المنظر الأول
(باب بيت كلياريتا مفتوح، ويبدو منه
أرجوريبوس وديماينيتوس، وفيلاينيوم يولمون، تجلس فيلاينيوم على
أريكة بجانب ديماينيتوس وتحاول ألا تبدو متضايقة من
مغازلاته.)
ديماينيتوس
:
إنك لا تتضايق يا ولدي … من أنها على الأريكة هنا
بجانبي، أليس كذلك؟ (يتحسس
ذقن فيلاينيوم في رقة ويربت عليها.)
أرجوريبوس
(في كآبة)
:
إن واجبي كابنٍ، هو أن أتحمل هذا الشيء كأنني لا
أراه، يا والدي. فبرغم أنني أحبها، فبطبيعة الحال
أستطيع إقناع نفسي بألا أنزعج لوجودها معك.
ديماينيتوس
:
يجب على الشاب أن يحتشم يا أرجوريبوس.
أرجوريبوس
:
هذا صحيح، يا أبتاه، بوسعي أن أسلك المسلك الذي
تستحقه.
ديماينيتوس
(مرحًا)
:
هيَّا بنا، إذن، نتمتع بوليمة فاخرة … وخمر، وحديث
حلو، يا أعزائي! اطرح عنك هيبتك البَنَوية لي؛ إن ما
أريده، يا بني، هو محبتك.
أرجوريبوس
(لا يزال في شدة الاكتئاب)
:
نعم، يا والدي، أعطيك كليهما، كما يجب على
الابن.
ديماينيتوس
:
أومن بذلك بمجرد أن أراك تبدو مسرورًا.
أرجوريبوس
(يتنهد عميقًا)
:
إنك لا تعتقد أنني … مكتئب … أليس كذلك؟
ديماينيتوس
:
أأعتقد هكذا؟ عندما تبدو في صفرة الموت كما لو كنتَ
تُجَرُّ إلى المحاكمة!
أرجوريبوس
:
لا تقُلْ هذا.
ديماينيتوس
:
لا تكن هذا، وأنا أكفُّ عن القول بسرعة.
أرجوريبوس
(يبذل مجهودًا كبيرًا ليبدو
سعيدًا)
:
ها أنا ذا الآن! انظر! ها أنا ذا أبتسم.
ديماينيتوس
(بخشونة)
:
أتمنى أن ينعم أعدائي بابتسامة كهذه.
أرجوريبوس
:
أعلمُ طبعًا لماذا تظن جبيني مقطَّبًا من جهتك الآن،
يا والدي … لأنها معك، ولترحمني السماء يا أبتاه، فإذا
قلتُ الحقيقة … فإن ذلك يجعلني تعيسًا؛ ليس لأنني لا
أود إجابة رغباتك، وإنما لأنني أحب هذه الفتاة. ولو
كان الذي معها شخصًا غيرك لما اهتممتُ قط، حقيقة ما
كنتُ لأهتم إطلاقًا.
ديماينيتوس
:
ومع ذلك، فإنني أريد هذه الواحدة.
أرجوريبوس
:
حسنًا، إذن فقد حصلتَ على رغبتك. أتمنى أن يكون لي
نفس هذا الحظ!
ديماينيتوس
:
ستتحمل هذا في هدوء، يومًا ما، إذ أعطيتُك فرصة
البقاء معها مدة سنة، وزودتُ ولدي الهمام بالمال
اللازم.
أرجوريبوس
:
هذه هي النقطة الهامة! لقد شددتَ وثاقي بعنف وبشدة،
بهذا الأمر.
ديماينيتوس
:
هيا إذن، استسلمْ وكن مرحًا، أتفعل ذلك؟
المنظر الثاني
(يدخل الوسيط مع أرتيمونا من منزل
ديماينيتوس.)
أرتيمونا
(ثائرة)
:
قل لي، ما هذا، بحق السماء، … أيحتسي زوجي الخمر هنا
مع ابنه، وأحضر ثمانين جنيهًا لمعشوقة، ويتغاضى ابني
عن مثل هذا العمل من والده، والده؟!
الوسيط
:
لا تصدقيني في أي شيء آخر، سواء أكان إلهيًّا أو
بشريًّا، إذا وجدتِ أنني كذبتُ عليك في هذا
الأمر.
أرتيمونا
:
ولكن، يا عزيزي! كنتُ أظن زوجي مثال الرجولة، رجلًا
رزينًا، جليل القدر، حميد الأخلاق، يحب زوجته
بإخلاص.
الوسيط
:
يجب أن تدركي منذ الآن فصاعدًا، أنه حثالة رجال
العالم، وأنه من مدمني الخمر، ورجلًا عديم القيمة، سيئ
الأخلاق، يمقت زوجته من كل قلبه.
أرتيمونا
:
نعم، وحق الرحمة، فما كان ليفعل ما يفعله الآن، إلا
إذا كان كل هذا صحيحًا.
الوسيط
:
كنت أعتقد دائمًا، قبل الآن، أنه رجل جليل القدر،
وأقسم بحياتي أنني كنت أعتقد ذلك، أنا نفسي، ولكنه ظهر
الآن على حقيقته … يحتسي الخمر مع ابنه، هو نفسه،
ويشاركه معشوقته، يا لدمار أولئك المسنين!
أرتيمونا
:
رحماك يا رب! هذا يفسر خروجه للعشاء كل يوم! ويقص
على مسامعي قصص ذهابه ليتعشى مع أرخيديموس Archidemus، ومع
خايريا Chaerea،
ومع خايريستراتوس Chaerestratus، ومع كلينيا Clinia ومع
خريميس Chremes،
ومع كراتينوس Cratinus، ومع دينياس Dinias، ومع
ديموسثينيس Demosthenes … بينما هو يقضي الوقت
كله في إفساد أولاده في بيوت الدعارة السيئة
السمعة!
الوسيط
:
لماذا لا تأمرين خدمك بأن يحملوه ويأخذوه إلى
البيت؟
أرتيمونا
:
انتظر قليلًا. سأجعل حياته جحيمًا، أقسم على أنني
سأفعل ذلك!
الوسيط
:
لا شك عندي في ذلك، ما دام هو زوجك.
أرتيمونا
(في أشد حالات الغضب بحيث لا تلاحظ
عبارات التملق)
:
نعم، حقيقةً! يقول إنه مشغول في مجلس الشيوخ، أو في
إجابة طلبات زبائنه! متعَب من عمله هناك، حتى
إنه يقضي الليل كله في الشخير! إن عمله بعيدًا عن
البيت هو الذي يجعله يعود في الليل منهوك القوى …
عَمَلُ حرْثِ حقول غيره بينما يترك حقله بغير زرع. وإذ
كان فاسدًا هو نفسه، فقد عكف فعلًا على إفساد ابنه هو
نفسه.
الوسيط
:
اتبعيني من هذه الطريق: سرعان ما أدعك تهجمين على
صاحبنا وهو متلبس بذلك الفعل.
أرتيمونا
:
أها … ها … ها! لا شيء يعجبني خيرًا من ذلك!
الوسيط
:
انتظري! (يذهب في هدوء إلى
باب كلياريتا، ويطل داخله، ثم يعود.)
أرتيمونا
:
ما الأمر؟
الوسيط
:
إذا تصادف أن لمحت زوجك ممددًا على أريكة وليمة،
وعلى رأسه إكليل زهر، وبين ذراعيه فتاة … إذا رأيته،
فهل تعرفينه؟
أرتيمونا
:
الحقيقة، أنني أستطيع ذلك!
الوسيط
(يأخذها بحذر إلى الباب)
:
انظري رجُلكِ!
أرتيمونا
(تطل)
:
يا للفظاعة يا للفظاعة!
الوسيط
(يجذبها جانبًا)
:
انتظري قليلًا! هيا بنا نجلس في كمين ونشاهد ما يحدث
هناك دون أن يرونا.
أرجوريبوس
(باستياء)
:
أبتاه! متى سينتهي هذا العناق؟
ديماينيتوس
(مرتبك بعض الشيء)
:
أعترف يا ولدي العزيز …
أرجوريبوس
:
تعترف بماذا؟
ديماينيتوس
:
بأن هذه السيدة كثيرة على إحساسي بالاحتشام.
الوسيط
(لأرتيمونا)
:
أتسمعين ما يقول؟
أرتيمونا
:
نعم، أسمع.
ديماينيتوس
(إلى فيلاينيوم)
:
سأسرق عباءة زوجتي العزيزة عليها وأُحضرها لك. بحق
السماء لن أستطيع أن أؤجَّر لها، كلا … حتى ولو ماتت
في خلال سنة.
الوسيط
(لأرتيمونا)
:
أتظنين أن هذه هي أول مرة يأتي فيها هذا السيد إلى
مثل هذه المواخير؟
أرتيمونا
:
رُحماك بنا! هكذا كان ذلك اللص في جميع المرات التي
ارتَبْتُ فيها في خادماتي، نعم، وعذَّبتُ الفتيات
الصغيرات المسكينات.
أرجوريبوس
:
أخبرهم باستمرار إدارة الخمر يا أبتاه، يبدو لي أنه
قد مضى دهر منذ أن شربتَ أول كأس.
ديماينيتوس
(إلى الخادم)
:
يا غلام، أدر الخمر من رأس المائدة.
(إلى فيلاينيوم)
هيا يا عزيزتي، في هذه الأثناء، وأعطني قبلة شريرة،
شريرة، من قدم المائدة (ترضخ
له فيلاينيوم).
أرتيمونا
:
أواه … آه … أه! يا لرحمة السماء! انظر إلى الطريقة
التي يُقَبِّلها بها ذلك الوغد، الذي لا يصلح إلا
ليبارك النعش!
ديماينيتوس
:
أشهد! بأن نَفَسَك أحلى من نَفَس زوجتي!
فيلاينيوم
:
أخبرني يا عزيزي، … ليس نفَس زوجتك رديئًا، أليس
كذلك؟
ديماينيتوس
:
أما إذا بلغ الأمر ذلك، فإني أفضل أن أشرب ماءً
آسنًا من قاع السفينة على أن أُقَبِّلها.
أرتيمونا
(هامسة)
:
أهكذا؟ سترى، سترى! يا للإله الرحيم، يا سيدي،
ستكلفك إهانتي هذه كثيرًا. حسنًا جدًّا! عُدْ فقط إلى
البيت يا سيدي، وسترى! سأريك خطر إهانة الزوجة واختلاس
النقود.
فيلاينيوم
:
رحماك بي، أيها الشيء الصغير!
أرتيمونا
(هامسة)
:
رحماك بي، إنه ليستحق أن يكون!
أرجوريبوس
:
استمع إليَّ يا أبتاه: أتحب والدتي؟
ديماينيتوس
:
أحبها؟ أنا؟ أحبها الآن لكونها ليست قريبة
منا.
أرجوريبوس
:
وعندما تكون قريبة؟
ديماينيتوس
:
أتوق إلى حدوث موت في الأسرة.
الوسيط
(لأرتيمونا)
:
يبدو لي أن هذا السيد مولع بكِ.
أرتيمونا
:
أواه … آه … آه! ألن يدفع أرباحًا على هذه الألفاظ
الجارحة! دعه يرجع إلى البيت فقط، وسيكون رجوعه اليوم
طريقتي المحببة في الانتقام … سأقبله.
أرجوريبوس
(يقذف زهر النرد إلى
ديماينيتوس)
:
هيَّا اقذف يا والدي، حتى يتسنى لي أن آخذ
دوري.
ديماينيتوس
:
بكل وسيلة. (وهو يقذف
الزهر) هذه لكِ من أجلي يا فيلاينيوم،
وزوجتي للقبر! (ينظر إلى
الرمية) ها! إن تلك الرمية فينوس!١ (إلى
الخدم) ابتهجوا أيها الغلمان، واشربوا
شيئًا من الجِعَة من الناجود، إكرامًا لهذه
الرمية!
أرتيمونا
(تهمس إلى الوسيط)
:
هذا شيء لا يطاق!
الوسيط
(يهمس إلى أرتيمونا)
:
لا عجب إن لم تعرفي مهنة صانعي الأقمشة.٢ خير طريقة هي أن تنقضِّي على
عينيه.
أرتيمونا
(تهجم داخلةً المنزل)
:
بحق السماء، سأعيش يا سيدي، وستدفع غاليًا ثمن
تمنياتك لي الآن فقط! (تنقضُّ عليه)
الوسيط
(مغتبطًا)
:
ليسرعْ شخصٌ ما، ويُنادِ الدفَّان!
أرجوريبوس
(ببراءة)
:
كيف حالك يا أماه؟
أرتيمونا
:
كفى مِن «كيف حالاتك» هذه!
الوسيط
(بصوت منخفض)
:
ديماينيتوس ميت لا محالة. قد آن وقت انسحابي من هذا
المكان، فالمعركة سائرة على ما يرام. سأعود بسرعة إلى
ديابولوس وأخبره بأن تعليماته قد نُفِّذت بالحرف
الواحد. نعم، وأقترح عليه تناول العشاء معًا بينما هم
يتشاجرون هنا. وفي الغد بعد أن ينتهي كل شيء، أعود به
إلى السيدة كي يعطيها الثمانين جنيهًا وتسمح له بأن
ينال نصيبًا في الفتاة هنا. آمل في أن يقبل أرجوريبوس
بأن يدعه يأخذ نصف الوقت؛ لأنني إذا لم أحصل منه على
ذلك خسرت زبونًا طيبًا … شعلة من الحب كما هو
الآن.
(يخرج الوسيط.)
أرتيمونا
(إلى فيلاينيوم)
:
ماذا تقصدين بقبولكِ هذا الرجل في منزلك …
زوجي؟
فيلاينيوم
:
أي عزيزتي، يا عزيزتي! ولماذا هذا، إنني، من جانبي،
متضايقة حتى الموت، من وجوده هنا.
أرتيمونا
(تقف عند رأس ديماينيتوس)
:
انهض يا رَجُلي الهمام، ارجع إلى بيتك!
ديماينيتوس
(بصوت نصف منخفض، وخائفًا من
التحرك)
:
إنني رجل ميت!
أرتيمونا
:
يا للإله الرحيم، كلا، لستَ ميتًا! إنك أنذل رجل بين
الأحياء، ولا حاجة بك إلى أن تنكر ذلك. ولكنه لا يزال
جاثمًا في مكانه، ذلك «الكوكو»! انهض يا رَجُلي
الهمام؛ ارجع إلى بيتك!
ديماينيتوس
(بصوت نصف منخفض)
:
أواه، لقد وقعتُ!
أرتيمونا
:
إنك نبي حقيقي. انهض يا رَجُلي الهمام، وارجع إلى
بيتك!
ديماينيتوس
:
حسنًا، إذن ابتعدي عني قليلًا.
أرتيمونا
:
انهض، يا رَجُلي الهمام، وارجع إلى بيتك!
ديماينيتوس
:
من أجل خاطر السماء، الآن، يا عزيزتي!
أرتيمونا
:
الآن تتذكر أنني عزيزتك، أليس كذلك؟ ومنذ هنيهة،
عندما تتكلم عني ببعض الألفاظ، كنتُ نكبتكَ ولستُ
عزيزتك!
ديماينيتوس
(بصوت نصف منخفض)
:
لقد انتهى كل شيء معي، تمامًا!
أرتيمونا
:
أكنت تقصد ذلك حقيقةً، أليس كذلك؟ رائحة نَفَس
عزيزتك، أهو؟
ديماينيتوس
(بعجلة)
:
رائحته مسك، مسك!
أرتيمونا
(في سخرية)
:
هل سرقت العباءة حتى الآن لكي تعطيها لهذه
المخلوقة؟
فيلاينيوم
:
وعد بأن يسرقها منكِ، الحقيقة أنه وعد بذلك!
ديماينيتوس
(هامسًا إلى فيلاينيوم)
:
الزمي الصمت، أبوسعكِ أن تفعلي ذلك؟
أرجوريبوس
:
حاولت أن أَثنيه عن عزمه يا أماه!
أرتيمونا
:
يا لك من ابن طيب! (إلى
ديماينيتوس) أهذه هي طريقة تربية الأب
لأولاده؟ أما من شيء تخجل منه؟ (تساعده على النهوض من على
الأريكة، بشدِّ أذنه.)
ديماينيتوس
:
أي رباه! إنكِ تخجلينني يا عزيزتي، إذا لم يخجلني أي
شيء آخر.
أرتيمونا
(تقوده نحو الباب)
:
إنها عزيزتك التي تجرُّك من ماخورة الرذيلة هذه،
أيها «الكوكو» الأشيب الرأس!
ديماينيتوس
:
ألا يمكنني أن أنتظر — فإن العشاء يُطبخ — حتى
أتناول العشاء؟
أرتيمونا
:
يا لرحمة السماء، يا سيدي! ستتعشى كما تستحق اليوم …
«بعلقة» تقشعر منها الأبدان.
ديماينيتوس
:
(هامسًا) يا لها من ليلة منحوسة تلك التي أنا فيها.
لقد حُكِمَ عليَّ هنا، وزوجتي تقودني … إلى البيت.
(يتبعها أرجوريبوس
وفيلاينيوم حتى الباب.)
أرجوريبوس
:
كم قلتُ لك ألا تعمل أية حيلة على والدتي، يا
أبتاه!
فيلاينيوم
:
تذكَّر العباءة يا عزيزي!
ديماينيتوس
(لزوجته)
:
أخبريها بأن تخرج من هنا.
أرتيمونا
(تجرُّه)
:
هيَّا، إلى البيت!
فيلاينيوم
:
أعطني قبلة شريرة، شريرة أخرى، قبل أن نفترق.
ديماينيتوس
:
انصرفي إلى الجحيم!
فيلاينيوم
:
كلا، بل سأدخل البيت بدلًا من الجحيم. (لأرجوريبوس وهي تدخل
البيت) هيا معي يا عزيزي.
أرجوريبوس
:
سآتي حقيقةً.
(يخرج الجميع.)