الفصل الأول
المنظر الأول
(يدخل ديماينيتوس من بيته، يحضر ليبانوس.)
ليبانوس
(برزانة وجِد)
:
لما كنتَ تأمل في أن يشِبَّ ابنُك الوحيد في صحة
جيدة وشجاعة، يا سيدي، عندما تفارق الدنيا، أنت نفسك،
أتوسل إليك يا سيدي، وأستحلفك بشعرك الأشيب، وبالشخص
الذي ترهبه، وهو زوجتك، يا سيدي، ألا تكذب عليَّ اليوم
في شيء، وإذا كذبتَ، فعسى أن تعيش هي بعدك بسنوات
وسنوات. نعم يا سيدي، وتموت أنت ميتةً حية، بينما تكون
هي على قيد الحياة.
ديماينيتوس
(ضاحكًا)
:
إنك تتوسل إليَّ وتستحلفني باسم إله الصدق نفسه. فما
إن أُقسم لك حتى يجب عليَّ أن أخبرك بكل ما تسأله. هيا
الآن، بسرعة! دعني أسمع ما ترغب في معرفته، وتبعًا لما
أعرفه أنا نفسي، سأخبرك به.
ليبانوس
:
إكرامًا لوجه الله يا سيدي، أجب على سؤالي بجدية! لا
تكذب عليَّ يا سيدي، حذار أن تفعل ذلك!
ديماينيتوس
:
ولماذا إذن لا تتقدم بسؤالك؟
ليبانوس
(في شوق)
:
ألا تأخذني إلى حيث يحتك الحجر بالحجر يا
سيدي؟
ديماينيتوس
:
ماذا تعني؟ أين ذلك في العالم؟
ليبانوس
:
هناك في الجزر الكلوبَّانجية الخاينيلانجية
Clubbangian-Chainelangian
Islands يا سيدي، حيث تهاجم
الثيران البشر الأحياء.
ديماينيتوس
(يفكر، ثم يقول وهو يضحك)
:
فلتباركني السماء! فهمتُ قصدك أخيرًا يا ليبانوس،
إنك تقصد طاحونة الشعير!١ أجرؤ على القول بأنها المكان الذي
تذكره.
ليبانوس
(في ذعر مضحك)
:
أيْ ربِّ، كلا! لست أذكر ذلك، ولا أحب أن يُذكر.
وإكرامًا لخاطر السماء يا سيدي، ابصق هذه الكلمة
بعيدًا!
ديماينيتوس
(يبصق)
:
حسنًا، أفعلُ أي شيء يسرك.
ليبانوس
:
استمر يا سيدي، استمر. ابصقها إلى فوق!
ديماينيتوس
(يبصق ثانية)
:
أهذا يكفي؟
ليبانوس
:
استمر يا سيدي، إكرامًا لخاطر الله، ابصقها من أعماق
معدتك!
(يبصق ديماينيتوس بعنف) إلى أعمق من هذا يا سيدي!
(يبصق ديماينيتوس بعنف) إلى أعمق من هذا يا سيدي!
ديماينيتوس
:
ماذا؟ إلى أية مسافة؟
ليبانوس
(يكلم نفسه بعض الشيء)
:
أعمق من هذا يا سيدي! إلى باب الموت، أتعشم
ذلك.
ديماينيتوس
(في غضب)
:
أرجو أن تكون على حذر يا رجلي، كن على حذر!
ليبانوس
(بسرعة)
:
أقصد زوجتك، يا سيدي، وليس ما عندك.
ديماينيتوس
(ضاحكًا)
:
لا تخف أبدًا — وسأمنحك الأمان من أجل هذه
الملاحظة.
ليبانوس
:
ولْتمنحْك السماء كل ما ترجو يا سيدي.
ديماينيتوس
:
أصغِ إليَّ الآن بدورك. ولماذا أسألك عن هذا؟ أو
أهددك لأنك لم تخبرني؟ أو لماذا أستشيط غضبًا من أجل
تلك المسألة، كما يفعل غيري من الآباء؟
ليبانوس
(لنفسه)
:
ويلاه! ما هذه المفاجأة؟ وما معنى ذلك يا تُرى؟ إن
ما يخيفني هو ما ستنتهي إليه.
ديماينيتوس
:
ومن باب العلم بالشيء، أعرفُ من قبل، أن ابني على
عَلاقة بتلك المومس فيلاينيوم، التي تسكن بجوار بيتنا.
أليس الأمر هكذا يا ليبانوس؟
ليبانوس
:
إنك على حق يا سيدي. هذا هو الواقع. بيد أنه أصيب
بصدمة عنيفة.
ديماينيتوس
:
صدمة؟ ماذا؟
ليبانوس
:
نعم، إن هداياه لأقل مما وعد.
ديماينيتوس
:
أتساعد ولدي في هذا الموضوع الغرامي؟
ليبانوس
:
الحقيقة أنني أساعده يا سيدي، وكذلك يساعده زميلي،
خادمك ليونيدا.
ديماينيتوس
:
حسنًا، حسنًا يا غلامي، شكرًا! إنكما، كليكما،
تربحان اعترافي بجميلكما. ولكن (ينظر حواليه بحذر)
زوجتي يا ليبانوس، ألا تعرف مزاجها؟
ليبانوس
(في يقين)
:
إنك أول من يحس به يا سيدي، أما نحن فيصيبنا الكثير
منه.
ديماينيتوس
(في ارتباك)
:
أعترف بأنها … عالية اليد و… من الصعب التمشي
معها.
ليبانوس
:
أعتقد أنك قبل أن تنطق بكلمة يا سيدي …
ديماينيتوس
(برُوح الاتهام الخلقي
العميق)
:
أيْ ليبانوس، كل من يقبلون نصيحتي من الآباء يصبحون
مولعين بأولادهم، ويعملون كل ما في وسعهم لكي يصير
الأبناء أكثر صداقة ومحبة لهم. نعم، وإني لأتوق لأن
أكون هكذا، أنا نفسي. أود أن يحبني نفس لحمي ودمي؛
أريد أن أسير على نهج والدي، الذي لبس زي رُبان سفينة
إكرامًا لخاطري، ونصب على تاجر رقيق وأخذ منه فتاة كنت
أحببتها، ولم يحس بالخجل من النصب في معيشته لكي يشتري
محبة ابنه، أي محبتي، بعطفه. لقد صممتُ على أن أنسج،
أنا نفسي، على منوال والدي. وقد رجاني ابني أرجوريبوس
اليوم في أن أمده ببعض النقود، قائلًا إنه عاشق، وإنني
لأريد من كل قلبي أن أبهج ذلك الصبي، مهما كانت أمه
قابضة على زمامه في عنف، وتقوم عليه بدور الأب العادي،
لن أهتم بشيء من هذا. فإذ رأيتُ أنه اتخذني موضع ثقته،
فلديَّ سبب خاص لكي أحترم ميوله. وبما أنه التجأ إليَّ
كما يجب أن يلتجئ الابن البار إلى والده، فإنني أرغب
في إعطائه بعض النقود من أجل معشوقته.
ليبانوس
:
إنك تريد شيئًا، يا سيدي، أظنك تريده عبثًا. فقد
أعطت زوجتك عبدة بائنتها ساوريا Saurea نفوذًا أكثر من نفوذك أنت
نفسك.
ديماينيتوس
(في مرارة)
:
إنني بعتُ نفسي! وتنازلتُ عن سلطتي لبائنة! (فترة صمت) والآن،
بالاختصار، هذا ما أريده منك: ابني في حاجة إلى ثمانين جنيهًا٢ في الحال. فهل بإمكانك أن ترتب أمر حصوله
على هذا المبلغ فورًا؟
ليبانوس
:
من أين؟ من أي مكان في العالم؟
ديماينيتوس
:
اختلسه مني.
ليبانوس
:
يا له من هراء فظيع ذلك الذي تتكلم به! إنك تأمرني
بأن أسرق ملابس رجل عريان. أختلسه منك؟ ما هذا؟ يا
سيدي، أيمكنك أن تطير بغير أجنحة؟ أأختلسه منك، بينما
أنت لا تملك شيئًا، إلا إذا لعبت أنت نفسك ذات الدور
واختلست شيئًا من زوجتك؟
ديماينيتوس
:
حسنًا، سواء أكنتُ أنا، أم زوجتي، أم الخادمة
ساوريا، ابذل قصارى جهدك في أن تنصب علينا، وتختلسه
منا. أعدُك بأن مصالحك لن تتأثر إذا قمتَ بهذا الأمر
اليوم.
ليبانوس
:
يمكنك، كذلك، أن تأمرني بأن أصيد سمكًا من الهواء.
نعم، أو آخذ شبكة صيد السمك وأصيد بها من أعماق
البحر.
ديماينيتوس
:
اتخذ ليونيدا مساعدًا لك في هذا الموضوع. اختلق
أمرًا، رتِّبْ شيئًا، أي شيء. احصل على هذه النقود
لابني كي يعطيها فتاته.
ليبانوس
:
انظر إليَّ.
ديماينيتوس
:
حسنًا!
ليبانوس
:
افرض أنني وقعتُ في كمين، فهل تفتديني بالمال إذا
احتجزني العدو؟
ديماينيتوس
:
أفعل ذلك.
ليبانوس
(بعد فترة صمت، بحماس)
:
حسنًا إذن. في هذه الحالة يمكنك أن تترك هذه المسألة
من بالك. سأذهب إلى الفورَم Forum، إلا إذا كنتَ في حاجة
إليَّ بعد ذلك.
ديماينيتوس
:
انصرف! ولتكن جولتك سارة لك! (ينصرف ليبانوس) وأقول،
ألا تزال تنصت؟
ليبانوس
(بوقاحة، دون أن يستدير)
:
انظر إليَّ!
ديماينيتوس
:
وإذا احتجتُ إليك في شيء، فأين أجدك؟
ليبانوس
:
بالضبط، حيث يريد مزاجي. (لنفسه بعض الشيء) أخبرك أنني منذ الآن،
لن أخاف أي إنسان على قيد الحياة، إذ يخاف أن يُلحِق
بي أي ضرر، بعد أن أطلعتَني على كل مكنونات نفسك. لن
تهتم بي كثيرًا، أنت نفسك، إذا نفَّذتُ لك هذا الأمر.
(يسير ثانيةً)
سأذهب من فوري إلى وجهتي حيث أنفِّذ خطتي.
ديماينيتوس
:
انظر إليَّ! سأكون عند الصيرفيِّ أرخيبولوس Archibulus.
ليبانوس
:
أتقصد أنك ستكون في الفورَم؟
ديماينيتوس
:
نعم، هناك، إذا احتجتَ إلى شيء.
ليبانوس
(بعدم اهتمام)
:
سأضع ذلك في ذهني.
(يخرج ليبانوس إلى الفورَم.)
ديماينيتوس
:
لا يوجد خادم لي أكثر نذالة من هذا، ولا أعظم دهاء،
أو أصعب في أن يحترس المرء منه. ولكنه الرجل الصحيح
لتنفيذ أي أمر إذا أردتَ تنفيذ ذلك الأمر على خير وجه؛
يفضِّلُ أن يموت في الألم والعذاب على أن يخفق في
تنفيذ وعده بالحرف الواحد. إنني متأكد من أن النقود
ستصل إلى ولدي كما أنا متأكد من رؤية عصاي هذه هنا.
ولكن، يجب أن أذهب إلى الفورَم، إلى حيث كنتُ ذاهبًا.
نعم، وسأنتظر هناك عند الصيرفي.
(يخرج ديماينيتوس.)
المنظر الثاني
(يدخل أرجوريبوس مندفعًا من بيت كلياريتا.)
أرجوريبوس
(في عنف لمن بالداخل)
:
إذن، فهذه هي الطريقة، أليس كذلك؟ هذا هو جزائي عن
كل ما فعلته لكما، أن أُرمى خارج الباب؟ الإساءة نظير
الإحسان، لأن الإساءة هي طريقتكما. بيد أن ذلك سيكون
وبالًا عليكما! سأذهب من هنا إلى الشرطة مباشرة، وأترك
اسميكما هناك. سأُخضعكِ أنتِ وابنتكِ! أيتها
المخادعتان، المهلكتان، يا محطمتَي الشبان! ولماذا
هذا، فالبحر ليس بحرًا، أنتما أشد جميع البحار توحشًا!
فقد ربحت أموالًا من البحر، أما هنا فجرِّدتُ منها. لا
شكر على كل ما أعطيتكما إياه، ولا على كل ما فعلته من
أجلكما. لقد ضاع كل ذلك هباءً منثورًا، ولكن بعد ذلك،
سأفعل كل ما يمكنني أن أفعله ضدكما، وسأفعله بسبب
وجيه. أقسم بالله، لأضعنَّكما حيث أتيتما، في أعماق
الفقر، سأفعل ذلك. وحقِّ السماء لأجعلنَّكما تعرفان ما
أنتما فيه الآن، وما كنتما عليه. أنتما، يا من كنتما،
قبل أن أغازل ابنتك هذه وأهبها قلبي المحب، تعيشان على
الخبز اليابس القَفَار، وتَلبَسان الأسمال المهلهلة،
وترتعان في الفقر. نعم. وكنتما تشكران السماء إذا
حصلتما على الخبز والأسمال. أما الآن، فإذ صرتما هنا
في بُحبوحة من العز، تسيئان معاملتي، أنا الذي جعلتكما
هكذا، وتلعناني! سأُذلكما، وأروِّضكما، يا هاتان
الوحشتان، بالجوع، ثقا بي في ذلك. أما ابنتك هذه،
فلماذا أغضب منها؟ إنها لم تفعل شيئًا، لا لوم عليها
إطلاقًا، إنها تتبع إملاءك، وتطيع أوامرك؛ فأنت الأم
والسيدة كلتاهما، أنتِ الوحيدة التي سأنتقم منها، أنتِ
التي سأحطمها جزاء ما تستحق، ولقاء سلوكها معي.
(يتوقف ويتطلع إلى
البيت) ولكن، ألا ترون كيف أن هذه
الوضيعة لا تهتم حتى بالخروج إليَّ أو تتحدث معي وتجثو
على ركبتيها أمامي وأنا في سَورة غضبي؟ (يُفتح باب كلياريتا)
إنها خارجة أخيرًا، تلك المخادعة! أراهن على أنني
سأقول ما في جعبتي، وبطريقتي الخاصة، أمام الباب هنا،
إذ لم أستطع قوله بالداخل.
المنظر الثالث
(تدخل كلياريتا آتية من البيت.)
كلياريتا
(في هدوء ورقة)
:
لن أفرط في أية كلمة واحدة من هذا الكلام حتى ولو
دُفعت لي فيها الجنيهات الذهبية، وحتى إذا جاءني
المشترى، فملاحظاتك البذيئة عنا عُملة قيِّمة للمملكة.
لقد ارتبط قلبك بنا هنا بأحد سهام كيوبيد Cupid، بعد أن اخترقه.
هيا إلى المجذاف، وارفع الشراع وأسرع بأسرع سفنك في
الرحيل، فكلما توغلت إلى عُرض البحر أعادك المدُّ إلى
الميناء.
أرجوريبوس
(في عبوس)
:
أقسم بالله لأبتعدنَّ عن ذلك الميناء، ميناء السيد.
فمن الآن وصاعدًا، ستلقَين المعاملة التي تستحقينها
مني ومن مموِّلي أيضًا، لقاء معاملتكِ السيئة لي،
وطردي من البيت.
كلياريتا
(باستخفاف)
:
ألاحظ أن مثل هذه الأشياء أسهل قولًا منها عند
الفعل.
أرجوريبوس
:
أنا، وأنا وحدي، الرجل الذي أنقذكِ من الوَحدة
والفقر. فحتى لو أخذتُ الفتاة لنفسي أنا وحدي، فإنكِ
ستكونين في ديوني.
كلياريتا
:
تأخذها لنفسك وحدك، إذا أعطيتني، أنت وحدك، كل ما
أطلب. يمكنك أن تتأكد منها دائمًا — على شرط أن تكون
هداياك أكبر الهدايا.
أرجوريبوس
:
وما نهاية الهدايا؟ إنك لا تشبعين أبدًا. فعندما
تحصلين الآن على شيء، تفكرين بعد دقيقة في طلب
جديد.
كلياريتا
:
وما نهاية أخذها إلى فراش الحب؟ ألا تشبع قط؟ فعندما
ترسلها إليَّ الآن، تصيح بعد لحظة وتطلب مني أن أعيدها
إليك ثانية.
أرجوريبوس
:
حسنًا، لقد دفعتُ لكِ ما اتفقنا عليه.
كلياريتا
:
وسمحتُ لك بأن تأخذ الفتاة، كانت سياستي العطاء
والأخذ في عدل، تقديم الخدمات لقاء النقود.
أرجوريبوس
:
إنك تستغلينني بطريقة مزرية.
كلياريتا
:
ولماذا؟ أيمكنك أن تجد لي خطأ في تأديتي واجبي؟
ولماذا كل هذا؟ لم تصوِّر الأحجار ولا «البوية»
الزيتية ولا الأشعار، أية سيدة في مهنتي تحسن معاملة
أي عاشق إذا أرادت أن تحيا.
أرجوريبوس
(متوسلًا)
:
الحقيقة أنه يجب عليك أن تستغليني بتحفظ، حتى يمكن
أن أستمر معك وقتًا طويلًا.
كلياريتا
(ببرود)
:
هل أخطأت الهدف؟ إن السيدة التي تحافظ على عاشقها لا
تحافظ على نفسها إلا قليلًا جدًّا. إننا نعتبر
العاشقين كالسمك — فلا يكون السمك صالحًا إلا إذا كان
طازجًا. أسماكك الطازجة غنية بالدسم ولذيذة الطعم،
ويمكنك أن تتبلها حسب ذوقك، عندما تسلقها أو تشويها أو
تطبخها بكل طريقة. وعاشقك «الطازج» يريد دائمًا أن
يعطيك أشياء، ويرغب في أن تطلب منه شيئًا ما، ويأتي كل
شيء، في حالته، من صوان مليء، كما أنه لا يفكر فيما
يعطي، ولا فيما يكلفه ذلك الذي يعطيه. وكل تفكيره هو
أن يُفرح ويسُرَّ فتاته، ويسُرَّني، ويسُرَّ من تقوم
على خدمته، ويسُرَّ الخدم، ويسُرَّ الخادمات أيضًا؛
نعم، يتودد العاشق الجديد إلى كل فرد، حتى كلبي الصغير
كي يفرح لرؤيته. هذه هي الحقيقة السافرة. يجب على كل
إنسان أن يفتح عينيه للفرصة الرئيسية.
أرجوريبوس
:
عرَفتُ هذه الحقيقة تمام المعرفة، وكم كلفتني
معرفتها من مبلغ ضخم.
كلياريتا
:
ويْ، ويْ! فلو بقي لديك شيء لتعطيني إياه لاختلفَت
لغتك. والآن، ولم يبقَ عندك شيء، تريد أن تحصل عليها
بالشتائم.
أرجوريبوس
:
ليست هذه طريقتي.
كلياريتا
:
كما ليست طريقتي، يا سيدي، أن أسمح لك بالحصول عليها
نظير لا شيء. رحماك يا رب، كلا! ولكن، تقديرًا لشبابك،
واحترامنا السامي لك، واعتبارك مصدر دخل لنا أكثر من
حسابٍ لنفسك، أعطني فقط (باستهتار) أربعمائة جنيه نقدًا، تحصل
عليها هذه الليلة، إكرامًا لتقديرنا السابق لك، كهدية
مجانية مني لك.
أرجوريبوس
:
وماذا لو لم يكن معي هذا المبلغ؟
كلياريتا
(مبتسمة، ولكن في عنف)
:
أعطيك ضمانًا ألا تحصل عليها، ستذهب الفتاة لشخص
آخر.
أرجوريبوس
:
وأين ما أعطيتكِه من قبل؟
كلياريتا
:
أُنفقَ. فلو بقي لحصَلتَ على فتاتك ولما طالبتُك
بشيء. فضوء النهار والماء وضوء الشمس ونور القمر
والظلام أشياء لا أدفع ثمنًا لها، أما كل شيء آخر
نستعمله فنشتريه على الحساب الإغريقي؛ فعندما نذهب إلى
الخباز لإحضار الخبز، وللخمار لجلب الخمر، فإن
قاعدتهما هي: السلع بالنقد، وهكذا نستخدم نحن نفس
الطريقة. لأيدينا عيون دائمًا، فالرؤية موقوفة على
الثقة بها، كما يقول المثل القديم: «لا حصول على شيء
…» وأنت تعرف الباقي. لن أقول أكثر من هذا.
أرجوريبوس
:
إنه لنوع جديد من الفصاحة ذلك الذي تستعملينه معي
الآن بعد أن جُرِّدتُ من كل نقودي. إنه ليختلف تمامًا
عن نوع فصاحتكِ الأولى عندما كنتُ أعطيكِ الهدايا،
ويختلف كذلك عن النوع السابق عندما كنت تغرينني بحديثك
الناعم اللبق. كان بيتك وقتئذٍ زاخرًا بالبسمات عندما
جئتكما. كنت تقولين إنني المعشوق الوحيد، والوحيد فقط
في العالم كله لكِ ولها، وبعد أن أعطيتكما شيئًا
تعلقتما كلتاكما بشفتَيَّ كزوج من أفراخ الحمام. وكل
ما كنتُ أحبه كنتما تحبانه ولا شيء سواه. ظلِلتما
متعلقتين بي. فما أطلب شيئًا أو أرغب في شيء إلا
وتفعلاه. وما أمقت شيئًا أو أنهى عنه إلا وتبذلان
جهديكما في اجتنابه. لم تجرُؤَا على فعله وقتذاك. أما
الآن فلا تهتمان إطلاقًا بما أحب أو بما لا أحب، يا
هاتان اللعينتان الوضيعتان!
كلياريتا
(وهي لا تزال جذِلة)
:
هل أصبتَ الهدف؟ إن مهنتنا هذه عظيمة الشبه بصيد
الطيور. فعندما يُعِدُّ الصياد فناءه، ينثر الطعام
حواليه، فتألف الطيور ذلك المكان. لا بد من أن تنفق
المال إذا أردت كسب المال. وغالبًا ما تحصل الطير على
وجبة، ولكن ما إن يُقبض عليها حتى تلعن الصياد. هكذا
الحال معنا هنا؛ بيتنا هو الفناء، وأنا الصيادة،
والفتاة الطُّعم، والفراش هو الشَّرَك، والعاشقون هم
الطيور، فيألفون المكان بالترحيب الرقيق والكلام
المعسول والقبلات والهمسات الخداعة الآسرة. فإذا ضمها
بين ذراعيه فلا ضرر على الصياد في هذا، وإذا أخذ منها
قبلة من النوع اللعين أُخذ هو، ولا حاجة عندئذٍ إلى
شَرَك. إنكم تنسون كل هذا، وكذلك الحال في المدرسة
أيضًا.
أرجوريبوس
:
إنه خطؤكِ، إذا نسيتُ؛ فقد طردتِ تلميذك وهو لم يكمل
تعليمه بعد.
كلياريتا
:
عُدْ إليه ثانية في جرأة إن وجدت المصروفات
المدرسية. أما الآن فاهرب (تستدير لتدخل).
أرجوريبوس
:
انتظري، انتظري، أصغِي إليَّ! أخبريني، كم تظنين
أدفع لكِ لكي آخذها لنفسي وحدي في العام
القادم؟
كلياريتا
(وهي تضحك)
:
ماذا؟ أنت؟ (بعد فترة
توقُّف) ثمانون جنيهًا. نعم، وعلى شرط:
إذا أحضر لي شخص آخر هذا المبلغ قبلك، فوداعًا لك.
(تستدير ثانية
لتدخل.)
أرجوريبوس
:
هناك شيء آخر أريد أن أقوله قبل أن تنصرفي.
كلياريتا
:
تكلم أي شيء تريد.
أرجوريبوس
:
لم أفلس تمامًا بعد، هناك رصيد باقٍ لإفلاس آخر.
بوسعي أن أعطيَكِ ما تطلبين. ولكني سأعطيكِه على شرطٍ
أُمليه أنا، وهو أن تكون الفتاة تحت تصرُّفي في العام
القادم كله، وطوال هذه المدة لا يقترب منها أي رجل
سواي.
كلياريتا
(في سرور وسخرية)
:
إذا راقك، غيَّرتُ جميع خدم البيت الذكور بخادمات.
وبالاختصار، أحضِرْ عقدًا مذكورًا به السلوك الذي
تريده منا، اذكر به كل ما ترغب وكل ما تحب، افرض علينا
شروطك، المهم أن تُحضر معك المبلغ، أما ما بقي فسهل
التنفيذ عليَّ. أبوابنا أشبه ما تكون بأبواب الجمارك،
ادفع الرسوم تُفتح لك، أما إذا لم تستطع الدفع فهي
(تدخل البيت وتغلق الباب
في وجهه بضحكة استفزاز) لا تُفتح.
أرجوريبوس
(مكتئبًا)
:
لقد انتهى كل شيء معي إذا لم أحصل على هذه الجنيهات
الثمانين! نعم، هناك شيء أكيد، ستذهب هذه النقود إلى
غير رجعة، أو لا بد من ذهاب رُوحي بدلًا منها. (يتوقف لحظة ثم يستأنف
الكلام) سأتوجه إلى الفورَم الآن وأحاول
جمع المبلغ بكل وسيلة أستطيعها؛ سأرجو كل صديق أراه
وأتوسل إليه بسابق أفضالي عليه. لن أترك أي صديق، سواء
أكان وفيًّا أم مرائيًا، سأجربهم جميعًا، لقد عقدتُ
النية على هذا. وإذا لم يمْكنِّي الحصول عليه كقرضٍ
وُدِّي، فأنا مصمم على اقتراضه بالربا.
(يخرج أرجوريبوس.)
١
حيث يمكن أن يُضرب بسياط من جلد
الثور.
٢
الأفضل استخدام وحدات النقود العصرية طوال
هذه الترجمة. وعلى أية حال فقد هبطت قيمة
معادن النقود هبوطًا عظيمًا منذ عهد
بلاوتوس.