مقدمة
لا يُعرف إلا النَّزْر اليسير عن تيتوس ماكيوس بلاوتوس
Titus Maccius Plautus: ولد في
حوالي سنة ٢٥٥ق.م. بمدينة سارسينا
Sarsina في أومبريا
Umbria. ويقال إنه ذهب إلى روما في
سن مبكرة حيث اشتغل في مسرحٍ واقتصد بعض المال، ثم فقده في مغامرة
تجارية. وبعدها عاد ثانية إلى روما وهو فقير معدِم، فوجد عملًا في
مصنع، وكتب ثلاث مسرحيات في وقت فراغه. وتبع هذه المسرحيات الثلاث أكثر
من عشرين مسرحية باقية، يبدو أن معظمها وُضع في النصف الأخير من حياته،
وكلها مقتبسة من مختلِف كُتاب المسرحية الأغارقة، ولا سيما من
الكوميديا الجديدة.
١ ولا جدال في أنها كانت اقتباسًا أكثر منها ترجمة. وفضلًا
عن تلميحاته العديدة في كوميدياته، إلى العادات والأحوال، الواضح أنها
رومانية، يوجد دليل كافٍ في لغته وأسلوبه على أن ترجمته لم تكن حرفية.
وإن المترجمين المحدثين الذين بذلوا مجهودًا جبارًا، ولكن بدون جدوى،
في أن يترجموا حرفيًّا إلى لغتهم، حتى ولو كانت الترجمة نثرًا، شتى
الاستعارات والتَّورِيات والعبارات المستمرة التي تبدأ ألفاظها بنفس
الحرف، والجِناسات التي لا تحصى والموجودة بكثرة في الأشعار اللاتينية،
هم آخر من يعترف بأن بلاوتوس، على الرغم من أنه كتب هذه الكمية الضخمة،
وأنه كتب شعرًا، وكتب في غاية السهولة وبمرح وبغير عناية، فإنه لم يكن
سوى مترجم؛ بالمعنى الضيق لهذه الكلمة.
يمكن تحديد تواريخ عدد قليل جدًّا من كوميدياته الباقية بحسب تواريخ
إخراجها في روما، بدرجة كبيرة من الدقة. فظهرت Miles
Gloriosus في حوالي سنة ٢٠٦ق.م. وظهرت
Cistellaria في حوالي سنة
٢٠٢ق.م. وظهرت Stichus في سنة
٢٠٠ق.م. وعُرضت Pseudolus في سنة
١٩١ق.م. وقد وضع Truculentus، كما وضع
Pseudolus في شيخوخته، قبيل وفاته
في سنة ١٨٤ق.م.
مهما قبلنا تاريخ حياته المفروض أنه كتبه بنفسه بدلًا من الكِسَر
القليلة العديمة المعنى المحتوية على قِطَع من تاريخ حياته، فإن قبولنا
لتعليماته للمسرح عن تمثيلياته، لا بد أن يكون أقل من قبولنا لتاريخ
حياته هذا، مفترضين أنه كتب تعليمات للمسرح، وأنه كتبها في شيء أكثر من
الكمال الحديث للإرشادات المسرحية. ويجب أن نعرف كيف كان قبوله
للقوانين المسرحية لعصره، وقيودها الكثيرة. وكيف نجح بالماكياج
وبالتكلف في أن يُخرج على مِنصة المسرح أشخاصًا مختلفين، بطريقة
ملموسة، في كل من مسرحياته Doll
Tear-Sheets, Bobadils, Scapins. فغالبًا ما ظهر أشخاصها
متشابهين بطريقة محيرة، في الصفحة المطبوعة. ومن الأهمية بمكان أن نعرف
تمامًا، من أي نوع من كُتاب المسرحيات كان بلاوتوس، ومن أي نوع أراد هو
أن يكون.
إذا كان بلاوتوس نفسه قد اهتم كثيرًا، أو توقع من نظَّارته الصاخبين
غير المثقفين والباحثين عن المزاح، أن يهتموا بتركيب مسرحياته، وجب على
المرء أن ينتقده ويقدِّره على أساس يختلف عما إذا كان غرضه الرئيسي بل
الوحيد هو إمتاع السُّوقة. فإذا أجهد نفسه وفنه كثيرًا بجِدية أكثر مما
يفعل كاتب المسرحيات القصيرة المتنوعة (الفودفيل) أو الكوميدية
الغنائية الحديثة؛ وإذا كان غرضه الأساسي هو الحصول على الضحك المباشر؛
إذن لتحَوَّل كثير من القوائم الطويلة التي حررها لانجين Langen عن تقصيرات كُتَّاب المسرحية عن
الهدف المقصود.
يبدو أن هذا هو ما كان يطمح فيه بلاوتوس لكي يحتفظ بمتعة متفرجيه:
فإذا كان للنكتة أن تفسد الدور، فإلى الجحيم بالدور، ما دام قد نجح في
إبراز النكتة. وإذا قاطع المنظرُ المضحك استمرار تقدم الخطة، فإلى
الجحيم بالخطة. لدينا كثير من الأدلة الشفوية على أن الكاتب الدرامي
كثيرًا ما يفضِّل جعل أشخاصه كاريكاتوريين، ولدينا بعض الأدلة الشفوية
على أن «فعلهم الدرامي» قد بلغ حد التطرف في الضحك. ومن الجليِّ في
كثير من الأحوال أنه كان يتوقع من ممثليه أن يتمادوا في النكات
المضحكة، سواء أكانت هذه النكات في وقتها المناسب أم في غير وقتها، ولا
يهتم بملاءمتها للموقف ما دامت تُحدِث الضحك ملء الأفواه. ولذلك، فمن
المحتمل في كثير من الحالات الأخرى التي لا يكون «الفعل الدرامي» ورُوح
المسرحية واضحَين فيها، وحيث قد تجلب جدية الممثل صفير السخرية من
الجمهور، وحيث يجلب المجونُ الضحكَ الصامت، فإن بلاوتوس كان يتحاشى
دائمًا صفير السخرية من نظَّارته.
ليست هذه، بحالٍ ما، هي القاعدة العامة. فمثلًا في حالة كاتب مسرحية
«الأسرى Captives»، نجد أنفسنا
أمام كاتب مسرحي ذي أهداف تختلف عن أهداف بلاوتوس. ولكن على الرغم من
أن تقريظ لسنج Lessing لهذه المسرحية
لا يرضينا جميعًا، وبرغم أن المسرحية نفسها تتضمن بعض العيوب الفنية،
فإنها مؤلف يجب أن يوضع في المستوى الذي نضع فيه مينَّا فون بارنهلم Minna von Barnhelm بدلًا
من المستوى الذي نضع فيه بينافور Pinafore: فلا شك أننا أمام كوميديا ولسنا أمام
نكتة.
ومهما كان المستوى الذي نضع فيه مسرحياته، فإن أشخاصها ومواقفها
المسلية وقوتها وهزلية حوارها تبقى كما هي. ففي المسرحيات
Euclio, Pyrgopolynices ومضيق الإخوة
مينايخموس Menaechmus، وإرجاء
رغبات أرجوريبوس Argyrippus، يجب أن
تبقى أشخاص ومواقف وحوارات مثل هذه المسرحيات، من أجل طابعها الممتاز
وليس من أجل المحاكيات الحديثة والمسرحيات الموازية لها مثل
Harpagon
وParolles، وخيبة مغامرات الإخوة
أنتيفولوس Antipholus، ومتاعب
جولييت Juliet مع مربيتها،
وملاحظات بيتروشيو Petruchio إلى
الخياط، وملاحظات تاتشستون Touchstone
إلى وليام William.
وعلى الرغم من استطاعة أشخاصه الوقوف وحدهم، فمن الممتع أن نذكر أنَّ
كثيرًا من الشخصيات المحبوبة في الدراما الحديثة وفي الخيال الحديث
يتجلى فيها طابع بلاوتوس. وبرغم طول القائمة، فإنها لا تضم نسبة كبيرة
من الأسماء المحترمة تمام الاحترام. فمن النادر أن يقدم لنا بلاوتوس
أشخاصًا، سواء أكانوا ذكورًا أم إناثًا، نتوق إلى أن يظلوا معنا طويلًا
في نفس البيت. فقلما تظهر في تلك المسرحيات سيدة بكل معاني هذه الكلمة،
فإذا ما تقدمت هذه السيدة إلى دور مناقض اقتربت من عدم بقائها سيدة.
ومثل هذا صحيح في حالة الرجل الذي يمكن أن نطلق عليه لقب سيد. ويمكن
اعتبار التعميم في خاتمة مسرحية «الأسرى» نوعًا خاصًّا قائمًا بذاته:
«يجد بلاوتوس بضع مسرحيات كهذه، تجعل من الأشخاص رجالًا أفضل». ومع ذلك
فهناك القليل في مسرحياته الذي يخلق رجالًا أسوأ مع إهمال ذكر الرجال
الأخيار؛ فكثيرًا ما نجد فيها خشونة شكسبيرية، خادعة في التفكير وفي
التعبير، مصحوبة بعدد من الأشخاص الأشرار، والمناظر والمواقف الشريرة.
غير أنه إذا قورنت هذه بأسوأ ما أنتج كونجريف Congreve أو ويكارلي Wycherley، وإذا قورنت بأسوأ مسرحياتنا المعاصرة
وكوميدياتنا الغنائية، فإن أسوأ ما لدى بلاوتوس عديم الضرر. والسبب في
اعتباره سيئًا هو فرط التمرد تارة والإغراق في الضحك تارة أخرى. وإن
مجاله الخلقي خليط من الأبيض والأسود، ولو أن أغلبه أسود مجردٌ مما
نطلق عليه نصف منير وظلالًا خطرة، يدعونا كثير من كُتاب المسرحية
الحاليين أن نتمعن فيها ونظهرها.