الفصل الثالث

المنظر الأول

(بعد انقضاء نصف ساعة.)

(تدخل كلياريتا وفيلاينيوم من منزلهما.)

كلياريتا : أليست لي السلطة في أن أخضعك عندما أحرِّم عليك أمرًا؟ ألا يمكن أن تكوني تُحِسِّين بميل إلى التخلص من سلطة والدتِكِ؟
فيلاينيوم : كيف وماذا أفعل كي أبدو متمسكة بواجب البنوَّة، يا أماه، ما دمت قد حاولتُ إدخال السرور على نفسكِ بإتيان تلك الأمور التي لقَّنتني إياها؟
كلياريتا : أمن واجب البنوة أن تُقللي من سلطة أمكِ؟
فيلاينيوم : لا أجد لوْمًا على الأمهات اللاتي يفعلن الصواب، ولا أحب الأمهات اللائي يفعلن الخطأ.
كلياريتا : هذه فلسفة بالغة أيتها الشريرة الصغيرة!
فيلاينيوم (باستهتار) : كل ما في مهنتي، يا أماه، اللسان يطلب، والجسم يغيظ، والخيال يتأهب، والظروف تقترح.
كلياريتا : قصدتُ زجركِ، وها أنتِ الآن تنقلبين عليَّ!
فيلاينيوم : كلا، لستُ منقلبة عليكِ! لا أعتقد أن يكون هذا صوابًا. ولكنني أعتقد أنه من الحظ القاسي أن أُبْعَدَ عن الرجل الذي أحبه.
كلياريتا : هل لي أن أنال نصيبي من الخطابة قبل أن يخيم الليل؟
فيلاينيوم : أعطيكِ نصيبي ونصيبك أيضًا، لكِ أن تكوني صاحبة الأمر في السفينة فتعطي الإشارة بالكلام أو بلزوم الصمت، ولكن، رحماكِ بي، إذا ما تركتُ المجذاف واعتكفتُ على نفسي في حجرة المجذفين، فإن كل شيء في هذا البيت يكفُّ عن الحركة، كما ترين.
كلياريتا : أصغِي إليَّ! يا أعظم مَن وقعت عليهن عيني من الفتيات الصغيرات وقاحةً! كم من مرة أنهاكِ عن الاتصال بأرجوريبوس بن ديماينيتوس أو التحدث معه أو وجود أية عَلاقة بينكما، أو عن النظر إليه؟ ماذا أعطانا؟ ماذا أرسل إلينا؟ أتظنين الكلام المعسول قطعًا ذهبية، والألفاظ اللبقة هدايا؟ إنكِ تتوددين إليه بنفسكِ، وتَجْرين وراءه بنفسكِ، وتنادينه بنفسك، إنكِ تعامِلين بازدراءٍ أولئك الرجال الذين يقدمون لك الهدايا؛ وتتشبثين بمن لا يعطونك غير التوافه. ما لكِ تنتظرين مع رجل يعدكِ بأن تصيري غنية إذا ماتت أمه؟ رحماكِ بي، فبينما ننتظر المنية أن توافيها، نُلقي بالمخاطرات الجسيمة على أنفسنا، ويموت أفراد أسرتنا جوعًا! اسمحي لي بأن أخبرك بهذا: إذا لم يأتني هذا الرجل بثمانين جنيهًا، فإني أقسم بالله لُيطردنَّ من البيت، مهما كان حرًّا بالدموع! هذا آخر يوم أقبل فيه أعذار الفقر.
فيلاينيوم : مُريني بأن أعيش بغير طعام، يا أمي العزيزة، وأنا أتحمل الجوع.
كلياريتا : ليس عندي ما أقوله عن حبكِ الرجال الذين يقدمون لك شيئًا يستحقون به حبك.
فيلاينيوم : وماذا إذا كان قلبي ليس حرًّا، يا أماه؟ ماذا إذن؟ انصحيني.
كلياريتا : استمعي إليَّ! احترمي شعري نصف الأشيب هذا، إذا كنتِ تراعين صالحك حقيقةً.
فيلاينيوم : فحتى الراعي، الذي يرعى أغنام غيره، يملك بعض نعاجٍ خاصة به، يا أماه، إنها نعاج يبني عليها بعض الآمال السعيدة. دعيني أحب أرجوريبوس وحده، ذلك الرجل الذي أريده، من أجل مجرد الحب.
كلياريتا : هيَّا، اغربي من أمام وجهي! لا يوجد في هذا العالم فتاة لا تستحي مثلك.
فيلاينيوم (تبكي بدموع) : لقد درَّبتِ … ابنتكِ … على … أن تكون … مطيعة … يا أماه.

(تخرج فيلاينيوم وتدخل بيتها تتبعها كلياريتا.)

المنظر الثاني

(يدخل ليبانوس وليونيدا، آتيين من الفورَم، ليونيدا يحمل حافظة نقود.)

ليبانوس (يغني بفرح عظيم) : كل الثناء والشكر لربة الغدر المقدسة لأنها تستحق، إذ بنصبنا وخداعنا ودهائنا تحدَّينا الحديد الساخن والصلبان والأصفاد والسيور والسلاسل والسجون والقيود والأطواق والحبال؛ حبالًا قوية إلى أقصى ما يمكن، ومألوفة لظهورنا! لقد اضطررنا جميع كتائبهم وفرقهم وجيوشهم إلى الفرار بعد قتال وحشي، اضطررناها إلى الفرار بأكاذيبنا واختلاقاتنا. إن شجاعة زميلي ومساعدتي الطيبة هما اللتان فعلتا ذلك. هل يوجد بطل أقوى مني قلبًا في احتمال الضربات؟
ليونيدا (بازدراء) : يا للإله الرحيم! أعمال شجاعتك … إنك لم تستطع إظهارها بنفس الطريقة التي استطعتُ بها إظهار نذالاتك في البيت وفي الحقل. يا لله! لا شك في أنك جدير بقائمة طويلة في هذا المضمار، فقد خدعتَ صديقًا يثق بك، وكنتَ غير مخلص لسيدك، وحنثتَ في اليمين عمدًا، ومبتهجًا بذلك، في صيغة منمقة الألفاظ؛ كما أنك نقبتَ الجدران وتسللتَ منها إلى البيوت؛ وضُبطتَ متلبسًا بالسرقة؛ وشُدَّ وَثاقُك عدة مرات وترافعتَ في قضيتك أمام ثمانية من الرجال البدينين الأقوياء العضلات، ذوي موهبة فائقة في استخدام الهِراوات.
ليبانوس : إنني على أتم استعداد للاعتراف بأن هذه حقائق صادقة، يا ليونيدا؛ ولكن بحق الله! من المؤكد أن قائمة نذالاتك يمكن جعلها طويلة جدًّا دون حاجة إلى عدم الصدق؛ فقد غدرتَ بصديق وثِق بك، وضُبطتَ متلبسًا بالسرقة فضُربتَ بالسوط من أجلها، كما أنك في مراتٍ عدة جلبتَ الخَسارة والمتاعب والعار لسادتك، واستؤمنتَ على أموال فحلفتَ وحلفتَ بأنك لم تتسلم شيئًا، وأنهكتَ قُوى ثمانية من الجلادين الأشداء المزودين بأعواد الدَّردار اللَّدْنة، وذلك بصلابة عودك. (يتوقف هُنيهة) هل أظهرتُ مساوئ زميلي بما فيه الكفاية لأردَّ له جميله … أم ماذا؟
ليونيدا (بعد تفكير) : نعم، جيدًا تبعًا لما أستحق وتستحق أنت وتستحق أخلاقنا.
ليبانوس : دع هراءك الآن وأجب على سؤالي هذا.
ليونيدا : عليَّ بسؤالك.
ليبانوس (منتصرًا) : هل أخذتَ الثمانين جنيهًا؟
لينويدا : إنك لنبي! بحق الإله، لقد فعل ديماينيتوس العجوز عملًا رائعًا من أجلنا. أشهد بأن الطريقة التي ادَّعى بها بأنني ساوريا كانت بارعة، ما في ذلك شك! لقد تمتعتُ بوقت سارٍّ عندما قرَّع ضيفنا أشدَّ تقريع على عدم رغبته في الثقة بي أثناء غيابه، وكذلك طريقته في أن يتذكر باستمرار أن يناديني بمدبر البيت ساوريا!
ليبانوس (ينظر نحو بيت كلياريتا) : انتظر قليلًا!
ليونيدا : ماذا حدث؟
ليبانوس : أليست هذه فيلاينيوم آتية إلى هنا … نعم، وبصحبتها أرجوريبوس؟
ليونيدا (بصوت منخفض) : صه … إنه لكذلك. هيا بنا نسترق السمع (ينسحبان).
ليبانوس : كلاهما يبكي، وهي متشبثة بطرَف عباءته! ما الأمر! فلنلزم الهدوء ونُصْغِ.
ليونيدا : أواه! بحق جوف! لقد طرأت على بالي فكرة الآن فقط: كم أود لو كان معي قضيب!
ليبانوس : لماذا؟
ليونيدا : لأضرب به هذه الحمير إذا بدأت تَنهَق داخل الحافظة هنا.

المنظر الثالث

(يدخل أرجوريبوس وفيلاينيوم من باب بيت كلياريتا حيث كانا واقفَين.)

أرجوريبوس (بصوت حزين) : لماذا تتشبثين بي وتجذبينني إلى الوراء؟
فيلاينيوم (دامعة العين) : لأنني لا أطيق أن تهجرني بينما أنا أحبك.
أرجوريبوس (يحاول، بعض الشيء، أن يخلص نفسه) : وداعًا!
فيلاينيوم (وهي لا تزال متعلقة به) : من الخير لي كثيرًا لو بقيتَ معي.
أرجوريبوس : وليباركِّ الرب!
فيلاينيوم : أتطلب من الله أن يباركني بينما أنت تلعنني بانصرافك؟
أرجوريبوس : قالت أمكِ إن هذه ستكون آخر ساعة لي؛ وطردتني من البيت.
فيلاينيوم : ستجعل ابنتها تعيش في بؤس، إذا نُزعتَ مني.
ليبانوس (بصوت منخفض، إلى ليونيدا) : يا لله! لقد طُرد من المنزل إلى هنا.
ليونيدا : هكذا حدث له.
أرجوريبوس (مكتئبًا) : هيَّا، هيَّا، اتركيني! (يجذب نفسه منها ويستدير ليذهب.)
فيلاينيوم : إلى أين تذهب الآن؟ لماذا لا تبقى هنا؟
أرجوريبوس : سأكون هنا ليلًا، إذا شئتِ.
ليبانوس : أتسمع ما يقوله ذلك الشاب؟ … كم هو حر في اهتمامه بها ليلًا، أما الآن، بالنهار، فإنه صولون Solon الكثير المشاغل، يضع القوانين التي تربط الشعب … نعم، إنه لكذلك! يا لنذالة الدهر! إن الشعب الذي يُكيِّف نفسه لطاعة هذه القوانين لن يصلح لشيء قط، هذا أكيد، … إلا للشراب نهارًا وليلًا.
ليونيدا : يا للإله الرحيم! لم يبتعد هذا الشاب عنها خطوة واحدة. ولو تُرك وشأنَه لَمَا ترَكَها برغم كل هذه التهديدات وتعجُّل الانصراف.
ليبانوس : هيَّا، وانته من حديثك، أريد أن أسمع شيئًا من حديثه.
أرجوريبوس (في أسًى) : وداعًا! (يبدأ في الابتعاد.)
فيلاينيوم : إلى أين تسرع؟
أرجوريبوس : وداعًا! كوني سعيدة. سأراك في الدار الآخرة! إذ، وحياتي، ستطلِّقني هذه الدنيا بأسرع ما يمكن!
فيلاينيوم (تجري إليه وتتشبث به) : أواه، من أجل السماء، لماذا، لماذا تريد أن تحكم عليَّ بالموت أنت نفسك، وأنا بريئة؟
أرجوريبوس : أنا، أحكم عليك بالموت؟ إذا رأيتُ رُوحك تضمحل أعطيتُك رُوحي على الفور، عن طيب خاطر، وأضفتُ بقية سنوات حياتي إلى حياتكِ.
فيلاينيوم : إذن، فلماذا تهددني بأن ترمي حياتك؟ ماذا تظنني أفعل إذا فعلتَ كما قلتَ؟ لقد عقدتُ النية على أمر: سأفعل برُوحي نفس ما تفعله برُوحك.
أرجوريبوس : أواه، إنكِ لأحلى من العسل الحلو!
فيلاينيوم : وإنك حياتي نفسها، أعلمُ ذلك. طوِّقني بذراعيك!
أرجوريبوس (يطوقها بذراعيه) : نعم، نعم، بكل سرور!
فيلاينيوم : أواه، لو انتقلنا إلى القبر ونحن هكذا!
ليونيدا : اسمع يا ليبانوس، يا للشاب العاشق من شيطان مسكين!
ليبانوس : كلا، وحق جوف! فالشاب الذي يُعلَّق من عقبيه شيطان مسكين أكثر من هذا، صدِّقني.
ليونيدا : أعلم ذلك، وقد جربتُه. (يتوقف برهة) هيا بنا نحيط به ونلقي عليه التحية، أحدنا من هنا (يشير بيده) والآخر من هنا. (يقفان في مكانين، ثم يعطي الإشارة إلى ليبانوس لكي يسلم على أرجوريبوس): نهارك سعيد يا سيدي! (يُذعَر العاشقان) ولكن … هذه السيدة التي تحتضنها ليست دخانًا، أهي كذلك؟
أرجوريبوس : دخانًا؟ لماذا؟
ليونيدا : حسنًا، لأن عينيك تدمعان، هذا هو السبب الذي جعلني أسألك.
أرجوريبوس (في حسرة) : لقد خسرتُما رجلًا كان سيُعتقكما ويصير حاميَكما، أيها الغلامان.
ليونيدا : رحماك يا رب! لم أخسر أي شاب بهذه الصفة، كلا حقًّا، ولم يكن لي مثل ذلك قط.
ليبانوس : نهاركِ سعيد يا فيلاينيوم.
فيلاينيوم : فليمنحكما الإله كل رغباتكما.
ليبانوس : أرغب في قضاء أمسية معكِ أنت وقارورة خمر، إذا استُجيبتْ رغبة الإنسان.
أرجوريبوس : صه، أيها الوغد!
ليبانوس : إنني أتمناهما لكَ، أقصد هذا يا سيدي، وليس لنفسي.
أرجوريبوس : في هذه الحالة، قل ما يحلو لك.
ليبانوس : ما يحلو لي؟ أريد أن أعطي هذا الشاب (يشير إلى ليونيدا) «علقة» بحق الله!
ليونيدا (في سخرية) : حسنًا، حسنًا، من يصدق هذا منك، أنت يا صائد الفتيات الأجعد الرأس؟ هل تضربني أنت يا من تعيش على الضرب؟
أرجوريبوس (في حسرة من جديد) : أواه يا ليبانوس، إن حظك لأفضل من حظي، أنا الذي لن أعيش حتى المساء!
ليبانوس : وكيف يكون ذلك، من أجل خاطر الرحمة؟
أرجوريبوس : لأنني أحبها (يشير إلى فيلاينيوم) وهي تحبني، و(بمرارة) لن أجد درهمًا واحدًا في أي مكان كي أعطيها إياه؛ وقد طردَتْني أمها من البيت إلى هنا، أنا، عاشق ابنتها. سأُساق إلى موتي بثمانين جنيهًا. ثمانون جنيهًا وعَد ديابولوس Diabolu الصغير أن يدفعها لها اليوم لكي تسمح له دون سواه أن يأخذ فتاتي طيلة السنة القادمة كلها. أرأيت القوة الكامنة في الثمانين جنيهًا، وإمكانيتها؟ من يفقد هذا المبلغ ينْجُ! لم أفقده وقد ضعتُ أنا نفسي.
ليبانوس : هل دفعها قبل الآن؟
أرجوريبوس : كلا.
ليبانوس : ابتهج، ولا تخف أبدًا.
ليونيدا : أي ليبانوس! تعال هنا، إنني أريدك.
ليبانوس (يطيع أمره) : أتريد شيئًا يسرُّك؟ (ينسحبان ويتكلمان بعد أن وضعا رأسيهما متقاربَين.)
أرجوريبوس (ينادي) : من أجل خاطر السماء يا هذان! ستجدان من الأكثر إمتاعًا أن يعانق كل منكما الآخر وأنتما تتحدثان!
ليبانوس : تختلف الأذواق فيما يُمتع يا سيدي، اسمح لي بأن أخبرك بهذا. إن اثنين مثلكما يجدان من الممتع أن يعانق كل منكما الآخر بينما أنتما تتحدثان؛ أما أنا شخصيًّا، فلا أهتم بعناق هذا الشخص، وأما عناقي فإنه يمقته. لذا يجب أن تستمر فيما أنت فيه وتتمرن على ما تنصحنا بفعله.
أرجوريبوس : الحقيقة أنني سأفعل هذا. أقسم بجوف، نعم، وبكل سرور. وفي أثناء ذلك ابتعدا هناك كلاكما إذا رأيتما هذا أوفق (يعانق فيلاينيوم).
ليونيدا : أتريد أن تمزح بعض الشيء مع السيد؟
ليبانوس : نعم، أريد هذا، إنه يلقنه ما يستحقه.
ليونيدا : أتريدني أن أجعل فيلاينيوم تسمح لك بأن تعانقها أمام وجهه؟
ليبانوس (بحماس) : يا لله، إنني أتوق لمثل ذلك!
ليونيدا : هيا بنا (يقود الطريق ثانية إلى أرجوريبوس وفيلاينيوم).
أرجوريبوس : هل من أخبار جديدة؟ لقد تحدثتما بما فيه الكفاية.
ليونيدا (باهتمام) : أصغِيا إليَّ كلاكما؛ انتبها إلى ما أقول، وعِيا ملاحظاتي تمام الوعي.
(إلى أرجوريبوس) فأولًا، نحن عبداك، إننا لا ننكر هذا، ولكن، إذا أحضرنا لك ثمانين جنيهًا فبماذا تسمينا؟
أرجوريبوس (بلهفة) : تصيران معتَقَين!
ليونيدا : أوَلَا تدعونا حاميَين لك؟
أرجوريبوس : نعم، نعم، أنتما حاميان لي!
ليونيدا : تضم هذه الحافظة ثمانين جنيهًا، سأعطيكها إذا أردت.
أرجوريبوس : فلتُنعم عليك السماء إلى الأبد، يا حارس سيدك، يا مجد الشعب، يا مخزن المئونة، يا مخلِّص الرجل الداخلي وقائد عام العشق! ضعها هنا، علِّقْ هذه الحافظة حول رقبتي علنًا أمام الجميع.
ليونيدا : أأدَعُ سيدي يحمل مثل هذا الحمل؟ كلا يا سيدي، لست أنا الذي يفعل ذلك.
أرجوريبوس : لماذا لا تجعل المسألة سهلة، أنت نفسك، وتجعلني أتحمل العبء؟
ليونيدا : سأقوم أنا نفسي بدور الحمال، أما أنت فتسير أمامي، كما يجب على السيد أن يفعل، خالي اليدين.
أرجوريبوس (بلهفة) : حسنًا، الآن؟
ليونيدا (يتلكأ في كلامه) : حسنًا، ماذا؟
أرجوريبوس : لماذا لا تسلمني الحافظة وتجعلها تسحق كتفي؟
ليونيدا : إنها الشخص (يشير إلى فيلاينيوم) الذي ستعطيه الحافظة، مُرْها بأن تطلبها مني، وترجوني من أجلها. فأنت ترى المكان المستويَ الذي أمرتني بأن أضعها عليه، مائلًا (يُلمِّح بنظرة ماكرة إلى فيلاينيوم).
فيلاينيوم : أواه يا ليونيدا، يا قرة عيني، يا بُرعُوم وردتي، يا بهجة قلبي، يا عزيزي؛ أعطني النقود! لا تفرِّقْ بيننا نحن العاشقَين.
ليونيدا (في دلال مجوني) : حسنًا إذن، ادعِيني عُصفوركِ الصغير، دجاجتَكِ، سُمَّانتك، ادعِيني خروفك البريء، نعجتك، عِجْلك، إذا فضَّلت هذا، اقبضي عليَّ من أذني وضعي شفتيَّ الصغيرتين فوق شفتيك الصغيرتين.
أرجوريبوس : أتقبلك هي، أيها الوغد؟
ليونيدا : نعم، إن هذا ليبدو عارًا، أليس كذلك؟ ومع ذلك فلن تحصل على النقود اليوم إلا إذا دعكتَ رُكبتيَّ.
أرجوريبوس : «لا تعرف الحاجة عارًا.» سأدْعَكُهما. (يجلس على الأرض برشاقة ذليلة، ويمسك رُكبتي ليونيدا) ألا تستجيب لصلاتي؟ (ينهض.)
فيلاينيوم : تعال يا عزيزي ليونيدا، أرجوك، أرجوك أن تنقذ سيدك الذي يحبني إلى هذا الحد! اشترِ حريتك منه بهذا المعروف، اشترِ معروفه لنفسك بهذه النقود! (تعانقه.)
ليونيدا (يغمز لها بعينه) : أواه، إنك لجميلة، تستحقين العبادة في أكمل صورها. وإذا كانت هذه ملكي، فما كنتُ أجعلكِ تتوسلين إليَّ من أجلها مرتين، كلا البتة، ولكن هذا هو الشخص الذي تتوسلين إليه (يشير إلى ليبانوس)، إنه أعطانيها لأحتفظ بها له. عليكِ به الآن يا جميلتي الجميلة. خذ هذه يا ليبانوس، من فضلك! (يقذف إليه بالحافظة.)
أرجوريبوس : ماذا، أيها النذل! أتخدعني؟
ليونيدا : فليباركَّ الرب يا سيدي، لن أخدعك، كل ما في الأمر أنك فعلتَ سوءًا بأن دعكتَ رُكبتيَّ. (بصوت منخفض إلى ليبانوس) تعال الآن، أسرع، خذ دورك في خداعه ومعانقتها.
ليبانوس (بصوت منخفض إلى ليونيدا) : الزم الصمت، راقبني!
أرجوريبوس (بصوت منخفض إلى فيلاينيوم) : لماذا لا تتقدمين إليه يا فيلاينيوم؟ إنه من النوع البالغ الرقة. نعم، إن ليبانوس لهكذا، وحقِّ الإله، وليس مثل هذا اللص (يشير إلى ليونيدا).
ليبانوس (بصوت منخفض وهما يتقدمان) : والآن، قد جئتُ لبعض التطويق، هذا ما أتيت من أجله. (يتبختر بدلال، جيئةً وذَهابًا.)
أرجوريبوس : علِّقه جميعه، من أجل الرحمة. كن شابًّا رقيقًا طيبًا يا ليبانوس، وأنقذ حياة سيدك! أعطني هذه الثمانين جنيهًا. إنك تراني عاشقًا وفي حاجة إلى النقود.
ليبانوس : سننظر في هذا الأمر. ستكون سعيدًا إذا فعلتُ لك هذا المعروف. عُد ثانية مبكرًا، في المساء. والآن مُرْ تلك السيدة بأن تطلبها مني وترجوني من أجلها.
فيلاينيوم : أطلبها منك بأن أحبَّك أو بأن أقبِّلَك، أيَّهما تريد؟
ليبانوس : كلاهما حسن، جرِّبي الأمرين.
فيلاينيوم (تُدلله) : وكلانا، إذن … أنقذنا، أرجوك، أرجوك!
أرجوريبوس : يا ليبانوس، يا حاميَّ العزيز، أعطني إياها! الرجل المعتَق هو الشخص اللائق لأن يُحمَل حَملًا في الطريق، وليس هو حاميَه.
فيلاينيوم : يا ليبانوسي، يا غلامي الصغير الذهبي الكنز، يا هدية العشق، ومجده، إنني أعبدك، وأفعل أي شيء من أجلك، أعطنا فقط هذه النقود!
ليبانوس : إذن، فادعِيني بطَّتَك الصغيرة، يمامتك، كلبك الصغير، عُصفورك، غرابك، عُصفورك الدُّوريَّ «النَّنُّوس المنُّوس». (يفتح فمه) اتخذيني حيوانًا زاحفًا ودعيني آخذ لسانين في فمي. طوقيني بسلسلة من الأذرع؛ ضميني بشدة حول عنقي.
أرجوريبوس : اتضع ذراعيها حولك، أنت يا من تستحق الشنق؟
ليبانوس : إنه لعار فظيع، أليس كذلك الآن؟ لن تقول مثل هذا الشيء عني بدون ثمن. ستحملني على ظهرك اليوم إذا كنت تعوِّل على أخذ هذا المبلغ.
أرجوريبوس : أأحملك أنا على ظهري، أنا؟
ليبانوس : ابحث لك عن طريق آخر تحصل منه على النقود. أتفعل هذا … أنت؟
أرجوريبوس : يا للعنة! حسنًا، إذا كان من الصواب ويصح للسيد أن يحمل خادمًا على ظهره … فاصعد على ظهري.
ليبانوس : هذه هي الطريقة التي يروَّض بها أولئك المتعجرفون. والآن قف بعيدًا … هذه هي نفس الطريقة التي كنتَ تعاملنا بها طيلة السنوات الماضية وأنت صبي. أتعرف ما أقصد؟ (يقف أرجوريبوس وينحني) هناك! هذا ما أقصد! عظيم! ما من حصان يطيع في أي مكان مثلما تطيع.
أرجوريبوس : اصعد على ظهري، بسرعة!
ليبانوس (يقفز فوق كتفيه) : هكذا أفعل. (يسير أرجوريبوس ببطء) ها ها! ما الأمر؟ كيف تسير هكذا؟ أقسم بالله لأمنعن عنك الشعير في الحال إن لم تنشط وتركض (يركض أرجوريبوس).
أرجوريبوس : إنك لشخص طيب يا ليبانوس … كفى هذا الآن!
ليبانوس : كلا، في حياتك … لن تستجدي في هذا اليوم. سأغيِّب المِنخس في جسمك وأجعلك تركض أعلى التل، بعد ذلك سأسلمك إلى الطحانين كي تدور لهم حتى يتهلهل جلدك الغض. قف! حتى أستطيع النزول على المنحدر الآن، ولو أنك حيوان لا تصلح لشيء على الإطلاق (ينزل عن ظهره).
أرجوريبوس : وماذا الآن؟ إنك لشخص طيب! فإذ رأيتما أنكما نلتما كفايتكما من الدعابة معي، فهل ستعطيانِّي النقود؟
ليبانوس : نعم، إذا وضعتني فوق مذبح وتمثال. نعم، وتقدم لي ثورًا هنا، كما تفعل تمامًا مع إله؛ لأنني ربة خلاصك، نعم، أنا تلك.
ليونيدا : تعال يا سيدي. تخلَّصْ من هذا الشاب وخاطبني أنا شخصيًّا. نعم، وأقم لي تلك التماثيل والتَّقْدِمات التي طلبها لنفسه.
أرجوريبوس : وأي اسم تطلق على نفسك كإله؟
ليونيدا : «الحظ»، نعم يا سيدي، «الحظ السادر».
أرجوريبوس : هذا يليق بك خيرًا من سواه.
ليبانوس : ماذا؟ أي شيء أفضل للمرء من الخلاص؟
أرجوريبوس : إنني أمدح الحظ، وفي الوقت نفسه لا أحط من قدر الخلاص.
فيلاينيوم : رحماك بي، كلاهما حسن.
أرجوريبوس : سأعرف هذا عندما أحصل منهما على شيء طيب.
ليونيدا : تَمَنَّ شيئًا تريد أن يحدث لك.
أرجوريبوس : وماذا إذا تمنيتُ؟
ليونيدا : سيتحقق.
أرجوريبوس : أمنيتي هي أن أحظى باهتمام هذه السيدة طيلة السنة القادمة.
ليونيدا : لقد نلتَ أمنيتك.
أرجوريبوس : أحقيقةً؟ أحقيقةً؟
ليونيدا : هذا أكيد، أؤكد لك هذا.
ليبانوس : جاء دوري … تعال هنا، ودعني أجرب. تَمَنَّ شيئًا تحتاج إليه أكثر مما عداه، يتحقق.
أرجوريبوس : ماذا أتمنى أكثر من شيء ليس معي أثر منه … ثمانين جنيهًا كاملة لأعطيها والدة هذه الفتاة؟
ليبانوس : ستأتيك. احتفظ بشجاعتك، ستجاب أمنيتك.
أرجوريبوس (غير مصدِّق) : لقد رجعت ربة الخلاص إلى خداعها السابق، تغش الناس، وكذلك ربة الحظ.
ليونيدا : في برق هذه النقود، اليوم … أنا الشخص الذي كان رأسه!
ليبانوس : وأنا الشخص الذي كان قدمه!
أرجوريبوس : ولتبارَك رُوحي، إن حديثكما كله ألغاز من رأسه إلى قدمه. لا أستطيع أن أفهم كلامكما، أو لماذا تتخذاني ألعوبتكما.
ليبانوس (بصوت منخفض إلى ليونيدا) : أقسم بأنه قد خُدع خداعًا كافيًا لمدة طويلة. هيا بنا نخبره بجلية الموضوع. (إلى أرجوريبوس) أعِرْنا التفاتك يا أرجوريبوس! طلب منا والدك أن نحضر هذا المبلغ من أجلك (يرفع حافظة النقود إلى أعلى).
أرجوريبوس : أواه، لقد أحضرتماه في الوقت المناسب، وفي اللحظة المناسبة تمامًا!
ليبانوس : ستجد هنا ثمانين جنيهًا طيبة جاءت بطريق غير مشروع. أخبرَنا بأن نعطيك إياها تبعًا لشروط متفق عليها.
أرجوريبوس : شروط؟ أية شروط، بحق الرحمة؟
ليبانوس : أن تسمح له بقضاء ليلة مع هذه السيدة، وبالعشاء معها.
أرجوريبوس : أخبِراه بأن يأتي، نعم! سننفِّذ له ما يريده، وبحقٍّ يجب علينا ذلك، بعد الطريقة التي جمع بها شمل حبنا. (يأخذ الحافظة من ليبانوس.)
ليونيدا : هل ستوافق على أن يعانقها والدك؟ أليس كذلك يا أرجوريبوس؟
أرجوريبوس (يلوِّح بالحافظة) : هذه، ستُسهِّل عليَّ الموافقة. بحق السماء إلا ما ذهبتَ يا ليونيدا، ورجوتَ والدي في أن يحضر إلى هنا.
ليونيدا (يشير إلى دار كلياريتا) : كان هناك منذ مدة طويلة مضت.
أرجوريبوس : من المؤكد أنه لم يأتِ من هذا الطريق.
ليونيدا : لقد تسلل إلى هناك من الحارة وخلال الحديقة، حتى لا يراه أحد من الخدم وهو يدخل؛ إنه خائف من زوجته أن تعرف. فإذا علمتْ أمك بأمر هذه النقود، وكيف كانت طريقة …
أرجوريبوس : الزم الصمت ولا تذكر هذه المسألة! لا تتفوه بملاحظات الشؤم!
ليبانوس : هيا، ادخل البيت بسرعة!
أرجوريبوس : وداعًا لكما.
ليونيدا : وانهلا كفايتكما، كلاكما.

(يخرج أرجوريبوس وفيلاينيوم ويدخلان بيت كلياريتا، ويخرج ليبانوس وليونيدا ويدخلان بيت ديماينيتوس.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤