الفصل الأول
(ساحة أمام خيام المهدي في حي بني عامر - مجلس من مجالس السمر في هذه
الساحة - فتية وفتيات من الحي يسمرون في أوائل الليل، وفي أيدي الفتيات صوف ومغازل يلهون
بها وهم يتحدثون — تخرج ليلى من خيام أبيها عند ارتفاع الستار ويدها في يد ابن ذريح)
ليلى
:
دعي الغزْلَ سلمى وحَيِّي معي
منارَ الحِجَازِ فَتَى يَثْرِبِ
١
(تصافحه سلمى)
ويا هِنْدُ هذا أديبُ الحِجازِ
هلمِّي بمَقْدَمِهِ رَحِّبِي
(تصافحه هند ويحتفي به السامرون)
ابن ذريح
:
أجل
من البلدِ القُدُس الطيِّب
ليلى
:
أيابنَ ذَريحٍ لقينا الغمام
هند
:
وطَافتْ بنا نَفَحَاتُ النبي
سعد
:
فتًى ذِكرُه
على مَشرِق الشمس والمغرب
رَضيعُ الحُسَيْنِ عليه السلامُ
وترْبُ الحُسَيْنِ من المكتبِ
عبلة
(إلى بشر ومشير إلى ابن ذريح)
:
أتسمَعُ بشرُ رضيعُ الْحُسَيْنِ
فديْتُ الرضيعيْن والمُرضعهْ
وأنت إذا ما ذكرنا الحسينَ
تصاممتَ!
بشر
(هامسًا ومتلفتًا كأنما يخشى أن يسمعه أحد)
:
لا جاهلًا موضِعَهْ
ولكن أخاف امرأً أن يرى
عليَّ التشيُّع أو يَسمَعَهْ
أحِبُّ الحسينَ ولكنَّمَا
لساني عليه وقلبي معهْ!
حَبَسْتُ لسانيَ عن مدحه
حِذارَ أميَّةَ أن تقطعه
إذا الفتنةُ اضطرمتْ في البلاد
ورُمْتَ النجاةَ فكُن إمَّعهْ!
ليلى
:
إبنَ ذريحٍ نحن في عُزْلَةٍ
فهل على مُسْتفهِمٍ منك باسْ؟
دارُ النبيِّ كيف خلَّفْتَها؟
كيف تركتَ الأمرَ فيها يُساسْ
ابن ذريح
:
تركتُها يا ليلَ مَضبوطةً
يحكُمُها والٍ شديدُ المراسْ
إن حديثَ الناس في يثربٍ
همسٌ وخطوَ الناس فيها احتراس
ليلى
:
إبنَ ذريح لا تَجُرْ واقتصِدْ
أحلامُ مَرْوانَ جبالٌ رَواسْ
يؤسِّسُون المُلْكَ في بيتهم
والْعُنْفُ والشدةُ عند الأساس
(تتضاحك الفتيات وتقول إحداهن لأخرى)
فتاة
:
ليلى على دينِ قيسٍ
فحيثُ مال تميلُ!
وكلُّ ما سرَّ قيسًا
فعند ليلى جميلُ
ابن ذريح
:
ما الذي أضحك مني الظَّبياتِ العامريَّهْ
ألأَني أنا شِيعِيٌّ وليلى أمويَّهْ؟
إختلافُ الرأي لا يُفْسدُ للود قضيَّهْ
ليلى
:
أعِرْني سماعَك يابنَ ذريحٍ
ولا تسمَعِ الطفلةَ الهاذيَهْ
أتَيْتَ لنا اليومَ من يثربٍ
فكيف ترى عالَمَ الباديَهْ
أكنتَ من الدور أو في القصور
ترى هذه القُبَّةَ الصافيَهْ؟
كـأن النجومَ على صدرها
قلائدُ ماسٍ على غانيَهْ
هند
:
كفى يابنةَ الخال! هذا الحريرُ
كثيرٌ على الرِّمَّة الباليَهْ
تأمَّلْ تر البيدَ يابن ذريح
كمقبرةٍ وَحْشَةٍ خاويَهْ
سئمنا من البيدَ يابن ذريح
ومن هذه العيشة الجافيَهْ
ومن مُوقدِ النار في مَوْضِعٍ
ومن حالب الشاة في ناحيَهْ
وراغيةٍ من وراء الخيام
تُجيبُ من الكَلأ الثاغيَة
٢
وأنتم بيثربَ أو بالعراق
أو الشام في الغُرَف العاليَهْ
مُغنِّيكمو مَعْبَدٌ والغريضُ
وقيْنتُنا الضَّبُعُ العاويَهْ
وقد تأكلون فُنُونَ الطُّهَاةِ
ونأكل ما طَهتِ الماشيَهْ
ليلى
:
قد اعَتسَفتْ هندُ يابنَ ذريحٍ
وكانت على مَهدها قاسيَهْ
فما البيد إلا دِيارُ الكِرَامِ
ومَنزلةُ الذِّمَمِ الوافيَهْ
لها قُبْلَةُ الشمس عند البُزوغ
وللحَضَرِ القُبْلَةُ الثانيَهْ
ونحن الرياحينُ مِلْءَ الفضاء
وهنَّ الرياحينُ في الآنيَهْ
ويقتُلُنا العِشقُ والحاضراتُ
يَقُمْنَ من العشق في عافيهْ
ولم نصطَدِم بهُمُـوم الحياةِ
ولم نَدرِ — لولا الهوى — ماهيَهْ
وآنًا نخِفُّ لصَيْدِ الظباء
وآنًا إلى الأسد الضاريَهْ
هند
(ساخرة)
:
وفي كل ناحيةٍ شاعرٌ
يغنِّي بليلاهُ أو راويَهْ
(تحاول ليلى أن تمد رجلها فتتألم وتستغيث)
ليلى
:
أُحس رجلي خدِرت
حتى كأنها الحَجَرْ
هند
(متهكمة)
:
إسم الحبيبِ عندنا
نذكره عند الخدر
ليلى
:
هند كفي دعابة
إن هو الَّا اسمٌ حضر
(لنفسها)
يا قيس ناجى باسمك القلبُ اللسان فعثَر
عبلة
(ضجرة)
:
أما سوى هذا الحديثِ شاغلُ؟
كيف ظللْتَ اليومَ يا منازلُ؟
منازل
(ضاحكًا)
:
منازلُ اليوم كأمس هازلُ
يشرَبُ أو يَطْعَمُ أو يُغازلُ!
هند
:
بخٍ! كذا فلتكنِ الحياةُ
مُت يا بعير وانفُقي يا شاةُ
انغَمست في الترف الرعاةُ!
ليلى
:
وكيف ظللت اليوم سعدُ؟ أهازلٌ
كتِربك أم في صالحٍ ورشادِ!
سعد
:
بل الجدُّ يا ليلى سبيلي وديْدني
حياتي بِوادٍ والمُجونُ بواد
صحبتُ زيادًا طول يومي تلقفًا
لأشعار قيسٍ من لسان زياد
وإن زيادًا — منذ كان — لرائحٌ
علينا بشعر العامريِّ وغاد
ولولا زيادٌ ما تمثَّل حاضرٌ
بأشعار قيسٍ أو ترنم باد
(يبدو على ليلى شيء من الزهو فتتهامس الفتيات)
سلمى
:
انظري هند تريْ ليلى اكتست زهوًا وكبرَا
وتعالت كابنةِ النعمان أو كابنة كسرى!
هند
:
لمَ لا سلمى، ألم
يرفع لها المجنونُ ذكرَا؟
عبلة
:
لِمْ إذن يا هند من
قيسٍ ومما قال تَبْرَا؟
هند
:
عَبَثُ النِّسوةِ! إنا نحن بالنسوة أدرى!
سلمى
:
سلوا الآن بشرًا فيم أنفق يومَه؟
هند
:
سلي يا ليلَ عن يومه بِشرَا
ليلى
:
وهَل يومهُ إلا شئونٌ كأمسِه
من الصيد؟
بشر
:
نعم هو ملهايَ الذي لا أمَله
ولا النفسُ تُعطَى عن تناوله صبرا
ولو كان عيشي في قصور أميَّةٍ
لعَلَّمْتُ فنَّ الصيد فتيانهَا الزهرا
وما أنا صيَّادُ الأرانب مثلَهم
ولكن على حيَّاتِهِ ألِجُ القَفْرَا
ليلى
:
إذن هاتِ واصدُقْ بشرُ في القول مرَّةً
ولا تخترعْ أو تَبْنِ من حَجَرٍ قصرا!
بشر
:
دعي عنكِ هذا السُّخْرَ يا ليلَ واسمعي
ليلى
:
تحدَّثْ فلا واللهِ لم أُضْمِر السُّخرا
بشر
:
بكَرتُ كدأبي اليومَ أبغي قنيصةً
ومَن يتصيَّدْ يحسب الغُنْمَ والخُسرا
(رأيت غزالًا يرتعي وَسْط روضة
فقلت أرى ليلى تَراءتْ لنا ظُهرًا)
٣
هند
(مشيرة إلى ليلى)
:
وأيَّ الليالي بشرُ آنست؟ هذه
بشر
:
إذا شئتِ — أو هاتيكِ — أو حُرَّةً أخرى
فقلتُ له يا ظبيُ لا تخشَ حادثًا
(فإنك لي جارٌ ولا ترهبِ الدَّهْرَا)
(فما راعني إلا وذئبٌ قد انتحى
فأعلق في أحشائه الناب والظُّفرا)
(ففوَّقتُ سهمي في كَتومٍ غمستُها
فخالط سهمي مهجةَ الذئبِ والنحرا)
ليلى
(ضاحكة)
:
أخي بشرُ لا شُلتْ يمينُك من يدٍ
ولا فَضَّ فاك الصبحُ والليلُ ما كرَّا
سمعنا بإِقدام اللصوص وفتكهم
فلم نر أدهى منك فتكًا ولا أجرا!
ووالله لم تغضب لظبي ولم تثبْ
بذئب ولم تُعمِلْ خيالًا ولا فكرا
أخذتَ فلم تترك لقيسٍ بضاعةً
سرقتَ لعمري الظبيَ والذئبَ والشعرا!
(ضحك من الجميع)
حديثُ الظبيِ والذئبِ
وقيسٍ لستُ أنساه
زيادٌ عنه نبَّاني
ولا ينبيك إلَّاه
رأى قيسٌ على رابـية ظبيًا فناداه
فألقى الظبيُ أذْنَيْهِ
ومسَّ الأرضَ قرناه
(ثم تقول في لوعة وصوت مخفوض وكأنما تحدث نفسها)
برُوحي قيسُ! هل راحت
ظباءُ القاع تهواه؟
وهل يَرثي له الريمُ
ولا أرثي لبلواه؟
(تسترسل في حديثها الأول)
على فيه من العُشْبِ
بقايا صبغت فاه
رأى في جيده قيسٌ
وفي عينيه ليلاه
فبينا هو في الشوقِ
وفي نشوة ذكراه
حبا الذئبُ من الوادي
إلى الظبي فأرداه
تغدى بحَشا الظَّبي
غَداءً ما تهنَّاه
رماه قيس في المقتـل بالسهم فأصماه
بشر
(مندفعًا بحماسة!)
:
أجل يا ليلَ! ما قلتِ
سوى شيءٍ شهِدناه
وإن لم تذكري القبرَ
ولا كيف خططناه
حفرنا القبرَ للظبيِ
وقمنا فدفناه
وصلَّينا على الميْتِ
وبالدمع سقيناه
فقولوا ولتقل ليلى
معي يرحمُه الله!
أصوات
(بين الضحك والسخرية)
:
أجل بشرُ!
أجل بشرُ!
أجل يرحمه الله!
ابن ذريح
:
بشرُ كفى هزلًا وتخليطًا كفى
ويابنةَ العم مضى الليلُ سُدى
أرسلني قيسُ فلو أخبرتني
متى متى بأمر قيسٍ يُعتنى؟
بتنا نخافُ أن يجِلَّ خطبُه
وتبلغَ البلوى بقيسٍ المَدى
وقيسُ يا ليلى وإن لم تجهلي
زين الشباب وابنُ سيد الحمى
لم ندرِ في حيِّك أو في حيِّه
فتى حكاه نسبًا ولا غنى
ولا جمالًا، وهنا (يا ليلَ) ما
تريْنَ أنتِ لا الذي نحن نرى
بشر
(ساخرًا)
:
بخٍ بَخٍ! إبنُ ذريح خاطبٌ
ليلى
(غاضبة)
:
فيم هذا الكلامُ يا بنَ ذريحٍ؟
ابن ذريح
:
إتقي اللهَ واقصِدي في التجني
ابن ذريح
:
بل ظلمت، دعيني
أُحسن الذَّودَ عن صديقي وخِدني
ليلى
:
أنا أَوْلى به وأحنى عليه
لو يُداوَى برحمتي والتحنِّي
يعلمُ الله وحده ما لقيس
من هوًى في جوانحي مستكِنِّ
إنني في الهوى وقيسًا سواءٌ
دَنُّ قيس من الصبابة دَنِّي
أنا بين اثنتين كلتاهما النا
ر فلا تَلْحَى ولكن أعِنِّي
بين حرصي على قَداسة عرضي
واحتفاظي بمن أُحبُّ وضَنِّي
صنتُ منذ الحداثة الحبَّ جهدي
وهو مستهترُ الهوى لم يَصُنِّي
قد تغنى بليلة الغَيْلِ، ماذا
كان بالغيل بين قيس وبيني؟
كل ما بيننا سلامٌ وردٌّ
بين عين من الرفاق وأُذن
وتبسَّمتُ في الطريق إليه
ومضى شأنه وسرتُ لشأني
(تهيب بالسامرين وقد بلغ بها الغضب أقصاه)
(تدخل خباءها بينما ينفض السامرون فلا يتثاقل منهم في القيام إلا
منازل — الهرج والأسف يسودان الجميع)
بشر
:
انفضَّ سامرُ ليلى
وكان حَفْلًا كريمَا
سعد
:
قد فَضَّه ابن ذريح
ففض عِقدا نظيمَا
أثار ليلى فهاجت
كما تنفِّر رِيمَا
ترى أتُبْغِضُ قيسًا
ابن ذريح
:
لا تقلبوا الحبَّ بغضَا
ليلى العشيةَ غضبى
ويُصبح الصبحُ ترضى
هند
:
نحن يحوينا طريقٌ
فامض بلّغني الخباءَ
هند
:
أنا لا أخشى اعتداء
قد عرفتم وعرفنا
كيف يصطاد الظباء!
(تسمع ضحكاتهم من أقصى الطريق بينما يظهر قيس وزياد من جانب المسرح
الآخر)
قيس
:
سجا الليل حتى هاج لي الشعرَ والهوى
وما البيدُ إلا الليلُ والشعرُ والحبُّ
ملَأْت سماءَ البيدِ عشقًا وأرضَها
وحُمِّلْتُ وحدي ذلك العشقَ يا ربُّ
ألَمَّ على أبيات ليلى بيَ الهوى
وما غيرَ أشواقي دليلٌ ولا ركبُ
وباتت خيامي خُطوة من خيامها
فلم يَشفني منها جوار ولا قرب
إذا طاف قلبي حولها جُنَّ شوقُه
كذلك يُطغِي الغُلةَ المنهلُ العذب
يحن إذا شطَّت ويصبو إذا دنت
فيا ويح قلبي كم يحن وكم يصبو
وارسلني أهلي وقالوا امض فالتمس
لنا قبسًا من أهل ليلى وما شبُّوا
عفا الله عن ليلى لقد نؤتُ بالذي
تحمَّلَ من ليلى ومن نارها القلب
منازل
(وقد سمع همهمة الصوت ورأى شبحيهما في الظلام)
:
أرى شبحًا مقبلًا في الظلام
وأسمع همهمة في الدجى
هو ابن الملوَّحِ دلَّ الهُزالُ
عليه ونمَّ اضطراب الخُطا
روى شعرَه البدو والحاضرون
وشعريَ ليس له من روى
وهام بليلى وهامت به
لقد كنت أولى بهذا الهوى
تشرَّد مستعظَمًا في البلاد
وجُنَّ فما ازداد إلَّا نُهى
وإني لأُبدي إليه الوداد
وأخفي له في الضلوع القِلى
وأحسُدُه حسدًا ما علمت
أقيسُ الشقيُّ به أم أنا
(يتقدم منهما خطوات)
من الراكبُ الليل؟ قيسٌ أخي؟
منازل
:
أقيسًا أرى في ظلال البيوت؟
وعهدي بقيس حليفَ الفلا
منازل
:
من عندِها
من السمر الممتِع المشتَهى
قيس
(حنقًا)
:
أمن عند ليلى تجرُّ الذيول
حديث لَعمرُ أبي مفترى
منازل
:
بل الصدقُ ما قلتُ يابن الملوَّ
ح
قيس
:
إخسأ متى قلت صدقًا متى؟
وما كنت تصنع؟
منازل
(ساخرًا)
:
ما يصنعون
لهوت لعمريَ فيمن لها
وسامر ليلى كثير الزِّحام
فلست تعدُّ شباب الحِمى
وليلى تُفيضُ على من تشاء
رضاها وتحرمُه من تشا
زياد
(مغضبًا)
:
منازل، قيسُ، سبيلكَ قيس!
وكِلْ ليَ تأديبَ هذا الفتى
منازل
(وقد أخذ بتلابيبه)
:
تؤدبُني زيادُ وأنت ظل
لمجنون وراوية لهاذي
وتزعمُ أنني نِدٌّ لقيس
رضِيت من المصائب غيرَ هذي!
زياد
:
من قال ذا؟ أنت لقيس نِدُّ
لم يبق فيكِ يا حياةُ جِدُّ
إمض بنا ناحيةً يا وغد!
(يجره إلى حيث تسمع أصواتهما من بعيد ثم تختفي فيقبل قيس على خباء
ليلى وينادي)
المهدي
(خارجًا من الخباء)
:
من الهاتف الداعي؟ أقيس أرى؟
ماذا وقوفُك والفتيان قد ساروا
قيس
:
في الدار حتى خَلتْ من نارنا الدار
ما كان من حطب جَزْلٍ بساحتها
أوْدى الرياحُ به والضيفُ والجار
المهدي
:
هذا ابن عمِّك ما في بيتهم نار
(تظهر ليلى على باب الخباء)
ليلى
:
قيس ابن عمي عندنا
يا مرحبًا يا مرحبَا
قيس
:
مُتِّعتِ ليلى بالحيا
ة وبَلَغْتِ الأَرَبَا
ليلى
(تنادي جاريتها بينما يختفي أبوها في الخباء)
:
عفراء
(ملبية نداء مولاتها)
:
ليلى
:
تعالَيْ نقضِ حقًّا وَجَبَا
خذي وعاءً واملئيه لابنِ عمِّي حَطَبَا
(تخرج عفراء وتتبعها ليلى)
قيس
:
بالروح ليلى قضت لي حاجةً عرضت
ما ضرها لو قضت للقلب حاجاتِ
مضت لأبياتها ترتاد لي قبسًا
والنار يا رُوحَ قيسٍ ملءُ أبياتي
كم جئتُ ليلى بأسباب ملفَّقَةٍ
ما كان أكثر أسبابي وعلاتي
(تدخل ليلى)
قيس
:
ليلى بجانبي
كلُّ شيء إذن حضَرْ
ليلى
:
جمعتنا فأحسنت
ساعةٌ تَفْضُلُ العُمُرْ
ليلى
:
لك قلبٌ فسله يا قيس ينْبِئْكَ بالخبرْ
قدْ تحملتُ في الهوى
فوق ما يحتمل البشرْ
قيس
:
لستُ ليلاي داريًا
كيف أشكو وأَنفجِرْ؟
أشرح الشوقَ كله
أم من الشوق أختصِرْ؟
ليلى
:
نبِّني قيسُ ما الذي
لك في البيد من وطرْ؟
لك فيها قصائدٌ
جاوزَتْها إلى الحضرْ
كلُّ ظبي لقيته
صُغت في جيده الدررْ
أتُرى قد سلوْتنا
وعشقتَ المَها الأُخرْ؟
قيس
:
غرت ليلى من المهَا
والمها منك لم تَغَرْ
حبَّب البيدَ أنها
بكِ مصبوغَةُ الصُّوَرْ
لست كالغِيدِ لا ولا
قمرُ البيد كالقمرْ
ليلى
(وقد رأت النار تكاد تصل إلى كم قيس)
:
قيس
(غير آبه إلا لما كان فيه من نجوى)
:
رُبَّ فجر سألتُه
هل تنفستِ في السحَرْ
ورياح حسِبتُها
جرَّرَت ذيلَك العطِرْ
وغزالٍ جُفونهُ
سرقت عينكِ الحَوَرْ
ليلى
:
إطرح النارَ يا فتى
أنت غادٍ على خطرْ
لهبُ النار قيسُ في
كمِّك الأيمن انتشرْ
قيس
(مستمرًّا بعد أن رمى النار من يديه)
:
وذئابٍ أرقَّ يا ليلُ من أهلِك الغُيُرْ
أنِستْ بي ومرَّغت
في يدي الناب والظفُرْ
ليلى
:
ويح قيسٍ تحرقت
راحتاه وما شَعَرْ
قيس
:
أنت أججتِ في الحَشا
لاعجَ الشوقِ فاستَعَرْ
ثم تخشَيْنَ جمرةً
تأكلُ الجلد والشَّعَرْ
(يترنح قيس في موقفه وتظهر عليه بوادر الإغماء)
ليلى
:
فِدَاك أبي قيس ماذا دَهاك؟
تكلم، أبِن قيس، ماذا تَجِدْ
قيس
:
أحسُّ بعينيَّ قد غامتا
وساقيَّ لا تحمِلان الجسَدْ
(يخر صريعًا إلى الأرض فتتلقاه على صدرها صارخة)
ليلى
:
يا لأبي للجارْ
قيس صريعُ النارْ
ملقًى بصَحن الدارْ!
(يخرج أبوها من الخباء على صوت استغاثتها)
أبي ها أنت ذا جئت
أغِثنا أبتي أدركْ
لقد حُرِّق بالنارِ
فما يصحو إذا حُرِّك
ليلى
:
أبي انْفِ الناسَ من فكرك
هنا لا تقعُ العيْنُ
على غيري ولا غيرك
ولا يَطْلُعُ إنسانٌ
على سري ولا سِرك
ولا أجدر من قيس
بإشفاقك أو برك
أبي صدريَ لا يقوى
فأسندْه إلى صدرك
المهدي
(وهو يتلقى عنها جسد قيس ويحاول إنعاشه)
:
رعاك اللهُ يا ليلى
وكافاك على صبرك
أخافُ الناسَ في أمري
وأخشى القلبَ في أمرك
وكم داريتُ يا ليلى
وكم مهَّدْتُ من عذرك
ولست الوالدَ القاسي
ولا الطامعَ في مهرك
(يناجي قيسًا في غيبوبته)
أبا المهديِّ عوفيتَ
ويا بورك في عمرك
أراني شعرُكَ الويلَ
وما أروي سوى شعرك
كما لَذَّ على الكُرهِ
كلامُ الله للمشرك!
(يتحرك قيس ويبدو عليه كـأنما يفيق فيناديه)
قيس
(يحاول الوقوف فتسنده ليلى)
:
المهدي
:
حسبُكَ فاذهبْ
لا تطأْ لي بعد العشيَّةِ دارَا
المهدي
:
لِمْ لا
إن قيسًا على القرابة جارَا
ليلى
:
أبتي ما تراه كالفَنن الذا
وي نُحولًا وكالمَغيب اصفرارَا؟
وتأملْ رداءَه ويديْه
تجد النارَ أو ترَ الآثارَا
أبتي دَعْهُ يَسترحْ
المهدي
:
بل دعينا
لا تزيدي يا ليلَ سُخطي انفجارَا
قيس
:
حسبُ يا ليلَ، حسبُ ذلًّا لعمِّي
وكفى حِلفةً له واعتذارَا
عمُّ ماذا جنيت؟
المهدي
:
نسيتِ الرُّوَاةَ والأخبارَا
المهدي
:
والغيلُ أليلًا غشِيتَه أم نهارَا؟
ما الذي كان ليلةَ الغَيْل حتى
قلتَ فيها النَّسيبَ والأشعارَا؟
قيس
:
لم تكنْ وحدَها ولا كنتُ وحدي
إنما نحن فِتيةٌ وَعَذارَى
جمعتْنا خمائلُ الغيل بالليل
كما يجمعُ الحمى السُّمَّارَا
ليسَ غيرَ السلامِ ثم افترَقنا
ذهبتْ يمنةً وسِرتُ يسارَا
المهدي
:
إِمض يا قيس إمض لا تكسُ ليلى
كلَّ حينٍ فضيحةً وشنارَا
فكأني بقصة النار تُروى
وكأني بذلك الشعر سارَا
وكأني ارتديتُ في الحي ذلًّا
وتجللتُ في القبائل عارَا
إمض قيسُ امضِ
قيس
:
عمُّ رفقًا بليلى
وبقيسٍ ولا تكن جبارَا
الحذَارَ الحِذَارَ من غضب الله
ومن سُخطه الحذار الحذارَا
المهدي
:
إِمض قيس امض جئت تطلب نارًا
أم ترى جئتَ تُشعلُ البيتَ نارَا؟
(يخرج قيس)