الفصل الرابع
المنظر الأول
(يدخل الوسيط مع مراسلة كليوماخوس.)
الوسيط
:
إنني وسيط رجل نذل عديم المبدأ والقيمة، وسيط الضابط
الذي نقل معه تلك الغانية من ساموس Samos، والآن، أمرني بأن أذهب إليها
وأسألها عما إذا كانت سترد إليه نقوده، أو ما إذا كانت
ستذهب معه. (يتفقد
المنزل) يا غلام، لقد أتيت معها إلى
البيت منذ وقت قصير، اطرق باب ذلك البيت. اذهب إلى ذلك
الباب مباشرة! (المراسلة
يطيع أمره ويطرق الباب في خجل) ابتعد،
ولتُشنَق! انظر كيف يطرق هذا العفريت الصغير الباب! إن
بوسعك أن تزدرد رغيفًا من الخبز عرضه ثلاثة أقدام، أما
طرق الباب فلا تعرف كيف تفعله. (يطرق الباب بنفسه في عنف،
ويصرخ) أما من أحد في هذا البيت؟ أما من
أحد هنا؟ ألا يهتم أحد بهذا الباب؟ أما من أحد
يأتي؟
المنظر الثاني
(يدخل بستوكليروس إلى مدخل الباب.)
بستوكليروس
(في غضب)
:
ما هذا كله؟ ماذا تقصد بطرقك الباب هكذا بعنف؟ أي
شيطان يوخزك، ويجعلك تجرب قوتك في أبواب غيرك بهذه
الطريقة؟ كدتَ تحطم الباب. والآن، ماذا تريد؟
الوسيط
(مذعورًا قليلًا)
:
نهارك سعيد أيها الشاب.
بستوكليروس
:
نهارك سعيد، ولكن عمن تبحث؟
الوسيط
:
باكخيس.
بستوكليروس
:
حسنًا، أيهما؟
الوسيط
:
باكخيس، هذا كل ما أعلمه. وباختصار، أرسلني الضابط
كليوماخوس لأخبرها بأنه يجب عليها إما أن ترد له مبلغ
مائتي جنيه ذهبًا، أو تذهب معه اليوم إلى إلاتيا Elatea.
بستوكليروس
:
لن تذهب، إنها ترفض الذهاب معه، انصرف وأخبره بهذا!
إنها تحب رجلًا آخر سواه. إذن، فانصرف من هنا!
الوسيط
(ملاطفًا)
:
إنك سريع الغضب.
بستوكليروس
(صائحًا)
:
ولكن، هل تعرف مقدار غضبي؟ أقسم بالله إن وجهك هذا
لقريب من التهشيم ما دامت هذه (يهز قبضتيه في وجه الوسيط بينما
هذا يتقهقر) القبضات كاسرة الأسنان توخز
من شدة التحفز!
الوسيط
(ينتحي جانبًا ويتكلم
هامسًا)
:
إذا حكمتُ عليه من واقع ألفاظه وجب عليَّ أن أحذر
ألا يكسر أسناني من فكيَّ بكسارة البندق هذه. (بصوت مرتفع) حسنًا،
سأخبره بهذا، وسيكون تحت مسئوليتك.
(يستدير لينصرف.)
بستوكليروس
:
اسمع يا هذا! (يتقدم
نحوه.)
الوسيط
(يتقهقر بعيدًا)
:
سأخبره بما قلتَ.
بستوكليروس
:
ومن أنت؟
الوسيط
(بلهجة الواثق من نفسه)
:
أنا رفيق الضابط الملازمُ له.
بستوكليروس
:
لا بد أنه من حثالة الناس حتى اتخذ رفيقَه نذلًا
مثلك!
الوسيط
:
سيأتي إلى هنا مستشيطًا غضبًا.
بستوكليروس
:
آمل في أن ينفجر من شدة الغضب.
الوسيط
(يهم بالانصراف)
:
هل من شيء آخر أقوم به؟
بستوكليروس
:
نعم، إليك عنا! ويجب أن يكون هذا بسرعة (يتقدم نحوه).
الوسيط
(يجري)
:
وداعًا، أيها السيد «كاسر الأسنان».
بستوكليروس
:
ولك مثل ما قلتَ، أيها السيد «الرفيق».
(يخرج الوسيط) والآن قد تحرجت الأمور إلى
الدرجة التي لا أستطيع معها أن أنصح صديقي بما يفعله إزاء
معشوقته. ماذا جعله يغضب ويعطي والده جميع الذهب ولا يترك
قرشًا واحدًا يدفعه للضابط. (ينصت) ولكني سأخطو جانبًا إلى هنا
(يفعل ذلك) فإن الباب يُحدث صوتًا. ها هو صديقنا منيسيلوخوس
يخرج عابس الأسارير.
المنظر الثالث
(يدخل منيسيلوخوس آتيًا من بيت
باكخيس.)
منيسيلوخوس
:
كم كنتُ غبيًّا متسرعًا، ومتهورًا، ثائر العواطف، لا
ضابط لنفسي، ومجنونًا عديم التفكير، لا تريث عندي ولا
اعتدال. كنتُ مخلوقًا لا أدرك الصواب ولا الشرف، سيئ
الظن، عنيد الرأس، عديم الود واللطافة، ناكرًا للجميل،
وخُلقتُ كذلك! نعم، نعم، إنني كل ما أتمنى أن يكونه
رجل غيري! أيصدِّق أحد هذا؟ ليس بين الأحياء من هو
أعظم مني نذالة، ولا من هو غير جدير بعطف السماء، ولا
من يستحق أن يحبه أي إنسان أو يقترب منه أي فرد! لا
أستحق أن يصادقني أي رجل، بل يكون لي أعداء، ومن
يساعدونني هم الأوغاد وليسوا الأشراف. لا رجل على وجه
الأرض يلقَّب بالنذالة أكثر مني! أأعطي النقود كلها
لوالدي بينما أنا عاشق متيم؟ كان الذهب في يدي! آه، لو
لم أكن غبيًّا تعيسًا، غبيًّا تعيسًا! لقد رميتُ كل
حياتي برغم كل ما فعله خروسالوس من أجلي.
بستوكليروس
(هامسًا)
:
يجب أن أُرَوِّح عنه، سأذهب إليه. (بصوتٍ عالٍ وهو يتقدم
نحوه) كيف الحال، يا منيسيلوخوس؟
منيسيلوخوس
:
لقد انتهيتُ.
بستوكليروس
:
لا سمح الله!
منيسيلوخوس
(لا يزال مكتئبًا)
:
لقد انتهيتُ.
بستوكليروس
:
ألا تصمت أيها الغبي؟
منيسيلوخوس
:
أصمت؟
بستوكليروس
:
إنك فقدتَ صوابك.
منيسيلوخوس
:
لقد انتهيتُ. إن الأفكار التي تعتمل وتتضارب في رأسي
الآن، تثير غيظي وتعذبني! كنتُ فاقد الصواب إذ غضبت
منك.
بستوكليروس
:
ابتهج، ولا تفكر في هذا.
منيسيلوخوس
:
أنَّى لي بالابتهاج؟ جُثَّة الميت أكثر قيمةً مني
الآن.
بستوكليروس
(مشجِّعًا)
:
كان وسيط الضابط هنا منذ لحظة، يطلب النقود، فأمطرته
وابلًا من الشتائم وطردته إلى هذا الشارع. هجمتُ عليه
وهممتُ بقتاله حتى ولَّى الأدبار.
منيسيلوخوس
(يائسًا)
:
وما فائدة هذا لي؟ وعندما يأتي الضابط نفسه، ماذا
أفعل؟ ليس معي قرش واحد، أنا التعيس! لا شك في أنه
سيأخذها معه، إنني أعرف هذا حق المعرفة.
بستوكليروس
:
لو كان معي نقود، أنا نفسي، لما ضننتُ بها
عليك.
منيسيلوخوس
:
أعلم أنك كنتَ تعطينيها، أعرف مسلكك. وإذا لم تكن
عاشقًا، أنت نفسك، فما كنت لأثق بك كثيرًا. ومع ذلك،
فإذ أنت عاشق، فإن لديك ما يكفي من المتاعب. وحتى لو
كنتَ خالي البال، فما كنتُ لأفكر في أن يكون بمقدورك
أن تساعدني وتمدني بالنقود وأنت مفلس، أنت نفسك! هذا
مستحيل!
بستوكليروس
:
صهٍ، سينظر إلينا إلهٌ ما.
منيسيلوخوس
:
يا للهراء! (يبتعد
يائسًا) وداعًا!
بستوكليروس
(ينظر إلى الطريق)
:
انتظر.
منيسيلوخوس
:
ماذا حدث؟
بستوكليروس
(يشير إلى الطريق)
:
انظر! أرى مخزن إمدادك خروسالوس آتيًا … صهٍ!
(ينسحبان.)
المنظر الرابع
(يدخل خروسالوس مغتبطًا.)
خروسالوس
:
هنا رجل (يربت على
صدره) يساوي وزنه ذهبًا، هنا رجل يجب أن
يقام له تمثال من الذهب؛ لأنني قمتُ اليوم بعمل مزدوج،
وحوبيتُ بغنيمة مزدوجة. فما أروع ما خدعتُ الرجل
العجوز ببراعة في هذا اليوم! ورغم دهاء ذلك الرجل
العجوز، فقد أجبرَتْه فنوني الماكرة على تصديقي في كل
شيء، واضطرَّتْه إلى ذلك اضطرارًا. والآن، سيدي الصغير
العاشق، ابن سيدي العجوز، الذي أنادمه في الشراب
وأقاسمه في المأكل، وأذهب معه لمغازلة الفتيات، قد
أعددتُ له إمدادات ملكية، إمدادات من الذهب، حتى
يستطيع أن يجد معه ما يلزم لنفقاته دون الحاجة إلى
البحث عما يلزمه في الخارج. لا أجد فائدة من أولئك
العبيد الأنذال،١ الذين ينصبون على سادتهم بقطعتين أو بثلاث
قطع من الذهب. لا شيء أسوأ من خادم عديم الذكاء؛ يجب
أن يكون المرء ذا قوة عقلية جبارة، فأينما تطلَّبَ
الأمر خطة بارعة، أمكنه استخراجها من ذهنه الحاضر. وما
من نفس تساوي شيئًا إذا لم تعرف كيف تصير طيبة وشريرة.
يجب أن يكون المرء نذلًا بين الأنذال، يسرق اللصوص ما
استطاع … الشخص الذي يساوي شيئًا، الشاب ذو القريحة
الوقادة، يجب أن يكون قادرًا على التلوُّن. يجب أن
يكون طيبًا مع الطيب، وشريرًا مع الشرير؛ حسبما يتطلب
الموقف. (يتوقف
لحظة) ولكن يجب أن أعرف كم أخذ سيدي
الصغير من النقود لنفسه، وكم أعطى والده. لو كان يساوي
شيئًا لجعل والده يمثل هرقل، فيعطيه العُشر ويحتفظ
لنفسه بالتسعة الأعشار، لاستعماله الشخصي. (يبصر منيسيلوخوس
وبستوكليروس) أهلًا وسهلًا، برغم هذا! ها
هو ذا اجتماع سعيد مع الرجل الذي أبحث عنه! (إلى منيسيلوخوس) ألم
تأخذ شيئًا من النقود يا سيدي؟ لمَ تنظر إلى الأرض
بهذه الطريقة؟ (ينتظر
الرد) ما الذي يجعلكما مقطَّبي الجبين
هكذا؟ (ينتظر
ثانيًا) لا أحب هذا العبوس! كلا، لن يكون
هذا بغير سبب. (ينتظر
ثانية) لماذا لا تجيب على سؤالي؟
منيسيلوخوس
:
إنني رجل ضائع يا خروسالوس.
خروسالوس
:
ربما أخذتَ قدرًا يسيرًا من الذهب؟
منيسيلوخوس
:
قدر يسير، أواه، لعنة الله عليه! كلا، في الحقيقة
أقل بكثير من القدر اليسير!
خروسالوس
:
إذن، وكيف كان ذلك، أيها الغبي؟ بعد أن ربحتْ لك
مقدرتي هذه الفرصة، لتأخذ لنفسك ما تشاء، لا شك في أنك
لم تأخذه بهذه الطريقة (يمثل) بطرَفي أنملتين؟ ألم تعرف أنه من
النادر أن تسنح للمرء فرصة كهذه؟
منيسيلوخوس
:
إنك اقترفتَ خطأ.
خروسالوس
:
وإنك اقترفتَ خطأ آخر، إذ لم تغرفْ بيدك وتُنزلْها
إلى العمق الكافي.
منيسيلوخوس
(في جدية)
:
يا للإله الرحيم! لو زادت معرفتك للحقيقة لألقيتَ
محاضرة أكثر من هذه التي ألقيتها الآن. إنني رجل
ضائع!
خروسالوس
:
أتنبأ الآن بمزيد من المتاعب، بعد هذه
الملاحظة.
منيسيلوخوس
:
لقد انتهيتُ.
خروسالوس
:
ولماذا انتهيتَ؟
منيسيلوخوس
:
لقد سلمتُ كل قطعة من الذهب إلى والدي.
خروسالوس
(يُخرسه الذهول)
:
سلَّمتَه إياه؟
منيسيلوخوس
:
نعم، سلَّمتُه إياه.
خروسالوس
:
كل قطعة منه؟
منيسيلوخوس
:
تمامًا.
خروسالوس
:
كل منا رجل ضائع! ما الذي جاء في رأسك فجعلك تفعل
مثل هذا الشيء، مثل هذا الشيء الفظيع؟
منيسيلوخوس
(بارتباك)
:
سمعتُ تهمة يا خروسالوس، وشككتُ في أن يكون
بستوكليروس وباكخيس قد دبَّرا مؤامرة ضدي؛ لذا غضبتُ
وسلمتُ النقود كلها إلى والدي.
خروسالوس
:
ماذا أخبرتَ به والدك عندما سلمتَه النقود؟
منيسيلوخوس
:
أخبرته بأنني استلمتها كطلبه من صديقه
أرخيديميديس.
خروسالوس
(عابسًا)
:
أواه! وألقيتَ بخروسالوس إلى التعذيب بناء على هذه
الحقيقة؛ إذ عندما تقع عينا الرجل العجوز عليَّ، فإنه
سيسلمني على الفور إلى المُعذِّب العام.
منيسيلوخوس
(بسرعة)
:
توسلتُ إليه.
خروسالوس
(بجفاء)
:
أحقًّا؟ أن يفعل ما أخبرتُك به على ما أعتقد؟
منيسيلوخوس
:
كلا، كلا، لا ليؤذيك، أو يغضب عليك، إطلاقًا، بسبب
ما فعلتَه؛ وقد قابلتُ صعوبة جمة في أن آخذ منه وعدًا
بالعفو عنك أيضًا. (يتوقف
برهة، ثم يتكلم في تملق) هذا هو ما يجب
أن تتدبره الآن يا خروسالوس.
خروسالوس
(بمرارة)
:
ماذا تريدني أن أتدبره الآن؟
منيسيلوخوس
:
أن تقوم بجولة أخرى ضد الرجل العجوز. استخدم أفكارك،
وحيلك، وبراعتك، أي طريقة تشاء، رتب خطة بارعة لخداع
الرجل العجوز، اليوم، والحصول منه على الذهب.
خروسالوس
:
يبدو لي أنه من النادر أن أستطيع هذا.
منيسيلوخوس
:
استمر فيما يبدو لك ممكنًا، ونفِّذه في سهولة
ويُسْر.
خروسالوس
:
في سهولة ويسر، لعنة الله عليها! مع ذلك الرجل الذي
ضبطني متلبسًا بالكذب الصارخ؟ مع رجل لو رجوته في ألا
يصدقني في شيء، لا يجرؤ على أن يصدق كلامي هذا
نفسه!
منيسيلوخوس
(يبتسم في ضعف)
:
والأسوأ من هذا لو سمعتَ ما قاله لي عنك.
خروسالوس
:
ماذا قال؟
منيسيلوخوس
:
إنك إذا أخبرته بأن الشمس هي الشمس، اعتقد بأنها
القمر، وأن الوقت ليل الآن وليس نهارًا.
خروسالوس
(يفكر لحظة، ثم يقول
مغتبطًا)
:
أقسم بجوبيتر! سأسلب هذا الرجل اليوم بطريقة رائعة،
كيلا يقول هذا بغير سبب!
منيسيلوخوس
:
وماذا تريد منا أن نفعل الآن؟
خروسالوس
:
أن تلتفتا إلى الغرام، هذا هو كل ما آمر به، واتكلا
عليَّ في موضوع الذهب بقدر ما يحلو لكما، إنني
رجُلكما. وما فائدة تسميتي خروسالوس، إن لم أعش عيشة
تبرهن على جدارتي به؟ والآن، ما المبلغ البسيط الذي
تحتاجه يا منيسيلوخوس؟ أخبرني به.
منيسيلوخوس
(بلهفة)
:
إنني في حاجة إلى مائتي جنيه في الحال لأدفعها
للضابط في نظير باكخيس.
خروسالوس
:
إنني رجُلك.
منيسيلوخوس
:
ثم يجب أن يكون لدينا شيء ننفق منه.
خروسالوس
:
فلنسِرْ برفق ونتدبر الأمور واحدًا واحدًا، فبعد أن
أتدبر هذا أنظر في أمر ذاك. سأجرب قذافتي على الرجل
العجوز من أجل المائتي جنيه أولًا. فإذا حطمتُ القلعة
والأسوار الخارجية بقذافتي تلك، ففي اللحظة التالية،
أدخل على الفور من الباب إلى المدينة العتيقة التي أكل
عليها الدهر وشرب، وإذا ما استوليتُ على المدينة
أمكنكما أن تحملا الذهب إلى صديقتيكما بملء السلال،
وتمتعتما بآمال نفسيكما.
بستوكليروس
:
إن نفسينا في عهدتك يا خروسالوس.
خروسالوس
(يُبدي أنه المدير)
:
والآن يا بستوكليروس، ادخل إلى باكخيس، وأسرع
بالعودة ومعك …
بستوكليروس
:
معي ماذا؟
خروسالوس
:
قلم، وشمع، وألواح، وبعض الشريط.
بستوكليروس
:
سأحضرها لك الآن وعلى الفور.
(يدخل إلى البيت.)
منيسيلوخوس
:
وماذا ستفعل الآن؟ أخبرني.
خروسالوس
:
هل أُعِدَّ طهو طعام الغداء؟ أنتما الاثنان، وفتاتك
معك كطرف ثالث، … أهذه هي الخطة؟
منيسيلوخوس
:
هي هكذا بالضبط.
خروسالوس
:
أما من فتاة لبستوكليروس؟
منيسيلوخوس
:
نعم، توجد له فتاة! إنه يحب إحدى الشقيقتين وأنا أحب
الأخرى، واسم كل منهما باكخيس.
خروسالوس
(مدهوشًا)
:
ما هذا الذي تقول؟
منيسيلوخوس
:
مجرد ترتيباتنا.
خروسالوس
:
أين أريكة الغداء المزدوجة هذه، وأين وُضعت؟
منيسيلوخوس
:
ولماذا تسأل هذا السؤال؟
خروسالوس
:
تتطلب القضية ذلك، أريد أن أعرف هذا. إنك لا تعرف ما
أفكر فيه، ولا أية خطة عملاقة أريد حبك خيوطها.
منيسيلوخوس
(بخبث)
:
أعطني يدك، واتعبني من قُرب إلى الباب. (يقود خروسالوس إلى بيت باكخيس،
ويدفع الباب فيفتحه) انظر إلى هناك.
خروسالوس
(وهو ينظر)
:
مَرحَى، مَرحَى! لذيذ جدًّا، نعم إنه نفس المكان
الذي طالما اشتقتُ إلى أن يكون هو!
(يعود بستوكليروس.)
بستوكليروس
(إلى خروسالوس، بإذعان
ساخر)
:
لقد نفَّذتُ الأوامر يا سيدي! الأوامر الطيبة التي
يصدرها خيرة الرجال، تُنفَّذُ في الحال.
خروسالوس
:
ماذا أحضرت؟
بستوكليروس
:
كل شيء طلبته سيادتكم (يُظهر له أدوات الكتابة).
خروسالوس
(إلى منيسيلوخوس)
:
أسرِعْ! خذ القلم وهذه الألواح يا هذا.
منيسيلوخوس
(يطيع)
:
ثم ماذا؟
خروسالوس
:
اكتب فيها ما أمليه عليك. أريد أن تكتب أنت، حتى
يتعرف والدك على خطك عندما يقرأ الرسالة. اكتب.
منيسيلوخوس
:
أكتب ماذا؟
خروسالوس
:
بعض التحيات — استعمل نفس ألفاظك — والتمنيات من أجل
صحة والدك (منيسيلوخوس
يكتب).
بستوكليروس
:
أليس من الأفضل أن يكتب عن المرض والموت؟ هذا يكون
أكثر ملاءمة لهدفنا.
خروسالوس
(إلى بستوكليروس)
:
لا تُشَوِّشْ عليه.
منيسيلوخوس
:
كتبت هذا، الآن، تبعًا للأوامر.
خروسالوس
:
أسمعنا كيف كتبته.
منيسيلوخوس
(يقرأ)
:
«يرسل منيسيلوخوس أطيب التمنيات لوالده.»
خروسالوس
:
أسرع، وأضف هذا إلى ما كتبتَه: «لا يفتأ خروسالوس
يتحدث إليَّ في كل مكان، يا والدي، ويُغلظ لي القول،
لأنني سلمتُ الذهب لك ولم أختلس منك شيئًا.»
بستوكليروس
:
على مهلك، حتى يكون لديه متسع من الوقت يكفي
للكتابة.
خروسالوس
:
يجب أن تكون يد العاشق سريعة الحركة.
بستوكليروس
:
نعم والله! ولكنها أقصر عملًا في النقود من
التراسل.
منيسيلوخوس
:
ثم ماذا؟ لقد فرغت من كتابة ذلك.
خروسالوس
:
«إذن، والحالة هذه، يجب أن تكون على حذر منه الآن يا
والدي، إنه يضع خطة دنيئة ليأخذ الذهب منك؛ وإنه
ليُقسم بأنه سوف يأخذه.» اكتب هذا بوضوح.
منيسيلوخوس
(بعد لحظة)
:
نعم، نعم، استمر.
خروسالوس
:
«وزيادة على هذا، فإنه يعدني بأن يعطيني إياه كي
أنفقه على السيدات وأبذره في المواخير الوضيعة يا
والدي. واحذر يا والدي ألا يلعب عليك اليوم. خذ حذرك
إكرامًا لخاطر الرحمة.»
منيسيلوخوس
(ينتهي من الكتابة)
:
حسنًا، هل من مزيد!
خروسالوس
:
استمر، وأضف هذا … (يفكر).
منيسيلوخوس
:
حسنًا، قُلْ، ماذا أضيف؟
خروسالوس
:
«ومع ذلك، فأرجوك أن تتذكر ما وعدتني به يا أبتاه،
لا تضربه؛ وإنما اربطه لمراقبته في البيت.» (إلى بستوكليروس) أين
الشمع والشريط، بسرعة! (بستوكليروس يطيع. إلى منيسيلوخوس)
هيَّا، اربطه واختمه بسرعة!
منيسيلوخوس
(يطيع)
:
بحق السماء، ما فائدة وثيقة كهذه، أُخبره فيها بألا
يثق بك، وبأن يربطك ويستمر في مراقبتك بالمنزل؟
خروسالوس
:
لأن هذا يتفق وخطتي. ألا تهتم بشئونك وتترك شئوني
لنفسي؟ (في زهو)
كنتُ أعتمد على نفسي عندما فكرت في هذا العمل، وسأتحمل
مسئولية إنجازه بنفسي.
منيسيلوخوس
:
هذا كلام طيب.
خروسالوس
:
أعطني الألواح.
منيسيلوخوس
(يعطيه ما طلب)
:
هاكَها.
خروسالوس
:
انتبه الآن يا منيسيلوخوس، وكذلك أنت يا بستوكليروس.
ادخلا في الحال، واتخذا مكانيكما على أريكتكما
المزدوجة، كل منكما إلى جانب معشوقته. هذا هو نفس
الشيء الذي يجب عليكما أن تفعلاه، أسرعا إلى حيث
الأريكتان موضوعتان الآن، وابدءا بالشراب.
بستوكليروس
(يستدير ليذهب)
:
أتريد شيئًا آخر؟
خروسالوس
:
كلا، هذا فقط. وهناك شيء واحد زيادة على ذلك: وما إن
تتخذا مكانيكما، فلا تتحركا من فوق الأريكتين قِيد
أنملة حتى أعطيكما الإشارة بذلك.
بستوكليروس
:
يا لك من قائد منقطع النظير!
خروسالوس
:
كان يجب أن تضعا كأسين من الشراب على المائدة من
قبل.
منيسيلوخوس
(يتصنع الفزع، في تهكم)
:
إننا سنهرب.
خروسالوس
(يزوم)
:
اعملا واجبكما، أنتما الاثنان، وأنا أهتم
بواجبي.
(يخرج بستوكليروس ومنيسيلوخوس ويدخلان إلى
بيت باكخيس.)
المنظر الخامس
خروسالوس
(مرتابًا)
:
يا له من عمل وحشي وحشي، ذلك الذي تعهدت به الآن،
وإن ما أخافه هو ألا أستطيع تنفيذه (يتوقف
برهة) ولكن ينبغي لي الآن أن أثير غضب
الرجل العجوز حتى يخرج عن طوره؛ إذ لا يتفق هدوءه وما
سأنصب به، عندما يقع بصره عليَّ. سأقلبه رأسًا على عقب
اليوم، بطريقة بارعة. أقسم بحياتي أن لأفعلنَّ هذا.
سأراه يتحمص كما يُسَوَّي الحِمَّص. سأتمشى حتى الباب
إلى أن يخرج فأدفع إليه بالخطاب بمجرد أن يظهر (ينسحب عندما يُفتح
الباب).
المنظر السادس
(يدخل نيكوبولوس آتيًا من المنزل.)
نيكوبولوس
:
تبًّا لي! كيف يحدث أن أدع خروسالوس يُفلت من يدي،
كما أفلت مني اليوم؟
خروسالوس
(بصوت منخفض)
:
لقد نجوتُ! ها هو ذا الرجل العجوز غاضب. هذا هو
الوقت المناسب للذَّهاب إليه.
نيكوبولوس
(بصوت منخفض)
:
من هذا الذي يتكلم قريبًا مني؟ (يبصر خروسالوس). نعم،
إنه خروسالوس، فعلًا على ما أعتقد.
خروسالوس
(لنفسه)
:
إليه الآن! (يتقدم
منه.)
نيكوبولوس
:
أهذا أنت! أيها الخادم الطيب، كيف حالك؟ متى سأبحر
إلى إفيسوس لإحضار الذهب من عند ثيوتيموس؟ ملتزم
الصمت؟ (بوحشية
أكثر) أقسم بالسماء إنه لولا محبتي ابني
إلى تلك الدرجة، ورغبتي في إجابة رغباته، لصارت جوانبك
هذه شرائح بالعصا الآن، وفي هذه اللحظة، ولقضيتَ حياتك
كلها مكبلًا بالأصفاد في الطاحون. سمعتُ عن نذالتك من
منيسيلوخوس، سمعتُ كل شيء.
خروسالوس
(يتظاهر بالاشمئزاز)
:
هل اتهمني أنا، أنا؟ هذا لطيف جدًّا والله العظيم!
هل أنا هو الشخص الشرير؟ أنا المجرم الملعون! (باهتمام) كل ما يجب
عليك هو أن تتيقظ وتفتح عينيك باستمرار؛ هذا هو كل ما
يجب عليَّ قوله.
نيكوبولوس
:
ماذا؟ أتتوعد أيها الكلب المشنوق؟
خروسالوس
:
سرعان ما ستعرف من أي نوع هو. لقد أمرني بأن أحمل
إليك خطابه هذا، الآن. ويرجوك في تنفيذ المكتوب
فيه.
نيكوبولوس
:
أعطنيه.
خروسالوس
(يطيع)
:
افحص الخَتم.
نيكوبولوس
(بعد أن يراه سليمًا)
:
نعم، نعم. وأين ابني نفسه؟
خروسالوس
(بخشونة)
:
لست أدري. خير شيء لي هو ألا أعرف شيئًا الآن. لقد
نسيتُ كل شيء. كل ما أعرفه هو أنني عبد ولا أعرف، حتى
ما أعرفه. (بصوت
خفيض) والآن ها هو العصفور ذاهب لالتقاط
الدودة الموضوعة في فخِّي، سرعان ما سيقع بطريقة لطيفة
داخل الأنشوطة التي نصبتُها له.
نيكوبولوس
(بعد أن قرأ الخطاب)
:
انتظر لحظة، (يدخل نحو
البيت) سرعان ما سأخرج إليك يا
خروسالوس.
(يخرج ويذهب إلى البيت.)
خروسالوس
(مزهُوًّا)
:
ألا يبلغني! أليس من الغريب أنه ينوي بي أمرًا!
سيُحضر بعض الخدم من البيت ليربطوني. ستعاني السفينة
الحربية تجرِبة لطيفة، أما السفينة الشراعية هنا فتثير
قتالًا عنيفًا! (يُصغي) ولكن، ما من كلمة! أسمع الباب
يُفتح.
المنظر السابع
(يدخل نيكوبولوس ومعه العبد رئيس الخدم،
وبعض العبيد الآخرين.)
نيكوبولوس
(إلى رئيس الخدم)
:
أسرع يا أرتامو Artamo، اربط يديه هناك!
خروسالوس
(عندما ينفِّذ أرتامو
الأمر)
:
ماذا فعلتُ؟
نيكوبولوس
(إلى أرتامو)
:
إذا تنفس بكلمة واحدة، فالكمه بقبضتيك في وجهه.
(إلى خروسالوس)
ماذا يقول في خطابه؟
خروسالوس
:
ولماذا تسألني هذا السؤال؟ أخذت الخطاب منه وسلمتُك
إياه كما أعطانيه، مختومًا.
نيكوبولوس
:
ويحك! إذن فقد كنتَ تخاطب ابني بالطرَف الخشن من
لسانك لأنه سلمني الذهب؟ يقول إنك ستأخذ الذهب مني،
على أية حال، بطريقة شريرة، أليس كذلك؟
خروسالوس
:
هل قلتُ هذا، أنا؟
نيكوبولوس
:
هو هكذا تمامًا.
خروسالوس
:
من ذلك الرجل الذي يقول إنني قلتُ هذا؟
نيكوبولوس
:
صهٍ! ما من أحد قال هذا: إن ما يتهمك هو هذا الخطاب،
الذي أحضرتَه بنفسك. (يريه
الخطاب) هاك! يأمر هذا الخطاب
بتقييدك.
خروسالوس
(يذعن)
:
تبًّا له! لقد جعل ابنك مني بيلِّيروفون Bellerophon.٢
ثانيًا: لقد أحضرتُ بنفسي الخطاب الذي يشير بتقييدي.
(متوعدًا)
حسنًا جدًّا!
نيكوبولوس
(متهكمًا)
:
أفعل هذا لمجرد أن أجعلك تحث ابني على الانضمام إليك
في حياة الشغب، أيها النذل.
خروسالوس
:
أواه، أيها الغبي المسكين، المسكين. إنك لا تعرف أنك
تباع في نفس هذه اللحظة، وأن الدلَّال ينادي
عليك!
نيكوبولوس
(متحيرًا)
:
أَجِبْ! من الذي يبيعني؟
خروسالوس
(متهكمًا باحتقار)
:
ذلك الذي تحب الآلهة أن يموت صغيرًا بينما هو متمالك
لقواه وحواسه وعقله. لو أحبَّ هذا الشخصَ (يشير إلى نيكوبولوس)
أيُّ إله، لوجب أن يكون قد مات منذ عشر سنوات، بل أكثر
من عشرين سنة. إنه يزحف ببطء متعثرًا على سطح الأرض،
مجردًا عن الذكاء والإحساس، لا يساوي أكثر من «عيش
الغراب»، بل من «عيش الغراب» العفن.
نيكوبولوس
(ثائرًا)
:
إذن فأنا أزحف على الأرض، تبعًا لما تقول؟ (إلى أرتامو والعبيد)
سيروا به إلى الداخل! نعم، واربطوه إلى عمود ربطًا
محكمًا! (إلى
خروسالوس) لن تسلبني ذلك الذهب
إطلاقًا.
خروسالوس
(مستغربًا)
:
ومع ذلك، فسرعان ما ستعطي الذهب.
نيكوبولوس
:
أنا أعطي الذهب؟
خروسالوس
:
نعم، وسترجوني، من تلقاء نفسك، أن آخذ الذهب، عندما
تعرف حقيقة موقف ذلك الذي يتهمني، وأي خطر قاتل يحدق
به، عندئذٍ تسرع إلى إطلاق سراح خروسالوس. أما إكرامًا
لخاطري، فلن تفك قيودي.
نيكوبولوس
:
تكلم يا منبع الشرور، تكلم. أي خطر يحدق بابني
منيسيلوخوس؟
خروسالوس
(يذهب نحو بيت باكخيس)
:
من هذا الطريق؛ اتبعني: سأخبرك به حالًا وأجعلك
تعرفه.
نيكوبولوس
(يتبعه)
:
إلى أي مكان ستقودني؟
خروسالوس
:
مجرد ثلاث خطوات.
نيكوبولوس
:
عشر خطوات، من أجل هذا الموضوع.
خروسالوس
:
هيَّا الآن يا أرتامو، افتح هذا الباب قليلًا، برفق
ولا تجعله يَصِرُّ.
(أرتامو يُنَفِّذ
أمره) هذا يكفي. (إلى نيكوبولوس) اذهب
إلى هذا الباب، أترى تلك الجماعة المرحة؟ (يشير إلى الداخل.)
نيكوبولوس
(ينظر خلسة)
:
أرى بستوكليروس وباكخيس، أمامي تمامًا.
خروسالوس
:
ومن يجلس على الأريكة الأخرى؟
نيكوبولوس
(يسترق النظر ثانية، ثم يتراجع
مذعورًا)
:
الموت واللعنة!
خروسالوس
:
أتعرف ذلك الشاب؟
نيكوبولوس
:
نعم، أعرفه.
خروسالوس
:
إذن، أرجوك أن تعطيني رأيك: أليست هي فتاةً فاتنة
الطلعة؟
نيكوبولوس
(بغضب)
:
نعم، هي كذلك!
خروسالوس
:
حسنًا، أتعتقد أنها مومس؟
نيكوبولوس
:
طبعًا.
خروسالوس
:
إنك مخطئ.
نيكوبولوس
:
إذن، ومن تكون هي، بحق السماء؟
خروسالوس
(في غموض)
:
سرعان ما ستعرف. ولكنك لن تعرف هذا مني
اليوم.
(يدخل كليوماخوس، ومن الجلي أنه لا يرى
الجمع الواقف عند الباب.)
المنظر الثامن
كليوماخوس
(يصيح)
:
أي منيسيلوخوس، يا ابن نيكوبولوس، أتحتفظ بامرأتي
هنا بالقوة؟ أية أخلاق هذه؟
نيكوبولوس
:
من هذا؟
خروسالوس
(بصوت منخفض)
:
لقد حضر الضابط في الوقت المناسب لي تمامًا.
(يسحب نيكوبولوس بعيدًا.)
كليوماخوس
:
أيظنني امرأة، ولستُ جنديًّا، يخيل إليه أنني امرأة
تعجز عن الدفاع عن نفسها وعن ذويها! والآن، لن تثق بي
بيلُّونا Bellona٣ ولن يثق بي مارس، إلا إذا أطفأتُ جذوة
حياته، بمجرد أن أقبض عليه، وإلا إذا سلبته حق
وجوده!
نيكوبولوس
(بلهفة)
:
أي خروسالوس! من هذا الذي يهدد ابني؟
خروسالوس
(ببرود)
:
إنه زوج المرأة الجالسة إلى جانب ابنك على
الأريكة.
نيكوبولوس
(فزعًا)
:
ماذا؟ الزوج؟
خروسالوس
:
هذا ما أقوله، إنه الزوج.
نيكوبولوس
:
بحق السماء، أهي متزوجة؟
خروسالوس
:
عما قليل، ستعلم.
نيكوبولوس
:
أواه! هذا مؤلم حقًّا!
خروسالوس
:
ماذا الآن؟ أتظن خروسالوس مجرمًا؟ هيَّا، الآن، فيما
بدا لك، اربطني واسمع كلام ابنك. ألم أخبرك بأنك ستعرف
أي نوع هو؟
نيكوبولوس
:
وماذا أفعل الآن؟
خروسالوس
:
أطلق سراحي من فضلك، وبسرعة، لأنه إن لم يُطلق
سراحي، فسرعان ما سيباغت رجُلنا متلبسًا
بالجريمة.
كليوماخوس
:
لا أُفَضِّل أن أكسب أي مبلغ من المال اليوم، من إن
أباغته وهي بين ذراعيه حتى أستطيع أن أقتلهما،
كليهما!
خروسالوس
:
أتسمع ما يقول؟ لماذا لا تطلق سراحي؟
نيكوبولوس
(إلى العبيد)
:
فكوا قيوده. (يطيعون) هذا فظيع! يا عزيزي، يا عزيزي،
إنني مذعور والذعر يتملك مني أكثر فأكثر!
كليوماخوس
:
ثم إن هذه المرأة التي تجعل من نفسها مومسًا عامة،
أؤكد بأنها لن تقول إنها اتخذت رجلا بوسعها أن تسخر
منه!
خروسالوس
:
يمكنك أن تشتري ثورته هذه بقليل من المال.
نيكوبولوس
(يتحدث جانبًا)
:
أشتري ثورته، إذن فإكرامًا لخاطر السماء أي شيء تريد
إذا لم يباغت هذا الصبي متلبسًا، ويقتله!
كليوماخوس
:
إذا لم أحصل على مائتي جنيه في الحال، فسأريق دمهما
معًا حتى يجفا، وأخمد أنفاس حياتيهما في هذه
اللحظة.
نيكوبولوس
:
هيا! اشتر غضبه بهذا المبلغ، إن استطعتَ إليه، بحق
السماء؛ اشتر غضبه بأي ثمن.
خروسالوس
:
سأذهب وأعمل كل ما في طاقتي. (يقترب من
كليوماخوس)علامَ تصيح يا هذا؟
كليوماخوس
:
أين سيدك؟
خروسالوس
(بصوت مرتفع)
:
لا يوجد في أي مكان. لست أدري. (يأخذه بعيدًا عن
نيكوبولوس) أتريد أن توعَدَ بمائتي جنيه
في الحال، على شرط ألا تأتي وتصيح أو تزمجر
هنا؟
كليوماخوس
(يهدأ)
:
لستُ أحب شيئًا خيرًا من هذا.
خروسالوس
(بصوت منخفض)
:
نعم، وعلى شرط أن تنال كثيرًا من الألفاظ القاسية
مني؟
كليوماخوس
:
كما يحلو لك.
نيكوبولوس
(وقد سمع الألفاظ الأخيرة
فقط)
:
انظر إلى كلب المشنقة هذا كيف يتملقه!
خروسالوس
:
هذا هو (يشير
بيده) والد منيسيلوخوس؛ هيا إليه، سيعدك
بهذا المبلغ. إنك تطلب النقود؛ (بمعنى) أما بقية
الشروط، فكلمة واحدة تكفي (يومئ كليوماخوس برأسه علامة على فهمه قصده.
ينضمان إلى نيكوبولوس).
نيكوبولوس
:
هل انتهيتَ؟ هل انتهيتَ؟
خروسالوس
:
سويت المسألة بمائتي جنيه.
نيكوبولوس
(مسرورًا)
:
مرحَى، يا خلاصي! لقد أنقذتني! كم يمر من الوقت قبل
أن أقول «سأدفع»؟
خروسالوس
(إلى كليوماخوس)
:
اذكر طلبك منه (إلى
نيكوبولوس) أعطه وعدًا بالدفع.
نيكوبولوس
(متلهفًا)
:
أعِدُ، اذكر طلبك.
كليوماخوس
:
هل تدفع لي مائتي جنيه طيبة أمينة، ذهبًا؟
خروسالوس
(إلى نيكوبولوس)
:
قل «سأدفع». رُدَّ عليه.
نيكوبولوس
:
سأدفع.
خروسالوس
(إلى كليوماخوس)
:
وماذا الآن أيها الحيوان؟ هل تدين أحدًا بشيء؟ لماذا
تضايق ذلك السيد؟ لماذا تهدده وتتوعده بالقتل؟ ستنال
منا وقتًا عصيبًا من أجل ذلك، منه ومني معًا. قد يكون
معك سيف، ولكنَّ لدينا «سيخًا» صغيرًا في البيت، فإذا
أثرتني هجمتُ عليك به وملأتك ثقوبًا أكثر من آكل النمل
الصارخ. يا للإله الرحيم! لقد رأيتك منذ وقت، وقد
آلمتك الشكوك من وجوده مع السيدة هناك.
كليوماخوس
:
شكوك؟ إنه لا يزال هناك.
خروسالوس
(في تملق)
:
إذن، فلتساعدني يا جوبيتر، ويا جونو، ويا كيريس، ويا
مينيرفا، ويا لاتونا، ويا سبيس Spes، ويا أوبس Ops، ويا فيرثوس، ويا فينوس، ويا
كاستور، ويا بولوكس، ويا مارس، ويا ميركوريوس، ويا
هرقل، ويا سومانوس Summanus، ويا سول، ويا ساتورنوس،
ويا جميع الآلهة، إنه ليس راقدًا معها ولا يمشي معها
ولا يُقَبِّلها ولا يفعل معها أي شيء آخر.
نيكوبولوس
(بصوت منخفض)
:
يا له من قَسَم! إنه يجدف على الآلهة مرتكبًا خطيئة
لكي ينقذني.
كليوماخوس
:
وأين منيسيلوخوس الآن إذن؟
خروسالوس
:
أرسله والده إلى المزرعة. أما السيدة فذهبت إلى
الأكروبول لزيارة معبد مينيرفا. إنه مفتوح الآن. اذهب
وانظر بنفسك إذا لم تكن هناك.
كليوماخوس
:
إذن، والحالة هذه، سأذهب إلى السوق.
خروسالوس
:
أو إلى الجحيم، إذا شئت، وحياة الرب!
كليوماخوس
:
هل سآخذ النقود منه اليوم؟
خروسالوس
:
خذها، ولتُشنَق! لا حاجة بك لأن تظن أنه سيستعطفك
أيها الرضيع (يخرج
كليوماخوس). لقد ذهب ليُعد حقائبه.
(بحماس)
أستحلفك باسم السماء يا سيدي إلا ما سمحتَ لي بأن أدخل
هنا وأقابل ابنك، أرجوك.
نيكوبولوس
:
تذهب إلى هذا البيت؟ لماذا؟
خروسالوس
:
حتى أزجره بما يستحق، لجرأته على مثل هذا
العمل.
نيكوبولوس
:
أسمح لك؟ أرجوك يا خروسالوس وأتوسل إليك ألا تزعجه
أقل إزعاج!
خروسالوس
(بازدراء بالغ)
:
أتحذرني من ذلك؟ أنا؟ أيكفيه أن يسمع مني اليوم
ألفاظًا قاسية أكثر مما سمع كلينيا Clinia٤ من ديمتريوس Demetrius؟٤
(يخرج خروسالوس ويدخل بيت
باكخيس.)
نيكوبولوس
(بأسف)
:
خادمي هذا أشبه ما يكون بالعين الموجعة؛ فإذا لم
توجعك عينك فإنك لا ترغب فيها ولا يمكنك أن تتحاشاها؛
وإذا كانت توجعك، فلن تستطيع إبعاد يدك عنها. فإذا لم
يتصادف، من حسن الحظ، أن يكون هنا اليوم، لباغت الضابط
منيسيلوخوس مع زوجته، وقتله ومزقه إرْبًا إرْبًا جزاء
الزنا المتلبس به. ومع كلٍّ، فقد اشتريت ابني بالمائتي
جنيه التي وعدت بها الضابط؛ مائتي جنيه، لن أتهور بأن
أدفعها له قبل أن أقابل ابني. لن أضع ثقتي في خروسالوس
متهورًا، وحق السماء! ولكن لي عقلًا يجعلني أقرأ هذا
(ينظر إلى
الخطاب) في إمعان مرة ثانية، يجب أن يثق
المرء بالخطاب المختوم.
(يخرج ويدخل البيت.)
المنظر التاسع
(بعد مرور خمس عشر دقيقة.)
(يدخل خروسالوس آتيًا من منزل
باكخيس.)
خروسالوس
(باستياء)
:
أُطلقَ على وَلدَيْ أتريوس Atreus أنهما فعَلَا عملًا جليلًا،
عندما خذلا مدينة بريام Priam «برجاموم Pergamum»، «المحصنة بأيدٍ إلهية»
بعد عشر سنوات، برغم ما معهما من أسلحة وفرسان وجيش
ومحاربين ذائعي الشهرة وألف سفينة لمساعدتهما. لم يكن
هذا كافيًا لإقامة ثؤلول على أقدامهما، إذا قورن
بالطريقة التي سأستولي بها على سيدي عَنوة، بغير أسطول
ولا جيش ولا كل تلك الجموع من الجنود. والآن، قبل أن
يظهر ذلك الرجل العجوز، أشعر بالرغبة في إعداد مفاجأة
محزنة له إلى أن يعود. (يُعوِّل) وا طرواداه، وا مدينة الآباء،
وا بِرجاموماه! وا بريام العتيق، لقد مضى زمانك! لن
تُهزَم هزيمة شنعاء، شنعاء، ويؤخذ منك أربعمائة جنيه
ذهبية. نعم، هذه الألواح (يُظهرها) التي أحملها مختومةً وموقعًا
عليها، ليست ألواحًا، بل هي حصان أرسله الأغارقة. حصان خشبي.٥ وزيادة على ذلك، فإن الألفاظ المكتوبة هنا
هي الجنود المختبئون داخل الحصان. إنها جنود مدججة
بالسلاح حتى أسنانها، وتتوثب حماسًا إلى القتال.
وهكذا، فقد تقدمت خطتي حتى الآن. نعم، وسيتقدم هذا
الحصان للهجوم، ليس على حصن، وإنما على خزانة أموال
منيعة. سيبرهن هذا الحصان على كفاءته، اليوم، على أن
يحطم ويدمر ويعتدي على ذهب ذلك الرجل العجوز. فرجلنا
العجوز الغبي هذا أسميه إيليوم Ilium. من المؤكد أنني أطلق عليه
هذا اللقب. أما الضابط فهو مينيلاوس Menelaus، وأنا
أجاممنون Agamemnon. كما أنني أيضًا
أوليسس
اللايرتياني Laertian Ulysses. أما منيسيلوخوس فهو الإسكندر٦ الذي سيكون سبب دمار مدينته ووطنه؛ إنه
الشخص الذي خطف هيلين Helen، التي بسببها أحاصر إيليوم
الآن. كان أوليسس في إيليوم، كما يقولون، رجلًا جريئًا
شريرًا، كما هو الحال معي الآن. لقد ضُبطتُ في حِيَلي؛
ووُجد هو يتسول وكاد يهلك، بينما كان يسعى إلى معرفة
مصير أهل إيليوم. وما أصابني اليوم يشبه ما أصابه؛
قُيِّدتُ، ولكني أطلقتُ سراح نفسي بحِيَلي، وبمثل هذه
الحِيَل أنقذ أوليسس نفسه أيضًا. يقولون كانت هناك، في
حالة إيليوم، ثلاثة أحداث شؤم أدت إلى سقوطها؛ أولها:
اختفاء التمثال٧ من القلعة، وثانيها: موت ترويلوس Troilus،٨ وثالثها: هدم قمة الباب الفروجي. يقابل
هذه الأشياء الثلاثة ثلاثة أحداث منحوسة الطالع في
حالة إيليوم التي عندنا. فمنذ فترة وجيزة، عندما
أخبرتُ رجُلنا العجوز بتلك الأكذوبة الخاصة بصديقه
وبالسفينة، كنتُ قد سرقتُ التمثال من القلعة. وحتى بعد
ذلك، لا يزال هناك حدثان يجب أن يقعا، ولا تزال
المدينة لم تسقط. بعد ذلك، عندما حملتُ الخطاب إلى
الرجل العجوز، قتلتُ ترويلوس عندما ظن، منذ برهة، أن
منيسيلوخوس كان مع زوجة٩ الضابط. وزيادة على ذلك، التحمتُ مع
الضابط النبيل — الذي يستولي على المدن بغير أسلحة سوى
لسانه القوي — وطوحت به بعيدًا. بعد ذلك دخلت في معركة
مع الرجل العجوز، نعم، وضربته فطرحته أرضًا بكذبة
واحدة؛ ضربة واحدة ليس غير، فصارت الغنائم ملكي. فهو
الآن سيعطي الضابط المائتي جنيه التي وعده بها، ثم
إننا لا نزال في حاجة إلى مائتي جنيه أخرى يجب أن
يدفعها عند الاستيلاء على إيليوم حتى يُزَوِّد الجنود
بالخمر والعسل للاحتفال بنصرهم١٠ (يدخل
نيكوبولوس آتيًا من بيته) أواه، يا هذا!
إنني أرى بريام واقفًا أمام الباب. سأذهب إليه
وأخاطبه.
نيكوبولوس
(ينظر حواليه)
:
صوت من هذا، الذي أسمعه قريبًا مني؟
خروسالوس
(يقترب منه)
:
ها أنت ذا يا سيدي!
نيكوبولوس
(متلهفًا)
:
كيف الحال؟ ماذا عن مهمتك؟ هل أنجزت شيئًا؟
خروسالوس
:
أتسأل عن ذلك؟ هيا، اقترب مني.
نيكوبولوس
(يقترب)
:
ها أنا ذا.
خروسالوس
(بحماس)
:
إنني محاميك! كدت أجعل صاحبنا يبكي بالدموع بأن قلتُ
له جميع الألفاظ المريرة التي استطعت التفكير
فيها.
نيكوبولوس
:
وماذا قال؟
خروسالوس
:
لم ينطق ببنت شفة، وإنما بكى في سكون، وأَصغَى إلى
ما كنتُ أقوله له. وبينما هو في صمته، كتب خطابًا
وختمه، وسلمني إياه. وأمرني بأن أعطيكه. ولكني أخشى أن
يكون بنفس نغمة الخطاب السابق. (يعطي نيكوبولوس
الألواح) افحص الخَتم. هل هو
خَتمه؟
نيكوبولوس
(يفحص الخَتم)
:
نعم، نعم. إنني أتوق إلى قراءة هذا الخطاب حرفًا
حرفًا.
خروسالوس
:
نعم، اقرأه. (هامسًا) والآن، قد مُزِّقَت قمة الباب
العليا؛ وقد اقترب وقت سقوط إيليوم. إن الحصان الخشبي
قد أربك الأمور بصورة جميلة.
نيكوبولوس
:
انتظر هنا يا خروسالوس ريثما أقرأ هذا
بإمعان.
خروسالوس
:
وما فائدة بقائي معك؟
نيكوبولوس
:
أريد ذلك، حتى تعرف المكتوب في هذا الخطاب.
خروسالوس
:
ليس لي، لا أرغب في معرفته.
نيكوبولوس
:
لا عليك منه، ابق هنا.
خروسالوس
:
وما الفائدة؟
نيكوبولوس
(غاضبًا)
:
صهٍ! وافعل ما آمرك به.
خروسالوس
(يتظاهر بالتردد)
:
سأبقى.
نيكوبولوس
(يفتح الألواح)
:
حسنًا، حسنًا! يا لها من حروف منمقة!
خروسالوس
(ببراءة)
:
نعم، إنها كبيرة بدرجة تكفي ليقرأها رجل ضعيف البصر،
إذا كان نظرك كافيًا.
نيكوبولوس
:
إذن فأعرني سمعك.
خروسالوس
:
قلت لك إنني لا أود معرفته.
نيكوبولوس
:
ولكني أريدك أن تعرفه، قلت لك هذا.
خروسالوس
:
وما فائدة ذلك؟
نيكوبولوس
:
اسمع الآن، افعل ما آمر به.
خروسالوس
(بعد التفكير، وبغير
محاباة)
:
من واجب خادمك أن يخدمك كما تريد يا سيدي.
نيكوبولوس
:
أرجوك الآن أن تُصغي إلى هذا في الحال.
خروسالوس
:
اقرأ متى أحببتَ يا سيدي، أعِدك بآذاني.
نيكوبولوس
(يتصفح الألواح بإمعان
ويتنهد)
:
يبدو أنه لم يبخل بالشمع ولا بالقلم. ولكن، مهما كان
فسأقرؤه كله. (يقرأ) «أبتاه، أعطِ خروسالوس مائتي
جنيه، بحق الرحمة، إذا كنتَ ترغب في بقاء ابنك سالمًا،
وعلى قيد الحياة، أعطه «علقة» مليحة طيبة، بحق
السماء!»
خروسالوس
:
أخبرني.
نيكوبولوس
:
ماذا؟
خروسالوس
:
ألم يكتب كلمة تحية أولًا؟
نيكوبولوس
(ينظر في الخطاب)
:
ليس به أدنى إشارة إلى ذلك.
خروسالوس
(مستاء)
:
لا تفعل ذلك إذا كنتَ عاقلًا، ولكن مهما كنتَ
ستفعله، افعله، دعه يبحث عن رسول آخر يحمل إليه
النقود، إذا كان عاقلًا؛ لأنني لن أحملها، مهما
أمرتني. لقد اشتُبه فيَّ بما فيه الكفاية، بينما كنت
خاليًا من كل لوم.
نيكوبولوس
:
أصغِ إليَّ بانتباه، بينما أقرأ المكتوب هنا.
خروسالوس
:
هذا خطاب ينطوي على الوقاحة، إنه وقح منذ
بدايته!
نيكوبولوس
(يستأنف القراءة)
:
«إنني أخجل من مقابلتك يا أبي؛ فقد سمعتُ أنك عرَفتَ
خيانتي الشريرة مع زوجة الضابط الأجنبي.» وحق الرب!
ليس هذا مزاحًا! كلفني إنقاذ حياتك مائتي جنيه ذهبي،
بعد هذا العمل الشرير!
خروسالوس
:
لم أخبره بشيء من ذلك يا سيدي.
نيكوبولوس
:
«أعترف بأنني تصرفتُ بغباء، ولكن لا تهجرني يا
والدي، إكرامًا لخاطر الرحمة، إذا كنتُ قد أخطأتُ في
جنوني. لقد استبدت بي الرغبات الدنيئة، ولم أستطع ضبط
عينيَّ؛ أُغريتُ على فعل ما أخجل الآن من فعله.» كان
الأجدر بك أن تلزم الحزم وقتذاك، بدلًا من الخجل
الآن!
خروسالوس
:
هذه هي نفس الألفاظ التي قلتُها له منذ لحظة يا
سيدي.
نيكوبولوس
:
«أرجوك يا والدي أن تعرف تمامًا أن خروسالوس قد
زجرني بخشونة، بل وبمنتهى الفظاظة، وجعلني رجلًا أكثر
تعقُّلًا بنصائحه، حتى إنه ليجب عليك أن تشكره على
ذلك.»
خروسالوس
:
أهذا مكتوب في الخطاب؟
نيكوبولوس
(يريه موضع ذلك)
:
هنا! أصغِ إليَّ إذن وستعرف.
خروسالوس
(بتقوى)
:
كيف يجثو فاعل الشر على ركبتيه أمام كل فرد، من
تلقاء نفسه!
نيكوبولوس
:
«والآن، إذا كان لي حق أدبي في التوسل إليك يا أبي،
فإنني أتوسل إليك الآن أن تعطيني مائتي جنيه.»
خروسالوس
:
ولا جنيهًا واحدًا، بحق السماء، إذا كنتَ
عاقلًا!
نيكوبولوس
:
دعني أقرؤه كله: «أقسمتُ يمينًا مغلظة لأعطينَّ
المرأة هذا المبلغ قبل أن يأتي المساء، وستتركني.
والآن يا والدي أرجوك ألا تجعلني أحنَث في يميني،
وأنقذني بأسرع ما في مُكنتك من هذا المخلوق الذي
أصبحتُ بسببه متلافًا وشريرًا. ولا تجعل موضوع مبلغ
مائتي جنيه يغيظك، فإنني سوف أرده لك آلاف الأضعاف،
إذا عشتُ. وداعًا، وتمعن في هذا الأمر.» والآن، بماذا
تنصح يا خروسالوس؟
خروسالوس
(بعنف)
:
لن أعطيك أية نصيحة اليوم! لن أخاطر بإنقاذك إذا حدث
شيء لا تُحمد عقباه، فتقول إنك فعلتَه بناء على
مشورتي. ومع ذلك، فمن رأيي، إذا كنتُ في موضعك، أن
أعطيه النقود بدلًا من أن أتركه في حياة البغاء هذه.
هناك أمران لا ثالث لهما اختر لنفسك ما يحلو منهما:
إما أن تخسر ذلك المبلغ، وإما أن تترك حبيبك يحنَث في
يمينه. لستُ آمرك ولا أنهاك ولا أحثك، كلا، لستُ أنا.
نيكوبولوس
(في جدِّيَّة)
:
إنني حزين من أجل هذا الصبي.
خروسالوس
:
لا غرابة في هذا، لأنه لحمك ودمك. (بصفة عابرة) إذا كنتَ
ستخسر أكثر من هذا، فهو خير من أن تصبح هذه الفضيحة
حديث الناس في كل مكان.
نيكوبولوس
:
يا للإله الرحيم! إنني لأفضل كثيرًا لو بقي في
إفيسوس، على شرط أن يكون سالمًا، على عودته إلى الوطن
(يتوقف لحظة)
ماذا أفعل في هذا الموضوع؟ (يتوقف لحظة أخرى، ثم يقول في غيظ)
فلأسرعنَّ وأخسر ما يجب أن أخسره، سأدخل البيت وأحضر
أربعمائة جنيه في الحال؛ المائتي جنيه التي وعدتُ بها
الضابط منذ برهة، أنا التعيس المسكين، وهذه المائتين
الأخيرة. انتظر حيث أنت، سأعود إلى هنا بعد لحظة يا
خروسالوس.
(يخرج نيكوبولوس ويدخل البيت.)
خروسالوس
(يهذي)
:
لقد سقطت طروادة، إذ خذل الرؤساء بِرجاموم! كنتُ
أعرف منذ زمن بعيد أنني سأكون سبب سقوط بِرجاموم! أقسم
بالله، إن الرجل الذي يقول إنني أستحق العقاب بفظاعة،
من المؤكد أنني لا أجسر على مراهنته على أنني لا أستحق
ذلك. ما أشد هذه الضجة التي أقمتُها! (يُصغي) ولكن الباب
صَرَّ، ها هي الغنيمة قد نُقلت من طروادة. هذا أوان
لزومي الصمت!
(يعود نيكوبولوس ومعه صرتان من
الذهب.)
نيكوبولوس
:
خذ هذه النقود يا خروسالوس وسلمها إلى ابني. أما أنا
فسأذهب إلى السوق لتسوية حسابي مع الضابط.
خروسالوس
(يتقهقر إلى الخلف)
:
كلا، حقيقةً، لن آخذها. لذا يمكنك أن تبحث عن شخص
آخر يحملها بدلًا مني. لا أريد أن يُعهد إليَّ
بها.
نيكوبولوس
:
هيا، هيا، خذها، إنك تغيظني.
خروسالوس
:
حقًّا، إنني لن آخذها.
نيكوبولوس
:
ولكنني أرجوك.
خروسالوس
(في عزم)
:
أخبرتك بموقفي.
نيكوبولوس
(وقد نفد صبره)
:
إنك تؤخرني.
خروسالوس
:
لا أريد أن يُعهد إليَّ بنقود. قلتُ هذا. (يتوقف لحظة) لا أقَلَّ
من أن تُعيِّن شخصًا لمراقبتي.
نيكوبولوس
:
ويحك! إنك تغيظني.
خروسالوس
(في تردد)
:
أعطنيها، إذا كان لا بد لي من أن آخذها.
نيكوبولوس
(يسلمه صرة الذهب)
:
اهتم بهذه. سأعود إلى هنا سريعًا.
(يخرج نيكوبولوس ويذهب نحو
السوق.)
خروسالوس
(عندما يختفي نيكوبولوس)
:
لقد اهتممتُ بها، أن تكون أتعس بائس بين الأحياء.
هذه هي الطريقة التي تُنفِّذ بها محاولاتك في أسلوب
بديع! هذا حظ جميل، أن تعيش في بحبوحة محمَّلًا
بالغنائم. وإذ سلِمتُ، أنا نفسي، واستوليتُ على
المدينة بالدهاء، فها أنا ذا أعود بجيشي سليمًا كاملًا
إلى الوطن. بيد أن النَّظَّارة لن يُدهشوا الآن إذا
كنتُ لم أُحرز نصرًا ولم أحتفل به، فهذه أمور عادية
ولا أهتم بشيء منها. أما الجنود فسينالون الخمر والعسل
على أية حال. (يستدير نحو
باب بيت باكخيس) سأحمل هذه الغنيمة إلى
أركان الحرب على الفور.
(يخرج ويدخل البيت.)
المنظر العاشر
(بعد أن يمر نصف ساعة.)
(يدخل فيلوكسينوس.)
فيلوكسينوس
:
كلما فكرتُ في هذه المساخر التي انغمس فيها هذا
الصبي العديم التفكير، وتلك الحياة والعادات التي سقط
فيها، انتابتني الوساوس والهموم والمخاوف من أن يصير
ماجنًا متهورًا، وسادرًا لا يرعوي. أعلم أنني كنتُ
صغيرًا، أنا نفسي، وفعلتُ كل هذه الأشياء، ولكني أظهرت
شيئًا من ضبط النفس. لا تروقني الطريقة التي أرى
الآباء يعاملون بها أبناءهم. لقد تعودت أن أكون حُرًّا
مع ابني، حتى يسير تبعًا لأهوائه، وأعتقد أن هذه طريقة
عادلة، ولكني برغم هذا لا أريد أن أترك له الحبل على
الغارب ليستمر في مباذله. سأذهب الآن لمقابلة
منيسيلوخوس لأرى ماذا فعل في المهمة التي عهِدت بها
إليه، وهل قاد ابني إلى طريق الاستقامة والفضيلة
بجهوده، وإني لأعلم من تكوينه أنه لا بد أن يكون قد
قوَّم من اعوجاجه، إذا واتته الفرصة.
(يذهب نحو باب بيت باكخيس.)