انفجارٌ بالقلعة وحريقٌ بالغواصة!
ارتدى «أحمد» و«مصباح» بدلتَي الغوص … وراجعَا ما لديهما من أسلحة وأجهزة اتصال … والبوصلة المضيئة وغادرَا القلعة … في المهمة الانتحارية … التي يهدفون من ورائها … إطلاق سراح «هدى» … والقبض على مَن بالغواصة … وقد ودَّعهم كلُّ مَن بالمقر بالدعوات … والتمنيات بالتوفيق.
ومن مؤخرة السيارة إلى باب آخر فأنبوب مختلف يصل إلى سطح الماء … واهتز الماء وهو يحتضن «مصباح» و«أحمد» في طريقهما لإنقاذ زميلتهما … وإنقاذ البشرية من أولئك الإرهابيِّين … الذين لا يتورعون عن القيام بأخس الأعمال إرضاءً لنفوسهم الدموية … ولرغبات أعداء الإنسانية المتربصين بنا في كل مكان.
كان الماء حولهما ساكنًا … والظلام يكتنف المكان … ولا يكاد يريانِ شيئًا، فأشعل «أحمد» مصباحه … وبدأ يمسح المكان بحثًا عن الغواصة … وكلما فشل في العثور عليها … هبط إلى عمق أكبر … حتى لمح عن بُعد مجموعةً من أسماك القرش … تلتفُّ حول صخرة كبيرة … تبيَّن لهما فيما بعد … أنها ليست صخرة … بل هي الغواصة المأمولة.
ولكن … وفي وجود أولئك الدخلاء، سيكون من الصعب الاقتراب منها … فأشار ﻟ «مصباح»، وصعدَا إلى سطح الماء … وبعد اتصالات بالمقر العائم ومشاورات … قام «عثمان» باصطياد طائر بحري … وابتعدوا بالسيارة عن المكان ثم ذبحوا الطائر … وألقوا بجثته في الماء … وغاص «مصباح» مرة أخرى ومن خلفه «أحمد» … وعندما اقتربَا من الغواصة … لم يجدَا سمكة قرش واحدة فقد اجتذبَتها رائحةُ الدماء.
وعلى أرض القاع … زحف «أحمد» ومثله فعل «مصباح» حتى لا يراهما أحدٌ من نافذة الغواصة وعلى جسمها الخارجي … وفي أماكن متفرقة منه، ثبَّتا العديد من القنابل التي يتم التحكم فيها عن بُعد … وعندما انتهيَا … ابتعدَا مثلما اقتربَا … ثم صعدَا إلى سطح الماء.
وقطعَا الطريق سباحة إلى حيث كانت تقف «القلعة» فتسلَّقاها في مهارة واستبدلَا ملابسهما … وتوجَّه «أحمد» إلى مركز قيادة المقر، فأدار محركاته وسار به حتى اقترب من موقع الغواصة، فأعطى أول إشارة … لأول قنبلة، وعلَا صوتُ انفجارٍ دفين، صاحبَه اندفاعُ الماء من السطح إلى السماء وعلى … أثره شاهد الشياطين من قلعتهم … مياه البحر الأبيض المتوسط وهي تضطرب ويعلو من طياتها صوتُ محركاتٍ يزداد ارتفاعًا مع زيادة، غواصة من غواصات الحرب العالمية الثانية.
قال «أحمد»: ياه … أترَون … إن هذه الغواصة لم يَعُد لها قيمة إلا عند أولئك البشر.
إلهام: وماذا يفعلون بها؟
أحمد: إن الجزيرة التي احترقَت هي مخزن أسلحتهم، التي كانوا يَصِلون إليها مستخدمين هذه الغواصة … فيسهل عليهم شراء … وتوزيع السلاح.
رشيد: يشترونه من دول مشبوهة، ويبيعونه للإرهابيِّين. في تلك الأثناء … خرج مجموعةٌ من الرجال على سطح الغواصة … يوجِّهون أسلحتهم للسيارة المقر.
فعلَا صوتُ «أحمد» عبر مكبرات الصوت يأمرهم بالاستسلام … فغواصتهم ملغمة … وإذا كانوا يريدون التأكد … فلديهم عنده تجربة صغيرة … ولم ينتظر موافقتهم، بل أرسل إشارة … فانفجرَت قنبلة أخرى بجوار غرفة المحركات … جعلَت الرجال يتصايحون وكبيرهم يطلب من «أحمد» التفاهم.
أحمد: نريد ما عندكم؟
الرجل: لا نعرف ماذا تريدون؟! إن كنتم تريدون مالًا، فأخبرونا كم المبلغ الذي تريده؟
أحمد: كم تستطيعون الدفع؟
الرجل: ما تطلبه.
أحمد: عشرة ملايين دولار …
الرجل: لا … ليس إلى هذا الحد، إن ما تتكلم عنه لا يتوفر إلا في الأحلام.
أحمد: إذن فلنفجر إنذارًا آخر.
الرجل: ولماذا؟ فلتطلب ما نستطيع تدبيره لك.
أحمد: عشرة ملايين دولار …
الرجل: كيف … وقد احترق مخزنُ الذخيرة والسلاح؟
أحمد: هذا ليس شأني.
الرجل: فلنجعلها مليونًا.
أحمد: إنك تنوي معي على شيء … فستبدأ بمليون لتكسب وقتًا فإلى أن تصل إلى مبلغ معقول … تكون قد استعددت للخروج من ورطتك معي.
الرجل: ولماذا تظن فيَّ هذا الظن؟
لم يردَّ «أحمد»، بل فجَّر قنبلة ثانية … وقد راعى ألَّا تؤديَ هذه القنابل إلى غرق الغواصة … حتى يظلوا متمسكين بها … ويقبلوا المساومة.
علَا صوتُ انفجارِ القنبلة الثالثة، وارتفع الماء إلى عنان السماء … ثم عاد ليُغرق الغواصة ومَن عليها.
قال «أحمد»: أليس لديكم أسرى أو رهائن؟
الرجل: نعم.
أحمد: إذن أطلقوا صراحهم.
الرجل: اتركونا نرحل، وأعدك أن نُطلق سراحهم.
أحمد: ليس لديك أحدٌ وسأفجر القنبلة الرابعة … وهذه المرة في مكان قاتل.
الرجل: لا داعي وسأعطيك كلَّ ما لدينا على الغواصة.
أحمد: وكم لديك؟
الرجل: ستة ملايين ونصف المليون.
أحمد: دولار؟
الرجل: نعم!
أحمد: أغلق عليها برميلًا من البلاستيك … وألقى به في الماء …
وبمجرد أن ألقى برميل النقود في الماء … كانت شبكة معدَّة خصيصًا لهذه الأغراض قد انتشلَته … وبعد فتحِه والتأكد منه قال له «أحمد»: هذه الأموال سوف تُنفق على مَن أصابهم إرهابُكم … الذي حوَّل أمنهم إلى خوف، والآن … هل تستسلمون باختياركم … أم نُجبركم على ذلك؟
الرجل: ألم تأخذ النقود؟
أحمد: ليست نقودكم.
الرجل: ألم تعدني؟
أحمد: مثلكم ليس لديه وعد … وليس لمثلي أن يعدَه.
ثارَت أعصابُ الرجل وأخذ يقفز ويتوعَّد … ودون أن يلاحظ «أحمد» انطلقَت من الغواصة قذيفة … أصابَت السيارة في جسمها الخارجي، فصنعَت به فجوةً كبيرة … مما أثار «أحمد»، فأطلق مجموعة من الإشارات الصوتية … أعقبها مجموعةٌ من الانفجارات بجسم وغرفة محركات الغواصة … صاحبها صراخُ المرافقين للرجل … ثم جذبوه لأسفل … ولم يظهر بعدها، وخرج لهم رجلٌ آخر مما دفع «أحمد» لسؤاله: هل قتلتموه؟
الرجل الآخر: لا … لم نقتله … لقد وقع في غرفة الوقود المشتعلة.
أحمد: ما اسمك؟
الرجل: «ماهيتار».
أحمد: ألست عربيًّا … هل توافق على تسليم نفسك؟
الرجل: لمن؟
أحمد: للسلطات المصرية.
الرجل: مقابل ماذا؟
قال «أحمد» بنفاد صبر: بدون مقابل … فالغواصة الآن لن تصلح لنقلكم إلى أيِّ مكان … وانفجاران آخران وتحملكم معًا إلى القاع.
ماهيتار: لا يهمُّ … وعلى فكرة … عندي هدية لك.
صرخ «أحمد» في الشياطين كي ينبطحوا في قاع السيارة … وكما توقَّع … فقد أصابَت قنبلةٌ أخرى جسمَ «القلعة» فجعلَت المقرَّ كالأتوبيس الخَرِب.
فأصدر «أحمد» آخرَ إشاراته … فعلَا صوتُ عدةِ انفجارات متتابعة … تطايرَت معها الغواصة شظايا … واشتعل خزان الوقود … وارتفعَت ألسنة اللهب في السماء.
وعلى مسافة ليست بالبعيدة … ظهر مجموعةُ رجال الغواصة، والمياه تغمرهم والعديد منهم ينزف … وقد احمرَّ لونُ المياه حولهم.
فعلق «أحمد» على ذلك قائلًا: ستجذب رائحةُ الدماء أنوفَ سمك القرش.
إلهام: أنوفها فقط؟
عثمان: وسيسيل لعابها.
وهذا ما رآه رجال الغواصة … ومعهم «ماهيتار»، فقد شاهدوا عن بُعد … ذيولًا كالأهلة … تقطع الماء في سرعة … مقتربة منهم … فتصايحوا في فزع مستغيثين.
وفي هذه اللحظة … علا صوتُ جلبة في الماء … واضطراب سطحه بشدة … واندهش الجميع عندما شاهدوا غواصة حديثة … تخرج من تحت الماء … وعليها علَمُ السلاح البحري المصري!
وبدلًا من أن يهرب «ماهيتار» ومَن معه منها … هربوا إليها من مذبحة أسماك القرش … الذين استشاطوا غضبًا … عندما ساعدهم رجالُ البحرية على تسلُّق سطح الغواصة مقبوضًا عليهم … فتركوهم ليُحيطوا بسيارة الشياطين التي كانت تغرق وكأنهم متأكدون أنهم لا محالة سيصلون إلى سطح الماء.
كان الماء يتسرَّب إلى كل جزء من «القلعة» … ويزيد وزنها … ويخل اتزانها الذي حاولَت الحفاظ عليه فترة طويلة.
فأشار ضباط البحرية للشياطين … ليُطمئنوهم … واقتربوا منهم … حتى لاصقوا المقر المنهار … فانتقل الشياطين الاثنا عشر إلى الغواصة … وكلُّهم قلق وحزن على «هدى».
وكان هذا أول موضوع تحدَّث فيه «أحمد» إلى قبطان الغواصة … الذي وعد «أحمد» بمعاونتهم في العثور عليها.
وكان ميعاد تحرُّك الغواصة، فطلب ربَّانُها من الشياطين مغادرةَ سطحها والنزول إلى العنبر الذي سيُقيمون فيه حتى يصلوا إلى الإسكندرية.
وكم كانت مفاجأة جميلة … عندما عثروا في هذا العنبر على «هدى» … التي تبادلَت الأحضان والقبلات مع «إلهام» و«ريما» و«زبيدة»!
وقطع عليهم فرحتَهم ضابطُ الاتصالات يطلب من «أحمد» التوجُّهَ إلى غرفة اللاسلكي.
وهناك … ناول «أحمد» الهدفون … حيث وضعه على أُذُنه … وسمع ماذا … لقد سمع رقم «صفر» يُهنئه على نجاح المهمة … ويطلب منه تهنئةَ زملائه … ويعدهم باللقاء قريبًا جدًّا … لتوضيح ما يطلبون توضيحه … ولشرح أبعاد المهمة الجديدة.
وعاد «أحمد» إلى جماعة الشياطين قائلًا لهم: أتعرفون مَن كان يتصل بنا؟
الشياطين: مَن؟
أحمد: رقم «صفر»!
الشياطين: واو … غير معقول … واو … يا لَها من مفاجأة جميلة!