الفصل الأول
الإسْلامُ والمُسْلِمُون
(١) الصبح
إنَّا لنجهلُ مطلعَ الصبح الذي
يُدعى بيومٍ أو غدٍ في الأزمُنِ
لكنَّما الصبحُ الذي ارتجَّتْ له
ظُلَمُ العوالم، من أذانِ المؤمنِ
(٢) لا إله إلا الله١
مُسْتَسِرٌّ في الذات معنًى بعيدٌ
سرُّه لا إله إلا اللهُ
سيفٌ الذاتُ قاطعٌ غير نابٍ
شَحذُهُ لا إله إلا الله
عصرنا يبتغي خليلًا حَطومًا
وُثْنَه. لا إِله إلا الله
٢
إن دنياك مَوثن لا تصدِّق
زوره. لا إله إلا الله
في متاع الغرور تسعى وتبغي
ربحه! لا إله إلا الله
يا أسير الخسار والربح يَنسى
نفسه! لا إله إلا الله
مالُ دنياك والبنون خداع
كله. لا إله إلا الله
هي أصنام واهمٍ قد براها
وهمُه. لا إله إلا الله
حبس العقلَ في مكان ووقت
كفرُه. لا إله إلا الله
لا زمانٌ ولا مكان فحطّم
غلَّه. لا إله إلا الله
(٣) الاستسلام للقدر
يقول إقبال في هذه الأبيات: إن المسلمين احتجوا بالقرآن في القصور عن السعي، ومن
هذا القرآن نفسه ملك المسلمون الآفاق، وقد ركنوا اليوم إلى القدر وكان عزمهم من قبل
قدرًا، والحق أن العبودية بدلت النفوس فرأوا حسنًا ما كان عندهم قبيحًا.
مِن القرآن قد تركوا المساعي
وبالقرآن قد ملكوا الثُريَّا
إلى «التقدير» رَدُّوا كل سَعْيٍ
وكان زَماعُهم قَدَرًا خفيَّا
تبدَّلت الضمائر في إسارٍ
فما كرهوه صار لهم رَضِيَّا
(٤) المعراج
الذرة التي يملؤها الشوق تعلو على الشمس والقمر، والدراجة إذا ملأ صدرها الحماس
قاتلت الصقر، فإنما القوة الحق قوة الروح، لا شيء يستعصي عليها.
وذَرَّةٍ طار فيها الشوقُ صاعدةً
تُغيرُ في عَرَصات الشمسِ والقمرِ
يا رِفْقةَ المَرجِ! تلقَى الصقرَ مُقدِمَةً
دُرَّاجةٌ تملأ الأنفاسَ من شرَر
المسلمُ السهمُ، والأفلاكُ غايتُه
سرائرُ الروح في المعراج فادَّكر
٣
جهلتَ «والنجمِ» أسرارًا فلا عجب
ما زال مَدُّك محتاجًا إلى القمر
٤
(٥) إلى سيد مصاب بالفلسفة …
لو لم تُوَلِّ «ذاتَك» النسيانا
لَمْ تَحمِلَنْ زُنَّار «بَرْجَسَانا»
٥
أصداف «هكيِلٍ» من الخوالي
طِلْسَمُه جميعه خيالي
فكيف صاحِ تُحكَمُ الحياةُ
وكيف تجتاز الزمانَ «الذات»؟
وطَلَبُ الإنسان للثبات
وقصدُه دستور ذي الحياة؟
يُحوِّل الدجى إلى الإشراق
أذانُ مؤمنٍ نِدا الآفاق
وإنني في الأصل سُوَمناتي
إلى مَناةَ سَلَفيِ واللات
٦
وأنت من أولاد هاشميِّ
وطينتي من نَسْلِ بَرْهَميِّ
في عَصَبي فلسفةُ الأشياء
قد مُزِجَتْ بطينتي ومائي
أحاط إقبالٌ بها تفصيلًا
وإن يكن عرفانُه قليلا
عاقبةُ العقلِ إلى شَتاتِ
فلسفةٌ بُعدٌ من الحياة
ونَغْمَةُ الأفكار دونَ صَوت
لِلذَّة الأعمال حادي الموت
الدين في حياتنا تقويم
الدين أحمدٌ وإبراهيمُ
«قلبَك فاربط بالهُدَى المحمديّ
«أبا عليٍّ»، اتركَنْ يا ابن عليّ
إن تك بالطريق غيرَ داري
فالقرشيّ اتبَعه لا البخاري»
٧
(٦) الأرض والسماء
صاحِ عَلَّ الذي رأيْتَ ربيعًا
هو في أعيُنٍ خريفُ الزمان
سالكَ النهج! كلَّ حينٍ شُئونٌ
لا تفكّر في الربح والخسران
رُبَّ ما خِلتَه بدنياك أوْجًا
هو أرض لعالمٍ غَابَ ثانِ
(٧) اضمحلال المسلمين
إن كان ذا الذهبُ الذي
يَقْضي الحوائجَ في الدُّنى
فالفقرُ صاحِ مُيَسِّرٌ
ما لا يُيَسِّرُه الغِنَى
شُبّانُ قومي لو تحلَّوْا
بالشجاعة ديدَنا
لم تُلْفَ صَعْلكتي أقلَّ
من الملوك تَصَوُّنا
الأمرُ ليس كما زعمتَ
وقد وصفتَ المؤمنا
فزعمتَ أن طَماحه
من قِلَّة المال انثنى
إن كان في الدنيا بَدا
لي جوهرٌ فيه سَنا
فمن التصعلكِ قد بدا
لا بالخزائن والقُنَى
(٨) العلم والعشق
قال لي العلمُ غُرورًا:
إنما العشقُ جنونْ
قال لي العشقُ مجيبًا:
إنما العلمُ ظَنينْ
لا تكن سوسَ كتاب
يا أسيرًا للظنون
فمن العشق شُهودٌ
ومن العلم حجابْ
من لهيب العشق ثارتْ
ثورةٌ في الكائناتْ
وشهودُ «الذاتِ» للعشـ
ـق، وللعلم الصفات
ومن العشق ثباتٌ
وحياةٌ وممات
عِلْمنا سُؤْلٌ جليٌّ
عِشقُنا خافي الجوابْ
معجزاتُ العشق مُلكٌ
زانَه فقرٌ ودِيِن
وعبيدُ العشق أدنا
هم له عرش مكين
إنما العشق يقينٌ
وبه يفتحُ بابْ
أُلفَةُ المنزل في شر
عٍ من الحُبِّ حرام
خطَرُ البحر حلال
راحة السِّرْبِ حرامُ
عِلمنا نَسْلُ كتابٍ
عِشقنا أُمُّ الكتابْ
(٩) اجتهاد
حكمةُ الدين كما قد زعموا
عُلِّمَتْ في الهند من أيِّ طريقِ؟
ما بها لذةُ سعيٍ دائبٍ
لا ولا فيها من الفكر العميقِ
أين منهم جُرأةُ العقل لدى
مَحْفِل يهفو إلى الفكر مَشوق
آه للتقليد والأَسر بما
ألِفوه وزوالِ التحقيق
بدَّلوا القرآنَ لا أنفُسَهم
كم فقيهٍ مُبعَدٍ من توفيقِ
١٠
وكفى القرآنَ نقصًا أنَّه
ما هدى المؤمنَ منهاجَ الرقيق
١١
(١٠) شكر وشكوى
لك الحمد إنِّيَ عبدٌ جهولٌ
ولكنْ وُصِلْتُ بسرِّ الغيوبْ
مَنَحْتُ القلوبَ هُيَامًا جديدًا
أَثرتُ البعيدَ به والقريب
ومن حَرِّ شَدْوِي يُرى في الخريف
طَروبًا بصحبتِيَ العندليب
ولكن خُلِقْتُ بأرضٍ بها
نفوسُ العبيد برِقٍّ تطيب
(١١) الذكر والفكر
ذانِ للسالك الطَّموح مقام
نَزَلَتْ فيه «عَلَّمَ الأَسْمَاءَ»
١٢
ومقام التفكير قولُ ابنِ سينا
ومقامُ العطَّار بالذِّكر ضَاء
١٣
ولذكرٍ «سبحانَ ربِّيَ» والفكـ
ـرُ يقيسُ الزمانَ والأرجاء
١٤
(١٢) شيخ الحرم
يَخَفى عليكَ مقامُ آدمَ في الورى
فالنفسُ ما نالَ الإله وِصَالُها
١٥
ما في أذانك من صباحي دعوةٌ
أو في الصلاة جمالُها وجلالُها
(١٣) القدر
يقول إقبال في هذه الأبيات: إن القضاء يبدو غير تابع للمنطق ولعل له منطقًا
خفيًّا، وعلى كل حال نرى حقيقة لا جدال فيها؛ هي أن عين القضاء تنظر إلى مساعي
الأمم، فتقضي فيها على قدر مساعيها.
ربما يبلغُ اللئيمُ مُناه
وينالُ الكريمَ ضيمُ الزمانِ
علَّ في منطقِ القضاء خفاءٌ
ويُرَى دون منطقٍ في العيان
عَلِمَ الناسُ ذي الحقيقةَ طُرًّا
وجلاها التاريخ كل أوان
نحو مسعى الأقوام يرنو القضاءُ
نظرةٌ كالحسام فيها مَضاءُ
(١٤) التوحيد
قوَّةً كان في الحياة على الأرض
فصار التوحيدُ علمَ الكلام
رَدَّه في الفعال غيرَ مضيء
جهلُنا اليوم ما لنا من مقام
قائدَ الجيش! قد رأيتُ غمودًا
مِن «هُو اللهُ» ما بها من حسام
١٦
ما درى الشيخُ أن توحيدَ فكر
دون فِعلٍ، يُعَدُّ لَغْوَ كلام
١٧
يا إمامًا لركعة كيف تدري
في الوَرَى ما إمامةُ الأقوام؟
(١٥) العلم والدين
العلم وحده عاجز منضل حتى يتصل به القلب ويصاحبه الإيمان، ويهديه العشق، فإن كان
كذلك خلق هو إبراهيمه؛ ليحطم أوثانه التي يصنعها. هذا شأن الحياة لا قديم فيها ولا
حديث، والعلم والبصيرة أو العقل والقلب كالطل والنسيم لا بد من اشتراكهما في تربية
الزهر.
العلم يخلق إبراهيم موثَنه
إذا تراه نديمَ القلب والنظرِ
هذي الحياةُ وهذا الكون، ما بُدِلا
ما مُحدَثٌ وقديمٌ قولُ ذي بصَر
ما يُحسِنُ المرجُ تربيبَ الزهور إذا
لم تَشْرَكِ النسماتُ الطَّلَ في الزَّهَر
العلم إن لم يُضِف نَجْوى الكليم إلى
رأيِ الحكيم فما للعلم من قَدَر
(١٦) المسلم الهندي
قال البَرَهْمَنُ: خائنٌ أوطانه
والإنكليزُ تقول: هذا مجتدي
ونُبُوَّةُ البَنْجاب قالت: كافر
مستمسكٌ بقديمه لا يهتدي
١٨
أيَّانَ صوتُ الحَقِّ يعلو ها هنا؟
ويلٌ لقلبي في الصِّراع المُجْهِد
١٩
(١٧) على ذكر الإذن بحمل السيف
أذن الإنكليز للناس بحمل السيوف بعد أن حرم حمل السلاح كله فنظم إقبال هذه
الأبيات:
أيها المسلمُ تَدْري اليومَ ما
قيمةُ الفولاذ والعَضْب الذكَر
هو مصراعٌ من البيت الذي
مضمرٌ فيه من التوحيدِ سِر
وأَرى مصراعه الثانِيَ في
سيفِ فَقْرٍ تحتويه كفُّ حُر
أنتَ يا مسلمُ — إن تظفر به —
خالدٌ أو حيدرٌ يوم المَكر
٢٠
(١٨) الجهاد …
قامت طائفة في الهند تنكر الجهاد، تقول: إن هذا عصر الدعوة بالقلم لا القتال
بالسيف، وتدعو المسلمين إلى السلم، فيأخذ عليهم إقبال أنهم يدعون المسلمين ولا سلاح
في أيديهم، ويتركون الأمم المدججة في السلاح التي تشن الحرب بين الحين
والحين.
الشيخُ أفَتى أنَّه عصرُ القلم
ما السيفُ فيه حاكمٌ بين الأممْ
أما دَرىَ الشيخُ بأن وعظَه
في مسجدٍ قد صار من لَغْوِ الكلِم؟
فما ترى السلاحَ كفُّ مسلم
بل قلبُه من لذَّةِ الموت حُرِم
مَنْ قلبُه يهابُ مَوْتَ كافرٍ
فكيف مِيتةَ الشَّهيدِ يَغْتَنم؟
٢١
فعلِّمَنْ ترك الجهادِ طاغيًا
مِنْ كَفّهِ يسيلُ في العالم دَم
أما ترى الغربَ بدا مُدَجَّجًا
ليحفظَ الباطلَ في عِزٍّ عَمَمْ؟
يا مُفتيًا على الكنيسِ مُشْفقًا
قد حَار في أحكامه أُولو الفَهَم
الحربُ في المشرق شرٌّ داهِمٌ
والحربُ في المغرب شرٌّ لا جَرَم
إن يَبْتَغ الحقَّ فكيف حاسب الـ
ـمُسلم لا الفِرِنْجَ ذلك الحَكَم؟
(١٩) القوة والدين
كم أصَاب الإنسانَ في هذه الأر
ضِ من إسْكَنْدَرٍ ومن جَنْكيزِ
ويقولُ التاريخُ في كل عصر:
خَطَرٌ فَرْطُ قُوَّةٍ لعزيز
هي سيلٌ غُثَاؤه الفَنُّ والعِلمُ
وما أَثَّلَ الورى من كنوز
وهي سُمٌّ بغير دينٍ، وبالدين
دَواءٌ لكل سُمٍّ نَجيز
(٢٠) الفقر٢٢
الفقر يمضي بلا سلاح
في حَوْمِة الحَرب كالرجومِ
وكلُّ ضرب له سديد
إن ثار من قلبه السليم
حَماسُه قَصَّ كلَّ عصر
قِصَّةَ فرعونَ والكليم
يا غَيرةَ الفقر أَنجدينا
واهدي إلى نَهجِك القويم
عبادةُ الغرب جمع مال
تَنْخَرُ في رُوحه السقيم
العشقُ والسُّكر ما أباحا
أنْ أَضبِطَ النفسَ في همومي
فعُقدة الكِمِّ لم تُفَتَّح
(٢١) الإسلام
إنَّ نار «الذات»، والنورُ لديها
إنّ نار «الذات»، فاقبس من لظاها
في حياة الخَلْقِ نورٌ وسُفورْ
هي تقويمُ وجودٍ وهْي أَصْلٌ
للتَّجَلِّي أُخفِيَتْ خَلْفَ سُتور
إن قَلَى الغربُ مِنَ الإسلامِ لفظًا
فله اسمٌ آخرُ: الفقرُ الغَيور
٢٥
(٢٢) الحياة الأبدية
يؤكد الشاعر في هذه الأبيات رأيه في الذات أنها مقصد الحياة وأنها إن قويت
واستحكمت لم تمت.
صدَفٌ لنا هذه الحياة، وذاتنا
كالقطر من نَيسان في الصدَفات
٢٦
ما قيمة الصدف الذي لا يستطيع
يُحيل قَطْرات إلى دُرَّات
إن صانت الذات المتينةُ نفسَها
أعيَتْ على الأيام كلَّ مَمات
(٢٣) السلطان٢٧
السلطان الحق هو أحد شئون الفقر، كما يفسره الشاعر، فهو تجلي «الذات» — ذات
الفقير — بالتسلط، وليس السلطان طغيانًا أو بغيًا إلخ …
تعلّمْ؛ فألفُ مقام وشانِ
لفقر بدا فيه روح القُرَانِ
إذا انْجلت «الذات» في قهرها
فهذا مقامٌ لملك الزمان
وتوزن في ذا المقام القُوَى
قُوَى مؤمن تُبتلى بامتحان
وإنك في ذا المقام عظيم
وظلٌّ من الله في ذا المكان
وما ذاك بغي وقهر ولكن
هو العشق والوجْد ملءَ الجَنان
فما يستطاع بقهر وبغي
على الأرض حفظُ الورى في أمان
وأعياك في الدهر حفظٌ لفقرٍ
فأصبحت في الرقِّ خِدنَ الهَوان
وكان على الدين سيما سجود
تُباري الكواكب مِلء العيان
وكان على الشمس منه سَنًا
فهل في نجومك منه معانِ؟
(٢٤) إلى الصوفي
ترى عيناك دنيا المعجزاتِ
وفي عينيَّ دنيا الحادثاتِ
ومن دنيا الخيال عجبتَ، فاعجب
لدنيا للحياة وللممات
تبدَّ لها بنظرةِ غيرِ واعٍ
وكَمْ تدعوك دنيا الممكنات
(٢٥) صريع الفرنج
١
من تجلِّي الفرنج نلتَ وجودًا
فهمو منك هيكلًا قد أقاموا
ومن «الذات» هيكل التُرْب خالٍ
أنت غِمدٌ مذهَّب لا حسام
٢
ووجود الإله عندك ريبٌ
وأرى الريبَ في وجودك أنتا
إنما الكون جوهر «الذات» يُجلَى
فانظرنْ أيُّ جوهر قد دفنتا
(٢٦) التصوف
يقصد الشاعر أن علم الكلام إن لم يصلح الدين فهو لا شيء، وكذلك الذكر الذي لا
يحفظ «الذات»، والعقل الذي لا يصحبه العشق، والفكر الذي لا يستجيب له القلب.
إن علم اللاهوت في ملكوتٍ
ليس للدين آسيًا — ليس شيَّا
وقيامُ الأسحار في طول وَجْد
ليس للذات راعيًا — ليس شيَّا
ذلك العقل صاعدًا للثريا
ليس بالوجد ساريًا — ليس شيَّا
ينطق العقل «لا إله» ولكن
ليس بالقلب مسلمًا — ليس
٢٨ شيَّا
كلماتي خوافق وسَنا الإصباح
لم يبدُ خافقًا — ليس شيَّا
(٢٧) الإسلام الهندي
بوحدة الأفكار تحيا أمَّة
ودونها الإلهام يُلْفَى ملحدًا
٢٩
لا تُحفظ الوحدة إلا بالقُوَى
لم يُفلح العقلُ هنا ولا اهتدى
يا عابدًا ليس لديه قوَّة
اذهب إلى كهف وسبِّح واعبدا
وهات إسلامًا به تصوُّف
إلى الردى والذل واليأس هدى
للشيخ في الهند أجيزتْ سجدةٌ
فحَسِب الإسلام حُرًّا سيِّدا
(٢٨) قطعة٣٠
ما القلب مات، قلبٌ
فأحِي ذا الرميما
يمحو الفؤاد داءً
في أمم قديما
بحرُك في سُكون
سُحِّر أم أنيما؟
لا وحشَ أو هياجًا
أو ساحلًا لطيما
وفي السماء سرٌّ
لستَ به عليما
ما هاج طرفُ نجمٍ
منك فتى كليما
شرارةً أُكِنَّت
في طينتي قديما
دُنيا غدٍ وأمسٍ
يُبصرها عليما
مَن حاز مثلي عينًا
جريئة هَجوما
(٢٩) الدنيا
أنا كذلك أبصر دنيا الألوان التي تشبه بوقلمون، وأعرف الهلال والنجم والسماء
والأرض إلخ … ولكني أرى أن الإنسان وجود حق وما عداه ليس شيئًا.
كذاكُم بدا ليَ بُوقَلمونٍ
وقلَّبتُ في الملكوت النظرْ
فهذا هلال، وهذي نجوم
وهذا عقيق وهذا حجر
وعينُ البصيرة أعملتُها
فأوحت إِليَّ صحيحَ الخبر
فهذا ترابٌ وتلك سماء
وذلك طَود وهذا نَهَر
ولا أكتم الحق: أنت وجود
ولا شيء ما ساح فيه البصر
(٣٠) الصلاة
الأصنام لم تنقطع عبادتها، فلا تزال تظهر بين الناس في صور مختلفة فتعبد ضروب
العبادات، فاعلم أن سجود الصلاة الذي يثقل عليك ينجيك من آلاف السجود لهذه
الأصنام.
تلوَّنُ في كل ثوب مَناةُ
وشاب بنو الدهر وهي فتاةُ
(٣١) الوحي
العقل ظن وتخمين لا تضيء به النفس فلا تنجلي به ظلمات الحياة، وإنما إدراك الحسن
والقبيح بالوحي، وهذا لا يتاح إلا بأن تجلو الحياة أسرارها بنفسها.
ليس هذا العقل ذو الوهـْ
ـنِ حريًّا بالإِمامهْ
فحياة الظن والتخـْ
ـمِين ضَعف وسَقامه
ليس في فكرك نور
أو إلى السعي استقامه
كيف يجلو في حياة
ذلك الليلُ ظلامه؟
إن لغز الحسن والقبـْ
ـحِ ليُعيي ذا الفهامه
حين لا تجلو الحياة السـْ
سِر منها مستهامه
(٣٢) هزيمة
خلا الصوفي من حُرَق وكدّ؛
شرابُ «ألستُ» معذِرةُ البطاله
٣٣
وفرَّ إلى ترهُّبه فقيه
يَرى في الشرع معتركَ البساله
٣٤
إذا خشي الرجال وغَى حياة
فتلك هي الهزيمة لا محاله
(٣٣) العقل والقلب
سيطر العقلُ على الكون أميرًا
وطوى الأفلاكَ والأرضَ مسيرا
ذا جلالٍ يخضع الكون له
غيرَ قلب ثار بالعقل جسورا
(٣٤) سكر العمل
في طريق الصوفيِّ سُكرُ الحال
وطريقُ الفقيه سُكرُ المقال
ونشيد الشِّعْر المرجَّع مَيْت
خامد اللحن لم يُشَب بجَمال
بين نوم ويقظةٍ غيرُ صاح
بَين سُكر الأفكار والبَلبال
وبنفسي مجاهدٌ لا أراه!
فيه سكر الأعمال لا الأقوال
(٣٥) القبر
فكرة الشاعر أن النفس القوية المجاهدة لا تسكن في الحياة ولا بعد الموت، والقلندر
أو القلندري الحر الذي لا يركن إلى سكون، ولا تقيده رغبة أو رهبة (راجع المقدمة).
لا يجد القلندريّ راحة
وإن ثوى بقبره تحت الثرى
سكينةُ الأفلاك في الضريح لا
فساحةُ الأفلاك أو طولُ السُّرى
(٣٦) همة القلندر
يقول للزمان ذلك الفتى:
امض إلى حيثُ يسير المؤمنُ
مالك في معتركي مِن طاقة
حذارِ من قلندر لا يُذعن
إذا طغى اليمُّ فهيَّا أقدمِنْ
ما حاجتي مَلَّاحه والسُّفُن
لقد محا سحرك تكبيري فهل
تَقْوَى على جحوده يا وَهِن؟
يحاسب الأفلاكَ ذا القلندرُ
وقاهرٌ أيامَه لا يُقهَر
(٣٧) الفلسفة
ليس يَخفى على القلَنْدر فكرٌ
ساوَر النشءَ ظاهرًا أو خفيّا
٣٥
أنا عندي بكل حالِكَ خُبرٌ
فبهذا الطريق سرتُ ملِيّا
لا يقيم الحكيمُ في شَرَك اللفظ
ولا بالحروف كان حفيّا
ليس همُّ الغوَّاص أصدافَ بحرٍ
يبتغي الغائصون دُرًّا بهيّا
إن في حلقة المجانين عقلًا
في شَرار يرى لهيبًا مضيّا
٣٦
إن أغلى من الجواهر، معنى
صدَّق القلبُ سرَّه مطويا
فلسفاتٌ ما سطّرت بدم القلب
مَواتٌ أو للممات تُهيّا
(٣٨) رجال الله
إنما الحرُّ من يُجيد ضِرابًا
لا الذي حربُه تدور هُراءَ
وسجايا الأحرار تجمع تاجًا
من خفايا تُرابهم أخذ الدهرُ
شَرارًا فصاغ منه ذُكاء
فِطْرة حرَّة تعاف الدنايا
من طَواف الأصنام عاشت بَراء
أنت في الكفر والتديُّن جَمْعًا
وثنِيٌّ تُقدِّس الأهواء
٣٨
(٣٩) الكافر والمؤمن
يكرر الشاعر هذا المعنى كثيرًا: أن المؤمن مسيطر على الكون يتصرف فيه، لا يضل فيه
ولا يحار، فهو سائر على قانون يرفعه على الأحداث والغير، وأن غيره مقهور في الكون
حائر، تتلقفه أحداثه، وتقلبه غِيَرُهُ.
والفكرة مأخوذة من مثنوي جلال الدين الرومي؛ فقد قص المثنوي قصة افتقاد حليمة
الرسولَ في طفولته وطلبها إياه والهة، وأن جبريل لقيها فقال لها: لا تخشي عليه أن
يتيه في الآفاق، فهذه الآفاق تتيه فيه:
تبتغي الترياق من سمِّ
فرنج تتقيه؟
فخُذن قولًا سديدًا
هو بالسيف شبيه
ذا مضاء وضياء
خبرةُ الصيقل فيه:
إنما الكافر حيرانُ
له الآفاق تيه
وأرى المؤمن كونًا
تاهت الآفاق فيه
(٤٠) المهديُّ الحق
كلٌّ ثَوى في مَحبِس من صُنعه:
سيَّارُ إفرنج وثابتُ مشرقِ
٤٠
والشيخ في حَرم وحَبر كنيسة
لا جِدَّةٌ في القول أو في المنطق
أهلُ السياسة في شِراك قديمهم
والشعرُ أفلس في خَيال مُغلَق
مَن لي بمهديٍّ له نظر يزلزل
عالَم الأفكار، غيرَ مُمخرِق
(٤١) المؤمن
١
في الدنيا
مع الصَّحب لَيْن كمسِّ الحرير
بَعيدٌ من المَحَكِ، المؤمنُ
٤١
حديدٌ إذا ما طغى باطل
جريء لدى المَعْرَك، المؤمن
من الطين، لكن على الطين يسمو
ويأبى على الفلَك، المؤمن
وما همُّه صيدُ طير ولكن
يَصيد من المَلَك، المؤمن
٢
في الجنة
تقول الملائك في غبطة:
حَبيبٌ إلى قلبنا، المؤمن
وللحور شكوى إلى ربها:
سريعٌ إلى هجرنا، المؤمن
(٤٢) محمد علي الباب
ناقش جماعة من العلماء في إيران محمد علي المسمى الباب، فقرأ من القرآن فلحن في
إعراب السماوات! فضحك الحاضرون، فقال: إن بشرى إمامتي تحرير الآيات من
الإعراب!
أجاب «البابُ» في حفل
مفيضًا في مقالاتِ
وفات الشيخَ توفيقٌ
بإِعراب «السماوات»
سرَتْ في الحَفْل غلطتُه
فلاقوه ببسْمات
فقال «الباب»: لم تَدروا
وفاتتكم مقاماتي
ثوى القرآنُ بالإعراب
في حَبس وإعنات
وإن إمامتي جاءت
بتحريرٍ لآيات!
(٤٣) القدر٤٢
الخالق وإبليس
إبليس
:
يا إلهًا أمره كن
ليس عنه من مَحيدْ
لم يُصَب آدمُ مني
بعدوٍّ أو حسود
ويل غرٍّ، من زمان
ومكان في حدود
كيف أستكبر عن
أمرك أو كيف أحيدْ؟!
كان في علمك أني
حائد عن ذا السجود
الخالق
:
هل عرفت السر هذا
قبلَ أو بعدَ الجحودْ؟
إبليس
:
بعدُ! يا مَن مِن تجلِّيه
كمالاتُ الوجود
الخالق
(ناظرًا إلى الملائكة)
:
خسَّةُ الفطرة فيه
علمته ذاك عذرا
قال: ما شئتَ سجودي
أنا لا أملك أمرا
ذلك الظالم سَمَّى
إختيارًا فيه جَبرا
إنه سَمَّى رَمادًا
شُعلة فيه وجَمرا
(٤٤) أي روح محمد
يصف الشاعر في هذه الأبيات غمه وحيرته؛ فالأمة الإسلامية انفرط عقدها، وفي صدره
موج، ولكن بحر العرب الذين ماجت بهم أحداث التاريخ ليس فيه هياج اليوم فيخلط به هذا
الموج، وهو حادٍ ولكن لا زاد له ولا قافلة يحدوها، وأمامه فيافٍ هائلة، وهو حفيظ
على آيات الله يبتغي أن يسير بها، فهو يلتمس سبيله في هذا العالم ويسأل روح الرسول
أين يذهب.
أرى الملة البيضاء بُدِّد نظمُها
فمسلمك انظر حاله، أين يذهب؟
وليس ببحر العُرب لَذَّة ثَورة
وفي الصدر موج غاله، أيْن يذهب؟
ولا ركبَ للحادي ولا زادَ عنده
وقطعُ الفيافي هاله، أين يذهب؟
فبيِّن لنا الأسرار روح محمد!
حفيظٌ لآيٍ، يا له، أيْن يذهب؟
(٤٥) مدنية الإسلام
الجنون هنا معناه الحماس للعمل والإقدام في غير مبالاة، فحياة المسلم في رأي
الشاعر تجمع العقل والإقدام، وهي كالشمس تغرب لتطلع، وهي فذة لا نظير لها ولكنها
كالزمان في شئون متعددة، وهي قائمة على الحقائق وجامعة عناصر الجمال والقوة.
حياةَ المسلم اعرف في بياني
كمالُ العقل فيها والجنونُ
سنًا كالصبح مَغرِبه طُلوعٌ
وحيدٌ، كالزمان له شئون
ولا كالعصر، خِلوٌ من حَياء
ولا فيها من الماضي فُتون
حياةٌ بالحقائق في قَرار
وليستْ ما يُطلسِم أفلَطون
٤٣
عناصرُها يؤلفُها جَمال
تمثّل فيه جبريل الأمين
وحسنُ الخَلْق من عُجْم لديها
ونارُ العُرب فيها والشجون
(٤٦) الإمامة
يقصد إقبال من ادَّعَوا الإمامة في الماضي وفي عصره، ويرى أن الإمام من يعلو
بأصحابه عن قيود الحاضر المشهود إلى عالم المعنى الفسيح غير المحدود إلخ.
أتسألني: الإِمامةُ ما مَداها؟
حبَاك الله مثلي بالخفايا
إمامُ العصر حقًّا من تراه
فتسأمُ ما تشاهد في البرايا
بمرآة الممات يريك وجه الـ
ـحبيب فتجتوي عيش الدنايا
ويُشعرك التخلفَ عن كمال
فينفخُ فيك مشبوبَ السجايا
٤٤
يُمِرُّ عليك من فقر مِسَنًّا
فيطبعُ منكَ سيفًا للمنايا
فُتون الملَّة البيضا إمام
(٤٧) الفقر والترهب
يشيد إقبال بالفقر، وينسب إليه المعجزات، وهو فيما يؤخذ من كلامه — التحرر من
الطمع والحرص، وألا يملك الإنسان ما يملكه فيذله ويصده عن الحق والخير، وهو لا يشبه
الرهبانية في شيء، فمن حسب الفقر رهبانية فإسلامه غير الإسلام الذي يعرفه
الشاعر.
إسلامك الموهومُ شيء آخر؛
الفقر عندك كالترهُّب يظهر
شتَّانَ، فانظر، بين خَلوة راهب
وشِراع فقر في عُباب يمخُر
في الروح والأبدان يبغي جلوةً
فنهاية الإيمان «ذاتٌ» تبهر
٤٦
هو صيرفيُّ الكائنات وجوده
فعن الفناء أو البقاء يخبِّر
٤٧
فاسأله عما ترتئيه أعالَم
أم موج رائحة ولون يزخَر؟
لما أضاع المسلمون على المدى
ذا الفقر — لما ضاع هذا الجوهر
لم يبق فيهم من سليمانٍ ولا
سلمانَ دولةُ عِزَّة لا تُقهر
(٤٨) قطعة٤٨
متاعُك في الحياة فنونُ علم
تظَلُّ الدهرَ منها في حُبور
وما عندي متاع غير قلب
طموحٍ ما أراه بالصبور
لأهل الفكر معجزة تَجلَّت
بفلسفةٍ معقَّدة السطور
وأهلُ الذكر شادوا معجزاتٍ
أقول لمسلم: ما فيك صدر
لأنفاس بها حَرُّ النشور
ومزقتُ الجيوبَ وأنت خالٍ
جُنوني — لا ألومك — في قصور
٥٠
أقلَّ القولَ وافتح عين قلب
ولا تكُ مهذرًا عند البصير
وما إن ذلَّ قوم قد أعدُّوا
حَماس العشق والفقرِ الغَيور
(٤٩) التسليم والرضا
على كل غصن تبيَّن أن النبـ
ـات مَشوقٌ لرحب الفضاء
فما قرَّ في ظلمة الترب حَبٌّ
جُنونُ النشوء به والنماء
فلا تَبغِ في فِطرة تركَ سعيٍ
فما ذاك معنى الرضا بالقضاء
لأهل النماء فضاءٌ فسيحُ
وما ضاقَ مُلك الإله، فسيحوا
(٥٠) نكتة التوحيد
بنى الشاعر هذه القطعة على القافية المردوفة فحاكيته في الترجمة، والروي حروف
النون في موثنًا ومطعنًا إلخ …
إن سر التوحيد طوع بَياني
شِدتَ في الرأس موثنًا، ما احتيالي؟
٥١
رمز شوق بلا إِلاه خفيّ
ليس في الفقه بيِّنًا، ما احتيالي؟
كم سرور في حرب حق وزور
لستَ في الحرب مِطعنًا، ما احتيالي؟
٥٢
كم تُجلِّي الآفاقَ نظرةُ حرٍّ
حجب الرقُّ أعينًا، ما احتيالي؟
أيُّ مُلكٍ مقامُ فقرٍ! ولكن
تؤثر الذلَّ مُذعنًا، ما احتيالي؟
(٥١) الإلهام والحرية
إن للحُرِّ ملهَمًا نظراتٍ
تحفِز القولَ والفِعالَ بنار
حَرُّ أنفاسه يَشيع بروض
فترى الروض مُزهِرًا من شَرار
يَهبُ العندليبَ سِيرةَ باز
كيف حالت طبائعُ الأطيار؟
يَمنحُ المجتدين شَوكةَ جمٍّ
عارفُ النفس والهُ الأسحار
٥٣
ووقى الله حكمةً لذليل
مثل جنكيز طالعٍ بالدَّمار
٥٤
(٥٢) الروح والجسم
يقول إقبال في هذه الأبيات: إن همي في هذه الحياة القلق والثورة والسرور والحزن،
وأنت شغلت نفسك بهذه الأسئلة ولم تشعر بحقيقة الحياة.
تحيَّر الناس في ذا اللغز من قدم:
ما جوهر الروح أو ما جوهر البدن؟
ومشكلي في اضطراب بي وفي ثَمَل
وثورة وسرورِ النفس والحزن
ومشكلٌ لك أن الخمر من قدح
أو أنَّ من خمرة كأسًا، لذي زكَن
٥٥
ما اللفظ والمعنى؟ وكيف الروح في بدن؟
جمرٌ بدا في رَمادٍ منه للفَطِنِ
(٥٣) لاهور وكراجي
روي أن هندوكيًّا في لاهور اسمه راجبال أساء الأدب في الحديث عن الرسول — صلوات
الله عليه — فذهب إليه مسلم اسمه علم الدين وقتله في غير ضوضاء، وأن رجلًا من
الهنادك في كراجي فعل فعله فذهب إليه مسلم من كوهات في غير مشاورة ولا مؤامرة
فقتله، وأراد المسلمون أن يؤدوا دية القتيلين ويُنجوا القاتلين من العقاب فكتب
إقبال الأبيات:
قد تولى اللهَ عبدٌ
مسلم ما آمرا
هو بالموت إلى عا
لَم روحٍ سافرا
كيف تَفْدون شهيدًا
لخلود آثرا
آه للمسلم غفلانَ
نَسِيًّا ما درى:
(٥٤) النبوَّة
يعني الشاعر بهذه الأبيات من ادعى النبوة ودعا إلى المسالمة والكف عن
الجهاد.
لستُ المحدِّثَ والفقيهَ
ولا الوليَّ ولا المجدِّد
لا علم عندي بالنبوَّة
كيف توصف أو تحدَّد
لكن إلى الإسلام في الأيام
لي نظر مسدد
أوحى إليَّ بسرِّه الفلكُ الـ
ـمحيط فلا أفنَّد
فرأيت في ظلمات هذا الـ
ـعصر ذا الحق المؤيَّد:
عندي حشيش المسلمين
نبوَّة فيهم تجدَّد
ما إن لديها دعوة
للبأس والمجد المخلّد
(٥٥) الإنسان
ذا طِلَسْمُ الكَون والعدمِ
سُمِّي الإنسان من قِدَم
هو سرُّ الله جلَّ فلا
يحتويه الوصفُ في كَلِم
إن هذا الدهرَ من أزلٍ
من سِفارٍ باء بالسَّقَم
ومضى الإنسانُ سيرتَه
لم يُصَب بالضعف والهَرَم
وإليك السرَّ أُعلِنه
إن تَسَعْه غيرَ متَّهِم:
ما بدا روحًا ولا بدنًا
ذلك الإنسان للفَهَم
(٥٦) مكة وجنيوا
كم حديثٍ عن الشعوب سمعنا
وحدةُ الناس حجبت عن عيانِ
حكمةُ الغرب فُرقة الناس والإسـ
ـلام فيه توحُّدُ العُمران
ومقالٍ من مكةٍ لجنيوا
قد وعاه اللبيب في كل آن:
خبِّريني اليقين: هل عصبة الأقـ
ـوام خير أو عصبة الإنسان؟
(٥٧) يا شيخ الحرم
ودّعِ الخلوةَ يا شيخ الحرم
واسمعنْ في الفجر منِّي ذا النغَم
يحفظ الله لك الفتيان في
حُكمِ نفسٍ، واشتعالٍ في الهمم
هُمْ عن الغرب زجاجًا أخذوا
علّمَنْهم صَدمة الصخر الأصم
طولُ ذلٍّ أظلم القلبُ به
أدرِك الحيرانَ في هذي الظلَم
في جنوني منك أسرار بدت
فاجْزِني يا شيخ عن هذا اللمم
٥٨
(٥٨) المهدي
كتب سبنجلر يقول: إن ضعف المسلمين من إيمانهم بالقدر والمهدي! فرد إقبال بأن
هاتين العقيدتين غريبتان عن الإسلام! وكتب مولانا أسلم جرا جبوري يأخذ على إقبال
أنه يذكر المهدي في شعره أحيانًا، فكتب إقبال هذه الأبيات يبين رأيه في عقيدة
المهدي ويذكر أنه يتوسل بها أحيانًا إلى نفخ الحياة في موتى الأحياء.
أرى الأقوام تَمضي في حياة
على قدر التخيُّل في الحياة
فمجذوب الفرنج على خيال
من المهدي قاد إلى النجاة
٥٩
فإن تنفر من المهدي يَنفرْ
غزال المسك من هذي الفلاة
٦٠
إذا ما الحيُّ من جَهل تردَّى
بأكفان وأغرَقَ في سُبات
أتُسلِم ذا الجهولَ إلى الردى أم
تمزِّق عنه أثوابَ الممات؟
(٥٩) المؤمن
إن للمؤمن العجيب الشانِ
كل حين جديدَ شانٍ وآنِ
هو في قوله السديد وفي الفعل
على الله واضحُ البرهان
فيه قدسيَّةٌ إلى جبروتٍ
ومن القهر فيه والغفران
إن تُؤلَّف هذي العناصرُ كان
المسلمُ المستعلي على الحِدْثان
هو تُربٌ سما يجاور جبريل
ويأبى الحلول في الأوطان
لست تدري بسرِّه فتراه
قارئًا وهو صورة القرآن
فيه عزم على القضاء دليل
وهو في العَالَمين كالميزان
٦١
ليله والنهار لحن حياة
في انسجام كسورِة الرحمن
إن فكري مطالع لنجوم
نجمك اعرف طلوعه في بياني
٦٣
(٦٠) المسلم البنجابي
عرف أهل البنجاب بكثرة النِّحَلِ والدعوات المبتدعة.
مجدِّد في كل حين مذهبًا
يحلُّ في مرحلة ليركبا
في حَلبة التحقيق نِكسٌ وإذا
قامره داع غويٌّ غُلِبا
حِبالة التأويل إن تُنصَب له
هوى من العُشِّ إليها مُعجَبا
(٦١) الحرية
ينعي إقبال في هذه الأبيات على من يدعون الحرية حين يتحدثون في الإسلام وحضارته،
فإذا عرضت أوروبا وحضارتها خنعوا لها فكرًا وفعلًا.
ألا من يطيق اليوم نُصحًا لمسلم
وحريةُ الأفكار من ربِّه أمر
من الكعبة اجعل بيت نار وإِن تشأ
فموثن إفرنج به الزور والسحر
وإن شئت فالقرآن تأويلُ لاعب
فجدِّد لنا شرعًا يلائمه العصر
رأيتُ بأرض الهند أيَّ عجيبة
فإسلامها عبد ومسلمها حر
(٦٢) نشر الإسلام في بلاد الإفرنج
هذي الحضارةُ ما تديَّن قلبها
فأخوَّة الإفرنج بالعَصَباتِ
فلئن تنصَّر برهميٌّ لم يزَل
للإنكليز إليه نظرةُ عات
وَلوَ انَّهم قد أسلموا لم يرفُقوا
بالمسلم المنكود من إعنات
٦٤
(٦٣) لا وإلا
يرى إقبال أن الحياة محو وإثبات أو هدم وبناء، فالأمة الصالحة تمحو السيئ وتثبت
الحسن، وكلمة التوحيد قائمة على نفي غير الله وإثبات الله، فإن محت الأمة ولم تثبت
أو هدمت ولم تبن فعاقبتها الفناء، وهو يعني هنا حضارة أوروبا عامة والروس الشيوعيين
خاصة.
لو لم تسِر في ظلام التُّرب نابتةٌ
ما نشِّرت في فضاء النور أغصانا
تقضى الحياة ﺑ «لا» في البدء نافية
وفي النهاية «إلا» تُكمل الشانا
إن لم تجئ بعدها «إلا» مثبِّتة
كانت على الموت «لا» في الدهر عنوانا
إن أمة روحها لم يمض معتزمًا
عن «لا» فقد آذنت بالهُلْك إيذانا
(٦٤) إلى أمراء العرب …
العرب هم الأمة التي حملت إلى الأمم رسالة الإسلام وعلمتها الأخوة والتعاون،
والشاعر ينعي على أمراء العرب أن نسوا هذه الرسالة التي بلغوها وكانوا أحقَّ بها
وأهلها.
هل يُسْعدُ الكافرَ الهنديَّ منطقُه
مخاطبًا أمراءَ العُرْب في أدبِ
مَن أمَّة قبل كل الناس قد أخذتْ
بحكمة فأعانتها على النُّوَب:
إخاءُ مصطفويّ دون تفرقة
وهجرُ كلِّ غويٍّ من أبي لهب
ما من حدودٍ وأرضٍ كان منشؤُها
من أحمدِ العُربِ كانت أمةُ العرَب
(٦٥) الأحكام الإلهية
إقبال يؤمن بحرية الإرادة، وينفر كلَّ النفور من الاعتقاد بالجبر والاستسلام
للأحداث، وفي هذه الأبيات يقول: إن الجماد والنبات خاضع لقوانين لا يحيد عنها، وأما
المسلم فهو خاضع لأحكام الله لا لقوانين طبيعية تسيره مجبرًا، وهذه الفكرة تلقى
قارئ شعره في مواضع كثيرة.
قيدَ القضاء تَرى أم قيدَ أحكام
ما أعجزتْ هذه أربابَ أفهامِ
في كل حين ترى التقديرَ في غِيَر
رهينُها بين لذَّات وآلام
٦٥
إن النبات وإن الجامدات لها
من القضاء قيودٌ ذاتُ إحكام
والمؤمن الحر لا شيء يقيِّده
لكنْ لخالقه في قيد أحكام
(٦٦) الموت
يرى الشاعر أن القلب الحي لا يموت فهو حي بعد الموت طموح طلعة لا يرضى بالسكون
والقرار، وإنما حياة القلب في رأيه بقوة الذات «خودي»، والموت لا ينال الذات حين
ينال الجسم.
في اللحد أيضًا يبقى
الغيابُ والحضور
إن يك قلبٌ حيًّا
فالقلب لا صبور
هذي النجوم تمضي
كشَرَر يطير
والذاتُ فيها راحٌ
في أبد سُرور
إن مسَّ جسمًا موتٌ
واحتجب الظهور
(٦٧) قم بإذن الله
في هذه الأبيات يبشر إقبال بالمستقبل الوضاء على رغم الخطوب ويقول: تغيرت الدنيا
ولكن الأرض والسماء كما كانتا، وكلمة «قم بإذن الله» مكررة بلفظها في الأصل.
إن تَحُل دنيا فلم تَفْنَ أرضٌ
وسماءٌ، قم بإذن اللهِ
مِنْ «أنا الحقُّ» انطوى فيك قلب
هوامش