محترمة؟ محترمة؟ فليذهب الاحترام إلى الجحيم!» لم تكن من عادة السيد وينتربوتوم أن يسب.
نهضت السيدة وينتربوتوم. «كان مايك هو من وجدني، وفي البداية خفت مما قد يترتب على ذلك. فقد عشت حياةً بسيطةً للغاية …»
أمسكت فيبي بيد أبيها.
«… واضطررت لأن أرحل كي أصلح الأمور. لم أقابل والدَي مايك بالتبني بعد، لكني تحدثت طويلًا مع مايك، وأفكر في أن …»
أطرق مايك إلى قدميه.
سألها السيد وينتربوتوم: «هل سترحلين؟»
ذهلت السيدة وينتربوتوم وكأنما تلقت صفعة منه. «أرحل؟»
قال السيد وينتربوتوم: «أعني ترحلين مجددًا.»
قالت: «فقط إن أردتني أن أرحل. فقط إذا كنت لا تستطيع العيش مع امرأة تفتقر إلى الاحترام …»
قال السيد وينتربوتوم: «قلت فليذهب الاحترام للجحيم! ما كل ذلك التركيز على الاحترام؟ ليس الاحترام هو ما يعنيني هنا. ما يعنيني أكثر هو أنكِ لم تستطيعي، أو لم تشائي أن تخبريني بأي من ذلك.»
نهض مايك. قال: «عرفت أن الأمر لن ينجح.»
قال السيد وينتربوتوم: «أنا لا أُكنُّ لكَ أي ضغينة يا مايك؛ كل ما في الأمر أنني لا أعرفك.» ثم نظر إلى زوجته. «ولا أعرفكِ أنتِ أيضًا.»
تمنيت أن أختفي. في الخارج، كانت الأوراق تتساقط على الأرض، اعتراني حزنٌ دفين، حزنٌ اعتصر روحي. كنت حزينةً على فيبي وعلى والديها وعلى برودنس ومايك، وعلى الأوراق التي تذوي، وعلى نفسي، على شيءٍ كان قد فُقِد مني.
من خلال النافذة، رأيت السيدة بارتريدج تقف في الممر الأمامي لمنزل فيبي.
قال السيد وينتربوتوم: «أظن أن علينا جميعًا أن نجلس ونتحدث. ربما يمكننا أن نخرج بحل ما.» ثم تصرَّف ما رأيته في نظري تصرفًا نبيلًا. اقترب من مايك وصافحه وقال: «لطالما ظننتُ أن وجود ابن سيكون إضافةً حسنةً لأسرتنا.»
بدا الارتياح على السيدة وينتربوتوم. وابتسمت برودنس لمايك. أما فيبي فكانت تقف جانبًا دون حَراك.
قلت: «من الأفضل أن أذهب.»
التفت الجميع لي وكأنما سقطتُ لتوي من خلال السقف. قال السيد وينتربوتوم: «أنا آسف يا سال، حقًّا آسف.» ثم قال لمايك: «سال بمثابة فرد آخر من أفراد أسرتنا.»
قالت السيدة وينتربوتوم: «أنتِ غاضبة مني يا فيبي، أليس كذلك؟»
قالت فيبي: «أجل. بكل تأكيد.» جذبتني فيبي من كمي وسحبتني نحو الباب. «أعلموني حين تقررون جميعًا عدد أفراد هذه الأسرة.»
خرجنا إلى الشرفة في نفس اللحظة التي كانت فيها السيدة بارتريدج تضع ظرفًا أبيض على الدرج.