عزيزتنا

لم يأخذني المأمور إلى السجن، بل أخذني إلى كور ديلين، وتبعنا نائبه بسيارة جدي. ألقى عليَّ المأمور محاضرةً مطولةً شديدة اللهجة عن القيادة دون حيازة رخصة، وجعلني أقطع له وعدًا بعدم القيادة مجددًا حتى أبلغ السادسة عشرة.

«ولا حتى في مزرعة جدي؟»

نظر إلى الطريق أمامه. قال: «أظن أن الناس لهم أن يفعلوا ما يحلو لهم داخل مزارعهم، ما دامت لديهم مساحة كافية للمناورة وما داموا لن يعرضوا حياة البشر والحيوانات للخطر. لكني لا أقول إنك ينبغي أن تفعلي ذلك. أنا لا أعطيكِ الإذن به أو ما شابه.»

طلبت منه أن يخبرني عن حادثة الحافلة. وعندما سألته عما إن كان موجودًا تلك الليلة، وإن كان قد رأى أحدًا ممن أخرجوهم من الحافلة، فقال: «أنت لا تريدين معرفة كل تلك التفاصيل. لا ينبغي للمرء أن يفكر في تلك الأمور.»

«هل رأيت أمي؟»

«رأيت العديد من الأشخاص يا سالامنكا، وربما أكون قد رأيت أمك وربما لا، لكن يؤسفني أن أقول لكِ إنني لو رأيتها ما كنت لأعرف ذلك. أتذكر مجيء أبيكِ إلى قسم الشرطة. أتذكر ذلك، لكني لم أكن معه حين … لم أكن حاضرًا حين …»

قلت: «هل رأيتَ السيدة كادافر؟»

قال: «كيف تعرفين بأمر السيدة كادافر؟ بالطبع رأيتها. الجميع رآها. بعد تسع ساعات من انقلاب الحافلة، وأثناء حمل نقالاتٍ كثيرة إلى أعلى التل، ولما فقد الجميع الأمل؛ خرجت يد من النافذة وصاح الجميع إذ كانت اليد تتحرك.» نظر إليَّ نظرة سريعة. «أتمنى لو كانت يد أمكِ.»

قلت: «كانت السيدة كادافر تجلس بجوار أمي.»

«أوه!»

«كانتا غريبتين حين استقلتا الحافلة، لكن حين نزلتا منها بعد ستة أيام، كانتا قد صارتا صديقتين. حكت أمي للسيدة كادافر عني وعن أبي وعن مزرعتنا في بايبانكس. كما أخبرتها عن الحقول والتوت البري ومودي بلو والدجاج والشجرة الشادية. أظن أن إخبارها السيدة كادافر بذلك كله يعني أنها حتمًا كانت تفتقدنا، ألا تظن ذلك؟»

قال المأمور: «بل أنا متيقن منه. لكن كيف تعرفين كل ذلك؟»

وهكذا أخبرته بأن السيدة كادافر حكت لي ذلك كله يوم عودة أم فيبي. أخبرتني بزيارة أبي لها في المستشفى في لويستون بعد أن دفن أمي. جاء ليزور الناجية الوحيدة من حادثة الحافلة، ولما عرف أن السيدة كادافر كانت تجلس بجوار أمي، بدآ يتحدثان عنها. ظلا يتحدثان لست ساعات.

أخبرتني السيدة كادافر عن تبادلها الرسائل هي وأبي، وعن حاجة أبي للابتعاد عن بايبانكس لفترة. سألت السيدة كادافر لماذا لم يخبرني أبي كيف التقيا فقالت إنه حاول لكني لم أود سماعه، ولم يرد هو أن يثير استيائي. ظن أني قد أكره مارجريت لأنها نجت في حين ماتت أمي.

سألتها: «هل تحبينه؟ هل ستتزوجينه؟»

قالت: «يا إلهي! هذا حديث سابق لأوانه بعض الشيء. هو متشبث بي لأني لازمت أمكِ وكنت ممسكةً بيدها في لحظاتها الأخيرة. أبوك ليس مستعدًّا بعد لأن يحب غيرها. كانت أمكِ امرأة فريدة.»

هذا صحيح. كانت فريدة.

مع أن السيدة كادافر أخبرتني كل ذلك، وأخبرتني كيف أنها لازمت أمي في لحظاتها الأخيرة، لم أصدق أن أمي ماتت بالفعل. ظننت أنه ربما وقع خلط ما. لا أعرف ماذا كنت آمل أن أجد في لويستون. ربما توقعت أن أراها تسير في حقل وأناديها فتقول: «أوه، سالامنكا، ذراعي اليمنى، أوه سالامنكا، خذيني للبيت.»

نمت أثناء الخمسين ميلًا الأخيرة من الطريق إلى كور ديلين، واستيقظت لأجد نفسي جالسةً في سيارة المأمور أمام مدخل المستشفى. كان المأمور يخرج من المستشفى. ناولني ظرفًا ثم دلف إلى جواري في المقعد.

كان الظرف يحوي رسالةً قصيرةً من جدي مكتوبًا فيها اسم النُّزُل الذي يقيم فيه. وتحت ذلك كتب: «يؤسفني أن أبلغكِ أن عزيزتنا تُوفِّيَت في الساعة الثالثة من صباح اليوم.»

في النُّزُل، كان جدي جالسًا على جانب السرير يتحدث في الهاتف. حين رآني أنا والمأمور عند الباب، وضع سماعة الهاتف وضمني إليه. أخبر المأمور جدي بأسفه الشديد وقال إنه لا يرى أن الوقت أو المكان مناسبين لإلقاء محاضرة عن قيادة الحفيدات القاصرات سيارة على طريق جبلي في منتصف الليل. ناول جدي مفاتيح سيارته وسأله إن كان يحتاج إلى المساعدة في أية ترتيبات.

قال جدي إنه تدبر بالفعل معظمها. أُرسِل جثمان جدتي إلى بايبانكس بالطائرة، حيث سيستقبله أبي. وسأنهي أنا وجدي الإجراءات اللازمة في كور ديلين ونغادر صباح اليوم التالي.

بعد أن غادر المأمور ونائبه، وقعت عيني على حقيبة أمتعة جدي وجدتي المفتوحة. بداخلها اختلطت أغراض جدتي بملابس جدي. التقطتُ بودرة الأطفال الخاصة بها وشممتها. على المكتب، كانت تستقر رسالة مكرمشة. حين رآني جدي أنظر إليها، قال: «كتبتُ لها رسالةً ليلة أمس. رسالة غرامية.»

استلقى جدي على السرير وحدَّق في السقف. قال: «يا صغيرتي، أنا أفتقد عزيزتي.» غطى عينيه بإحدى ذراعيه. وبيده الأخرى ربت على المساحة الخاوية بجواره. قال: «هذا ليس … هذا ليس …»

قلت: «هَوِّن عليك.» جلستُ على الجانب الآخر من السرير وأمسكتُ يدَه. «هذا ليس فراش زوجيتكما.»

بعد خمس دقائق تقريبًا، تنحنح جدي وقال: «لكنه سيفي بالغرض.»