الفصل الأول
المنظر الأول
(يدخل إرجاسيلوس، بادي الجوع والبؤس.)
إرجاسيلوس
:
أطلق عليَّ الزملاء الشبان اسم «الفتاة» لأنهم كلما
كانوا في الولائم أُحسُّ بأنني مدعوٌّ معهم. وعلى وجه
التحقيق، يقول المهرجون المحترفون، إنه لقب مبتذل،
ولكني أحتج على هذا متمسكًا بأنه لقب طيب. إذ عندما
يكون صغار الفرسان في ولائمهم ويلعبون بزهر النرد،
ينادون فتياتهم، نعم ينادون معشوقاتهم، ليقفن إلى
جانبهم عندما يقذفون بالزهر. إذن، فهل «الفتاة» تدعى
معهم أو لا تدعى؟ لا شك في هذا، ولكني أخبرك، بحق
السماء، أننا نحن معشر الرجال المتطفلين، نُحسُّ
بالدعوة دون خطأ، إذ ما من أحد يعطف علينا أو يدعونا.
إننا كالجرذان نقرض باستمرار طعام شخص آخر. وعندما
تأتي أيام العطلات، ويقضيها الناس في ضياعهم الريفية،
تأخذ أسناننا عطلة أيضًا. هذا هو نفس ما يحدث للقواقع
المختبئة داخل الجحور في أيام القيظ اللافح لشهري
يوليو وأغسطس. فتعيش على ما تختزنه في أجسامها من
عصارات عندما لا يسقط أي ندى: هكذا الحال مع كل طفيلي
إبان أيام العطلات، فيختبئ في جُحره ويقوت نفسه من
عصارة جسمه بينما يكون الناس الذين يستطيع أن يتناول
طعامه على موائدهم، في المناطق الريفية يصيفون. إذن،
فطيلة أيام العطلات، نغدو، نحن المتطفلين، كلاب صيد،
فإذا انقضت العطلات صرنا ذئابًا، وكلاب غزلان، وكلاب
خنازير. وأقسم بالله، إذا عارض الطفيلي، في هذه
المدينة على الأقل، في أن يُضرب أو تُحَطَّمَ قِدر من
الفَخَّار فوق جمجمته، فالأوْلى به أن يذهب إلى الجانب
البعيد من «باب الأقبية الثلاثة» ويحمل حقيبة حمَّال.
(بأسف) ومن
المحتمل أن يكون هذا حظي. إذ بعد أن التحم سيدي مع
الأعداء فإن الأيتوليين، كما ترى، في حرب الآن مع
الإليانيين. فهذه أيتوليا كما تعلم، وإن فيلوبوليموس
أسير هناك في إليس، وإن فيلوبوليموس هذا هو ابن هيجيو،
ذلك السيد العجوز القاطن في (يشير بيده) ذلك البيت (وإنه لبيت يزخر بالآلام! وكل
مرة أنظر إليه فيها يجعلني أبكي!).
حسنًا، قام هيجيو بعمله الحالي، من أجل خاطر ابنه، وهو
عمل لا يليق بكرام القوم، ودنيء بالنسبة لرجل من هذا
النوع. إنه يشتري أسرى الحرب عسى أن يعثر على أسير
يمكنه أن يستبدل به ابنه. ويا لرحمة الله! كم أتوق إلى
أن يكون النجاح حليفه! وإنك لتعرف أن هذه مسألة ذات
وجهين: فإما أن يعود ذاك إلى الوطن، وإما أن أظل أنا
على الطوى. فلا رجاء إطلاقًا في سادتنا الشبان؛ لأنهم
أنانيون، جميعهم بغير استثناء! ولكن ذاك سيد شاب من
المدرسة القديمة، ذلك الغلام، فلم يحدث قط أن مسحت
جبينه دون أن يشكرني من أجل ذلك. ووالده سيد لطيف كل
اللطافة. والآن، لا بد لي من الذَّهاب إليه. (يسير نحو بيت هيجيو)
هذا هو بابه الذي كثيرًا ما خرجتُ منه مليئًا بالطعام
ونشوان ثملًا (ينسحب).
المنظر الثاني
(يدخل هيجيو مع العبد رئيس الخدم.)
هيجيو
:
أرجو الانتباه يا غلامي: فُك الأصفاد عن الأسيرين
اللذين اشتريتُهما أمس من الضباط المكلفين بالتصرف في
أسلاب الحرب، وقيِّدهما بالأغلال الخفيفة. دعهما
يتجولان هنا في الخارج أو هناك في الداخل، كما يحلو
لهما، ولكن يجب أن تراقبهما بدقة. وكن على حذر دائمًا،
فالأسير الطليق طائر وحشي، فما تسنح له فرصة الطيران
حتى تكون كافية … لن تستطيع الإمساك به بعد
ذلك.
رئيس الخدم
:
هذا أكيد يا سيدي، عندئذٍ نُفضِّل جميعًا أن نصير
عبيدًا بدلًا من أن نظل أحرارًا.
هيجيو
:
على أية حال، يبدو أن هذا غير حقيقي في حالتك.١
رئيس الخدم
:
عندما لا يكون لديَّ ما أعطيكه، فماذا تقول عني إن
أعطيتك … الفرار؟
هيجيو
:
أعطني هذا، وسيكون عندي أخيرًا شيء أعطيك
إياه.
رئيس الخدم
:
سأحاكي ذلك الطائر الوحشي الذي تتكلم عنه.
هيجيو
:
بالضبط … لأنني عندئذٍ أضعك في القفص. ولكن، كفى من
هذا، انتبه إلى أوامري، وإليك عني. سأذهب إلى بيت أخي
لألقي نظرة على أسراي الآخرين، وأرى ما إذا كانوا قد
أحدثوا أي شغب في الليلة الماضية، وبعد ذلك سأعود إلى
البيت على الفور.
(يخرج رئيس الخدم ويدخل البيت.)
إرجاسيلوس
(يتنهد عاليًا)
:
يحزنني أن أرى هذا السيد العجوز المسكين يقوم بعمل
السجان من أجل خاطر ابنه المسكين. (بصوت أكثر انخفاضًا)
ومع ذلك، فلو أفلح في إعادة ابنه إلى هنا بطريقة ما،
فلا مانع من أن يصير جلادًا أيضًا، يمكنني أن أتحمَّل
ذلك.
هيجيو
(يتطلع حواليه)
:
من هذا الذي يتكلم هنا؟
إرجاسيلوس
(يتقدم نحوه)
:
أنا الرجل الذي أضناني وأنحلني ما تقاسيه، حتى صرتُ
هزيلًا وعجوزًا، وأذوي حزنًا، لستُ سوى جلد وعظام،
أتألم من أجلك وأنا في هذه الصورة. لا أذوق ما يمسك
رمقي في بيتي، ولا آكل شيئًا يفيدني. (هامسًا) ولكني كم أجد
لذة في مجرد لقمة بسيطة عندما أذوي نحولًا!
هيجيو
:
آهٍ، نهارك سعيد يا إرجاسيلوس.
إرجاسيلوس
:
فليباركَّ الرب يا هيجيو، يباركَّ بركة واسعة!
(يمسك يد هيجيو بحماس،
وينخرط في البكاء.)
هيجيو
:
لا تبكِ يا هذا!
إرجاسيلوس
:
ألا أبكي من أجله؟ ألا أبكي حتى تتقرح عيناي من أجل
مثل هذا الشاب؟
هيجيو
(متأثرًا بعض الشيء)
:
كنتُ أشعر دائمًا بأنك صديق لابني، وأدركتُ أنه كان
يعتبرك صديقًا.
إرجاسيلوس
(تخنقه العبرات)
:
وهل أنا غريب؟ أنا؟ غريب عن ذلك الصبي؟ أواه، آه،
آهٍ يا هيجيو! لا تقل شيئًا كهذا، ولا تتطرقنَّ إلى
ذهنك أية فكرة كهذه، إطلاقًا! هو ابنك الوحيد، نعم …
ولكنه كان أكثر من هذا لي، كان … الوحيد! (ينتحب بشدة.)
هيجيو
:
أُقَدِّر هذا منك أعظم تقدير، أن تعتبر مصيبة صديقك،
مصيبتك. (يربت على
ظهره) هيَّا الآن تشجَّعْ.
إرجاسيلوس
:
أواه يا عزيزي، أواه يا عزيزي! هنا (يدعك معدته) موضع
الألم، فقد تفككت وانحلَّت جميع هيئة أركان حربي الآن،
كما ترى.
هيجيو
(يبتسم)
:
وفي الوقت ذاته، ألم تعثر على شيء يعيد تنظيم هذه
الهيئة التي قلتَ إنها انحلَّت؟
إرجاسيلوس
:
أتصدق هذا؟ كل فرد قد ظل يناضل خجلًا في تلك الهيئة،
منذ أن أُسر ابنك فيلوبوليموس، شاغلها المنتخَب
الشرعي.
هيجيو
:
فلتبارك الآلهة رُوحي، لا عجب في أنهم يناضلون خجلًا
منها. إنك في حاجة إلى كثير من المجندين، ومن عدة
أنواع أيضًا؛ فأولًا: تحتاج إلى بادويين Pad-u-ans،٢ وهناك عدة أنواع من البادويين تحتاج إلى
تأييد بولونيا Bologna، وتحتاج كذلك إلى
الفرانكفورتيين Frankfurters (ويقصد بذلك المعنى
الآخر وهو «السجق» الأحمر)، ثم تحتاج إلى الليجهورنيريين Leghorners
(ويقصد بها الدجاج السمين)، وتحتاج إلى البيزيين Pisans (ويقصد بها
الأغنام السمينة). وزيادة على ذلك تحتاج إلى كل مقاتل
في فنلندة Finland
(أي أرض الزعانف، ويقصد بها الأسماك).
إرجاسيلوس
(بتقدير)
:
كثيرًا ما تختفي المواهب العظمى في طي الظلام! فهذا
الرجل كم هو قائد عام عظيم، ومع ذلك فهو هنا مواطن
عادي!
هيجيو
:
حسنًا، حسنًا، هيا تشجَّعْ. فالواقع أنني أُومن
بأننا سنستعيد ذلك الصبي ثانية، وسيكون معنا بعد بضعة
أيام. إذ، انظر (يشير إلى
البيت)، لديَّ هناك أسير شاب إلياني من
أسرة نبيلة واسعة الثراء، وإنني لأُعوِّل على أن يكون
في مُكنتي استبداله بابني.
إرجاسيلوس
(بإخلاص من كل قلبه)
:
عسى أن يكون الآلهة والربات معك! ومع ذلك فإني أقول:
ألم تُدْع إلى العشاء في مكانٍ ما؟
هيجيو
(باحتراس)
:
لم أُدْعَ إلى أي مكان، تبعًا لما أعرف. ولكن لماذا
تسأل هذا السؤال؟
إرجاسيلوس
:
لأن اليوم عيد ميلادي، ولذا اعتبر نفسك مدعُوًّا
لتناول العشاء في … بيتك.
هيجيو
(يضحك)
:
عبارة حسنة التنميق! ولكن، على شرط أن تقنع بالقليل
القليل.
إرجاسيلوس
:
نعم، ولكن لا تجعله قليلًا جدًّا، جدًّا، جدًّا، لأن
هذا هو ما أحظى به، باستمرار، في بيتي. هيا، هيا، وقُل
من فضلك: «موافق!» (يتوقف
لحظة، ثم يقول بجدية) وفي حالة ما إذا
كان الحفل منقطع النظير لي ولزملائي، فإنني أبيع نفسي
لك — بشروطي، أنا نفسي — كما لو كنتُ أبيع عقارًا
بالمزاد.
هيجيو
:
عقار حقًّا! أتقصد عقارًا خاويًا؟ ولكن إذا كنتَ
تقصد أن تأتي، فتعالَ في الموسم.
إرجاسيلوس
:
أواه! إنني متفرغ لهذه المسألة في هذه
الدقيقة.
هيجيو
:
كلَّا، كلَّا، اذهب واصطدْ أرنبك، فلم تحصل إلا على
قنفذ فحسب. لأن مائدتي ستسير في طريق صخري وعر.
إرجاسيلوس
:
كلا، لا تخذُلني بهذه الطريقة يا هيجيو، ولا تفكر في
عمل ذلك، سأكون معك مهما بلغ الأمر، وقد شُحذت
أسناني.
هيجيو
:
الحقيقة أن طعامي مفزع.
إرجاسيلوس
:
مفزع؟ هل تأكل أشواك العليق؟
هيجيو
:
نعم، الأشياء التي تتعمق جذورها في الأرض.
إرجاسيلوس
:
إن الخنزير هو الذي يفعل ذلك.
هيجيو
:
أقصد أن معظم طعامي من الخضراوات.
إرجاسيلوس
:
إذن، فافتح مصحة (مستشفى). (يستدير لينصرف) هل من شيء آخر يمكنني
أن أفعله لك؟
هيجيو
:
تعالَ في الموسم.
إرجاسيلوس
(مبتهجًا)
:
هذا الاقتراح سطحي (يخرج).
هيجيو
(يتنفس الصُّعَداء وهو ينظر إلى
ظهر ضيفه المنتظر)
:
يجب أن أدخل الآن، وأعمل حساب كل جزء من رصيد البنك،
وأرى مقدار انخفاضه. وبعد ذلك أذهب إلى بيت أخي الذي
نويت الذَّهاب إليه من قبل.
(يخرج هيجيو ويدخل البيت.)
١
يشير بهذا إلى أنه لم يدخر المال الذي يشتري
به حريته.
٢
أعتذر هنا عن عدم توخي الحقيقة في العصور وإفسادي
الأجواء، وأنا أبذل جهدي في الاحتفاظ بالنص
الأصلي.